ربنا باعتلك رسالة ليك أنت
الرسالة دى تحطها فى قلبك طول سنة 2025
يالا اختار رسالتك من الهدايا الموجودة وشوف ربنا هايقولك ايه
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
كتاب القديس كيرلس الأورشليمي - القمص تادرس يعقوب ملطي تقديم: القديس كيرلس والكنيسة الأولى ترسم لنا حياة القديس كيرلس رئيس أساقفة أورشليم ومقالاته صورة حيَّة ناطقة للكنيسة في القرن الرابع، خاصة الكنيسة الشرقية. 1. فبالرغم من قلة ما سجّله لنا المؤرخين الأولون عن حياته لكننا خلال ما وصل إلينا من حياته ومقالاته نستطيع أن نستشف بسهولة واقعية الكنيسة الأولى كما هي، دون أن تمتد إليها يد لإظهارها في غير ما هي عليه. حقًا إن محبة الكثيرين للكنيسة الأولى دفعتهم لاشعوريًا بكل أسف أن يحاولوا إبرازها كما هي مرسومة في مخيلاتهم، كنيسة ذات قيادات معصومة من الخطأ، أتعابها كلها من الخارج. وهم بهذا يشوّهون الكنيسة بغير ما يدرون، لأنهم يؤلِّهون القديسين والمجاهدين ويصورونهم في غير واقعهم. وإنني أجد نفسي لست أهلًا لأنحني مطوبًا آبائي القديسين الأولين في الكنيسة الأولى، فإن سيرتهم حلوة وعذبة، تستريح لها النفس وتشتم من خلالها رائحة المسيح الذكيّة. لكن يجدر بنا ألاّ نؤلّههم ولا نعصمهم من الضعف والخطأ، بل نحبهم ونكرمهم ونقتدي بجهادهم ونصادقهم ونطلب صلواتهم عنّا! إن الكنيسة الأولى أيها العزيز، كما ستلمس بنفسك، كنيسة قويّة حيَّة عاملة عمل عريسها ربنا يسوع الكرازي، تجتذب يهودًا ووثنيين كل يوم إلى الإيمان، دون أن تُحرم من آلام وأتعاب من الخارج وفي الداخل، مملوءة قديسين، وتسلّل إليها أيضًا أُجراء وذئاب! 2. كذلك من خلال مقالات هذا القديس المتسمة بالبساطة مع الصراحة والانفتاح للناس تتلمس المبادئ الأساسية التي تغرسها الكنيسة في نفوس الموعوظين لتبقي أساسًا لهم في حياتهم كل أيام غربتهم. هذه المبادئ يليق بنا أن ندرسها ونحفظها ونرددها ونعيش بها. 3. خلالها أيضًا تتكشف مفاهيم الكنيسة الأولى وفكرها من جهة التوبة والعماد والجهاد والأصوام والصلوات والكرازة والخدمة، في أسلوب بسيط بلا تفلسف ولا تكلف. 4. أفاض القديس كثيرًا في الحديث عن الطقوس في حيويتها ودلالتها، كما تتذوقها الكنيسة الأولى. الرب قادر أن يستخدم هذا العمل لمجد اسمه، وبركة لنا لنعيش بروح آبائنا. آمين. القمص تادرس يعقوب ملطي الإسكندرية في 1970 م. |
07 - 11 - 2022, 03:18 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب القديس كيرلس الأورشليمي - القمص تادرس يعقوب ملطي
حياته البداية نشأ القديس كيرلس في وقت تغلغلت فيه الأفكار الأريوسية(1) واقتنصت بعض الأساقفة الذين انحرفوا عن رسالة الكنيسة والإيمان المستقيم. في وسط هذا الجو العاصف وُلد كيرلس من أبوين تقيين مستقيمي الإيمان(2) فأرضعاه إيّاه. ويمكننا أن نلتمس ذلك من مقالاته حيث يتحدث عن شعوره بالدين تجاه والديه وشوقه إلى رد الجميل لهما(3). هذا وإننا لا نجد في مقالاته التي اتسمت بالصراحة أي تلميح من بعيدٍ أو قريبٍ أنه كان يومًا ما هرطوقيًا أو وثنيًا. أما عن عائلته، فلا نعرف منها أحدًا بالاسم اللهم إلاّ ابن أخته الأنبا جلاسيوس أسقف قيصرية، الذي أشار إليه عند موت أكاسيوس (4) Acacius سنة 366م. ويرجح البعض(5) أنه ولد في أورشليم أو على الأقل نشأ فيها وهو طفل، معلّلين ذلك بسببين: 1. عادة لا يُرسم رئيس أساقفة على أورشليم إلاّ من كان قد نشأ فيها وعرفه شعبها معرفة قويه منذ نشأة حياته. 2. ما أورده بالتفصيل في مقالاته أنه رأى عيانًا الأماكن المقدسة في أورشليم قبل أن تمتد إليها يد الإمبراطور البار قسطنطين والملكة البارة هيلانة سنة 326م لإصلاحها وتزيينها، وهذا يعني أنه رآها وهو أقل من 10 أو 12 سنة. كيرلس الراهب جاء في التقليد أنه راهب ناسك، وربما اعتمد في ذلك على ما ورد في مقالاته من عبارات ينسب فيها نفسه إلى فئة المتوحدين. إلا أننا نعلم أن كثيرين لم تتح لهم فرصة الانطلاق إلى البرية أو التمتع بالشركة في دير، فعاشوا في حياة التوحد داخل المدن في بيوت منعزلة، هكذا التهب قلب كيرلس بالحب الإلهي، فعشق الخلوة مع الله، وكرس كل وقته للعبادة والدراسة. لم يكن يخرج من منزله إلاّ للاشتراك مع المؤمنين في الصلاة مكرسًا نهاره وليله للخلوة مع سيده، حتى قال مختبرًا: [هل يوجد أنفع من الليل ليصير الإنسان حكيمًا؟!] فقد اختبر حياة السهر والجهاد في الصلاة مع القراءة والتأمل ليتعلم الحكمة السمائية(6). كيرلس الكاهن جاء عرضًا في إحدى ملاحظات القديس إيرونيموس (جيروم) أن الأنبا مكاريوس أسقف أورشليم رسمه شماسًا. وغالبًا ما يكون هذا في أواخر حياته على الأرض إذ تنيح حوالي آخر سنة 334م، أو على الأكثر بداية سنة 335م(7). بعد نياحة الأنبا مكاريوس خلفه الأنبا مكسيموس المعترف(8) أسقفًا على أورشليم، وقد أحب كيرلس جدًا ووثق فيه، فرسمه كاهنًا سنة 343م، وأوكل إليه تعليم الموعوظين، وكان ذلك حوالي سنة 347م أو 348م، والتي تكاد أن تكون كل ما وصل إلينا من مؤلفاته. كيرلس رئيس أساقفة أورشليم في أواخر عام 350م سيم أسقفًا على أورشليم، وكان ذلك بمساعدة أكاسيوس أسقف قيصرية بفلسطين وبتروفليس اللذين كانت لهما ميول أريوسية ويبغضان الأنبا مكسيموس(9). إننا لا نعرف ما هو الدافع الذي بعثهما إلى ذلك، إذا كانت رسامته غير واضحة. وقد بدأ عهده بحادث مفرح، وذلك أنه في 7 مايو سنة 351م حوالي التاسعة صباحًا في يوم صحو مشمس، ظهر صليب منير في السماء أكثر لمعانًا من الشمس، تعلق فوق جبل الجلجثة، وامتد إلى جبل الزيتون، وبقي ساعات طويلة حتى رآه جميع سكان أورشليم: المواطنون والغرباء، المسيحيون واليهود والوثنيون، الشيوخ والصغار، فتدفق الكل نحو الكنيسة وكانوا يسبحون الله ويمجدونه، إذ تأكد لكثيرين صحة الديانة المسيحية. ارتجت المدينة كلها لهذا المنظر، وبادر الأنبا كيرلس بكتابة رسالة إلى الإمبراطور يصف له ما حدث. ويُشتم من رسالته أن هذا الأمر كان في بدء أسقفيته. رعايته نستطيع أن نلتمس مدى ما اتسمت به شخصية الراعي كيرلس مما ذكره عنه المؤرخ سوزومين Sozomen. إذ حدثت مجاعة في أورشليم والبلاد المجاورة لها، وقد تكدس الفقراء في البطريركية يتضورون جوعًا، رافعين أنظارهم إلى أسقفهم المملوء حبًا. وإذ كان الراعي يعيش في حياة نسكيّة تقشفيّة لا يملك في بطريركيته شيئًا، لم يجد مفرًا من أن يبيع بعض أواني الكنيسة ويوزعها على أولاده الفقراء. قد يبدو هذا التصرف غريبًا، لكن أمام الحب المتقد في قلب الأب لم يجد سبيلًا آخر غير هذا. وإننا نجد القديس يوحنا الذهبي الفم يطلب الاهتمام بالفقراء قبل الاهتمام بشراء أوانٍ ثمينة لبيت الرب، إذ يقول: [أتريد أن تكرم جسد يسوع؟! لا تتغافل عنه وهو عريان! فلا تكرمه هنا في الكنيسة بثياب ديباج وفي الخارج تضرب عنه صفحًا وهو يموت من البرد والعري. إنه غير محتاج إلى كأس ذهبية بل إلى نفس نقية!] وقع صدام بين كيرلس وأكاسيوس ربما كان سبب رغبة الثاني في خضوع الأول له في آرائه الأريوسية، الأمر الذي جعل كيرلس يقوم بمقاومته علنًا، مفندًا الآراء الأريوسية ومنددًا بها. ولما كان قسطنس يحتضن الأريوسيين، أسرع أكاسيوس بعقد مجمع اتهم فيه كيرلس أنه مبدد لأموال الكنيسة. ولكي يقويّ مركزه أسند الاتهام باتهام لاهوتي مدعيًا أن كيرلس يخلط بين الأقانيم الثلاثة، وبهذا صدر الحكم بتجريده من أسقفيته ونفيه. لم يبالِ كيرلس بهذا، بل قام من جانبه بعقد مجمع يبرئه من الاتهامات الموجهة ضده. لكن أكاسيوس المتقرب من الإمبراطور جاء ومعه شرذمة من الجنود، وطردوا كيرلس، وأقام أسقفًا أريوسيًا عوضًا عنه. نُفي كيرلس إلى أنطاكية، وبعد ذلك إلى طرسوس، فقبله أسقفها سلفانوس كزميلٍ له يشاركه أعمال أسقفيته. لكن للأسف كان هذا الأسقف من أتباع الهومائيين(12) الأمر الذي عرض الأنبا كيرلس للنقد. أسرع أكاسيوس بتحذير سلفانوس ألاّ يشرك كيرلس معه في الخدمة، لكن الثاني لم يبالِ من أجل محبته لكيرلس، ومن ناحية أخرى كان الشعب قد أُعجب بالأسقف الجديد وتعلق به(13). وفي عام 359 م. انعقد بسبب أودكسيوس مجمع في سلوكية بـIsauria غرب أرمينيا. وإذ أثير موضوع نفي الأنبا كيرلس فحدث شقاق حاول البعض إقناعه بالانسحاب(14)، لكن بفضل الهومائيين بقي وانسحب أكاسيوس. وبانسحابه استطاع هو وأتباعه من الالتقاء بعظماء القسطنطينية المتصلين بالقصر الإمبراطوري، وعن طريقهم توصلوا إلى الإمبراطور حيث أثاروا غضبه ضد مجمع سلوكية، مقدّمين شكوى أكاسيوس ضد كيرلس التي تتلخص في اتهامه أنه باع لإحدى الراقصات الثوب المقدس الذي أهداه قسطنطين إلى الأنبا مكاريوس الأورشليمي تكريمًا لكنيسة أورشليم، لكي ما يلبسه أثناء خدمته طقس العماد المقدس، وهو منسوج بالذهب، وقد اُستخدم في المسارح. هذا الاتهام كان بمثابة عينة قُدمت للإمبراطور لإثارته ضد كل أعضاء المجمع. وقد قام