|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
شفاء خادم قائِد المائة بفضل إيمان القائِد وتواضعه أمام المسيح
الأحد التاسع من السنة: شفاء خادم قائِد المِائة بفضل إيمان القائِد وتواضعِه أمام المسيح (لوقا 7: 1-10) النص الإنجيلي (لوقا 7: 1-10) 1 ولَمَّا أَتَمَّ جَميعَ كَلامِه بِمَسمَعٍ مِنَ الشَّعْب، دَخَلَ كَفَرناحوم. 2 وكانَ لِقائِد المِائة خادِمٌ مَريضٌ قد أَشرَفَ على المَوت، وكانَ عَزيزاً علَيه. 3 فلمَّا سَمِعَ بِيَسوعَ، أَوفَدَ إِلَيه بعضَ أَعيانِ اليَهود يَسأَلُه أَن يَأَتِيَ فيُنقِذَ خادِمَه. 4 ولَمَّا وصَلوا إِلى يَسوعَ، سأَلوه بِإِلحاحٍ قالوا: ((إِنَّهُ يَستَحِقُّ أَن تَمنَحَه ذلك، 5 لِأَنَّه يُحِبُّ أُمَّتَنا، وهوَ الَّذي بَنى لَنا المَجمَع)). 6 فمَضى يَسوعَ معَهم. وما إِن صارَ غَيرَ بَعيدٍ مِنَ البَيت، حتَّى أَرسلَ إِلَيه قائِد المِائة بَعضَ أَصدِقائِه يَقولُ له: ((يا ربّ، لا تُزعِجْ نَفسَكَ، فَإِنِّي لَستُ أَهلاً لِأَن تَدخُلَ تَحتَ سَقْفي، 7 ولِذلِكَ لم أَرَني أَهلاً لِأَن أَجيءَ إِلَيك، ولكِن قُلْ كَلِمَةً يُشْفَ خادِمي. 8 فأَنا مَرؤوسٌ ولي جُندٌ بِإِمرَتي، أَقولُ لهذا: اِذهَبْ! فَيَذهَب، وَلِلآخَر: تَعالَ! فيَأتي، ولِخادِمي: اِفعَلْ هذا! فَيَفعَلُه)). 9 فلَمَّا سَمِعَ يَسوعَ ذلك، أُعجِبَ بِه والتَفَتَ إِلى الجَمعِ الَّذي يَتبَعُه فقال: ((أَقولُ لَكم: لم أَجِدْ مِثلَ هذا الإيمانِ حتَّى في إسرائيل)). 10 ورَجَعَ المُرسَلون إِلى البَيت، فوَجَدوا الخادِمَ قد رُدَّت إِليهِ العافِيَة. مقدمة بعد العظة الكبرى للتلاميذ عاد يَسوعَ إلى كفرناحوم. وهناك استغاثَ به قائِد المِائة من اجل خادمه الذي كان مُشرفا على الموت فنال الشفاء. وفي هذه الرواية لا يركَّز لوقا الإنجيلي على معجزة الشفاء بقدر ما يركز على تواضع وإيمان قائِد المِائة الذي نال الشفاء الروحي. فالإيمان والتواضع هما الطريق الصحيح إلى يَسوعَ المسيح الذي جاء لخلاص لجميع الأمم، لانَّ حبُّه يُحطِّم كل الحواجز التي يبنيها الناس بينهم، ومن هنا تكمن أهمية البحث في وقائع النص الإنجيلي وتطبيقاته. أولاً: تحليل وقائع نص إنجيل لوقا (لوقا 7: 1-10) 1 ولَمَّا أَتَمَّ جَميعَ كَلامِه بِمَسمَعٍ مِنَ الشَّعْب، دَخَلَ كَفَرناحوم. تشير عبارة "بِمَسمَعٍ مِنَ الشَّعْب" إلى كلام يَسوعَ الموجَّه في الأصل إلى تلاميذه (لوقا 6: 20) وتشير أيضا إلى المعجزة التي تمَّت ضمن تعليم يَسوعَ، حيث أنَّ المعجزة تُثبت تعاليمه وتعزز كلامه. أمَّا عبارة " كَفَرناحوم" اسم عبري כְּפַר־נַחוּם (معناه قرية ناحوم) فتشير إلى قرية واقعة على الشاطئ الشمالي الغربي لبحيرة طبرية (متى 4: 13-16)، وتبعد نحو 4 كم إلى الجنوب الغربي من مصب نهر الأردن ونحو 3.2 كم جنوب كورزين وكانت مركزاً للجباية (مرقس 2: 1). ويظهر أنه كان فيها مركز عسكري روماني (لوقا 7: 1 10). انتقل يَسوعَ إليها من مدينة الناصرة في وقت مبكر من خدمته جاعلاً منها مركزاً له حتى أنها دعيت "مدينته" (متى 9: 1)؛ وفيها شفى خادم قائِد المِائة (لوقا 7: 1-10)، وحماة بطرس المحمومة (متى 8: 14-17)، ورجلا فيه روح نجس (لوقا 4: 31-37)، والمُقعد (مرقس 2: 1-13) وابن خادم الملك (يوحنا 4: 46-54) وغيرهم كثيرين من مرضى بأمراض مختلفة (لوقا 4: 23). وفيها القى يَسوعَ َ خطابه المشهور حول خبز الحياة (يوحنا 6: 24-71) بعد إشباع الخمسة آلاف. وكثير من أقوال يَسوعَ، جرت كلها في كفرناحوم (مرقس 9: 33-50). وفيها أيضاً دعا يَسوعَ متى (أو لاوي) إلى الخدمة الرسولية، وكان هذا جالساً هناك عند مكان الجباية (متى 9: 9-13). وبالرغم خدمة يَسوعَ وتعاليمه ومعجزاته في كفرناحوم، لم يؤمن سكانها به، ولهذا تنبأ يَسوعَ بخرابها الكامل (لوقا 10: 15)، وقد تمَّ خرابها (متى 11: 21-23). ولا تزال أطلال القرية ومجمعها ظاهرة للعيان. 2 وكانَ لِقائِد المِائة خادِمٌ مَريضٌ قد أَشرَفَ على المَوت، وكانَ عَزيزاً علَيه. تشير عبارة "قائِد المِائة" في الأصل اليوناني Ἑκατοντάρχου (معناها قائِد المِائة) إلى ضابط على رأس فصيلة مؤلفة من مِائة جندي. وكانت درجة قائِد المِائة بين رتبة ضابط وضابط صف أي بمعنى "باشا جويش" أو معاون، ذو مسؤولية كبرى (لوقا 7: 9)، وهو يمثِّل هنا جماعة الأمم. وقد تحمل الرواية على الاعتقاد أنَّ قائِد المِائة وثني، لا روماني حتماً، حيث كان هيرودس انتيباس يختار جيوشه في جميع المناطق المجاورة (يوحنا 4: 46). أمَّا عبارة "مِائة" فترمز لقطيع المسيح الصغير الذي لو ضلَّ منهم واحد يفتش عليه حتى يُعيده. والمسيح هو قائِد هذا القطيع الـ 100 ورأسه. لم يحفظ شهود العيان اسمه ربما لكي يُمثل جميع الوثنيين. أمَّا عبارة "خادِمٌ مَريضٌ قد أَشرَفَ على المَوت" فتشير إلى خادم مشرفٍ على الموت في حين أن متى الإنجيلي قال الخادم كان مقعدا " خادِم مُلقىً على الفِراشِ مُقعَداً يُعاني أَشَدَّ الآلام " (متى 8: 6).