الشخصية السوية (4)- الأولويات
القمص داود لمعي راعي كنيسة مارمرقس كليوباترا
١٨ أغسطس ٢٠١٤
فى كثير من الأحيان تكون الأهداف من الحياة واضحة أمام الإنسان.. تشغله السماء ويرجو الملكوت الأبدى فى المقام الأول، ويهتم بعد ذلك بالنمو فى تحقيق الأهداف الجزئية والمرحلية الأخرى على كافة الأصعدة الروحية والشخصية والاجتماعة… لكنه فى بعض الأحيان يعجز عن تنظيم وترتيب تلك الأهداف حسب الأولوية وطبقاً للأهمية…
والشخصية السوية هى التى تهتم أولاً بتنفيذ واتمام الواجبات الأساسية وتنشغل بعد ذلك بتحقيق الأهداف المرجوة بترتيب حكيم دون النظر إلى تحقيق وإشباع أى رغبات أو إحتياجات إنسانية أخرى تخضع للمزاجات والأهوية.
فماذا يجب أن نفعل؟ هذا هو السؤال الذى ينبغى للإنسان أن يطرحه على نفسه أولا ويضعه على رأس تفكيره دائما قبل أى شئ أخر وقبل أن بسأل:”ماذا تريدى أن تفعلى يا نفسى؟”. وينبغى أن يدرك تماماً أن هذا الذى يجب أن يفعله ليس مفروضاً عليه من أحد، بل هو الذى يعرف حتميته وضروريته طبقاً للأهداف التى حددها.. فيقدم على إنجاز الأهم قبل المهم وقبل غير المهم منها والعاجل والملح قبل ذلك الذى لا يستدعى العجلة أو يمكن تأجيله إلى حين..
والأمثلة العملية فى هذا النطاق كثيرة ومتعددة… فمثلاً، إذا إنتقينا أى يوم من الأيام العادية فى حياة الإنسان ونظرنا إلى ترتيب إهتماماته وأولوياته فى ذلك اليوم، سنعرف مقدار سواء شخصيته… فإن كان هذا الإنسان طالباً أو دارساً سنجده منكباً على الإستذكار وتحصيل العلوم لأوقات كثيرة وربما لساعات طويلة تفوق تلك السويعات القليلة التى يخلد فيها إلى الراحة والنوم من أجل التفوق والنجاح… وإن كان موظفاً أو عاملاً أو تاجراً أو طبيباً غالباً ما سنجده مجداً ومثابراً فى عمله معظم ساعات النهار وربما وقت الليل أيضا لإنجاز أعماله بكل أمانة واخلاص من أجل إثبات ذاته وتحقيق طموحاته فى الترقى والتقدم والكسب والثراء… وإن كان خادماً روحياً أميناً سنجده متحمساً وفرحاً ونشيطاً بأداء الواجبات الموكلة إليه من أجل خدمة ربه والكنيسة والناس والمجتمع، وربما يستغرق ذلك منه ساعات طوال دون أن يتعب أو يكل لإنجاز ماإلتزم وتعهد به بصدق أمام إلهه…
كل هذا يبدوا جميلا وطبيعياً ومنطقياً.. أليس كذلك!؟ لكن يمضى ذلك اليوم وتمضى مثله أيام كثيرة ومتشابهة.. وتمر السنون… إلى أن يكتشف الإنسان فجأة أن الوقت قد داهمه وأن الإنشغال بالدراسة أو العمل أو الخدمة، حتى مع النجاح الباهر، قد ألهاه عن أشياء أخرى كانت بالأحرى هى الأجدر لأن تأتى فى المقدمة من حيث ترتيب الأولويات والإهتمامات، فنفاجأ نفسهأخيراً بضياع الهدف..!!
إذاً.. راجع نفسك أنت الآن…
هل للصلاة وجود فى يومك؟
هل تضعها فى مقدمة أولوياتك وتهتم بها فوق أى شئ آخر تريد إنجازه فى ذلك اليوم قبل أن تلهيك الحياة الدنيا؟
هل تلتزم بإتمام قانونك الروحى الذى تعهدت به أمام الله كل يوم ليصل بك فى النهاية إلى باب السماء؟
إنه أمر شديد الأهمية لا يحتمل الضعف أو الكسل أو الإستهتار.. وقد لايستغرق ذلك منك سوى دقائق معدودة لا تؤثر على باقى نشاطاتك والتزاماتك الحياتية الأخرى.. لكنه جدير بأن تبدأ به يومك وتنتهى به قبل نومك وأن تستند إليه طول النهار أثناء عملك..!
فما فائدة التفوق العلمى والنجاح العملى والكسب المادى فى النهاية لو إنك فقدت الهدف الأسمى وإفتقدت السماء والملكوت الأبقى..!!