رجال البلاط بإقناع الإمبراطور إلاّ يستدعي المجمع كله، بل يكتفي بعشرة من قادته منهم: أوسطاسيوس(15) الأرمني وباسيليوس الغلاطي وسلفانوس الطرسوسي وايليسوس من Cyzicus. نفيه الثاني مع بداية عام 360م انعقد مجمع في القسطنطينية اُتهم فيه كيرلس ودين بسبب مشاركته لأوسطاسيوس الأرمنّي وباسيليوس من أنقرا(16) وجورج من لاودكية(17)، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام المقالات والكتب الأخرى. هؤلاء الثلاثة ليسوا على مبدأ واحد، ولا هم مثقفين في شيء، بل منهم من هو أريوسي المذهب كأكاسيوس لكنه كان يبغضهم لدوافع شخصية، خاصة بعدما قبلوا كيرلس عدوه. هذا وقد شهد التاريخ الكنسي الأول للقديس كيرلس أنه بالرغم من اختلاطه بهؤلاء الأساقفة وغيرهم، إلاّ أنه لم ينحرف قط عن مبادئه ولا في سلوكه، بل بقي أرثوذكسي العقيدة والمسلك. وهذا ما أكده أيضًا مجمع القسطنطينية سنة 381م في إحدى محاضره. نعود لنؤكد أن أكاسيوس لم يستطيع أن يثبت عليه أي اتهام، ولم يكن غايته العقيدة الإيمانية، بل كان كل همه الانتقام منه. انتهى المجمع بالحكم على الأنبا كيرلس بالنفي للمرة الثانية، وإن كنا لا نعلم عن مكان نفيه شيئًا. كيرلس في عهد يوليانوس لم يبقَ كيرلس في النفي أكثر من سنتين، إذ في 3 نوفمبر من سنة 361م مات قنسطنس Constantius وهو يستعد لمحاربة ابن عمه يوليانوس، الذي بعدما تولى الحكم أصدر أمرًا بعودة جميع الأساقفة المنفيين إلى كراسيهم. ويقول المؤرخ سوزومين(18) إنه لم يكن الدافع هو الإشفاق عليهم ولا حبًا فيهم، لكنه كان يلذ له أن يري الكنيسة منقسمة متنازعة في داخلها. عاد كيرلس إلى إيبارشية مارًا على أنطاكية حيث استقبله أسقفها القديس ميليتوس استقبالًا حارًا. وفي سنة 363م قرّب يوليانوس الجاحد جماعة اليهود إليه. لا محبة فيهم بل إثارة للمسيحيين ولإغاظتهم. يذكر لنا المؤرخون أنه أمد اليهود بالمال، وساعدهم مشجعًا إياهم على بناء الهيكل تكذيبًا لقول السيد المسيح بخصوص خراب الهيكل. وفعلًا أُعدت جميع أدوات البناء، وتهيأ العمال للعمل، وكان القديس كيرلس يُطمئن نفوس شعبه أن كلمات ربنا يسوع لن تسقط. ذكر لنا سقراط ثلاث معجزات حدثت في ذلك الوقت(19). أ. حدثت بالليل زلزلة عنيفة جدًا أرعبت العمال اليهود. ب. جاءت نار، أحرقت مواد البناء استمرت من الصباح حتى المساء. ج. في الليلة التالية ظهرت انطباعات لصلبان منيرة على ثيابهم، باطلًا حاولوا التخلص منها. ومع هذا كله، فقلوبهم الغبية المظلمة لم تقدر أن تؤمن! وفي أيام يوليانوس الجاحد أيضًا، يذكر لنا المؤرخ ثيؤدورت قصة ابن كاهن وثني من المقربين إلى البلاط، أخبره الابن بها بنفسه(20)، ملخصها أنه وهو صبي تعلم على يدي شمّاسة صديقة حميمة لأمه. آمن بالمسيحية علي يديها، ولما اكتشف أمره هرّبته إلى الأنبا ميليتوس. وإذ بحث عنه والده ووجده جلده كثيرًا وحرق يديه ورجليه وظهره بمسامير محماة، ثم حبسه في حجرة النوم وذهب إلى معبده... فتمكن الابن من الهروب والالتجاء إلى الشمّاسة التي ألبسته ثوب فتاة وأخذته في عربة مغطاة وأعادته إلى القديس ميليتوس، وهو بدوره أسلمه إلى القديس كيرلس أسقف أورشليم. وبعد موت يوليانوس قاد الابن أباه طريق الحق. أما يوليانوس ففي 26 يونيو من ذات العام (363) الذي حاول فيه بناء هيكل اليهود قُتل في حربه ضد الفرس وهو يقول: "غلبتني أيها الجليلي!" نفيه الثالث بعد يوليانوس خلفه جوفنيان صاحب الإيمان المستقيم، الذي في عهده استراحت الكنيسة. لكنه لم يبقَ سوى 7 شهور، إذ مات في فبراير 364م، وخلفه فالنتنيان الأرثوذكسي المبدأ في شهر مارس. وقد سلم الولايات الشرقية إلى أخيه فالنز معضّد الأريوسية. مضي العامان الأولان دون أن نسمع شيئًا عن الأنبا كيرلس، وفي عام 366م مات أكاسيوس، وعلي أثر ذلك قام خلاف بين كيرلس والأريوسيين بخصوص ترشيح خلف له وانتهى الأمر بنفي كيرلس وذلك بمعاونه الإمبراطور الأريوسي. بقي كيرلس منفيًا أحد عشر عامًا حيث عاد إلى كرسيه ليرى كنيسته متألمة مجروحة من الأريوسيين وأتباع أبوليناريوس(21). ويمكننا أن نتلمس مدى ما وصلت إليه الكنيسة في ذلك الوقت من التقرير المحزن الذي قدمه القديس غريغوريوس النيسي (335-394م) بناء على طلب مجمع أنطاكية المنعقد سنة 378م لافتقاد كنائس فلسطين والعربية. على أي الأحوال عاد الراعي إلى رعيته يتفقدها ويهتم بشئونها. وقد اشترك في مجمع القسطنطينية(22) المنعقد سنة 381م بناء على أمر الإمبراطور ثيؤدوسيوس. وفي عام 388م تنيح القديس كيرلس بعدما قضى 38 عامًا أسقفًا على كرسي أورشليم. |
||||
07 - 11 - 2022, 03:29 PM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب القديس كيرلس الأورشليمي - القمص تادرس يعقوب ملطي
كتاباته أهم أعماله 1. مقالاته لطالبي العماد سجلها الأب كيرلس وهو بعد كاهن عندما أنابه الأنبا مكسيموس المعترف لتعليمهم سنة 347 أو 348م. وتُعتبر هذه المقالات فريدة في نوعها، إذ هي مجموعة كاملة للتعاليم التي تقدمها الكنيسة الأولى للموعوظين طالبي العماد. يعلق Quasten على هذه المقالات، قائلًا: "ألقى أغلبها في كنيسة القبر المقدس، وهي إحدى أعظم الكنوز المسيحية القديمة الثمينة. توجد ملاحظة مدونة في كثير من المخطوطات، وهي أنها مختزلة، مما يعني أن لدينا نسخة سجلها أحد المستمعين، وليست نسخة الأسقف(24)." حقًا لقد سجل لنا القديس يوحنا الذهبي الفم مقالين إلى طالبي العماد(25)، وكان غاية اهتمامه أن يكّرهم في العادات الوثنية الشريرة التي تأصلت فيهم. كما سجل لنا القديسان غريغوريوس النيسي وأغسطينوس(26) أحاديث وإرشادات موجهة إلى معلمي الموعوظين لا إلى الموعوظين أنفسهم. وقد وصلت إلينا مقالات أخرى موجهة إلى الموعوظين، جاءت كمقالات فردية أو بين مجموعة مقالات أو عظات(27). 2. مقالاته عن الأسرار للمعمدين حديثًا وهي خمس مقالات، تُعتبر تكملة للمقالات السابقة، ولها أهمية خاصة، إذ سجلت لنا الكثير من طقوس الكنيسة الخاصة بأسرار المعمودية والميرون والإفخارستيا، ومعانيها في القرن الرابع. 3. رسالة إلى الإمبراطور قنسطنس Constantius بمناسبة الظهور العجيب لصليب ضخم من النور في 7 مايو 351 م، نظروه في أورشليم فوق جبل الجلجثة المقدس ويمتد حتى جبل الزيتون المقدس. لم ينظره شخص أو اثنان، وإنما رأته الجماهير كلها في المدينة بكل وضوح، ليس إلى لحظات، بل إلى عدة ساعات. وكان نوره يغطي على نور الشمس. فجأة اندفعت الجماهير إلى الكنيسة في خوفٍ ممتزج بالفرح، وكانوا يسبحون ربنا يسوع المسيح. (رسالة إلى الإمبراطور قنسطنس، 4) 4. عظة على مفلوج بركة بيت صيدا (يو 5:5). In paralyticum iuxta piscinam iacentem غالبًا ألقاها وهو كاهن، إذ أشار إلى الأسقف التابع له.5. مقتطفات من عظات على معجزة تحويل الماء خمرًا وعلى يو 16: 28. 6. مقال عن حضور المسيح في الهيكل ومقابلته مع سمعان... وينسبها البعض إلى القديس كيرلس السكندري. 7. رسائل ومقتطفات وردت في الطبعة البندكتية. لم يقم الدليل بعد علي صدق نسبتها إليه. أرثوذكسية إيمانه إذ قام أكاكيوس مطران قيصرية بسيامته، وهو أريوسي، اتهمه البعض أنه قدم تنازلات للأريوسية مقابل هذه السيامة. لم يشر القديس إلى الأريوسية أو الأريوسيين بالاسم، كما أشار إلى بعض الهرطقات والهراطقة، لكنه هاجم أفكار الأريوسيين بكل وضوح، نذكر على سبيل المثال العبارات التالية: [عندما تسمع "ابن" لا تحسبه أنه مُتنبى، بل ابنًا بالطبيعة، الابن الوحيد، ليس له أخ. من أجل هذا دعي "الوحيد الجنس"، إذ ليس له أخ من جهة شرف اللاهوت ونسبته للآب. ونحن لا ندعوه "ابن الله" من عندياتنا، بل الآب دعي المسيح (دون غيره) ابنه وما يدعوه الآباء لأبنائهم هو اسم حق.] مقال 11: 2. [مرة أخرى أقول عند سماعك عن الابن لا تفهم هذا في معنى غير لائق بل هو ابن بالحق. أنه ابن بالطبيعة بلا بداية، لم يأتِ من حالة العبودية إلى التبنّي، أي انتقل إلى حالة أعظم، بل هو ابن أبدي مولود بنسب لا يُفحص ولا يدرك. وبنفس الطريقة عند سماعك "البكر" لا تفكر في هذا الأمر بمستوى بشري، لأن البكر في البشر له إخوة آخرون.] مقال 11: 4. |
||||
07 - 11 - 2022, 03:29 PM | رقم المشاركة : ( 4 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب القديس كيرلس الأورشليمي - القمص تادرس يعقوب ملطي