أمَّا عبارة " خادِمٌ " في الأصل اليوناني δοῦλος (معناها عبد) فتشير إلى إنسان ْمَسلوبِ الحُرّية، مُلك قائِد المِائة بحيث يكون صاحب الحق فيه، جسماً وروحاً وتصرفات وإرادة. وكان عمل العبد قاسياً مثل فلح الأرض وطحن الحنطة وإشغال البيت وغسل أرجل أسياده. وجعل بولس الرسول العبد على المستوى الاجتماعي ابن الله بالتَّبني حيث تحدّث عن الله الذي أخذ صورة العبد (فيلبي 2 :7) فخلّص المؤمنين من عبوديّة الخطيئة (رومة 6 :6) مانحاً إياهم نعمة التبنّي (غلاطية 4 :5). أمَّا عبارة "كانَ عَزيزاً علَيه" في الأصل اليوناني ἔντιμος (معنها عزيز، مكرّم) فتشير إلى صفة إنسانية حميدة لدى قائِد المِائة إذ كان قريب من وضع الأهل الذين يُعانون. كان يعدُّ عبده كفردٍ من أفراد عائلته وكان يشاركه آلامه. والواقع أنَّ جميع قادة المِائة الذين ورد ذكرهم في العهد الجديد سُجلت لهم بعض السجايا الحميدة مثل قائِد المِائة الذي رافق يَسوعَ للصلب "وأَمَّا قائِد المِائة والرِّجالُ الَّذينَ كانوا معَهُ يَحرِسونَ يَسوعَ، فإِنَّهم لَمَّا رَأَوا الزِلزالَ وما حَدَث، خافوا خَوفاً شديداً وقالوا: ((كان هذا ابنَ اللهِ حقّاً (متى 27: 54)، كذلك قرنيليوس " كانَ في قَيصَرِيَّةَ رَجُلٌ اسمُه قُرنيلِيوس، قائِد المِائة مِنَ الكَتيبَةِ الَّتي تُدعى الكَتيبَةَ الإِيطالِيَّة. كانَ تَقِيًّا يَخافُ الله هو وجَميعُ أَهلِ بَيتِه، ويَتَصَدَّقُ على الشَّعْبِ صَدَقاتٍ كثيرة، وُيواظِبُ على ذِكْرِ الله"(أعمال الرسل 10: 1-2). 3 فلمَّا سَمِعَ بِيَسوعَ، أَوفَدَ إِلَيه بعضَ أَعيانِ اليَهود يَسأَلُه أَن يَأَتِيَ فيُنقِذَ خادِمَه. تشير عبارة "فلمَّا سَمِعَ بِيَسوعَ" إلى تذكيرنا بواجب كل منا أن نخبر عن يَسوعَ إن لم يكن بالكلام فبالأفعال. أمَّا عبارة "أَعيانِ اليَهود" فتشير إلى شيوخ اليهود كما ورد في النص اليوناني πρεσβύτερος، فيبدو أن علاقة هؤلاء مع المسيح كانت لا تزال حسنة، بخلاف الأمر مع زملائهم في اليهودية. أمَّا عبارة "أَوفَدَ إِلَيه بعضَ أَعيانِ اليَهود" فتشير إلى العلاقة الطيّبة القائمة بين قائِد المِائة الوثني وشيوخ اليهود. وبفضل هذه العلاقة لم يطلب الشفاء بنفسه من يَسوعَ لخادمه كما ورد في إنجيل متى (متى5: 13)، إنَّما عن طريق وفد من أعيان اليهود (لوقا 7: 2-5). وذلك أن قائِد في الجيش كان يوفد يوميا أفرادا وجماعات في مهام مختلفة. ويعلِّل القديس يوحنا الذهبي الفم "ذلك بأن قائِد المِائة في إيمانه بالسيِّد المسيح أراد الانطلاق إليه يسأله شفاء عبده، لكن شيوخ اليهود بدافع الحسد لئلاَّ يُعلن قائِد المِائة إيمانه أمام الجماهير، ذهبوا هم إليه ليأتوا به إلى بيت القائِد تحت مظهر عمل الرحمة، قائلين:لِأَنَّه يُحِبُّ أُمَّتَنا، وهوَ الَّذي بَنى لَنا المَجمَع". وإذ يكتب لوقا الإنجيلي للأمم يوضح لهم فضل اليهود في خلاص الأمم، فالمسيح أتى منهم، وها هم يتوسطون لشفاء الأمم ويتعاطفون معهم. وأراد لوقا الإنجيلي أن يُظهر أن من خلال اليهود صار شفاء الأمم. ومن خلال هذه العلاقات الحسنة بين اليهود والوثنيين أراد لوقا الإنجيلي أن يوجه هذه النداء إلى الكنيسة في نهاية القرن الأول. أمَّا عبارة "يَسأَلُه أَن يَأَتِيَ فيُنقِذَ خادِمَه" فتشير إلى انفتاح قائِد المِائة على يَسوعَ طالبا شفاء خادمه (δοῦλος معناها عبد) رغماً انه كان هناك كثير من العقبات التي تحول بينه وبين يَسوعَ: الكبرياء، الشك، المال، اللغةـ المسافة، الوقت، الاكتفاء الذاتي، القوة، والعِرق. ويُعلق الأسقف باسيليوس السلوقيّ يقول قائِد المِائة "يا ربّ، إنّ خادمي مُمدَّد على الفراش، وعاجز عن الحركة، ويتألّم كثيرًا. حتّى لو كان عبدًا، يبقى ذاك الذي أصابَه المرض إنسانًا. لا تَنظرْ إلى حقارة العبد، بل إلى عظمة الألم"؛ وبِمَ أجابَ الرب يَسوعَ ؟: "سآتي وأشفيه. أنا الذي تجسّدتُ وصِرتُ إنسانًا حبًّا بالإنسان، والذي أتيْتُ من أجل الجميع، لن أحتقرَ أيّ واحد منهم. سأشفيه" (عظة عن قائِد المِائة). 4 ولَمَّا وصَلوا إلى يَسوعَ، سأَلوه بِإِلحاحٍ قالوا: "إِنَّهُ يَستَحِقُّ أَن تَمنَحَه ذلك". تشير عبارة "سأَلوه بِإِلحاحٍ" إلى طلب أعيان اليهود إلى يسوع بإلحاح وإصرار. فتكرار محاولة الطلب عدة مرات يُبيِّن صدق الشخص في عرضه. أما عبارة "إِنَّهُ يَستَحِقُّ أَن تَمنَحَه ذلك" فتشير إلى استحقاق الثقة بقائِد المِائة، والثقة هي التعبير عن الإيمان القوي والراسخ بمصداقيته وحقيقة شخصيته وامتلاكه القوة والقدرة؛ لكن هذه العبارة تكشف هنا أيضا عن علاقة "تجارة" (أعطي تُعطى). بما أنَّ قائِد المِائة صنع مع اليهود حسنا، فطلب أعيان اليهود من يَسوعَ أن يصنع معه حسناً. وهذا الأمر يكشف صورة شيوخ اليهود الذين هدفهم لم يكن شفقةً أو محبةّ للعبد أو محبه حقيقيه للقائِد الروماني، ولكنه بحثا عن المصلحة الشخصية وذلك بكسب هذا الرجل الروماني صاحب السلطة عليهم. 