تذكار البارّ سمعان العامودي
ولادتُه ونشأتُهُ
ولد القدّيس سمعان حوالي العام 392 للميلاد في قرية اسمها صيص، بين سوريا وكيليكيا. نشأ في بيت فقير تقيّ، وشبَّ على رعاية الأغنام متابعاً مهنة أبيه.
ترهّبُه
التحق بدير للرّهبنة وهو في سنّ الخامسة عشرة.
فتح في الدير عينيه على أصول الحياة الرّهبانيّة. ويبدو أنّه فاق سواه من الرّهبان في الطّاعة والتّقشّف. لكنّ إقامته فيه لم تدم أكثر من سنتين لأنّ ميله كان شديداً إلى حياة أكثر تقشّفاً
من تلك التي كانت سائدة في أيّامه.
ناسك متوحّد
عاش القدّيس في الدير حياةً نسكيةً قاسيةً جدّاً. فأضطرّ رئيس الدير إلى إبعاده خشية وقوع الرّهبان في تجاربٍ الضّعف والضّجر لما يشاهدوه من صرامة في طريقة تعبّد سمعان لله.
ترك القدّيس الدّير تحت أمر الطّاعة. واستقرّ في ناحية اسمها تيلانيسون غير بعيدة عن مدينة أنطاكية. هناك وجد كوخاً مهجوراً فنسك فيه ثلاث سنوات. وكان يفتقده كاهن اسمه بلاسوس اعتاد زيارة المكان.
من تيلانيسون، انتقل القدّيس سمعان إلى قمّة جبل بنىَ عليها لنفسه قلاية بسيطة جعلها مكشوفة، بلا سقف، وانصرف إلى أصوامه وصلواته غير عابئٍ بتقلّبات الطّقس.
على عامود
توافد النّاس على القدّيس في منسكه فخشي إكرام النّاس له وأن يضيّع تعب كلّ تلك السّنين، روح الصّمت، روح الصّلاة النّقيّة، ففرّ إلى مكان أبعد، في الجبال، واتّخذ لنفسه قاعدة عمود صعد عليها مقيماً مصلّياً. لكنّ الجموع اكتشفت مكانه الجديد فتهافتوا عليه، فأخذ يرفع العمود قليلاً قليلاً. وبارتفاع العمود كان سمعان يرتفع في مراقي النّور الإلهيّ، حتّى بلغ علو ّ العمود ستّة وثلاثين، إلى أربعين ذراعاً.
على العامود قضى أكثر من ثلاثين سنة عابداً، تحدّى خلالها برد الشّتاء القارص وحرّ الصّيف الحارق. اعتاد أن يقضي ليله كلّه وقسماً من نهاره في الصّلاة.
رقادُهُّ
أسلم القدّيس سمعان روحه على العامود في اليوم الأوّل من شهر أيلول من العام 461، أو ربّما من العام 459. وقد بقي ثلاثة أيّام جاثياً على ركبتيه قبل أن يكتشف أحد أنّه رقد. ظنّوه غارقاً في صلاته، فلمّا صعدوا إليه ليسألوه عن سبب صمته وجدوه ميتاً.
وقد صنع الله بواسطة رفاته عجائب كثيرة، فاقت، عدداً، ما صنعه في حياته، كما أنّ رائحة الطّيب بقيت تفوح من عموده مدّة طويلة. جرى نقل جثمانه إلى أنطاكية وأودع كنيسة القدّيس كاسيانوس ومن ثمّ كنيسةً بُنيت خصّيصاً لهُ عُرفت بكنيسة التّوبة.