تعليم الموعوظين وطالبي العماد مقدمة ترفع الكنيسة أنظارها إلى عريسها ربنا يسوع لتراه علي الدوام باسطًا يديه ليضم إليه أحباءه كل بني البشر، تراه لا يكف عن مناداة الجميع ليلتقوا معه مهما كلفه الأمر. هذا الموضوع هو سرور عريسها أن يجمع الكل في حضنه، "الأثمة والمتمرّدين، الفجار والخطاة، الدنسين والمستبيحين، قاتلي الآباء وقاتلي الأمهات، قاتلي الناس، الزناة..."(28)، بعدما يقدسهم ويطهرهم ويهيئهم للحياة السمائية الملائكية. هكذا أيضًا تتقدم الكنيسة، كهنتها وشعبها، رجالها ونساؤها، شيوخها وأطفالها، المتزوجون والبتوليون والأرامل. الكل يتقدم بروح عريسهم القدوس ممارسين عملهم، مقدمين له ثمار دمه المسفوك على عود الصليب، نفوسًا عرفته وآمنت به. لم تكن الكنيسة الأولى تعرف السلبية في العبادة، بل تتقدم كنورٍ حقيقيٍ أمام اليهود غير المؤمنين والوثنيين الأشرار، فتشهد لعريسها أمامهم بالحياة المقدسة والسلوك الطيب والقلب المنفتح للخطاة والفم المبارك للمضطهدين والصلاة الدائمة من أجل الكل والحديث عن الحق. هكذا يقول القديس أغسطينوس(29): [ما بين اضطهادات العالم وتعزيات الله تتقدم الكنيسة في سعيها إلى الأمام.] وإنني أترك الحديث عن عمل الكنيسة الكرازي للعودة إليه في مجال آخر(30) مكتفيًا الآن بالقول أنها لا تألو جهدًا عن أن تشرق تلقائيًا بنور المسيح وسط الظلمة فتبددها؛ وتعلن الحق فيموت الباطل، وتشهد للرب لتكسبهم أبناء له، فمتى تقبل إنسان هذا التعليم أو اشتاق إليه يُدعى موعوظًا حتى لحظة عماده فيُسمى ابنًا. ولما كانت مقالات الأنبا كيرلس الموجهة إلى طالبي العماد تُعتبر من أهم أعماله, لهذا رأيت ضرورة التحدث عن تعليم الموعوظين وطالبي العماد وعن طقوس العماد في الكنيسة الأولى(31). أولًا: الموعوظون Catechumens الموعوظ الحقيقي هو من يتقبل التعليم المسيحي لا لمجرد الدراسة العلمية أو الفلسفية أو بغرض آخر سوى التعرف علي الحق وتقبله. حقًا إن كثيرين دخلوا بين صفوف الموعوظين خلسة, منهم من دخل إلى المسيحية معجبًا بها كفلسفة أو من أجل البلاغة، كما أعجب أغسطينوس بعظات القديس أمبروسيوس أسقف ميلان، فكان يحضر لا ليعيش في شركة مع الرب بل لمجرد الدراسة الفلسفية. ومنهم من دخل بنيّة شريرة، أو حبًا للاستطلاع، أو بقصد إرضاء الغير، كأن يريد أحد الوثنيين الزواج بفتاة مسيحية أو تريد فتاة وثنية التزوج بمسيحي(32). هؤلاء يلزم على الراعي أن يفرزهم، فلا يحرمهم من الحضور للوعظ لكن لا يقبلهم في المسيحية ما لم يكن من أجل المسيح المصلوب. ليس هناك طريق آخر لقبولنا دخول أحد إلى المسيحية سوى قبوله الإيمان بالمسيح، وشوقه لحمل الصليب، والدخول من الباب الضيق للعبور إلى الأبدية. فالكنيسة لا تُسر بالعدد لأنها ليست حزبًا منافسًا، ولا تنخدع بالمظهر بل تطلب نفوسًا حيَّة مُحبة تود الاتحاد بالله والتمتع بالميراث الأبدي. والموعوظون في الكنيسة كانوا ينقسمون إلى أربع درجات حسب درجة تجاوبهم مع التعاليم وغيرتهم وشوقهم للشركة مع الله. أما عناصر الموعوظين فثلاث: 1. موعوظون من أصل يهودي: تُقدم لهم دراسات في نبوات العهد القديم وتحقيقها في شخص ربنا يسوع، وتكميل المسيحية للناموس الموسوي. 2. موعوظون من أصل وثني: تُقدم لهم دراسات تتناسب مع ثقافتهم ودراساتهم، فلا عجب إن رأينا معلمين تخصصوا في دراسة الفلسفات الوثنية ليجتذبوا الوثنيين إلى الحق. 3. موعوظون هم أطفال المسيحيين المؤمنين. وقد عُرف عماد الأطفال في الكنيسة الأولى(33) بصورة عامة، تحت مسئولية آبائهم أو أشابينهم وفي عهدتهم(34)، إذ تعرف الكنيسة قيمة نفوسهم، وتدرك أهمية عضويتهم في جسد الرب. يقول العلامة أوريجينوس(35): [تسلَّمت الكنيسة من الرسل تقليد عماد الأطفال أيضًا. فالأطفال يعمدون لمغفرة الخطايا ليُغسلوا من الوسخ الجدي بسرّ المعمودية.] وقد زعم بيلاجيوس (360-430 م.) وأتباعه أن خطيئة آدم أصابته وحده دون أن تسري في أولاده. على هذا يُولد الرضيع بغير الخطية الأصلية، ولا يحتاج إلى عماد لأنه كآدم قبل السقوط. انبرى له القديس أغسطينوس (354-430م) وغيره من الآباء يؤكدون من الكتاب المقدس كيف أنه حبل بنا بالآثام، وتثقّلت البشرية كلها بالخطية الجدِّية (رو 5: 12). وبهذا يحتاج الطفل كما الكبير إلى صليب ربنا يسوع والتمتع بعمل قيامته. كما أصدر مجمع قرطاجنة(36) (418-424م) قانونًا يوجب عماد الأطفال ليتطهروا من الخطية الجدية. قد يعترض البعض قائلين: "لا يدرك الأطفال قيمة نعمة المعمودية، ولا يصونونها"، فيجيب القديس غريغوريوس النزينزي(37) بعد أن وبّخ الذين يحجمون عن التمتع بسرّ العماد بدعوى الحرص والحذر لئلا يسقطوا في الخطية بعد العماد، فيقول لهم: إن هذا الحذر في ذاته يحمل عدم حذر، بل هو خداع شيطاني، به تغلق النفس على ذاتها من أن تتمتع بعمل النعمة الإلهية، والتمتع ببركات المعمودية تحت ستار الخوف والحرص... وأخيرًا يوبّخ المُحجمين عن عماد أطفالهم قائلًا: [هل لديك طفل؟ لا تسمح للخطية أن تجد لها فرصة فيه! ليتقدس في طفولته، وليتكرس بالروح منذ نعومة أظافره! لا تخف على "الختم" بسبب ضعف الطبيعة! أيتها الأم ضعيفة الروح وقليلة الإيمان! لماذا وعدت حنة أن يكون صموئيل للرب من قبل أن تلده (1 صم 1: 10)؟! وبعد ميلاده كرسته له في الحال... ولم تخف قط من الضعف البشري بل وثقت في الله... سلّمي ابنك للثالوث، فإنه حارس عظيم ونبيل!] هذا وقد فرضت الكنيسة تأديبًا على الوالدين إذا أجلا عماد طفلهما فمات دون عمادٍ، قانونه الصوم والصلاة والحرمان من شركة الأسرار المقدسة لمدة عام كامل(38). ومن شدة شوقها واهتمامها بعضوية هؤلاء الأطفال فيها فرضت أيضًا عقوبات مختلفة على الوالدين اللذين يمتنعان عن عماد ابنهما بسب نذر العماد في مكان معين، أو على يد إنسان معين. ومات طفلهما، إذ حرَّمت الكنيسة النذر في أمر المعمودية مطلقًا! ويرى بنجهام(39) أن أطفال المؤمنين إذ ينالون سرّ العماد في الطفولة ينضمون إلى صفوف الموعوظين حالما يستطيعون التعليم. غير أننا نجد في كتابات آباء الكنيسة الأولى، ومنهم القديس كيرلس الأورشليمي -كما سنرى- أن مهمة تعليم أطفال المؤمنين غالبًا ما توكل إلى الآب أو الأم أو شماس أو شماسة. يقول القديس ديونيسيوس الأريوباغي(40): [إن هذا الأمر افتكر فيه معلمونا الإلهيون ورأوه موافقًا أن يُقبل الأطفال على هذا الوجه الشريف، أعني أن يُسلم الوالدان الطبيعيّان ولدهما لمربٍ صالح، وأن يبقى الطفل فيما بعد تحت إدارته، كأنه تحت عناية أبٍ إلهيٍ وكفيلٍ لخلاصٍ مقدسٍ، فمتمم السرّ يرفعه وهو معترف إلى الحياة المقدسة، طالبًا جحد الشيطان والإقرار بالإيمان.] ويقول القديس أغسطينوس: [إننا نؤمن ونصدق بتقوى وصواب أن إيمان الوالدين والأشابين يفيد الأطفال، وعلى هذا الإيمان يُعمدون.] نعود مرة أخرى إلى الموعوظين لنقول إنهم غالبًا ما يبقون في رعاية الكنيسة لمدة سنتين أو ثلاث سنوات، ينتقلون من فئةٍ إلى أخرى، حتى تطمئن الكنيسة على حسن نيتهم وتمسكهم بالإيمان وقبولهم للصليب، وعندئذ ينتقلون إلى آخر درجة من الموعوظين وهي: "طالبو العماد"،هذا الانتقال يختلف من شخص إلى آخر حسب غيرته ودراسته الفردية الخاصة قبلما ينضم إلى صفوف الموعوظين أو أثناءها. ثانيًا: معلمو الموعوظين إننا نعلم أن الكنيسة كلها منذ نشأتها كانت منطلقة للكرازة، مدركة قول الرب: "من لا يجمع فهو يفرق". فالكل يشعر بمسئوليته نحو الشهادة للرب، إن لم يكن بالكلام فبالقدوة الحسنة... يعمل أعمال المسيح الحي. وكما يقول العلامة أوريجينوس(41): [إن كل تلميذ للمسيح هو صخرة، وفية تكتمل الكنيسة الجاري بناؤها بيد الله.] ويحمل القديس كيرلس الأورشليمي مسؤولية تعليم الموعوظين الأطفال أو الكبار على الآباء والأشابين، إذ يقول(42): [إن كان لك ابن حسب الجسد أنصحه بهذا، وإن كنت قد ولدت أحدًا خلال التعليم، فتعهده برعايتك.] إذن كل مؤمن حقيقي يلتزم أن يكون له نصيب في تعليم موعوظ أو موعوظين، بصورة أو أخرى، فماذا نقول عن الكاهن الذي يدعوه الذهبي الفم "أب كل البشرية"؟! لقد سيم القديس غريغوريوس العجائبي(43) أسقفًا على قيصرية الجديدة، وكان بها سبعة عشر مسيحيًا فقط، وحين تنيح بسلام لم يكن بها سوى سبعة عشرة وثنيًا. على أي الأحوال لم يكن يُحرم كاهن ما من خدمة الموعوظين المنظمة في الكنيسة، بل يقوم كل منهم بنصيبه فيها. أما المرحلة الأخيرة للتعليم، فغالبًا ما كان يقوم بها الأسقف نفسه، أو كاهن يثق فيه من جهة قدرته التعليمية بالنسبة لهم. غير أن التاريخ سجل لنا عن أناس تخصّصوا في تعليم الموعوظين، نذكر منهم على سبيل المثال أن البابا ديمتريوس سلّم العلامة أوريجينوس مدرسة الإسكندرية التعليمية وهو بعد في الثامنة عشر من عمره(44). وأيضًا كتب القديس أغسطينوس إلى الشماس ديوجرانيس بقرطاجنة الذي اتسم بمهارة عظيمة ونجاحٍ في تعليم الموعوظين. ثالثًا: مادة الوعظ لهم 1. تُقَّدم دراسات خاصة بالذين كانوا من أصل يهودي تختلف عمن هم من أصل وثني، فيقدم لكل فئة ما يتناسب مع ثقافاتهم ودراستهم السابقة وأفكارهم. 