5 لِأَنَّه يُحِبُّ أُمَّتَنا، وهوَ الَّذي بَنى لَنا المَجمَع. تشير عبارة "يُحِبُّ أُمَّتَنا" إلى ميل قائِد المِائة إلى اليهود كما كان قرنيليوس، قائِد المِائة، في قيصرية الذي كان يَتَصَدَّقُ على الشَّعْبِ اليهودي صَدَقاتٍ كثيرة" (أعمال الرسل 10: 2). واظهر قائِد المِائة مودَّته لليهود حيث قام ببناء مجمعٍ لهم. وهذا الأمر على عكس أكثر قادة اليهود الرومانيين الظالمين المحتقرين لليهود. أمَّا عبارة "أُمَّتَنا" فتشير إلى اليهود بتاريخهم ولغتهم، وثقافتهم ودينهم. أمَّا عبارة " هوَ الَّذي بَنى لَنا المَجمَع" فتشير إلى تبرُّع قائِد المِائة من ماله لبناء المجمع في كفرناحوم لأنه أدرك أن لدى اليهود رسالة من الله للبشرية. إن افترضنا حتى في أعيان اليهود حسن النيّة، فإنَّ شفاعتهم للقائِد تكشف عن اهتمامهم بالذات "يحب أُمَّتنا"، وتركيزهم على الأمور المنظورة "بَنى لَنا المَجمَع". أمَّا عبارة " المَجمَع " في اليونانية συναγωγή (معناها بيت كنيس أو "كنش" في السريانيّة معناها مجمع) فتشير إلى الكنيس أو المجمع الذي هو مؤسّسة دينيّة مركزيّة في العالم اليهودي، وهو مكان معدّ للصلاة العلنيّة وسائر النشاطات الدينيّة والجماعيّة. 6 فمَضى يَسوعَ معَهم. وما إِن صارَ غَيرَ بَعيدٍ مِنَ البَيت، حتَّى أَرسلَ إِلَيه قائِد المِائة بَعضَ أَصدِقائِه يَقولُ له: يا ربّ، لا تُزعِجْ نَفسَكَ، فَإِنِّي لَستُ أَهلاً لِأَن تَدخُلَ تَحتَ سَقْفي؟ تشير عبارة "مَضى يَسوعَ معَهم" إلى ذهاب يَسوعَ مع أعيان اليهود إلى بيت قائِد المِائة الوثني بالرغم من صعوبته في دخول بيت وثني كرجل يهودي كما يوكّده بطرس الرسول لدى دخوله بيت قرنيليوس في قيصرية " تَعلَمونَ أَنَّه حَرامٌ على اليَهودِيِّ أَن يُعاشِرَ أَجنَبِيًّا أَو يَدخُلَ مَنزِلَه" (أعمال الرسل 10: 28)؛ لكن يَسوعَ تمكَّن إلغاء شرائع النجاسة بين اليهود والوثنيين. بهذا الأمر أعلن السيد المسيح أنه أتى ليشفي الأمم كما يشفى اليهود، وأن المسيح لا يستنكف من دخول بيوت الخطأة ولا الأمم فهو يُقدِّس ولا يتنجس، هو يدخل ليشفي ويحطم الوثنية ويعطى الشفاء الروحي للنفوس؛ ويُعلق القديس أمبروسيوس "كان انطلاق يَسوعَ نحو بيت قائِد المِائة ليس عن عجزِه عن شفاء العبد من بعيد، وإنما ليُعطيكم مثالًا في التواضع نمتثل به، ويعلِّمكم احترام المساكين كالعظماء". أمَّا عبارة "أَرسلَ إِلَيه قائِد المِائة بَعضَ أَصدِقائِه" فتشير إلى إرسال قائِد المِائة وفد ثان مكوَّن من أصدقائه لينوبوا عنه كي يعبِّروا عن احترامات زميلهم القائِد القلبية وإيمانه بمقدرته من ناحية، ويعبِّروا أيضا عن عدم استحقاقه لاستقبال يَسوعَ أو حتى الاقتراب منه، واقتناعه بان كلمة منه تكفي من ناحية أخرى. أمَّا عبارة " لا تُزعِجْ نَفسَكَ " في الأصل اليوناني μὴ σκύλλου (معناها لا تُجهد نفسك) فتشير إلى طلب القائِد من يَسوعَ ألاَّ يُكلف نفسه مشقة المجيء إلى بيته لاعتبارات كثيرة منها عدم إحراج يَسوعَ في دخول منزل وثني، فاليهودي لا يحق له أن يدخل بيت وثني ويأكل معه كي لا يتنجّس إلى المساء حسب شريعة اليهود. أمَّا عبارة "إِنِّي لَستُ أَهلاً لِأَن تَدخُلَ تَحتَ سَقْفي" فتشير إلى تواضع قائِد المِائة وقبوله بوضعه كوثني لدخول يَسوعَ إلى بيته يُعدُّ شرفٌ لا يستحقه هو. وشهادته على نفسه بعد الاستحقاق خلاف شهادة أعيان اليهود له (لوقا 7: 4). فالغالب أنَّ الذين يصغرون في عيون أنفسهم يكبرون في عيون غيرهم وبالعكس. أمَّا عبارة " سَقْفي " فتشير إلى سقف البيت الذي يحميه من المطر والشمس. وكانت سقوف بعض البيوت مصنوعة من طوب فخاري يتداخل بعضه في بعض حيث يمكن أن يُرفع ويمكن أن يعاد إلى مكانه بسهولة. وهنا السقف يدل إلى بيت قائِد المِائة لان اليهود لا يدخلون تحت سقف الأمم لكيلا يتنجَّسوا. 7 ولِذلِكَ لم أَرَني أَهلاً لِأَن أَجيءَ إِلَيك، ولكِن قُلْ كَلِمَةً يُشْفَ خادِمي تشير عبارة "لم أَرَني أَهلاً لِأَن أَجيءَ إِلَيك" إلى الشعور بعدم الاستحقاق الذاتي الذي هو مقدمة ضرورية لكل من يطلب معونة المسيح وخلاصه. يعرف قائِد المِائة حدوده ويحترمها: هو وثني، لا يحق له أن يلمس يَسوعَ اليهوديّ أو يستقبله. لذلك لم يُردْ إحراج يَسوعَ لكي يأتي إلى بيته، كما تشير العبارة أيضا إلى تواضع قائِد المِائةأمام السيد المسيح. ويعلق القدّيس أوغسطينوس "فبقوله لست أهلاً، أظهر ذاته أهلاً، لا ليدخل المسيحُ بيته فحسب، بل قلبه أيضًا" (العظة 62). أمَّاعبارة " قُلْ كَلِمَةً " فتشير إلى إيمان قائِد المِائة بكلمة يَسوعَ وحتى عن بُعد، إذ لها سلطة على المرض والموت. يعترف قائِد المِائة بإيمانه بقدرة يَسوعَ ووثقته بأنَّ المسيح يستطيع أن يشفي بكلمة منه. وهذا يكشف حقيقة عمق إيمانه بالمسيح أمام الكل. وهنا نتذكر أن الله خلق بكلمة الكون كله. ويَسوعَ سيخلق هذا المريض المشرف على الموت من جديد. آمن القائِد بيَسوعَ قبل أن يجري له يَسوعَ المعجزة. ويُعلق القديس كيرلس الكبير "ترون شيوخ اليهود وهم يتوسَّلون إلى يَسوعَ بأن يزور قائِد المِائة في منزله طبقًا لمشيئة، اعتقادًا منهم أنه لا يمكن شفاء المريض إلا بهذه الوسيلة. فبينما ترون من جهة أخرى رجلًا يجاهر على مرأى ومسمع الناس أن المسيح يمكنه شفاء مريضه من على بعد! لم يطلب قائِد المِائة إلا أن ينطق المسيح بكلمة، فيبرأ غلامه، في حين اعتاد يَسوعَ لدى شفائه الأمراض المختلفة، القيام ببعض الحركات الجسدية مثل اللمس كإبراء الأبرص (متى 8: 3) وشفاء حماة بطرس (متى 15: 8) ومثل وضع الأيدي (مرقس 6: 5). أمَّا عبارة "يُشْفَ خادِمي" في الأصل اليونانيκαὶ ἰαθήτω ὁ παῖς μου(وليشفَ غلامي) فتشير إلى معجزة شفاء خادم قائِدالمِائة الذي يعتبره أبناً له، هي آية من آيات ملكوت السيد المسيح لنيل الخلاص بالسيد يَسوعَ المسيح (أشعيا 35: 5-6). اكتفى القائِد بالإيمان، ودعا لعبده بالشفاء، فكان له ما أراد. آمن بكلمة يَسوعَ وتق به دون أن يشاهد بأمِّ عينه. اكتفى بكلام يَسوعَ فقط. لقد آمن ثم رأى. أمَّا عبارة " خادِمي " في الأصل اليوناني παῖς (معناها غلام) فتشير إلى صيغة تحبب للخادم تُستعمل في اليونانية عن الابن أيضاً، في حين المرات السابقة أطلق عليه اسم (δοῦλος) عبد، لأن في ذلك الزمان كان العبد محتقراً مُهاناً إلى أقصى درجة عند أغلب الأسياد. 