رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
اِقبَل مِنّي حياتي
عيد تقدمة الرب إلى الهيكل بَعد مُضِيّ أَربَعينَ يومًا على احتِفَالِنا بِعيدِ مِيلادِ الرّبِّ الْمَجيد، ها نحن نحتفِلُ اليوم بعيد تَقدمَتِهِ إلى الهيكل، امتِثالًا مِن أَبَويه لِمَا تَقضي به الشّريعة. فَعادةُ تَقدمةِ البِكر للرّب، هي شريعةٌ أَوصى بها الرّبُّ شعبَه عند خروجِهم من أرضِ مِصر، كَما وَرَدَ في سفرِ الخروج (2:13، 11)، كَعَلامَةٍ يَذكرون ويحمدونَ بها الرّبَّ الّذي اِفتَداهُم وَخَلَّصَهم من حُكمِ فِرعون وطُغيانِه، بيدٍ قَويّة وذراعٍ مبسوطة (تثنية الاشتراع 15:5). وَخَرجَ بهم من دارِ العبوديةِ والهلاك، وسار بهم صوبَ أرضِ الحريةِ والنّجاة. أمّا الْمقتدِرُ الغَنيّ فكانَ يُقدِّمُ عَن بِكرِه حَملًا حَوليًّا، وغيرُ الْمقتدرِ الفَقير يُقدِّمُ زَوجي يمام أو فَرخي حَمام (أحبار 6:12-8). وهي تقدِماتٌ تُقرَّبُ تَكفيرًا عن الخطايا، وَطَلبًا للمغفرةِ، وتَطهيرًا من الذّنوب. وَمع أنَّ المسيحَ كانَ بِلا خَطيئة، ولم يعرِف الخطيئةَ يَومًا، إلّا أنَّهُ خَضَعَ لأحكامِ الشّريعةِ وَفَرائِضِها، مُؤكِّدًا على حقيقةِ أَنَّهُ: "لم يَأَتِ لِيُبطِلَ الشّريعةَ أو الأنبياء، بل لِيُكَمّل" (متّى 17:5). فَمَع المسيح تَوَقّفَت كلّ المحرقاتِ والذّبائحِ والتّقدمات، الّتي فَرَضتهَا الشَّريعةُ في حِقبَةٍ من الحِقب، ذلك أنَّ دورَها التَّحضيري والاستِبَاقي لِذبيحةِ المسيح الكُبرى قَد انتهى. لأنَّ ذبيحةَ المسيحِ فوقَ الصّليب، كَانَت الذّبيحةَ الكاملةَ والتّامةَ والْمُتَمِّمَة. فَمَتى جاءَ الكامِل، انتهى دورُ ما كان دونَه في الكمال. فَصارَ هو الذّبيحةُ والقُربان، وكانَ هو الكاهنُ والمذبحُ، الّذي عَليه قُدِّمَت هذهِ الذّبيحةُ، كَفَّارة عن خطايانا أَجمَعين. تَقول الرّسالةُ إلى أَهلِ غلاطية: "أرسلَ الله ابنَهُ مَولودًا لامرأةٍ، مَولودًا في حُكمِ الشّريعة، لِيَفتدي الّذين هُم في حُكمِ الشّريعة" (غلاطية 4:4-5). نَعَم يا أحبّة، كَانَ بِإمكانِ الله أن يُخلِّصَنا دُونَ اتّخاذِه جَسَدًا كَجَسَدنا، وَطَبيعةً بَشريّةً كَطَبيعتِنا. وَدُونَ قُبولِه مَعموديةَ توبةٍ نادى بها يوحنّا. وَدونَ احتِمَالِه لِلآلامِ والعَذابات، ودونَ قبولِه الْموتَ كَموتِنا. وَمع ذلك، قَبِلَ كلمةُ الله الأزلي يسوعُ المسيح، أَن يَتّخذَ كلَّ هَذِه، لا تَوبَةً مِنهُ وَلا تَكفيرًا، بِقَدرِ مَا أَراد أن يُشارِكنا في طَبيعتِنا الإنسانيّةِ بِأَدقِّ تَفَاصيلِها، ما عدا