2. تُقدم لهم دراسات تأملية لاهوتية مبسطة لأهم العقائد المسيحية، وقد رتبت هذه الدراسات بعد مجمع نيقية المسكوني في القرن الرابع، بصدور قانون الإيمان، الذي يُعتبر ملخصًا شاملًا، يقدم للموعوظين مع شرحه لكي يحفظوه ويفهموه. ويظهر اهتمام الكنيسة بتسليم قانون الإيمان أن الأسقف بنفسه هو الذي يقوم بذلك إذ نجد الأسقف أمبروسيوس يكتب رسالة إلى أخته مرسيلينا قائلًا(45): [في اليوم التالي إذ كان يوم الرب، بعد الدروس والعظة -لما خرج الموعوظون- سلمت لطالبي العماد قانون الإيمان في معمودية الباسليكي.] ويقول الأنبا يوحنا خلف كيرلس الأورشليمي في رسالته إلى جيروم(46): [إن العادة عندنا أن نسلم تعليم الثالوث القدوس بصورة عامة خلال الأربعين يومًا للذين سيتعمدون.] كذلك يفتتح القديس أغسطينوس(47) مقاله عن "قانون الإيمان" لطالبي العماد قائلًا: [استلموا يا أولادي دستور الإيمان الذي يُدعى قانون الإيمان، وإذ تتقبلونه اكتبوه في قلوبكم وردِّدوه يوميًا قبل النوم وقبل الخروج، سلِّحوا أنفسكم بقانون إيمانكم. قانون لا يكتبه الإنسان لكي يقرأه، بل كي يردده، حتى لا ينسى ما تسلمه بعناية. سجلوه في ذاكرتم...] 3. بعد قانون الإيمان يقومون بشرح الصلاة الربانية، وكما يقول القديس أغسطينوس(48): [بعدما نعرف من نؤمن به نصلي إليه. إذ كيف نصلي لمن لا نعرفه ولا نؤمن به؟!] 4. في الفترة الأخيرة يقوم المعلمون بتحفيظهم بعض التلاوات، أي صلوات قصيرة. 5. وفي الأيام القليلة قبل العماد أو بعده مباشرة تقدم لهم مائدة دسمة عن شرح ترتيب العماد ومفاهيمه، وسرّ المسحة وفاعليتها، وسرَ التناول وبركاته... الأمور التي لا تجيز الكنيسة الحديث عنها مع المبتدئين. وأخيرًا يمكننا تقسيم جميع التعاليم السابقة إلى قسمين رئيسيين هما: 1. دراسات بسيطة تقدم المبادئ الأولية للإيمان المسيحي. 2. دراسات أعمق تقدم شرحًا لأسرار الكنيسة. يظهر هذا التقسيم بوضوح في مقالات القديس كيرلس، كما تظهر أيضًا في "تعاليم الاثنى عشر رسولًا"(49)، التي ذكرها البابا أثناسيوس الرسولي(50) أنها ليست من الكتب المقدسة لكن الآباء أشادوا بقراءتها للداخلين إلى الإيمان حديثًا. هذه التعاليم موجهة على وجه الخصوص إلى الذين هم من أصل وثني حتى دعيت "تعاليم الرب للأمميين خلال الاثني عشر"، وهي تنقسم إلى قسمين: 1. الفصول الست الأولى: تحمل تعاليم أولية للأمميين. 2. بقية الفصول تشرح ترتيب العماد الصلاة والصوم وخدمة يوم الرب وتقديس سرّ الإفخارستيا... هذا وإننا نختتم حديثنا عن تعليم الموعوظين بالقول: خصصت الكنيسة الجزء الأول من القداس الإلهي للموعوظين، يحمل قراءات ووعظ يحضرها المؤمنون والموعوظون ليتعرفوا عل الحق. ولكن قبل البدء في قداس المؤمنين يصرخ الشماس(51)مناديًا بخروج الموعوظين، وتغلق الأبواب، ويقوم الشمامسة بحراستها حتى ينتهي القداس الإلهي! |
||||
07 - 11 - 2022, 03:34 PM | رقم المشاركة : ( 5 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب القديس كيرلس الأورشليمي - القمص تادرس يعقوب ملطي
طقوس عماد الموعوظين عيد القيامة وطقوس العماد ارتبط عيد القيامة في الكنيسة الأولى بطقس العماد. أما الآن ففي كنيستنا القبطية الأرثوذكسية خُصص يوم الأحد السابق لأحد الشعانين للعماد، ويدعى "أحد التناصير". سرّ ارتباط القيامة بالعماد هو أن عيد قيامة الرب محور حياة الكنيسة ومركزها. قيامة الرب هي الصخرة التي تتكئ عليها الكنيسة لتعيش مطمئنة وسط دوامة هذا العالم، لا تخاف أمواجه أو عواصفه أو شروره، تحيا على رجاء القيامة، مرتبطة بعريسها الذي لا يموت، متبررة، متقدسة به. هذا الرجاء وذلك التبرير والتقديس لا يمكن أن نتمتع به إلاّ خلال المعمودية، التي فيها نُدفن مع الرب ونقوم، كقول الرسول: "أم تجهلون أننا كل من اعتمد ليسوع اعتمدنا لموته، فدٌفنا معه بالمعمودية للموت، حتى كما أُقيم المسيح بمجد الآب هكذا نسلك أيضًا في جدة الحياة" (رو 6: 2-6). خلال المعمودية نجتاز مع ربنا يسوع آلامه وموته ودفنه، ونختبر عمل قيامته وأمجادها وقوتها في أعماق حياتنا الداخلية. "عالمين هذا أن إنساننا العتيق قد صلب معه ليبطل جسد الخطية، كي لا نعود نستعبد للخطية" (رو 6: 6). من أجل هذا رتبت الكنيسة منذ القرون الأولى أن تقوم بعماد عدد كبير من الموعوظين ليلة عيد الفصح أو عيد القيامة، حتى يرفع المعمَّدون أنظارهم إلى قيامة الرب على الدوام ويعيشون بقوتها. وفي نفس الوقت ترفع أنظار المؤمنين في ليلة عيد القيامة ليذكروا عمادهم، فيعيشوا كأبناء الله مولودين منه بالروح للتمتع بقيامة الرب في حياتهم. في عيد القيامة تختلط الأفراح وتمتزج المشاعر، إذ تقوم الكنيسة كلها مرتجة متهلِّلة بالمعمَّدين حديثًا بصورة علنية، تبعث في كل إنسانٍ ذكريات عماده، ليعيش سالكًا بما يليق به كإنسانٍ معمد، وفي نفس الوقت تهتز مشاعرهم لأجل هذه الثمار التي هي عمل الرب القائم من الأموات في الكنيسة خلال أعضائها الكهنة والشعب، السادة والعبيد، الشيوخ والأطفال... إنها ثمرة مبهجة، تفرح الرب القائم من الأموات، والنفوس القائمة به! ويمكننا تلخيص مراسيم العماد في كلمات قليلة: أولًا: تقديمهم للعماد مع بداية صوم الأربعين المقدسة يختار الموعوظون الذين تطمئن الكنيسة لتقبلهم سرّ العماد، وتتعهدهم خلال الأربعين المقدسة بدراسات خاصة كما سبق أن رأينا. غير أنه لا يقف الإعداد لقبولهم في عضوية الكنيسة عند مجرد الاستماع إلى التعاليم أو حفظ التلاوات، بل كما يقول العلامة ترتليان(52): [يجدر بالآتين إلى المعمودية أن ينشغلوا على الدوام بالصلوات والأصوام والمطانيات والأسهار، كل هذا مع الاعتراف بالخطايا السابقة.] هكذا لا يليق تسليمهم عطية العماد بهدفٍ آخر سوى خلاص نفوسهم، أي تبرئتها من خطاياها وتمتعها بالشركة مع الرب. وهذا لن يكون بالنسبة للكبار بغير التوبة الصادقة والاعتراف بالخطايا والضعفات، مع المثابرة في الصلوات والأصوم والمطانيات والأسهار. لهذا يخصص القديس كيرلس مقالًا كاملًا عن "التوبة عن الأخطاء السابقة" وأخرى عن "فاعلية التوبة في غفران الخطية"(53). ويحدث القديس يوحنا الذهبي الفم طالبي العماد قائلًا(54): [لذلك يسبق هذا أن نتوب ونرفض أعمالنا السابقة الشريرة، وهكذا نتقدم للنعمة. اسمع ما يقوله يوحنا، وما يقوله الرسول لمن اقتربوا للعماد. الواحد يقول: "فاصنعوا ثمارًا تليق بالتوبة. ولا تبتدئوا تقولون في أنفسكم لنا إبراهيم أبًا" (لو 3: 8). والآخر يجيب سائليه: "توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح" (أع 2: 38). ليته لا يرجع أحد فيمس ما قد تاب عنه! على هذا الأساس أمرنا أن نقول: "أجحدك أيها الشيطان"، كي لا نرتد إليه مرة أخرى.] ثانيًا: فرز طالبي العماد في يوم أحد الشعانين(55) يُفرز طالبو العماد، وقد وصف العلامة أوريجينوس(56) دقة الفحص الذي يليق بالكنيسة أن تقوم به من جهة الموعوظين، سواء قبلوا الإيمان بطريقة أو أخرى، حتى لا يُعمد إنسان دون التأكد من صدق نيته. ويشبِّههم القديس كيرلس بالمنضمِّين إلى صفوف الجندية(57)، إذ يلزم الاهتمام بفحصهم قبل دخول المعركة، فكأعضاء في جيش المسيح الخلاصي، يحاربون الشيطان. بعد الفرز من وُجد مستحقًا يحضر قدام الأسقف أو الكاهن وعندئذ: 1. يتلو طالب العماد قانون الإيمان علنًا. 2. يتقبل علامة الصليب من الأسقف. 3. يصلي الأسقف عليه. 4. يضع الأسقف عليه الأيدي. ويعتبر القديس أغسطينوس أن تقبلهم علامة الصليب أشبه بالحبل بهم في أحشاء الكنيسة، إذ يقول لهم(58): [إنكم لم تولدوا بعد بالعماد المقدس، لكنكم بعلامة الصليب قد حُملتم في أحشاء أُمُّكم الكنيسة.] كما يقول لهم(59): [إنهم تباركوا بعلامة الصليب، والصلوات ووضع الأيدي، وأنهم وإن كانوا لم يتمتعوا بعد بجسد المسيح، إلاّ أنهم ينالون شيئًا مقدسًا.] ولعلَّه يقصد بالشيء المقدس الخبز المقدس (القربان) الذي يأكلونه. وإن كان بنجهام يرى أنه ملح مقدس، يستخدم كرمزٍ إلى أن المؤمنين ملح الأرض. وقد اعتمد في ذلك على ما ورد في اعترافات أغسطينوس أنه أكل ملحًا. ومن عادة الكنيسة الأفريقية في أيام أغسطينوس أن يُدهن طالبو العماد بزيت مصلى عليه قبل عمادهم(60). ولا تزال هذه العادة قائمة إلى يومنا هذا في كنيستنا حيث يدهن الكاهن الموعوظ وهو يقول: "أدهنك يا فلان باسم الآب والابن والروح القدس. زيت عظة لفلان في الكنيسة الواحدة المقدسة الجامعة الرسولية". ثالثًا: حمل المشاعل ولبس الثياب البيضاء يبقى طالبو العماد طول أسبوع الآلام بغير وعظٍ اللهم إلا الاشتراك مع المؤمنين في التأمل حول آلام الرب يسوع وموته. هكذا يتوقف كل عمل للكنيسة في هذا الأسبوع عند شغل كل الأذهان بالرب المتألم من أجل البشرية! هكذا يصير أسبوع الآلام فرصة ثمينة لطالبي العماد أن يتفرغوا عن كل عملٍ، حتى الاستماع للتعاليم، لكي تنطلق نفوسهم مشتاقة للتمتع مع المسيح في آلامه، وتزداد غيرتهم لحمل الصليب معه. وفي ليلة عيد القيامة التي يسميها القديس أغسطينوس(61) أم جميع الأمسيات، يسهر طالبو العماد طول الليل حاملين مشاعل أو شموع أو مصابيح في أيديهم، لابسين الثياب البيض، لينالوا أسرار العماد والميرون والإفخارستيا. يا لها من ليلة سماوية، تمتلئ الكنيسة بالفرح، وتمتزج تسابيح القيامة مع تسابيح البهجة بقبول النفوس الساقطة وإقامتها لتحيا كعروس مقدسة للرب السماوي! لقد حق للقديس كيرلس الأورشليمي أن يدعو المعمودية "حجال العريس الداخلي". ففي هذه الليلة يرتدي المعمَّدون ثياب العرس البيضاء، رمزًا لتطهير الرب إيَّانا، وقبوله لنا في السماء الطاهرة، التي كل من يسكنها يلبس ثيابًا بيضاء. يشير الثوب الأبيض إلى انعكاسات إشراقات المجد الإلهي على الإنسان، إذ في تجلِّي السيد المسيح "صارت ثيابه بيضاء كالنور" (مت 17: 2). هذا اللون كما يقول القديس إكليمنضس السكندري(62): [لون الحق الطبيعي، إذ يلبسون الحق ويكون مجدهم.] وتحمل الثياب البيض علامة الطهارة والنقاوة، كما تحمل سمة الغلبة(63). أما المشاعل أو الشموع التي يحملها المعمَّدون الجدد، فبسب كثرتها يختفي الليل وظلامه، ولا يميِّز من بداخل الكنيسة الليل من النهار، بل تكون أشبه بسماءٍ منيرةٍ! ويصف القديس غريغوريوس النيسي هذا المنظر البديع فيقول(64): [في هذا الليل اللامع يختلط لهب المشاعل بأشعة شمس الصباح، فتخلق نهارًا مستمرًا واحدًا بغير انقسام، لا يفصله وجود ظلام.] وتشير المشاعل إلى: 1. يقول القديس كيرلس إنها تشير إلى نور الإيمان الذي يضيء العقل. 