8 فأَنا مَرؤوسٌ ولي جُندٌ بِإِمرَتي، أَقولُ لهذا: اِذهَبْ! فَيَذهَب، وَلِلآخَر: تَعالَ! فيَأتي، ولِخادِمي: اِفعَلْ هذا! فَيَفعَلُه تشير عبارة "أَنا مَرؤوسٌ ولي جُندٌ بِإِمرَتي" إلى مقابلة نفسه كقائِد مع السيد المسيح، فهو مرؤوس يطيع رئيسه الإمبراطور، وكذلك يَسوعَ يخضع لأبيه، وكلمته هي كلمة الله. وأمَّا عبارة "ولي جُندٌ بِإِمرَتي" فتشير إلى قائِد المِائة كرئيس تحت يده جنود، كذلك يَسوعَ تخضع له الأمراض فلا تعصي أمرا. فآمن أنَّ يَسوعَ كان له سلطة الله مساندة له، وان كلمته تُطاع فوراً حتى في دائرة المرض والموت. وهكذا خضع القائِد لسلطة يَسوعَ مؤمناً أنَّ حضور يَسوعَ المسيح يستطيع أن يشفي خادمه بكلمة منه.أمَّا عبارة "أقولُ لهذا: اِذهَبْ! فَيَذهَب، وَلِلآخَر: تَعالَ! فيَأتي، ولِخادِمي: اِفعَلْ هذا! فَيَفعَلُه" فتشير إلى قوة كلمة الإنسان الذي يتمتع بسلطة كبيرة فخبرته في السلطة كقائِد عسكري أدَّت به إلى اعتبار سلطان يَسوعَ مشابها لسلطانه. فقائِد المِائة الذي يُشبِّه سلطته مع سلطة يَسوعَ، إنه مثله، إنسان "تحت سلطان". إنَّ كلمة المسيح بحدِّ ذاتها لها سلطة فعالة مثل أمرٍ يصدره قائد مائةٍ إلى جنوده الّذين تحت إمرته. ويُعلق الأسقف باسيليوس السلوقيّ " تعرّفتُ إلى قوّة سلطتِكَ. من خلال سلطتي، تعرّفتُ إلى الذي يتفوّقُ عليّ. أرى معجزات الشفاء التي تنتظر أوامرَكَ. أرسِلْها كلّها لمهاجمة المرض، أرسِلْها كما أرسِلُ الخادم" (عظة عن قائِد المِائة). 9 فلَمَّا سَمِعَ يَسوعَ ذلك، أُعجِبَ بِه والتَفَتَ إلى الجَمعِ الَّذي يَتبَعُه فقال: أَقولُ لَكم: لم أَجِدْ مِثلَ هذا الإيمانِ حتَّى في إسرائيل تشير عبارة "أُعجِبَ بِه" إلى الميَّزة البشرية التي يتمتع بها يَسوعَ حيث انه أُعجب بإيمان قائِد المِائة الذي جعل نفسه بين يديه، وخضع له كما يخضع الجندي لرئيسه وتركه يقول ويفعل، مما جعل إيمان هذا الوثني يتفوق على كل إيمان وجده بين اليهود. تعجب يَسوعَ هنا من إيمان هذا القائِد الأممي وتعجب من عدم إيمان اليهود بنى جنسه في الناصرة رغماً انهم يملكون الكتب المقدسة والهيكل (مرقس 6: 6). ولم يُذكر في الإنجيل أن المسيح تعجب سوى مرتين: الأولى تعجب يَسوعَ من إيمان هذا القائِد، والثانية من عدم إيمان أهل الناصرة (مرقس 6: 6). أمَّا عبارة "فقال: أَقولُ لَكم" فتشير إلى مدح المسيح لقائِد المِائة كما مدحه أعيان اليهود لكن لعلة مختلفة، فهم مدحوه لسخائه، وأما يَسوعَ فمدحه لإيمانه. أمَّا عبارة "لم أَجِدْ مِثلَ هذا الإيمانِ حتَّى في إسرائيل" فتشير إلى مقابلةً بين إيمان قائِد المِائة الوثني القويّ وإيمان اليهود الضعيف. فاليهود كانوا يرون معجزات يَسوعَ الكثيرة، ويسمعون أقواله وتعاليمه السامية، ومع ذلك لم يكن لديهم إيمانٌ على قدْر إيمان هذا القائِد.لذلكمدح السيِّد المسيح قائِد المِائة لا من أجل محبته لليهود لأنه بنى لهم المجمع، بل من أجل ما حمله قلبُه من إيمان خفيٍ مملوء بالتواضع. وهذا الأمر يكشف عن إمكانيّة الحياة في شركة مع الرب، أيًا كان عمل المؤمن أو مركزه. يعلق الأسقف باسيليوس السلوقيّ " ذاك الذي كان غريبًا عن الدعوة، ذاك الذي لم يكن يَنتَمي إلى شعب العهد، ذاك الذي لم يُشاركْ في معجزات موسى، ذاك الذي لم يتعرّفْ إلى شرائعه، ذاك الذي لم يَسمعْ بالنبوءات، سَبَقَ الآخرين بإيمانه" (عظة عن قائِد المِائة). أمَّا عبارة "هذا الإيمانِ" فتشير إلى إيمان قائِد المِائة الذي لا يقتصر على مقدرة يَسوعَ أن يشفي من بعيد، ولا على سلطته بشكل خاص على المرض، بل بالأحرى على استمداد سلطانه من شخص آخر، فكما أن كلمة قائِد المِائة تصدر عن كلمة القيصر، كذلك كلمة يَسوعَ تصدر عن الله نفسه الذي أرسله. كما جاء في المزمور " أَرسَلَ كَلِمَتَه فشَفاهم" (مزمور107: 20). فإيمان قائِد المِائة يقوم على تقبُّل سلطان يَسوعَ دون تحفظ. ومن هنا نلاحظ أن لوقا الإنجيلي يُشدّد على إيمان هذا القائِد، أكثر مما يُشدِّد على معجزة الشفاء. أمَّا عبارة " إسرائيل" من العبرية יִשְׂרָאֵל (معناه يجاهد مع الله أو الله يصارع) فتشير إلى شعب الله المختار، بني إسرائيل (خروج 12: 3)، الذين هم أول من بلغهم إعلان حدث الخلاص. القبول عند اللّه لا يتوقف على الأصل، لقد أعلن يَسوعَ "سَوفَ يَأتي أُناسٌ كَثيرونَ مِنَ المَشرِقِ والمَغرِب، فَيُجالِسونَ إِبراهيمَ وَإِسحقَ ويَعقوب على المائِدةِ في مَلَكوتِ السَّمَوات" (متى 8:11). ويظهر في هذه الآية أنَّ قائِد المِائة لم يكن دخيلا، والدخيل هو الشخص الذي يدخل الديانة اليهودية من بين الوثنيين، لانَّ الدخلاء كانوا يحسبون شركاء اليهود في الإيمان والحقوق. هكذا إذًا