لما أتت الساعة ثبت يسوع وجهه للذهاب إلى أورشليم ( لو 9: 51) عندما قال "لا يمكن أن يهلك نبي خارج أورشليم" (لو 13: 33)، ومن الواضح أن يسوع قصد أن يكون وصوله إلى أورشليم متزامنًا مع موسم عيد الفصح، ولا شك انه كان يعلم أن المعارضة المتزايدة له ستبلغ قمتها في العاصمة اليهودية، ويؤكد كل من البشيرين مرقس ولوقا الخطر الذي توقعه يسوع وتلاميذه نتيجة ذهابه إلى أورشليم (مر 10: 32، لو 9: 51) وقد بدأ الأسبوع الأخير بيوم الأحد حيث كان دخوله الظافر إلى أورشليم (مر 11: 1-11) والطريق من أريحا إلى أورشليم يرتفع 400 مترًا بمنحدر طويل أحيانًا وشديد الانحدار أخرى ويبلغ حوالي 27 كيلو مترًا وعلى هذا الطريق كان حديث يسوع عن السامري الصالح ( لو 10: 30 )، وقد اقترب إلى أورشليم، وكان دخوله عن طريق بيت فاجي (مت 21: 1) وهى ضاحية تقع على المنحدر الجنوبي لجبل الزيتون، وكانت الألوف المحتشدة تردد: أوصنا لابن داود... أوصنا في الأعالي...
مبارك الآتي باسم الرب... بينما هم يتقدمون الموكب الملكي، فالملك آتيا إلى مملكته، وريث داود (مت 1: 1) وكان وقت الربيع ويذكر المؤرخ اليهودي يوسيفوس انه تجمعت في أورشليم في ذلك الوقت حوالي مليونان ونصف من اليهود، وكانت تلك الجماهير من اليهود آتيه من كل حدب وصوب من الأماكن القريبة والبعيدة في أنحاء الإقليم تتجه إلى أورشليم مدينة الملك داود، لتقدم ما أمرت به الشريعة، فقد كان لزامًا على كل يهودي أن يحضر إلى أورشليم للاحتفال بعيد الفصح، أعظم أعياد اليهود، وفيه تذكار خلاصهم (خر 12).. " وفي الطريق إلى أورشليم تجمعت الألوف حول موكب الملك الآتي إلى المدينة المقدسة، وفي نفوس متأججة بالحماس كان الذين تقدموا والذين تبعوا يصرخون قائلين "أوصنا. مبارك الآتي باسم الرب. مباركة مملكة أبينا داود الآتية باسم الرب. أوصنا في الأعالي" (مر 11: 9، 10) وهى تسبحة داود النبي (مز 17: 23 – 27) عن المسيا الآتي إلى ملكته وقد تزاحمت الجموع وهى تحف بموكب المسيح فانضم إليهم الجليلين الآتين إلى العيد وهم يعرفونه جيد فكثيرًا ما رأوه يسير في مدنهم وقراهم يشفى المرض ويعلم، وتزايد الزحام بصورة كبيرة حتى تحول الميل الأخير من المسيرة إلى موكب ضخم، وفي نهاية الرحلة كانت الجموع الغفيرة تحيط به وهم يفرشون الثياب وأغصان الشجر أمامه إذ كان الحجاج قد دخلوا المدينة قبل مجيئه إليها بوقت قليل، وقد استقبلوه كمسيا المنتظر (يو 12 : 12، زك 9: 9) ومع أن السيد المسيح يعلم ماذا ينتظره فاليهود يريدون أن يقتلوه وقد تزايد حق رؤساء الكهنة عليه ومع ذلك لم يدخل أورشليم متخفيا لكنه دخل في موكبه ظاهرا للجميع ليظهر انه بإرادته جاء ليواجه صليبه الذي من أجله جاء إلى العالم. حينما اقترب من أورشليم تنبأ بخرابها (لو 13: 34، 35، 19، 19: 41) وبكى عليها وهو يرثيها "يا أورشليم يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المراسلين إليها كم مرة أردت أن أجمع