وإن كان القانون الروحى يأتى فى مقدمة الاهتمامات وعلى رأس الأولويات إلا أن هناك أولويات أخرى تتوالى بعده حسب الترتيب والتنظيم… وتلح هنا الإلتزامات، ومنها أولاً الإلتزامات الأسرية التى يجب الإعتناء بها والإنتباه لأهميتها، لأنه ماذا ينفع وماذا يفيد ذلك الإنسان الذى ينشد النجاح والتفوق والكسب فى العمل فيقضى فيه طوال ساعات الليل والنهار ويفتخر بذلك تاركا زوجته وأولاده وأهل بيته بلا رعاية ولا عناية على الإطلاق حتى ولو لدقائق قليلة يومياً، فتكون النتيجة الحتمية هى ضياع نفسية الزوجة وإنحراف الأولاد وانفصالهم عنه نفسياً وعاطفياً وسقوط بيته سقوطاً مدوياً، لتتركه الأيام يجر أذيال الألم والحسرة والندم…! فماذا جنى إذاً من وراء النجاح فى الأعمال وربح الأموال!!؟
ومن الالتزامات أيضاً هو ما يجب أن يلتزم به الإنسان فى تنفيذ ما تعهد به أمام ربه وأيضا فى أداء الوجبات الموكلة إليه بكل أمانة واخلاص أمام الله والناس… وهذا الالتزام ينطبق على الطالب فى دراسته وعلى المهنى فى مهنته أو وظيفته والحرفى فى حرفته وأيضاً على الخادم الروحى فى مجال خدمته، وكلها أن تأتى بعد القانون الروحى فى الترتيب وقبل الرغبات المزاجية والأهوية الشخصية من حيث الأهمية.
إن الشخصية السوية هى التى تقود حياتها بنفسها وتعرف مسئولياتها كاملة… فمثلا… لو أن هناك طالباً يستعد لدخول الأمتحان الذى تحدد له أن ينعقد بعد أسبوع، فمن الطبيعى والمنطقى أن يتفرغ هذا الطالب لمراجعة دروسه والتركيز فى المذاكرة لأنه يدرك أنه مقبل على أمر عاجل وهام.. لكن أن تجده سارحاً بخياله خلال ذلك الأسبوع ويفكر فى كيفية قضاء الأجازة بعد الإمتحان والتحضير لترتيبات رحلة ترفيهية ستنطلق بعد شهر لاحق- وهو أمر وإن كان مهما فهو ليس عاجلاً- فهذا شخص غير سوى لأن سلوكه يفتقد الإلتزام بواجباته، وتفكيره يفتقر إلى الترتيب السليم والصحيح لأولوياته طبقا لدرجة أهميتها والضرورة الملحة أو توقيت تنفيذها.
ومن الأمثلة والنماذج الأخرى أيضا، عذا الشاب الذى يسهر طويلا أمام شاشة التليفزيون لمشاهدة مسرحية أو فيلم أو برنامج ما، أو يقضى الليل كله فى أحاديث سمر مع أصدقائه فلا يستطيع النهوض مبكراً فى صباح اليوم التالى ويعتذر عن الذهاب إلى عمله أو إلى الكنيسة لحضور القداس الإلهى أو الخدمة… وأيضا ذلك الشاب الذى يحب النوم جداً وينام لساعات طويلة وكثيرة ضائعة تؤثر سلباً على ما وراءه من واجبات والتزامات فى الصلاة أو الخدمة أو الدراسة أو العمل.. هذه نماذج لشخصيات غير سوية، وضعت رغباتها وأهوائها الشخصية- التى هى ليست هامة ولا عاجلة- فى ترتيب خاطئ يستبق ما هو أهم وأجدر بالإهتمام وبسرعة الإنجاز من الواجبات والالتزامات.
ومثال آخر.. لو أراد شخص مجاملة إنسان مريض وطريح الفراش منذ زمن بعيد بالزيارة والسؤال فاعتذر متحججاً بسبب هذه الزيارة- التى هى ليست عاجلة ويمكن تأجيلها- عن أمر هام وعاجل فى الخدمة أو فى العمل.. فهذا شخص غير سوى..
لكن على النقيض، إذا إستدعى كاهن لزيارة وإفتقاد إنسان مريض جداً، فانك تجده يعتذر عن أى إجتماع أو حفل أو زيارة أخرى- حتى لو كانت مهمة- ويذهب لهذا المريض بسرعة لكى يسمع اعترافه ويصلى له ويناوله من الأسرار المقدسة قبل أن يفوت الوقت ويشرف على الموت.. لأن هذا أمر عاجل وملح وأكثر أهمية من أى حفل أو اجتماع آخر مهم..! فهذا نموذج للشخصية السوية… إذا.. فإن الترتيب والتنظيم الصحيح للأولويات حسب درجة الأهمية وطبقاً للظروف أو الضرورات الحتمية هو أهم ما يميز الشخصية السوية…
أخيراً،،
هل هناك أمر هام… مهمل فى برنامجك؟؟
هل هناك أمر غير هامa… يشغل تفكيرك ووقتك؟؟
هل هناك أمور عاجلة تميل الى تأجيلها؟؟
1-عاجل/ هام 2- عاجل/ غير هام 3- هام/ غير عاجل 4-غير عاجل/ غيرهام
هل يغلبك مزاجك فى ترتيب أولوياتك؟