يمتدح الربّ إيمان قائِد المِائة المقرون بالتواضع. ونحن أيضًا، كبشرٍ، لا يُمكننا أبدًا تقييم إيمان البشر الآخرين. إنّ يَسوعَ ذاك الذي يرى أعماق القلوب، والذي لا يُضلّه أحدٌ، شهِد عمّا كان قلب ذاك الرجل، سامعًا كلمته المليئة بالتواضع ومانحًا إيّاه بالمقابل كلمةً تشفي. 10 ورَجَعَ المُرسَلون إلى البَيت، فوَجَدوا الخادِمَ قد رُدَّت إِليهِ العافِيَة تشير عبارة "وَجَدوا الخادِمَ قد رُدَّت إِليهِ العافِيَة" إلى اقتصارها على إنباء أن الخادم قد شُفي. إن تواضع يَسوعَ الذي لم يستنكف من افتقاد عبدٍ (δοῦλος) صغيرٍ لقائِد المِائة مُعبِّرًا عن أعمال رحمته الإلهيّة وعن مشاعر تحنُّنه. صنع يَسوعَ لقائِد المِائة ما طلب من شفاء، لأنه آمن قبل أن يرى. ويُعلق القديس أمبروسيوس "نال العبد الشفاء خلال إيمان القائِد، الذي شفع في العبد لا بالإيمان فقط، وإنما خلال العمل أيضًا ببعث إرساليّة للسيِّد وذهابه بنفسه". إنَّ معجزة يَسوعَ لم تكن خيال أو وهم، فمع أنَّ خادم القائِد كان على بعد، فقد شُفي بمجرد أن نطق يَسوعَ بالكلمة. فلم تكن المسافات تشكل مشكلة، لان المسيح له سيادة وسلطان على المكان والمسافات، فلن تباعد المسافة بينه وبين يَسوعَ بحيث لا يقدر على معونته. فما دُمنا على هذه الأرض فرحمة الله قريبة منا فتشفينا روحا وجسداً، ولكن بعد الموت تتوقف الرحمة ويبدأ عدل الله كما قال أبونا إبراهيم "بَيننا وبَينَكم أُقيمَت هُوَّةٌ عَميقة، لِكَيلا يَستَطيعَ الَّذينَ يُريدونَ الاجتِيازَ مِن هُنا إِلَيكُم أَن يَفعَلوا ولِكَيلا يُعبَرَ مِن هُناك إِلَينا" (لوقا 16: 26). هل نشعر بعدم استحقاقنا للحصول على شفاء الجسد والنفس والروح؟ وباختصار، إن هذا الحدث هو بداية دخول الوثنيين في الكنيسة. فكم يسرُّنا اليوم، ونحن نعيش في عالم تمزٌّقه الخلافات العرقية والدينية، أن ندرك اتساع آفاق يَسوعَ وانفتاحه على الجميع بعكس مواقف عصره التي كانت تميل إلى الانغلاق والإقصاء. ثانياً: تطبيقات النص الإنجيلي (لوقا 7: 1-10) بعد دراسة وقائع النص الإنجيلي وتحليله (لوقا 7: 1-10) نستنتج انه يتمحور حول شخصية قائِد المِائة الإنسانية والروحية. ومن هنا نبحث في نقطتين: شخصية قائِد المِائة على الصعيد البشري والروحي. 1) على الصعيد البشري: قائِد المِائة قائِد وإنسان (لوقا 7: 1-5) ا) قائِد: يتمتع القائِد بصفات معينة؛ لا بدَّ أن تتوفر فيه حتى يمكننا إطلاق كلمة قائِد عليه، ومن أهم هذه الصفات: الثقة بالنفس والقدرة على اتخاذ القرار وتحمل مسؤولية ذلك، إضافة إلى تميُّزه بالرؤية البعيدة والأفق الواسع ورحابة الصدر، وهذه كلها صفات تمتع بها قائِد المِائة فساعدت على الاقتراب من يَسوعَ والإيمان به ومن شيوخ اليهود ويحيطه الأصدقاء ويكون قريب خادمه المريض. وهو يعرف قدراته وقدرات الآخرين: عرف هذا الإنسان نفسه على حقيقتها وعرف الله في حقيقته. عرف أن الله قادر أن يعمل ما يريد، وأنه يفعل العجائب بكلمة فقط. تعرف قائد المائة إلى قوة سلطة يسوع من خلال سلطته كقائد، إذ قال ليسوع: "فأَنا مَرؤوسٌ ولي جُندٌ بِإِمرَتي، أَقولُ لهذا: اِذهَبْ! فَيَذهَب، وَلِلآخَر: تَعالَ! فيَأتي، ولِخادِمي: اِفعَلْ هذا! فَيَفعَلُه" (لوقا 7: 8). وكقائِد يمتلك مهارة كسب الآخرين؛ اهتم قائِد المِائة بخادمه المريض، وبشيوخ اليهود وبيَسوعَ المسيح. الكل يُحبُّه مثلما هو يُحبّهم، ويُحبُّ الخير للجميع: طلب الشفاء لخادمه، وبنى مجمعا لليهود، وطلب ألاَّ يكلّف يَسوعَ نفسه مشقة المجيء إليه، ويقدِّر الجميع ويحترمهم. ويثق قائد المائة في قدراته ويُدرك تماماً قيمة العمل الجماعي أو العمل بروح الفريق الواحد فطلب أولا مساعدة شيوخ اليهود للتوسط مع يَسوعَ كما أوفد ثانيا أصدقائه عند يَسوعَ. ب) إنسان لم يكن قائِد المِائة يتمتع بصفات القائِد بل أيضا بالإنسانية. لقد كان إنسانا، يتمتع بشعور إنساني رقيق. فأظهر هذا الشعور تجاه خادمه وشيوخ اليهود وأصدقائه والسيد المسيح. أمَّا في اتجاه يَسوعَ فهو يعرف حدوده ويحترمها: هو يوناني، ليس عليه أن يلمس يسوع اليهودي أو يستقبله، لذلك لم يدعُه إلى بيته تجنباً لإحراجه وخوفاً من أن يُسبب له نجاسة طقسية. فقائِد المِائة يعرف جيدا الشريعة السائدة في ذلك الوقت التي تُحرم على كل يهودي دخول بيوت الوثنية تحت طائل اقتراف نجاسة طقسية (أعمال 11: 3). فيما يتعلق بخادمه، فقد "كانَ عَزيزاً علَيه". يعرف أن يقدِّر خادمه ويحترمه، فأهتم بأحواله وأشفق عليه. فأحبّه وخدمه، ولم يخجل من طلب مساعدة لأجله. لم ينظر إلى حقارة الخادم، بل إلى عظمة الألم في الإنسان المريض. وهذا الأمر مخالف لطبيعة الرؤساء الرومان القاسية جدا الذين يتعاملون مع العبيد بقسوة شديده حتى انهم كانوا يعتبرونهم أقرب للحيوانات. أمَّا قائِد المِائة فلم يأت إلى يَسوعَ ليطلب لنفسه، ولكن من أجل غيره. هو وسيط وشفيع. فأرسل وفد من الشيوخ اليهود كي يطلب الشفاء له من السيد المسيح. وهذا الأمر يوضِّح طبيعة قلب هذا الإنسان الذي أصبح نموذجٌ حيّ لجميع الأسياد وأصحاب السلطة في كيفية معاملة خدَّامهم بشرٌ على مثالهم، لهم حقوقهم وكرامتهم ومقامهم في المجتمع. أمَّا فما يتعلق بشيوخ اليهود فقد تمكن قائِد المِائة