2. نور المعرفة الإلهية، هذه المعرفة التي يقول عنها القديس مرقس الناسك(65): [إنها تحفظ النفس في يقظة العقل، وتشددها حتى تبدد ظلام الجهل الخبيث. هذه المعرفة المنيرة لن تتحقق عمليًا في حياتنا إلاّ بالمعمودية.] حقًا كما يقول القديس إكليمنضس السكندري(66): [إن التعليم ينير النفس، إذ يكشف لها الأمور الخفيّة.] وكما يقول القديس الأورشليمي(67) لطالبي العماد: [لقد سبق أن استنارت نفوسكم بكلمة التعليم، فإن كل واحدٍ منكم يكتشف شخصيًا عظمة العطايا التي يمتحنكم إيّاها الله.] إذن يمكننا أن نقول إن الاستنارة تبدأ بالتدريج بتقبل الإنسان التعليم السليم، بكونه إعدادًا ضروريًا ونيّة عملية للعماد، ولكن لا تتحقق الاستنارة إلاّ في سرّ العماد، ويبقى الروح المنير فينا يضيء لنا مادمنا نقبل استنارته، ولا نطفئ فاعليته في حياتنا. فطالبو العماد يُحسبون مستنيرين مجازًا من قبل نيتهم الصادقة لقبول "الاستنارة"، إذ ينتقل الإنسان من مملكة الظلمة -مملكة إبليس- إلى مملكة النور الحقيقي. لهذا متى ذكر في كتابات الآباء كلمة "الاستنارة" ندرك في الحال أنه يتحدث عن المعمودية. يقول القديس غريغوريوس النزينزي(68): [الاستنارة وهي المعمودية... هي معينة الضعفاء... مساهمة النور... انتفاض الظلمة. الاستنارة مركب يسير تجاه الله، مسايرة المسيح، أُس الدين، تمام العقل! الاستنارة مفتاح الملكوت، استعادة الحياة...! نحن ندعوها هدية، وموهبة، ومعمودية، واستنارة، ولباس الخلود، وعدم الفساد، وحميم الميلاد الثاني، وخاتمًا، وكل ما هو كريم...] ويقول الشهيد يوستينوس(69): [هذا الاغتسال يُدعى استنارة، لأن الذين يتعلمون هذه الأمور يستنيرون في فهمهم.] ويقول القديس إكليمنضس الإسكندري(70): [إذ نعتمد نستنير، وإذ نستنير نتبنى، وإذ نتبنى نكمل... ويدعى هذا الفعل بأسماء كثيرة أعني: نعمة واستنارة، وكمالًا، وحميمًا... فهو استنارة، إذ به نرى النور القدوس الخلاصي، أعني أننا به نشخص إلى الله بوضوح.] 3. إشارة إلى مصابيح موكب العرس الأبدي حيث تُزف النفس البشرية عروسًا للمسيح. فخلال المعمودية ننال التبنّي، إذ نتحد به... هذا الاتحاد السري المقدس بين النفس والله يدعى عُرسًا. لذلك يحمل المعمَّدون حديثًا مصابيح عرسهم، وذلك كما جاء عن العرس الأبدي، حيث يتم في أكمل صورة. إذ يقول الرب: يشبه ملكوت السماوات عشر عذارى، خمس منهن حكيمات حاملات مصابيح متقدة، مستعدات للدخول مع الخدر السماوي. هكذا يقول القديس غريغوريوس النزينزي(71)عن هذه المصابيح: [إنها تحمل معنى سري عن عملية الإنارة، حيث تدخل النفوس اللامعة البتول لتقابل العريس بمصابيح الإيمان المتلألئة نورًا.] رابعًا: جحد الشيطان عند جرن المعمودية يقف الموعوظ ووجهه إلى الغرب، أو تقف الأم أو الأب أو الإشبين حاملًا على ذراعه الأيسر الطفل، ويعلن جحده لإبليس، ورفضه مملكة الظلمة بجسارة علانية(72). قبل أن نُدفن مع المسيح يسوع، النور الحقيقي، يلزمنا أن نعلن جهارًا وبصراحة رفضنا للشيطان وكراهيتنا لأعماله، أي رغبتنا في التحرر من عبوديته. هذا الرفض، كما يقول العلامة ترتليان(73): [يتم أولًا في الكنيسة تحت يد الأسقف، ومرة أخرى قبيل الدخول في الماء مباشرة.] أما مصدر هذا الطقس، فكما يقول القديس باسيليوس الكبير هو التقليد، إذ يقول(74): [إننا نبارك ماء المعمودية وزيت المسحة كما نبارك المعمد نفسه أيضًا. أي وصايا مكتوبة علمتنا أن نفعل هذا؟! أليس من التقليد السري المقدس؟! وأيضًا الدهن بالزيت، أي كلمة في الإنجيل علمت به؟! وأين ورد تغطيس الإنسان ثلاث مرات؟ أي كتاب جاء بكل الأمور اللازمة للعماد وجحد الشيطان وملائكته؟! ألم يأتِ إلينا من التعليم السري الذي حافظ عليه آباؤنا في صمت دون أن (يُكتب) كتعليم عام... إذن لا تبحثوا الأمر بتطفلٍ... لأنه كيف يحق تعميم تعليم الأسرار كتابة، هذه التي لا يُسمح لغير المعمَّدين حتى أن يطلعوا عليها؟!] خامسًا: الاعتراف بالإيمان يقول القديس كيرلس(75): [إن طالب العماد يحوِّل وجهه من الغرب إلى الشرق مكان النور، معلنًا رفضه مملكة الظلمة وقبوله الانتساب لمملكة النور. هذا الاعتراف العلني يتم في بعض الكنائس يوم الخميس المبارك حسب قانون 46 لمجمع لادوكية(76)، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام المقالات والكتب الأخرى. إلاّ أن قوانين الرسل تطالب بأن يكون ذلك قبل العماد مباشرة. وهذا ما يحدث في كنيستنا إلى يومنا هذا، حيث يوجه الموعوظ وجهه ناحية الشرق، أو يقوم الإشبين بذلك، حاملًا الطفل على يده اليمنى، معلنًا اعترافه بالثالوث القدوس والكنيسة الواحدة. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم(77): [إن كان المعمَّدون أطفالًا أو صُمّـًا لا يستطيعون استماع التعليم، يجاوب أشابينهم عنهم. وهكذا يُعمَّدون حسب العادة.] وما يعلنه الموعوظ أو الإشبين من جحد الشيطان والاعتراف بالإيمان هما من ضمن برنامج التلوات Exorcism التي يقوم المعلِّمون بتحفيظها لطالبي العماد، كصلواتٍ قصيرةٍ فعّالة، يستخدمها الإنسان كل أيام غربته في محاربته للأفكار والشهوات الخ. وقد تحدّث القديس كيرلس عن أهميتها(78). كما تحدث عنها الذهبي الفم(79) قائلًا: [بعدما تسمعون تعليمنا تخلعون صنادلكم ويعرونكم وتسيرون عراة حفاة الأقدام، مرتدين فقط التنك(80) الذي لكم Your tunic لكي تنطلقوا بالتلوات.] سادسًا: المسح الأول بالزيت يبدو أن كل الخطوات السابقة كانت تمارس في البهو الخارجي للمعمودية، بعدها يعبر طالب العماد الذي مارس الاعتراف وجحد الشيطان وقبل الشركة مع المسيح، يسير حافي القدمين عاريًا من كل الملابس ماعدا التنك إشارة إلى خلع الإنسان العتيق وأعماله كقول القديس كيرلس(81): [كما يرى أيضًا أن فيه إقتداء بالسيد المسيح الذي عُلق على الصليب عاريًا. وبعريه هذا نتذكر آدم الذي كان في الفردوس عاريًا ولم يخجل. ثم يدهن الشخص بزيت مُصلى عليه من شعر رأسه إلى قدميه(82).] هذا ولم يذكر العلامة ترتليان شيئًا عن هذه المسحة، لكن ذكرها الشهيد يوستينوس(83). سابعًا: العماد بعد مسح الشخص بالزيت يُقاد الشخص إلى بركة المعمودية المقدسة المملوءة ماء(84). وإننا نلاحظ أن جميع المعموديات القديمة معموديات ضخمة. وكثيرًا ما يكون لها سُلَّمين، ينزل على أحدهما الموعوظون، والثاني يقف عليه الكاهن الذي يتمم مراسيم العماد. وضخامة حجم المعموديات جعلت البعض يرى أن الكنيسة الأولى كانت تعمد جماعات معًا في نفس الوقت. أما عن قداس المعمودية الذي به يتقدس الماء، فإنني أرجو أن يهيئ الله لي مجالًا آخر لشرحه. لكن في داخل المياه المصلى عليها، المقدسة، يقول القديس كيرلس: [إن طالبي العماد يعلنون ما يسمى "بالاعتراف المخلص The Saving Confession" وهو يحمل اعترافًا مختصرًا جدًا للإيمان المسيحي المستقيم. يُسأل المعمد ثلاث أسئلة: أتؤمن بالآب؟ أتؤمن بالابن؟ أتؤمن بالروح القدس؟ وفي كل مرة يجيب بالإيجاب.] ويذكر القديس كيرلس السكندري(85)، أن الكاهن يسأله ثلاث مرات عن الإيمان بالسيد المسيح. أما العلامة ترتليان(86) فيقول إن الأسئلة لا تخص إيمانه بالثالوث القدوس فحسب بل والكنيسة أيضًا. ثامنًا: الغطسات الثلاث يقول المرحوم حبيب جرجس في كتابه: "أسرار الكنيسة السبعة"، إنه طبقًا للتسليم الرسولي تمارس الكنيسة سرّ المعمودية بتغطيس المعتمد ثلاث مرات في الماء باسم الثالوث القدوس: الآب والابن، والروح القدس. ويرى القديس كيرلس الأورشليمي(87) أن هذه الغطسات الثلاث لا تحمل فقط إشارة إلى الثالوث القدوس، بل وأيضًا هي دفن مع المسيح الذي بقي مدفونًا ثلاثة أيام. ويقول القديس باسيليوس(88) [بثلاث غطسات ودُعاء مساوٍ لها في العدد يتم سرّ المعمودية العظيم، لكي يتصور رسم الموت، وتستنير نفوس المعمَّدين بتسليم معرفة الله .] بعد الخروج من الماء لم يذكر القديس كيرلس عما ذكره بنجهام(89) من ممارسة المعمَّدين الجدد قبلة السلام وأكلهم خليطًا من اللبن والعسل. لقد ذكر ترتليان(90) عادة أكل اللبن المخلوط بالعسل. ولعل أكلهم اللبن يحمل رمزًا للبن النقي غير الفاسد الذي تقدمه الكنيسة لأولادها خلال إيمانها وطقوسها وعباداتها غذاء لنفوسهم. والعسل يشير إلى وصايا المسيح العذبة في فم أولاده، أحلى من العسل وقطر الشهد. تاسعًا: المسحة أو التثبيت ذكر القديس كيرلس(91) مقالًا كاملًا بخصوص "المسحة بزيت الميرون" بعد العماد يتم كعمل سري مقدس Sacremental هذا الطقس قديم جدًا في الكنيسة، ويظهر ذلك من أقوال الآباء. فيقول الأب ثاوفيلس الأنطاكي(92) من رجال القرن الثاني (115-181م)، "إننا ندعى مسيحيين لأننا نُدهن بمسحة الله". وأيضًا العلامة ترتليان(93) بعد حديثه عن العماد يقول: [بعد الخروج من الجُرن نُدهن في الحال بمسحة مكرسة.] ويقول: [بعد هذا تُوضع اليد علينا في منح البركة والابتهال، مستدعين الروح القدس.] كما يقول(94): [غُسل الجسد لكي تتطهر النفس! دُهن الجسد لكي تتقدس النفس! رشم الجسد (بالصليب) لكي تُحفظ النفس! وُضع اليد عليه لكي تستنير النفس بالروح!] يقول الشهيد كبريانوس(95): [ينبغي على من اعتمد أن يُمسح أيضًا، لكي يصير بواسطة المسحة ممسوحًا، ويأخذ نعمة المسيح.] أما عن عمل هذا السرّ في حياتنا وفاعليته فينا، فقد سبق لي شرحه، وقد سبق أن عرضت لبعض أقوال الآباء فيه(96). وإنما أكتفي هنا بالقول أن هذا الرشم يتم على جميع أعضاء الجسد لكي تصير كل الأعضاء والحواس، وكل طاقات النفس قدس للرب. بالميرون انتقلنا من ملكيتنا لذواتنا لنصير بكليتنا ملكًا للرب. وقد شرح القديس كيرلس المعنى الرمزي لكل رشم كما سنرى في مقالاته عن الأسرار إن شاء الرب وعشنا. حقًا لقد اختلفت الكنائس في أماكن الرشم، لكن الجميع اتفق على ضرورتها، خاصة رشم جبهة المعمد بعلامة الصليب. ويسميها القديس كيرلس بـ"العلامة الملوكية"، "السمة الملوكية التي تحملها جبهة جنود المسيح"، "ختم التبعية للروح القدس"(97). عاشرًا: منظر روحي سماوي بعد إتمام سرَّي العماد والميرون يلبس المعمَّدون الجدد ثيابًا بيضاء، ويحملون المشاعل. في هذه اللحظات تدوي في الكنيسة تسابيح الفرح والتهليل. وكما يقول القديس كيرلس(98): [إن السماء ذاتها تتهلل والملائكة السمائيون يرددون "طوبى للذي غفر إثمه وسترت خطيته".] وفي طقس الكنيسة إلى اليوم ينشد الشمامسة قائلين للمعمد: "أكسيوس، أكسيوس، أكسيوس"، أي مستحق، مستحق، مستحق. بدم المسيح صار له هذا الاستحقاق أن يدعى ابن لله. في طقس الكنيسة إلى الآن توجد تسابيح شكر لله من أجل نعمه على بني البشر، كما يلبس المعمَّدون أكاليل، هي رمز لحياة النصرة التي بدأت منذ لحظة العماد، لكنها لا تكمل إلاّ خلال الجهاد ضد إبليس وشروره حتى النفس الأخير، حيث تنطلق النفس إلى الفردوس منتظرة إكليل مجد أبدي في كماله. ثم يدخل الكل بين صفوف المؤمنين فتمتلئ الكنيسة، ويشترك الكل معًا في التناول من الأسرار المقدسة. يا لها من فرحة الشعب كله! يرون كنيسة الله التي لا تشيخ، بل ككرمةٍ مخصبةٍ دائمة الإثمار. يرونهم لابسين الثياب البيضاء، فيذكر كل منهم ثوبه المقدس الذي تسلّمه يومًا عند عماده، عربونًا للثوب السماوي! وإذ يتطلعون إلى الشموع، ترتفع أنظارهم إلى النور الحقيقي، ذاكرين أنهم أبناء نور، لا تليق بهم أعمال الظلمة. يسمعون تسابيح الفرح، فتهتز أصوات الكل: ملائكة السماء، أبناء الفردوس المؤمنون، المعمَّدون حديثًا... بفرح وتسبيح وشكر لله محب البشر! حادي عشر: أسبوع الثياب البيضاء بعد التناول يبقى المعمَّدون الجدد أسبوعًا كاملًا في الكنيسة لا يخلعون فيه ثيابهم البيضاء، أسبوع الفرح بميلادهم الجديد. وأخيرًا نختتم قولنا بما ذكرته الراهبة اثيريه الأسبانية(99) التي جاءت إلى القدس في القرن الرابع [عندما تأتي أيام الفصح ولمدة ثمانية أيام يتوجه المعمَّدون مرتّلين الأناشيد إلى كنيسة القيامة، وبعد الانتهاء من الطقوس التي بعدها يخرج غير المعمَّدين تُقام صلاة خاصة ويبارك الأسقف المؤمنين ثم يقف وراء الحاجز الذي يقوم أمام مغارة القيامة ويشرح وهو مستند على هذه المغارة كل ما يُعمل في العماد. وفي هذه اللحظة لا يجوز للموعوظين أن يدخلوا كنيسة القيامة، وللمعمدين حديثًا والمؤمنين فقط الذين يريدون سماع العظات عن الأسرار أن يدخلوا وحدهم. فتغلق الأبواب لكي لا يدخل أحد الموعوظين، بينما الأسقف يشرح كل هذه المسائل، يهتف السامعون له بأصوات قوية بحيث تُسمع في خارج الكنيسة، لأنه يشرح لهم هكذا شرحًا واضحًا وقويًا، حتى أنه لا يستطيع أحد أن يحبس شعوره أمام ما يسمعه!] |
||||
07 - 11 - 2022, 03:35 PM | رقم المشاركة : ( 6 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب القديس كيرلس الأورشليمي - القمص تادرس يعقوب ملطي
مقالاته لطالبي العماد: مقال افتتاحي مقالاته لطالبي العماد
مقال افتتاحي تقديم هذا المقال الافتتاحي الذي كتبه القديس كيرلس هو بداية الحديث مع طالبي العماد، في اليوم الأول من الأربعاء المقدسة (أربعاء البصخة)، حيث يحدثهم حديثًا مجملًا مختصرًا عن المعمودية والجهاد، فيتحدث عن: أولًا: عدم الدخول في المعمودية بنيّة غير خلاص النفس. أ. فلا يكون بدافع شرير كما فعل سيمون الساحر. ب. ولا يكون الدافع مجرد حب الاستطلاع ليرى ما يناله المسيحيون. ج. ولا يكون الدافع التودد إلى إنسانٍ، كمن يتعمد لمجرد الزواج من إنسانٍ مسيحي، أو بقصد التودد إلى سيد مسيحي. ثانيًا: فاعلية النعمة وعملها في حياة المؤمن ثالثًا: المعمودية كباعثٍ للمثابرة أ. التلاوات والصلوات. ب. الجهاد في الحرب الروحية. ج. مداومة التعليم. د. مخافة بيت الرب. |
||||
07 - 11 - 2022, 03:40 PM | رقم المشاركة : ( 7 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب القديس كيرلس الأورشليمي - القمص تادرس يعقوب ملطي
البنيان الروحي مقال افتتاحي 1. رائحة المعمودية الذكية ها هي رائحة السعادة تنبعث منكم يا من تتقبلون الاستنارة! ها أنتم تستعدون لقطف الأزهار الروحية(4)، لتضفروا منها أكاليل سمائية! إنه يفوح فيكم شذا الروح القدس (نش 2: 12)! إنكم تجتمعون في بهو قصر الملك(5)، ليت الملك بنفسه يقودكم! الآن تظهر الأزهار على الأشجار، ليت الثمر يكون كاملًا! إذ صار لكم: تسجيل أسمائكم (في قوائم طالبي العماد)، دعوتكم للخدمة (في جيش المسيح)، حمل مشاعل كوكب العرس، شوق إلى الوطن السمائي، نيّة صالحة ورجاء مرافق...! الله سخي جدًا في هباته، لكنه ينتظر الإرادة الصالحة لكل أحدٍ. لذلك يضيف الرسول قائلًا: "الذين هم مدعون حسب قصده" في قوله الذي لم يكذب فيه "كل الأشياء تعمل معًا للخير للذين يحبون الله" (رو 8: 28). إن إخلاص نيّتك يجعلك مدعوًا. أما إذا كنت ها هنا بجسدك (بين صفوف طالبي العماد) دون ذهنك فلن تنتفع شيئًا. 2. مثال لمن يعتمد بنيّة شريرة جاء سيمون الساحر يومًا إلى الجرن (أع 8: 13)، واعتمد دون أن يستنير، فمع أنه غطس بجسده في الماء، لكن قلبه لم يستنر بالروح. لقد نزل بجسده وصعد، أما نفسه فلم تُدفن مع المسيح ولا قامت معه (رو 6: 4؛ كو 2: 12). ها أنا أقدم لكم مثالًا لساقط حتى لا تسقطوا أنتم. فإن ما حدث كان عبرة لأجل تعليم المتقرّبين لهذا اليوم (يوم العماد). ليته إذن لا يكون بينكم من يجرب نعمة الله، لئلا ينبع فيه أصل مرارة ويصنع انزعاجًا! (عب 12: 15) ليته لا يدخل أحدكم وهو يقول: لأنظر ماذا يعمل المؤمنون! لأدخل وأرى حتى أعرف ماذا يحدث؟! (أي يدخل لمجرد حب الاستطلاع). أتظن إنك ترى الآخرين وأنت (في نيتك أن) لا ترى؟! أما تعلم أنك وأنت تفحص ما يحدث معهم، يفحص الله قلبك؟! 3. مثال لإنسان يعتمد لمجرد حب الاستطلاع جاء في الإنجيل أن إنسانًا دخل مرة إلى وليمة العرس يستطلعها(6)، وقد ارتدى ثوبًا غير لائق. دخل وجلس وأكل، إذ سمح له العريس بذلك. كان يليق به لما رأى الكل لابسين ثيابًا بيضاء أن يرتدي ثوبًا مثلهم، لكنه اشترك معهم في الطعام دون الهيئة والنيّة. والعريس مع سخائه هكذا فهو ليس بعديم الفطنة، إذ بينما كان يسير بين الضيوف ويلاحظهم... رأى إنسانًا غريبًا غير مرتد ثوب العرس، فقال له: "يا صاحب. كيف أتيت إلى هنا؟ وبأي وجه؟(7) وبأي ضمير أتيت؟! هل دخلت هكذا لأن الحارس لم يمنعك من الدخول بسبب وجود صاحب الوليمة؟ أم أنك تجهل الزي اللائق بدخولك الوليمة؟! ألم تتعلم هذا مما رأته عيناك حين دخلت ونظرت ثياب الضيوف المتألقة؟! أما كان يليق بك أن ترجع في الوقت المناسب لكي تعود وتدخل أيضًا في الوقت المناسب؟! لكن لأنك دخلت بغير لياقة تخرج". وهكذا أمر عبيده قائلًا: "أوثقوا قدميه اللتين اقتحمتا الموضع بوقاحة. اربطوا يديه اللتين لم تعرفا كيف تلبسانه الثوب اللامع. اطرحوه في الظلمة الخارجية لأنه غير مستحق لمشاعل العرس". لقد رأيتم ما حدث مع هذا الرجل، فاسلكوا أنتم في الطريق الآمن. 4. لا تعتمد بنية خاطئة إننا عبيد نقبل كل من يتقدم إلينا، كبوابين نترك الأبواب مفتوحة. هل تمكنت من الدخول بنفس ملوثة بالخطايا ونيّة دنسه؟ لقد سُمح لك بذلك، وسُجل اسمك. أخبرني، هل ترى هيبة اجتماعنا؟! هل ترى نظامه وتدابيره(8)؟! وقراءات الأسفار المقدسة(9)، وحضور المكرّسين(10)، ونظام تعليمنا؟ إذن فلتخزَ في هذا المكان (الذي اقتحمته) وتعلَّم مما تراه! أخرج الآن بلياقة (أي لا تتعجل الدخول في صفوف طالبي العماد وأنت بنيه شريرة)، وادخل غدًا وأنت أكثر استعدادًا. إن كان ثوب نفسك هو "الطمع"، البس آخر غيره وتعال اخلع ثوبك القديم ولا ترتده. أرجوك أن تخلع الزنا والنجاسة، وتلبس ثوب النقاوة المتألق. إنني أوصيك بهذا قبل أن يدخل العريس يسوع ويتطلع إلى ثوبك. إنني اترك لك زمانًا طويلًا للتوبة. إنها فرصة كافية لك كي تخلع وتغسل وتلبس وتدخل! لكنك إن بقيت مقاومًا بنيّة شريرة، فإن المتكلم لا يكون مسئولًا، بل أنت تحرم نفسك من النعمة، إذ تتقبل الماء (ونيّتك شريرة) لا يقبلك الروح(11). إن شعر أحد بجرحه فليأخذ المرهم، وإن كان ساقطًا فليقم! ليته لا يكون بينكم سيمون، ولا رياء، ولا حبًا للاستطلاع مملوء بلادة من جهة هذا الأمر. 5. العماد بقصد التودد للغير ... قد يحدث أن رجلًا يرغب في التودد إلى امرأة، فيأتي بهذا الدافع. ويمكن أن نقول نفس الأمر لامرأة، أو قد يأتي عبد إرضاء لسيده أو صديق ليبهج صديقه. إنني أقبل هذا كَطُعم الصنارة. أقبلك بالرغم من مجيئك بنيّة غير سليمة، إذ لي وطيد الأمل إنك ستخلص. ربما لا تعرف إلى أين قد أتيت؟ ولا في أي شبكة أنت تُصطاد؟ إنك أتيت في داخل شباك الكنيسة! (مت 13: 47) لقد أُخذت حيًا فلا تهرب، لأن يسوع اصطادك كالسمكة لا لتُقتل بل لتصير بالموت حيًا. يلزمك أن تموت وتقوم ثانية، إذ تسمع الرسول يقول: "أموت عن الخطية لكن أحيا في البرّ" (راجع رو 6: 11، 14). مُت عن خطاياك وعش للبرّ. عشْ هكذا اليوم. 6. يا لعظمة المعمودية! أرجو أن تتأمل عظمة عطايا المسيح التي يشرِّفك بها. لقد كنت تدعى "موعوظًا"، كنت تسمع الكلمة تدوي حولك من الخارج، كنت تسمع الرجاء ولا تدركه، تسمع عن الأسرار ولا تفهمها، تسمع الأسفار المقدسة ولا تلمس أعماقها. هوذا لا يعود الصدى يدوي حولك، بل يكون في داخلك، لأن الروح الساكن فيك (رو 8: 9، 11) يجعل من ذهنك بيتًا لله. عندما تقرأ عن الأسرار وتفهم ما لا تفهمه عنها الآن، اعلم أن هذا الأمر ليس بشيء هين. فبالرغم من أنك إنسان بائس تتقبل أحد ألقاب الله. اسمع القديس بولس يقول "أمين هو الله" (1 كو 1: 9). ويقول سفر آخر: "هو أمين وعادل" (1 يو 1: 9)، فإذ ينال الإنسان لقب من ألقاب الله، أي "أمين". لهذا تنبأ المرتل في شخص الله قائلًا: "أنا قلت أنكم آلهة وبني العلي تُدعون". لكن أحذر لئلا يكون لك اللقب أنك "أمين" وأنت لك إرادة غير مؤمن "أي غير أمين في إرادتك". إنك تدخل سباقًا، جاهد فقد لا تجد فرصة أخرى كهذه(13). إن يوم زفافك (عمادك) أمام عينيك، ألاّ تريد أن تترك كل شيءٍ وتتفرغ لإعداد الوليمة؟! لقد اقترب يوم تكريس نفسك للعريس السماوي، أما تكف عن الانشغال بالأمور الزمنية حتى تربح الروحية؟! 7. معمودية واحدة! إننا لا ننال المعمودية مرتين أو ثلاثًا... لأنه يوجد "رب واحد، وإيمان واحد، ومعمودية واحدة" (أف 4: 5)، فلا تُعاد المعمودية، إلاّ معمودية الهراطقة، إذ لا تحسب معمودية. 8. آمن بفاعلية المعمودية لا يطلب الله منا سوى النيّة الصالحة. لا تقل كيف تُمحى خطاياي؟ فإنني أقول بواسطة الإرادة(14) والإيمان. أي طريق أقصر من هذا؟! لكن إن أعلنت شفتاك الإرادة (في التمتع بمغفرة الخطايا) وقلبك صامت، فإن الذي يدينك يعلم قلبك. من اليوم كف عن كل ما هو رديء! كف لسانك عن أن ينطق بكلمات غير لائقة. أغمض عينك عن التطلع إلى الخطية والتجول فيما لا ينفع. 9. المعمودية والتلاوات لتسرع قدماك بشغف إلى التعاليم(16) المستلمة، سواء تلك التي تسمعها أو تتلوها، فإن العمل بالنسبة لكم هو الخلاص. لو كان لديك ذهب خام مخلوط بمواد أخرى مثل النحاس والقصدير والحديد والرصاص، وأنت تطلب ذهبًا نقيًا، فهل يمكن تنقيته بطريق آخر غير النار؟! هكذا لا يمكن للنفس أن تتنقى بدون التلاوات الإلهية المجمعة من الأسفار المقدسة. لتستر وجهك(17) لكي يتحرر ذهنك، لئلا تزوغ عيناك، فلا ينضبط قلبك. لكن متى أغمضت عينيك لا يعوق شيء أيضًا أذنيك عن تقبل معاني الخلاص. وكما أن المهرة في حرفة الصياغة ينفخون النار بأدوات دقيقة فيشعلونها تجاه الذهب الموضوع في البوتقة، وبهذا يبلغون غايتهم، هكذا بنفس الطريقة أصحاب التلاوات يثيرون رعبًا بواسطة روح الرب، وتصير النفس كما لو كانت على نار بوتقة الجسد، فيهرب الخصم الشيطان، ويسكن الخلاص ورجاء الحياة الأبدية، وعندئذ تتنقى النفس من خطاياها ويكون لها خلاص. يا إخوة، ليتنا نسكن في رجاءٍ، ونسلم أنفسنا للرب ونترجاه، حتى يرى إله الكل غايتنا وينقينا من خطايانا، ويهبنا أمالًا صالحة فيما نحن عليه، ويعطينا توبة تنشئ خلاصًا. الله يدعو، والدعوة هي لك أنت! 10. المعمودية والحرب الروحية أصغ إلى التعاليم بكل طاقتك(18). ومع أنه يجدر بنا أن نطيل مقالنا لكنني لا أترك ذهنك يمل، فإنك تتسلم عدة حربية ضد قوة العدو، سلاحًا ضد الهراطقة، ضد اليهود والسامريين(19) والأمم. إن لك أعداء كثيرين. تسلم سهامًا كثيرة ترشقهم بها، إذ يجدر بك أن تتعلم كيف تنازل اليونانيين(20)، وكيف تصارع الهراطقة وأيضًا اليهود والسامريين. هوذا السلاح مُعد "سيف الروح" (أف 6: 17) مهيأ. يليق بك أن تبسط يدك اليمنى بطريقة صالحة لكي تحارب حرب الله، وتغلب القوات المقاومة وتصير (حصنًا) منيعًا يصد كل محاولة للهراطقة. 11. المعمودية وملازمة التعليم دعني أقدم لك هذه الوصية أيضًا. اعرف التعاليم(21)، واحفظها إلى الأبد. لا تظنها عظات عادية، فإن العظات العادية مع كونها صالحة وتستحق المديح، لكننا إن أهملناها اليوم ندرسها غدًا. أما التعاليم بخصوص جرن المعمودية التي نقدمها لك في حلقات مسلسلة إن أهملتها اليوم متى تدرسها كما ينبغي؟! تصور أن الآن فصل غرس الأشجار، فإننا إن لم نحفر، ونحفر بعمقٍ، كيف نقدر أن نغرس الشجرة بطريقة سليمة إن غرسناها بطريقة خاطئة (وضاع وقت الغرس)؟! التعليم نوع من البناء، إن لم يرتبط بعضه مع البعض بربطات منتظمة يكون البيت معيبًا، ويصير البناء غير سليمٍ، ويؤول عملنا السابق إلى لا شيء. إذن يلزمنا أن نُلحق الحجر بحجرٍ، ونزوج الزاوية بأخرى، وخلال اللمسات الأخيرة لإزالة الزيادات يصير البناء منسقًا، هكذا بنفس الطريقة نجلب المعرفة كما لو كانت حجارة، فنُسمعك عن الله الحي، والدينونة، والمسيح، والقيامة... وأمور أخرى كثيرة يلزم تتابع مناقشتها، هذه التي نحبها واحدة فواحدة حتى يتهيأ لنا بناء مترابط متناسق، فإن لم تتهيأ (التعاليم) في وحدة واحدة، ونرتبها كما يليق التعليم الأول فالثاني... فإن البناء يُعد لكنه لا يكون سليمًا. 12. نقدم كل تعليمٍ في الوقت المناسب عندما تتسلم تعليمًا، إن سألك موعوظ من الخارج(22) قائلًا لك: ماذا يقول المعلمون؟ لا تجبه بشيءٍ. إننا نسلمك سرًا ورجاء في الحياة المقبلة، احفظ السرّ لذاك الذي يهبك المكافأة. لا يقول لك أحد: ماذا يصيبك لو عرفته أنا أيضًا؟ فإنه كالمريض الذي يطلب خمرًا، فإذ يأخذه في وقت غير مناسب يحدث له هذيان، وبهذا يتحقق شران: المريض يموت والطبيب يُلام! هكذا أيضًا متى سمع الموعوظ شيئًا من المؤمن يصير في حالة هذيان (إذ لا يفهم ما يسمعه، ويجد فيه خطأ، ويتهكم على ما يسمعه)، ويُدان المؤمن كخائنٍ. أنت الآن على الشاطئ، احذر من أن تقول شيئًا في الخارج، لا لأن ما تقوله لا يستحق أن يُقال، بل لأن الأذن لم تتهيأ للسماع له. أكنت يومًا ما موعوظًا، ولم أخبرك بما أعلنه لك الآن. إنك ستختبر كيف أن أمور تعاليمنا عالية، وعندئذ تدرك أن الموعوظين لم يتأهلوا بعد لسماعها. 13. المعمودية والاهتمام بخلاص النفس أنتم الذين سُجلت أسماؤكم تصيرون أبناء وبنات أم واحدة. عندما تدخلون إلى وقت التلاوات، فليتكلم كل واحدٍ منكم بما هو للصلاح. وإن لم يأتِ أحدكم في دوره فلتبحثوا عنه، لأنه متى دعيتم إلى وليمة أما تنتظرون حتى يأتي زميلكم الضعيف؟! إن كان لك أخ أما تطلب خيره؟! لا تنهمكوا في أمور باطلة، فلا تنشغلوا (في وقت الأربعين المقدسة) بما يحدث في المدينة أو القرية أو مع الملك أو الأسقف أو الكاهن. انظروا إلى فوق واطلبوا ما تحتاجون إليه في هذه الساعة التي أنتم فيها. لتصمتوا ولتعرفوا إني أنا الله! أن رأيتم المؤمنين يخدمون... وهم مطمئنون، فلتعترفوا أنهم في ملكية النعمة... أما أنتم فإلى الآن على كفة ميزان، قد تقبلون وقد لا تقبلون، فلا تقلدوا من تحرروا من القلق، إنما اطلبوا المخافة. 