الخطيئة، وَلِكَي يَكون لَنَا قُدوةً وَمِثالًا! فَحَتّى وَإن كَانَ هو الْمُعلّمُ والرّب، إلّا أنّه: "جَعَلَ لَنا مِن نَفسِه قُدوَةً، لِنصنَع نَحنُ أيضًا مَا صَنَع لَنا" (يوحنّا 15:13). في عيدِ تَقدمةِ الرّب نَرى شَخصيّتَين اثْنَتين، هُما: سمعان الشّيخ وحنّة النّبية. كِلاهُما كان طاعِنًا في السّن، كِلاهُما كان بارًّا وتَقيًّا، كِلاهُما كانَ مُلازِمًا للهيّكل مُتعَبِّدًا، كلاهُما كانَ ينتظرُ الخلاصَ والفَرج. أَلَيسَ هذا هو المعنى الجوهري لِهذا العيد؟! تَقدمِةُ النَّفسِ لله، من خَلالِ عَيش حياةِ فَضيلةٍ وتَقوى وبَرارة، مُنتظرينَ يومَ الرّب، مُتَهيّئين مُستَعِدِّينَ لِقُدومِه واستقباله، على مِثال سمعان وحنّة، من خلالِ حياة الصّلاةِ والعِبادة! المسيحُ وإن كانَ قَد أنهى بِذبيحتِه عَصرَ الذّبائحِ والتّقدماتِ الحيوانيّة، إلّا أنّه لم يوقِف أبدًا تقدمةَ النّفوسِ لله! فالإنسانُ يُقدِّمُ ذاتَه للهِ قربانًا طَيّبًا وذبيحةً طاهِرة، من خلالِ سِيرتِه العَذبة، الّتي يَرضى عَنها الرّب. لِذلك يا أحبّة، تَقدمتُنا لله لَيسَت بِكثرةِ ما نُضيءُ مِنَ الشّموع، ولا بكثرةِ ما نُحرقُ من البخور، ولا هي بِرشّ الْمَاء، بِقَدرِ ما هي انسحاقُ القَلبِ الْمتخشّعِ المتواضع، وَدموعُ التوبةِ وطلبِ النّدامة. في سِفر المزامير، يُنشِدُ داود قائِلًا: "فإنّكَ لا تَهوى الذّبيحة، وإذا قَرّبتُ مُحرَقةً فلا تَرتَضي بِها. إنّما الذّبيحةُ للهِ روحٌ مُنكَسِر! القلبُ الْمُنكَسِرُ الْمنسحق لا تزدَريه يا الله" (مزمور 18:51-19). ثم يقولُ الرّب على لِسان نَبِيّه أشعيا: "ما فائِدَتي مِن كَثرةِ ذبائِحكم؟ لا تَعودوا تَأتوني بِتَقدمةٍ باطِلة... فَاغتَسِلوا وتَطهّروا، وَأَزيلوا شرَّ أعمالِكُم، وكُفوّا عن الإساءَة. تَعلّموا الإحسان والتَمِسوا الحق..." (أشعيا 11:1، 16-17). وأخيرًا يقول الرّب: "لَيسَ مَن يقول لي يا رب، يا رب، يَدخل مَلكوت السّموات، بَل مَن يعملُ بمشيئةِ أَبي الّذي في السّموات" (متّى 21:7). هَذه هي التّقدمةُ الصّحيحة والحقيقيّة الّتي يُريدها الله، وَيَطلبُها مِن كلّ واحد مِنّا. فِعوضًا عن إِحراقِ الشّموع، اِجعل من حياتِك شمعةً واحدة، تُضيؤها تَقواكَ وقداستُك، وتُنيرُها برارتُك وَورعُك، وحُسنُ عبادتِك ونقاوةُ سيرتِك. الأب فارس سرياني - الأردن |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
هَيَّا الآن اِقبَل المسيح |
يا رب، اِقبَل نَدَمي ولا تَترُكني |
أرشِدني إلى ما تُريدهُ مِنّي |
الإله مِنّي الصنم |
شعب مِنّي |