بفضل مواقفه الإنسانية المنفتحة أن يحوّله أعداءه إلى أصدقاء بمحبته وسخائه وذلك عن طريق تبرعه لبناء لهم مجمعاً للصلاة في كفرناحوم، كما صرّح شيوخ اليهود "يُحِبُّ أُمَّتَنا، وهوَ الَّذي بَنى لَنا المَجمَع" (لوقا 7: 5). أمّا فيما يتعلق بأصدقائه فقد استنجد قائد المائة ببعض أصدقائه ليساعدوه في طلب الشفاء لخادمه لوقا 7: 6). تعتبر الصداقة مهمة جداً في حياة الإنسان، حيث يحتاج كل شخص إلى صديق يقف إلى جانبه ويدعمه في كافة مجالات حياته، فلا يستطيع الإنسان العيش بمفرده دون صديق. إنّ وجود الأصدقاء يحدّ من شعور الإنسان بالوحدة، حيث يتشارك الأصدقاء تجاربهم سوياً، ويعيشون بعض المواقف الخاصّة بحياة بعضهم البعض، كما يمتلكون غالباً وجهات نظر، ومبادئ، ومعتقدات وتقاليد مشتركة، ويُشاركون بعضهم المناسبات بنوعيها الحزين والسعيد، وهم أكثر قدرةً على التعامل مع أحزانهم، كما أنّ أهمّ أشكال الدعم ببساطة هي الحضور والتواجد عند الحاجة والاستماع والتفهّم والتعاطف وتقديم التشجيع والمساعدة في الأفراح والأتراح. 2)على الصعيد الروحي: قائِد المِائة مؤمن ومتواضع (لوقا 7: 5-10) أ) مؤمن قائد المائة لم يرى يسوع، لكنه سمع عنه وآمن به. ذهب قائِد المِائة إلى يَسوعَ بإنسانيته وقلبه الواسع واستقامته، ولجأ ليَسوعَ ليس باعتباره تعويذة سحرية، ولكن لأنه سمع عن يسوع وآمن به وبقدراته العجيبة وتعرَّف إلى قوة سلطة المسيح من خلال سلطته، تعرف إلى الذي يتفوق عليه، فآمن بسلطة يَسوعَ انطلاقًا من اختباره لسلطته الخاصّة آمن بان يَسوعَ المسيح مرسلٌ من الله وآمن بكلمته، واعترف به مُخلصا وشافياً. وإذ كان يسوع غير بعيد عن البيت حتَّى أَرسلَ إِلَيه قائِد المِائة بَعضَ أَصدِقائِه يَقولُ له: يا ربّ، لا تُزعِجْ نَفسَكَ، فَإِنِّي لَستُ أَهلاً لِأَن تَدخُلَ تَحتَ سَقْفي؟ (لوقا 7: 6) في الترجمة اليونانية "يا ربّ" تعني الألوهية. وفي هذا الصدد يقول بولس الرسول " بِغَيرِ الإِيمانِ يَستَحيلُ نَيلُ رضا الله، لأَنَّه يَجِبُ على الَّذي يَتَقَرَّبُ إلى اللهِ أَن يُؤمِنَ بِأَنَّه مَوجود وأَنَّه يُجازي الَّذينَ يَبتَغونَه" (عبرانيين 11: 6). الإيمان هو الشرط الأساسي لعمل يَسوعَ في حياته. يقوم إيمان قائِد المِائة على تقبل سلطان يَسوعَ بدون تحفظ؛ لا يكفي الإيمان المقتصر على المطالبة بالمعجزات، بل الإيمان بيَسوعَ وبكلامه دون تحفظ يؤدي إلى الحياة. ولا يقتصر إيمان قائِد المِائة على إيمانه بان يَسوعَ يستطيع أن يشفي من بعيد، ولا أن على سلطان يَسوعَ على المرض (متى 8: 2) بل بالأحرى على قلبه الذي يحدثه بان يَسوعَ يستمد سلطانه من شخص آخر. فكما أنَّ كلمة قائِد المِائة تصدر عن كلمة قيصر، كذلك يَسوعَ تصدر كلمته عن الله نفسه. والإيمان هو قبول يَسوعَ "كلمة الله بالذات". عبّر قائِد المِائة عن سرٍّ الإيمان، بسر كلمة المسيح الخلاَّقة والمُجدّدة بقوله " قُلْ كَلِمَةً يُشْفَ خادِمي" كما يؤكّده صاحب المزامير "إِنَّه قالَ فكان وأَمَرَ فوجِد" (مزمور 33: 9). وان قبول كلمة الله معناه هجر الأصنام والاتجاه نحو الله الحي الحقيقي (تسالونيقي 1: 8-10). الأصنام الوثنية ليست بشيء (اشعيا44: 9-20)، لأنه وجد في المسيح، مجد الله (2 قورنتس 4: 6). لمَّا وجد قائِد المِائة يَسوعَ، وجد فيه الإنسان القادر على كل شيء والعالم بكل شيء والكلي الخير والصلاح، فوجّه طاعة الإيمان نحو يَسوعَ الذي أتى ليأخذ صورة الإنسان (رومة 1: 5-13)، وآمن بالذي أرسله الله (يوحنا 6: 29)، وأعلن أنَّ المسيح يَسوعَ الإنسان (1 طيموتاوس 2: 5) وسيط بين الله والناس. وبكلمة أخرى، لم يقرّ بإيمانه بقدرة المسيح فقط، بل وبعظمة شخصه أيضًا، فطلب إليه أن يقول كلمة واحدة، متأكداً أنَّها تكفي لشفاء خادمه. أقر بإيمانه بأن الرب ذو سلطان مطلق وقادر أن يصدر أوامره فيطيعه كل شيء." فآمَنَ بِالرَّبّ، فحَسَبَ لَه ذلك بِرّاً" (تكوين 15: 6). كان هناك كثير من العقبات تحوِّل بين قائِد المِائة ويَسوعَ: الكبرياء، الشك، المال، اللغة، المسافة، الوقت، الاكتفاء الذاتي، القوة، وغيرها من المحاذير العرقية والدينية... لكنه لم يسمح لشيء من هذه الحواجز أن تمنعه من الإيمان بيَسوعَ وطلب الشفاء لخادمه المُشرف على الموت. ومن هذا المنطلق، نرى أن الإيمان عرض وجواب. فقائِد المِائة أوفد إلى يَسوعَ، وعرض عليه مرض خادمه، دون قيد أو شرط. وقد أجاب يَسوعَ على عرض قائِد المِائة، وأسرع فشفى خادمه. آمن قائِد المِائة بيَسوعَ قبل أن يُجري له يَسوعَ المعجزة. آمن أن يَسوعَ هو صاحب كلمة، ولا يفرق بين يَسوعَ وكلمته شيء لا وقت، ولا بُعد، ولا مستحيل. فكلمته الذي يقولها عن بُعد والتي يؤمن بها القائِد كفيلة أن تُحطِّم القيود وان تصنع المعجزات. ومن هذا المنطلق، فإنَّ المعجزة هي علامة خلاص يعرضه الله على يد ابنه يَسوعَ المسيح. بالإيمان خلَّص قائِد المِائة خادمه، وخلَّص بخادمه أمَّة الوثنيين، وعلم الجميع طريق الإيمان الصحيح بيَسوعَ المسيح. فكانت هذه المعجزة علامة لكل الناس، وليست مجرد معجزة ومعروف وخدمة لقائِد المِائة. فالمعجزات ليس وقف على الشعب اليهودي من دون الوثنيين. وبالواقع، يرى لوقا الإنجيلي في إيمان قائِد المِائة