أولادك.." (مت 23: 27، 28) " انك لو علمت أنت أيضًا حتى في يومك هذا ما هو لسلامك" (لو 19: 41) " ولكن الآن قد أخفى عن عينيك فإنه ستأتي أيام يحيط بك أعداؤك بمترسة ويحدقون بك ويحاصرونك من كل جهة وبهدمونك وبنيك فيك ولا يتركون فيك حجرًا على حجر لأنك لم تعرفي زمان افتقادك" (لو 19: 41 – 44) فمدينة لم تلتفت إليه ورؤساءها حنقوا عليه والآن تحققت نبوة حزقيال النبي " فالكاروبيم رفعت أجنحتها والبكرات معها وفارق مجد الرب المدينة ووقف على جبل الزيتون" (خر 11: 33)، لذا بكى عليها في دخوله " فقد جاء إلى خاصته وخاصته لم تقبله" (يو 1: 11) وكان دخول السيد إلى أورشليم في موكب ظافر بين أصوات الهتاف حوله حتى أنها وصلت إلى الملايين المتواجدين بالمدينة للاحتفال بعيد الفصح بل وصلت إلى آذان قيافا وحنان رؤساء الكهنة في الهيكل وأن المدينة ارتجت كلها قائلة من هذا، "فقالت الجموع هذا يسوع النبي الذي من ناصره الجيل" (مت 21: 10) وبعد أن عبر وادي قدرون دخل أورشليم في هذا الموكب واتجه مباشرة إلى الهيكل (مر 11: 11) وهناك عبر له التلاميذ عن دهشتهم للحجارة العظيمة التي كانت مازالت باقية من بقايا أساس أسوار الهيكل، ولأن الوقت قد أمسى خرج يسوع إلى بيت عنيا من اثنتي عشر ليفض الليل فيها فلم يكن من السهل إيجاد مكان للمبيت في أورشليم في أيام العيد هذه لذلك كان السيد المسيح له المجد يخرج ليبيت خارج المدينة في جبل الزيتون ثم يعود في الصباح إلى الهيكل يعلم. المسيح ملكنا جاء اليوم ليملك في مدينته فوق الصليب الذي أعدته له أمته بل أعد له من السماء لأن من أجل السرور الموضوع أمامه.. سر أن يستحقه الأب بالحزن. فالصليب من مشيئته وقبله طوعا.. أطاع حتى الموت.. بإرادته ومسرة الرب بيده تنجح. واليوم جاء ليملك فوق تل الجلجثة على خشبة عوض عن العرش الذي يحمله الكاروبيم ملائكته ويمسك في يمينه قصبه عوضا عن صولجان المجد ويقبل إكليل الشوك بدلا من التاج الملكي لهامته المقدسة ، هذه هي ساعة ملكه وهو يراها واضحة في دخوله إلى أورشليم وهى الجموع الغفيرة التي تشق أصواتها عنان السماء وهى تهتف مبارك الملك الآتي باسم الرب، هي نفسها بعد أيام قليلة سوف تصرخ اصلبه.. اصلبه، وهو لم لم ينزعج لذلك فقد جاء لا ليؤسس مملكة أرضية طالبا ولاء هذه الجموع المتقبلة لكنه جاء ليؤسس مملكته الروحية في قلوب الناس وملكه على البشرية فهو لم يرتض يومًا أن يصير ملكًا أرضيا ورفض ذلك إذ قال لهم مملكتي ليست من لا تنقرض (دا 2: 44)جاء ليهدم مملكة الشيطان ويحرر أولاده من عبوديتهم، جاءليهدم بيت القوى وينزع سلاحه (لو 11: 22) لذلك فهو يدخل اليوم ظافرا ليملك في قلوبنا ويفك قيوم عبوديتها ويرفع النير عنا ويطلقنا أحرارًا من الخطية التي استعبدنا لها زمانا طويلًا، لذلك نبتهج اليوم بمجيئه وخلاصه ونخرج لننضم إلى موكبه مع الأطفال باسم والتلاميذ الأطهار ونهتف:
مبارك الآتي الرب.. أوصنا يا ابن داود.. أوصنا في الأعالي.