تمهيداً لدخول الوثنيين في الكنيسة. رأى يسوع إيمانًا حقيقيًّا فأعلن أنَّ إيمان قائِد المِائة الوثني فاق كثيرا كل إيمان وجده بين اليهود؛ إذ وجد يَسوعَ ذاك الذي كان غريبا عن الدعوة، ذاك الذي لم يكن ينتمي إلى شعب العهد، ذاك الذي لم يشارك في معجزات موسى، ذاك الذي لم يتعرف إلى شرائعه، ذاك الذي لم يسمع بالنبوءات، سبق الآخرين بإيمانه. امتدح يَسوعَ بكلمات حرص لوقا الإنجيلي على تسجيلها في إنجيله الذي كتبه إلى المسيحيين من أصل وثني "لم أَجِدْ مِثلَ هذا الإيمانِ حتَّى في إسرائيل" (لوقا 7: 9). وبيّن يَسوعَ اهتمامه بان من يطلب منه الشفاء يتوجب عليه أن يكون مؤمناً. ولا يكفي الإيمان المقتصر على المطالبة بالمعجزات، بل الإيمان بدون تحفظ بيَسوعَ وبكلامه؛ وهذا الإيمان يؤدي إلى الحياة. وبالعكس يَسوعَ يوبّخ الإيمان الذي يؤسس فقط على الآيات والعجائب "إِذا لم تَرَوا الآياتِ والأَعاجيبَ لا تُؤمِنون؟" (يوحنا 4: 48). ولذلك تعجَّب يَسوعَ من إيمان قائِد المِائة الوثني في كفرناحوم من ناحية، كما انه تعجب أيضا من عدم إيمان اليهود بنى جنسه في الناصرة من ناحية أخرى (مرقس 6: 6). قد فهم قائِد المِائة أن عمل الشفاء لا يتوقف على اليهود بل يصل إلى العالم الوثني. الإيمان برسالة يَسوعَ وتقبّل لندائه يتيح لكل إنسان الشفاء والخلاص والحياة الحقيقية في المسيح، أمَّا إذ أخذُ الإنسان من يَسوعَ موقفا مغايرا، فيستبعد الإنسان نفسه، لذلك فإن هذا القائِد الوثني أصبح رمزاً ا لدخول الوثنيين إلى الحياة، عكس اليهود الذين لم يؤمنوا (يوحنا 1: 19). يُعد قائِد المِائة من الوثنيين المتعاطفين مع الديانة اليهودية والذي يدعوهم لوقا في أعمال الرسل "خائفي الله" (أعمال الرسل 18: 7) مما يُشكّل إعلاناً عن دخول الأمم للإيمان (متى 10:22-11). وقد سبق وتنبأ أشعيا النبي عن انضمام الأوثان غير اليهود إلى الرب وقبولهم في هيكله على قدم المساواة مع بني إسرائيل كما جاء في نبوءة أشعيا النبي " بَنو الغَريبِ المُنضَمُّونَ إلى الرَّبِّ لِيَخدُموه وُيحِبُّوا آسمَ الرَّبِّ ويَكونوا لَه عَبيداً ... آتي بِهم إلى جَبَلِ قُدْسي وأُفَرِّحُهم في بَيتِ صَلاتي وتَكونُ مُحرَقاتُهم وذَبائِحُهم مَرضِيَّةً على مَذبَحي" (أشعيا 56: 6-7). وبفضل الإيمان المسيحي سرعان ما تزول الفوارق بين اليهود والوثنيين: فالجميع إخوة في المسيح الذي يجمع المؤمنين في جسد واحد هو رأسه "فهُناكَ جَسَدٌ واحِدٌ ورُوحٌ واحِد، كما أَنَّكم دُعيتُم دَعوَةً رَجاؤُها واحِد"(أفسس 2: 4). هل يمكن أن أضع نفسي مكان قائد المائة وأطلب نعمة الإيمان انطلاقًا من واقعي كما هو. كيف لنا أن نبلغ إلى مثل هكذا إيمان؟ كيف لإيماننا أن يصير جاذباً لقدرة الله ونعمته، حتى نسمع، نحن أيضاً، مثل قائد المئة، " لم أَجِدْ مِثلَ هذا الإيمانِ حتَّى في إسرائيل"، (لوقا 7: 9)، " اِذْهَبْ، وَلْيَكُنْ لَكَ بِحَسَبِ ما آمَنتَ"(متى 8: 13). فكان له من المسيحِ على قدْرِ ما آمن. ب) متواضع لم يكشف قائِد المِائة عن إيمانه فقط بل عن تواضعه أيضا، وذلك من خلال كلماته ليَسوعَ "لم أَرَني أَهلاً لِأَن أَجيءَ إِلَيك، ولكِن قُلْ كَلِمَةً يُشْفَ خادِمي" (لوقا 7: 7)، حيث أنَّ التواضع له مكانة كبيرة في عيني يَسوعَ، لانَّ التواضع هو أن يُقرّ الإنسان بعجزه وضعفه وحاجته إلى طبيب يعالجه ويعالج مشاكله. لقد اتخذ قائد المائة موقف العشار المتواضع الذي وقف بعيداً وشعر بعدم الاستحقاق وقال" الَّلهُمَّ ارْحَمْني أَنا الخاطئ!" (لوقا 18: 13). ويعلق القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم "التواضع يجعل الخاطئ بارًّا لأنّه يعترف بحقيقة حياته" (عظات عن القدّيس متّى، العظة 3). والتواضع مناقض للكبرياء، فهو موقف الإنسان الضعيف أمام القدير. اعترف قائِد المِائة انه عبد ضعيف أمام شخص المسيح وسلطته "لم أَرَني أَهلاً لِأَن أَجيءَ إِلَيك" (لوقا 7: 7). وراء هذه العبارة من المحاذير العرقية والدينية، أدرك قائِد المِائة أنَّ ليَسوعَ علاقة خاصة بالله، فرأى ذاته غير مستحق بان يقف في حضرة الألوهية فأرسل أصدقاءه عندما اقترب يَسوعَ من البيت لعبِّروا عن عدم استحقاقه لاستقبال الرب أو حتى الاقتراب منه، بكلمات تنمُّ عن تواضعه "لم أَرَني أَهلاً لِأَن أَجيءَ إِلَيك" (لوقا 7: 7). وهي تعبر عن تواضع عميق. التواضع هو الحقيقة والحقيقة هي التواضع. اقتنع قائِد المِائة بان كلمة من يَسوعَ لها قوة خارقة للشفاء" قُلْ كَلِمَةً يُشْفَ خادِمي" (لوقا 7: 7). وانطلاقا من خبرته الشخصية بالسلطة باعتبار سلطان يَسوعَ مشابها لسلطانه، لم يأتِ قائِد المِائة إلى يَسوعَ لأنه أدرك بانه كما أنَّ تنفيذ أوامره كقائِد لا يتطلب وجوده شخصياً، كذلك فان شفاء خادمه لا يتطلب وجود يَسوعَ بنفسه بل يكفي كلمة منه. فاجترح يَسوعَ معجزة عن بُعد بقوة كلمته مُلبِّياً طلب القائِد الوثني المتواضع والمؤمن بالرغم من أنَّ يَسوعَ كان معتاداً لدى شفائه الأمراض القيام ببعض الحركات الجسدية مثل اللمس (لوقا 22: 51) ووضع اليد (متى 9: 18). بكلمة مختصرة، أعلن قائِد المِائة أمام الناس في كفرناحوم عن تواضعه وإيمانه بالمسيح بعبارة يردِّدها كل مسيحي قبل أن يتناول القربان المقدس: "فَإِنِّي لَستُ أَهلاً لِأَن تَدخُلَ تَحتَ سَقْفي ولكِن قُلْ كَلِمَةً تشفى نفسي". والكنيسة لم تجد أفضل من هذه العبارة كي تتحضر بها لقبول سر الإفخارستيا، وهي أفضل تعبير عن تواضع عميق أمام الحقيقة. انفتح قائِد المِائة بتواضعه لقدرة نعمة المسيح كما جاء في تعليم بولس الرسول "بِنِعمَةِ اللهِ ما أَنا علَيه، ونِعمَتُه عَلَيَّ لم تَذهَبْ سُدً ى" (1 قورنتس 15: 10). ومثل هذه التواضع يُمجّده الله (1 صموئيل 2: 7)، لذلك نجد السيد المسيح امتدح إيمانه قائلا ": لم أَجِدْ مِثلَ هذا الإيمانِ حتَّى في إسرائيل" (لوقا 7: 9). وهذا ما يؤكده صاحب الحكمة يشوع بن سيراخ "إِزْدَد تَواضُعًا لما ازدَدتَ عَظَمَةً فتَنالَ حُظوَةً لَدى الرَّب" (يشوع بن سيراخ 3: 21). وختاما بقي علينا أن نطرح على أنفسنا سؤال لماذا شفى يسوع خادم القائد؟ ختاما: لماذا شفى يسوع خادم القائد؟ قبل يسوع أن يصنع معجزة شفاء خادم قائد المائة لأنه أشفق عليه، إذ هو المسيح المخلص. وفي الواقع، إنَّ شفاء خادم محتقر أدّى إلى متى البشير إلى الاستشهاد بنبوءة أشعيا "لقَد حَمَلَ هو آلاَمَنا وآحتَمَلَ خطايانا" (أشعيا 53: 4). لكن متى الإنجيلي عدَّل نص أشعيا " هوَ الَّذي أَخذَ أَسقامَنا وحَمَلَ أَمراضَنا" أخذ بدل حمل، أمراضنا بدل خطايانا، فكشف لنا في يسوع، لا من تألم بسبب خطايانا، بل من أخذها وخلّصنا، وهذا الخلاص يشمل، بالإيمان، حتى الوثنيين. علاوة على ذلك، قبل يسوع أن يصنع معجزة شفاء خادم قائد المائة لأنه أعجب من إيمان قائد المائة وتواضعه. إذ أرسل قائد المائة وفدين ليسوع من أجل أن يطلب شفاء خادمه: الأول يتألف من أعيان يهود، فيمتدحونه استحقاقاته: " ِنَّهُ يَستَحِقُّ أَن تَمنَحَه ذلك "(لوقا 7: 5) والثاني يتألف من أصدقائه فيكتفون بترديد ما قاله لهم " فَإِنِّي لَستُ أَهلاً لِأَن تَدخُلَ تَحتَ سَقْفي" (لوقا 7: 6). الإيمان والتواضع لهما مكانة كبيرة في عيون يسوع مما أثار إعجاب يسوع لإجراء الشفاء عن بعد. الخلاصة معجزة شـفاء عبد قائِد المِائة في نظر لوقا الإنجيلي هي دعوة موجّهة إلى الإنسان لقبول بحرية الخلاص الذي يقدّمه الله على يد ابنه يَسوعَ المسيح. فعن طريق المعجزة يعبّر يَسوعَ عن قدرة الله وعن رغبته في خلاصنا. فالمعجزة هي عمل من أعمال الله بها يدعو إلى الإيمان بيَسوعَ المخلص. ولذلك فإن العلامة الأولى التي يجب أن ننتظرها من يَسوعَ هي دعوته إيَّانا إلى الإيمان به، والإيمان بيَسوعَ يدعونا إلى الخلاص بالله. لذلك معجزة الشفاء لم تكن الخلاص الحقيقي، بل علامة له. ولكي نكتشف هذه العلامة لا بدَّ من الإيمان الذي يُمكّن الإنسان من الاعتراف بعطية الله بالشفاء التي منحه إياها بواسطة يَسوعَ. فإيمان قائِد المِائة استطاع بفضل المسيح أن يشفي خادمه، وبنفس الوقت هو نفسه حصل على الشفاء الروحي والخلاص. هذا الأيمان يعكس معرفة عميقة لشخص يسوع ولوسع رحمته وشمولية خلاصه للبشر. شفاء خادمه هو ثمرة صلاة قائد المائة المتواضعة والمليئة بالإيمان. وعندما نصلي من اجل حاجة أو مشكلة، يبدو يَسوعَ بعيدا عن أعيننا، ولكن كلماته حاضرة لتخلصنا، هل نؤمن به وبكلامه الذي يحقِّق خلاصنا في الأسرار خاصة في سر القربان الأقدس؟ علينا أن نكون على ثقة بقدرة يَسوعَ المسيح على عمل ما يقوله. فالإيمان هو الحاسة السادسة التي تُمككنا من استقبال الحقائق الإلهية السماوية، والتحرر من جاذبية الأمور المادية والدنيوية ودخول في دائرة الأبدية. ومعجزة شـفاء عبد قائِد المِائة تُعلمنا أيضا كم هو هام اليوم، ونحن نعيش في عالم تمزّقه الخلافات والعرقية والدينية، أن نًدرك اتساع آفاق يَسوعَ وانفتاحه، الذي هدم الحواجز التي تقسم البشر وقاوم مواقف عصره التي كانت تميل إلى الانغلاق. ومعجزة شـفاء عبد قائِد المِائة تعلمنا أخيراً أن يَسوعَ تعجب من إيمان قائِد المِائة، فهل نتعجب من نجاح الآخر وإيمانه؟ أم أحيانا يمنعنا الحسد من الفرح مع الفرحين ويُحرمنا "الأنا" من هذا الإحساس بالآخرين كما أحسَّ قائِد المِائة بخادمه المشرف على الموت. يدعونا يَسوعَ إلى الإيمان به ونفتح قلوبنا له ونتخذه مخلصاً وفادياً ونجدِّد إيماننا به بتواضع خاصة كلما تقدمنا لتناول جسد ودم الرب يَسوعَ المسيح في سر القربان المقدس ونحن نردِّد كلمات قائِد المِائة " يا رب، لستً مستحقا أن تدخل تحت سفقي، ولكن قل كلمة واحدة فتبرا نفسي"! ولنطلب إليه أن يقول "كلمة واحدة " من اجل مرضانا واللاجئين والمُشردين والفقراء والمتألمين وأسرانا وأصدقائنا وأهلنا ورعيتنا وكنيستنا وعالمنا فتجدّد فينا وفيهم الحياة، كما جدّدت الحياة في قائِد المِائة وخادمه. دعاء أيها الآب السماوي، نطلب إليك باسم يَسوعَ، أن تلتفت إلينا وتكون لنا راحما، فنعترف بتواضع وإيمان باننا بشرٌ أمام ابنك المسيح الإله، خاطئين أمام القدوس، ضعفاء أمام القوي، وان كلمته وحدها قادرة على شفائنا روحا وجسدا ونفسا "لقد آمَنَّا بكَ يا رب زدنا إيماناً، وعليكَ أتكلنا يا إلهنا فزدنا اتكالاً، وإننا نحِبُكَ يا رب فزد حبنا اضطراماً. مُردِّدين مع قائِد المِائة "يا رب، لست مستحقا أن تأتي إليَّ ولكن قل كلمة واحدة فتبرا نفسي" آمين. الأب لويس حزبون - فلسطين |
|