14. آداب الحضور في الكنيسة عندما تتم التلاوة، فإلى أن يجيء دور الآخرين يجب أن يبقى الرجال مع الرجال والنساء مع النساء(23). إنكم محتاجون أن أقدم لكم فلك نوح كمثالٍ، إذ كان فيه نوح وبنوه، وزوجته ونساء بنيه. فمع أن الفلك واحد والباب مغلق، لكن كل الأمور فيه كانت مرتبة ترتيبًا حسنًا. هكذا متى أغلقت الكنيسة وأنتم في داخلها، لينفصل الرجال مع الرجال، والنساء مع النساء، لئلا يكون علة خلاصكم فرصة للهلاك. إن وجد عذر مقبول لجلوسكم مع بعضكم البعض (أي جلوس رجل مع امرأة) فلتطرد شهواتكم!(24) بالأحرى ليت الرجال عند جلوسهم يكون معهم كتابًا مفيدًا، واحد يقرأ والآخر يستمع، وإن لم يوجد كتاب فليصل واحد وينطق آخر بكلام نافع. كذلك ليت الحدَثات يجلسن معًا بنفس الطريقة، يسبحن أو يقرأن بهدوء، فتتحرك شفاهن دون أن يسمع أحد أصواتهن، إذ لا يُسمح للمرأة أن تتكلم في الكنيسة (1 كو 14: 34؛ 1 تى 2: 12). وليتبع النساء المتزوجات نفس المثال ويصلين. لتتحرك شفاهن دون أن تُسمع أصواتهن حتى يوهب لهن "صموئيل"(25) -الذي معناه "الله الذي يسمع الصلاة"، إذ هكذا هو تفسير اسم "صموئيل"- وتلد نفوسهن العواقر الخلاص. 15. اقبلوا عمل الله سأرى غيرة كل رجل وتقوى كل امرأة. ليت ذهنكم يتنقى كما بنار في وقار! ليت نفوسكم تُصهر كالمعدن! ليت الشوائب تُزال، ويتبقى المعدن خالصًا. لينزع زغل الحديد، ويتبقى المعدن الحقيقي! ليظهر الله لكم الليلة الظلام الذي يتلألأ كالنهار، إذ قيل عنه: "الظلمة لا تظلم لديك، الليل مثل النهار يضيء" (مز 139: 12). لينفتح باب الفردوس في وجه كل واحدٍ منكم، عندئذ تبتهجون بمياه المسيح(26) التي لها رائحة ذكية. اقبلوا اسم المسيح(27)، وقوة الأمور الإلهية. الآن أرجوكم أن ترفعوا عيون أذهانكم، فتروا طغمات الملائكة، والله رب الجميع جالسًا مع الآب عن يمينه والروح القدس...، تنظرون العروش والسلاطين يخدمون (الثالوث القدوس)، ترون كل واحدٍ وواحدة منكم سيخلص. لتنصت آذانكم من الآن إلى الصوت المجيد الذي ستتغنى به الملائكة بسبب خلاصكم قائلة: "طوبى للذي غفر إثمه وسُترت خطيته"(28). وذلك عندما تدخلون ككواكب الكنيسة المتألقة جسدًا، ومتلألئة نفسًا. عظيم هو العماد الذي يوهب لكم فإنه(29): عتق الأسرى، غفران المعاصي، موت الخطية، ميلاد جديد للنفس، ثوب النور، ختم مقدس لا ينفيك، مركبة للسماوات، بهجة الفردوس، ترحيب في الملكوت، عطية التبنّي! لكن احذروا، فإنه توجد حيَّة في الخارج تترقب المارين. احترسوا لئلا تلدغكم بلدغات عدم الإيمان. إنها إذ ترى كثيرين يقبلون الخلاص تلتمس أن تبتلعه منهم (1 بط 5: 8). إنكم داخلون إلى أب الأرواح، لكنكم ستعبرون على هذه الحيّة. كيف تعبرون عليها؟ كونوا "حاذين أرجلكم باستعداد إنجيل السلام" (أف 6: 15)، حتى إذا لدغتكم لا تؤذيكم. فإذ يكون لكم إيمان حي ورجاء ثابت وصندل قوى تجتازون العدو وتدخلون إلى حضرة الرب. هيئوا قلوبكم لتقبل التعليم من أجل شركة الأسرار المقدسة. صلوا بأكثر مثابرة، لكي ما يجعلكم الله مستحقين للأسرار السمائية الخالدة. لا تنقطعوا عنها نهارًا وليلًا، بل عندما يُطرد النوم من عيونكم تحرر أذهانكم للصلاة. وإن ثار فيكم أي فكر معيب، حوّلوا أذهانكم إلى التأمل في الدينونة، فتتذكّرون الخلاص. قدموا أذهانكم كلها للدراسة، حتى تحتقروا الأمور الدنيئة. وإن قال لكم أحد: "هل أنت داخل لكي تغطس في الماء(30)؟ ألاّ توجد طرق أخرى للمدينة؟" أذكر هذا قول: "التنين الذي في البحر" (إش 27: 1) الذي يبث خداعاته ضدّك، فلا تنصت إلى شفتيه، بل أصغِ إلى الله الذي يعمل فيك. لاحظوا أنفسكم إلى النهاية، حتى لا تسقطوا في الشباك، فتعيشوا في رجاء، وتصيروا وارثين للخلاص الأبدي. 16. أنتم عملنا نحن نوصيكم ونعلمكم وأنتم كبناء لنا لا تكونوا خشبًا وعشبًا وقشًا حتى لا نفقد بناءنا فيحترق عملنا، بل كونوا ذهبًا وفضة وحجارة كريمة (1 كو 3: 12، 15). مهمتي أن أتكلم، وعملكم أن تصغوا بذهنكم فيما أقول(31)، وتركزوه في الله ليجعلكم كاملين. لنشدد أذهانكم وننهض نفوسكم على رجاء نوال الأبديات، والله الذي يعرف قلوبكم ويميز الصادق من المرائي قادر أن يحفظ من هو صادق النيّة، ويهب إيمانًا للمرائي، لأنه حتى غير المؤمن متى سلم قلبه لله قادر أن يهبه الإيمان. ليوف الله الصك الذي عليكم (كو 2: 14) ويهبكم غفران معاصيكم السابقة، ويغرسكم في كنيسته، ويجندكم في خدمته، ويلبسكم سلاح البر (2 كو 6: 7)، ويغمركم بخيرات العهد الجديد السمائية، ويعطيكم ختم الروح القدس الذي لا يمحى على مرِّ الأزمنة، في المسيح يسوع ربنا الذي له المجد إلى الأبد. آمين. إلي القارئ هذه المقالات التعليمية موجهة إلى الذين يستنيرون، فتُعطى للموعوظين المتقدمين للعماد وللمؤمنين الذي اعتمدوا فعلًا لكي يقرأوها، لكنها لا تُقدم دفعة واحدة للموعوظين... وإن كتبت نسخة منها فاكتب هذه في المقدمة. |
||||
07 - 11 - 2022, 03:43 PM | رقم المشاركة : ( 8 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب القديس كيرلس الأورشليمي - القمص تادرس يعقوب ملطي
اغتسلوا، تنقوا المقال الأول "اغتسلوا، تنقوا، اعزلوا شر أفعالكم من أمام عيني..." (إش 1: 16) 1. السماء تفرح بكم! يتوق تلاميذ العهد الجديد وشركاء أسرار المسيح أن يكون لهم قلب جديد وروح جديد، ليس بحكم عملهم بل وبالنعمة أيضًا، إذ تعم السعادة سكان السماء. لأنه إن كان كقول الإنجيل: "يكون هناك فرح من أجل خاطئ واحد يتوب" (لو 15: 7)، فكم بالأكثر يسعد سكان السماء بخلاص نفوس كثيرة؟! إذ كما لو كنتم داخلين ممرًا صالحًا مجيدًا، راكضين بوقار في جهادٍ وورعٍ. إن ابن الله الوحيد حّال هنا، ومستعد على الدوام أن يخلصكم، قائلًا: "تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم" (مت 11: 28). يا لابسي ثوب المعاصي الدنس، أيها المقيّدون بحبال خطاياكم، أنصتوا إلى صوت النبي القائل: "اغتسلوا، تنقوا، اعزلوا شر أفعالكم من أمام عيني" (إش 1: 16)، فإن طغمات الملائكة تترنم بسببكم قائلة: "طوبى لمن غفر إثمه، وسُترت خطيته" (مز 32: 1). يا من تضيئون مشاعل الإيمان، لا تسمحوا لها أن تنطفئ بين أيديكم حتى يهبكم -ذاك الذي قديمًا على جبل الجلجثة المقدس فتح باب الفردوس للص بسبب إيمانه- أن تسبحوا ترنيمة العرس. 2. اخلعوا الإنسان العتيق إن كان بينكم من هو عبد للخطية، فليستعد بالإيمان استعدادًا تامًا للميلاد الجديد في الحرية والتبني. وبخلع عبوديته لخطاياه المرذولة وارتدائه عبوديته للرب المطوّبة، يصير أهلًا لميراث ملكوت السماوات. اخلعوا "الإنسان العتيق الفاسد حسب شهوات الغرور" (أف 4: 22) بالاعتراف، حتى تلبسوا "الإنسان الجديد الذي يتجدد للمعرفة حسب صورة خالقه" (كو 3: 10). بالإيمان خذوا "عربون الروح القدس" (2 كو 1: 22) "لكي يقبلوكم في المظال الأبدية" (راجع لو 16: 9). تعالوا لتنالوا الختم السري حتى يعرفكم السيد بسهولة، وتكونوا محصيين بين قطيع المسيح المقدس الروحاني، ويكون مكانكم عن يمينه، فترثوا الحياة المعدة لكم. أما هؤلاء اللابسون ثوب خطاياهم الدنس فيبقون عن يساره، إذ لم يقتربوا بالمسيح إلى نعمة الله في الميلاد الجديد بالمعمودية. وإنني لا أعني بالميلاد الجديد ميلادًا جسديًا، بل ميلادًا روحيًا جديدًا للنفس، فوالدانا المنظوران يلدوننا حسب الجسد، أما أرواحنا فتُولد ميلادًا جديدًا بالإيمان. إذ "الريح تهب حيث تشاء" (يو 3: 8). عندئذ متى وُجدتم مستحقين، تسمعون الصوت القائل: "نعمًا أيها العبد الصالح والأمين" (مت 25: 21)، وذلك إن كان ضميركم غير ملوث بدنس الرياء. 3. اخلعوا الرياء إن ظن أحد الحاضرين في نفسه أن يجرب الله، فإنه يخدع نفسه ولا يختبر قوة الله. تحرر يا إنسان من الرياء، وذلك من أجل فاحص القلوب والكُلى (مز 7: 9). وكما أن الذين يتقدمون للحرب يفحصون أعمار المتقدمين للخدمة العسكرية ويختبرون لياقتهم البدنية، هكذا يختبر الرب نيّات الأرواح المجندة (ضد إبليس)، فإن وُجد في إحداها رياء خفيًا يطردها، إذ لا تصلح لخدمته الحقيقة، أما إن رأى من تستحق فإنه للحال يهبه نعمتها. إنه لا يعطى القدس للكلاب (مت 7: 6)، لكن من رأى فيه ضميرًا صالحًا يهبه ختم الخلاص، الختم الذي يرعب الشياطين وتعرفه الملائكة، يهرب منه الأولون، ويتطلع إليه الآخرون كأقرباء... لذلك يليق بمن يتقبل هذا الختم الروحي المخلص أن تكون له الأخلاق اللائقة به. وكما أن القلم والسهم يحتجان إلى من يستخدمها، هكذا تحتاج الخدمة إلى أذهان مؤمنة تستخدمها. 4. تأمل عظمة المركز الجديد إنك لا تتقبل درعًا فاسدًا، بل درعًا روحيًا! منذ الآن تُزرع في فردوس غير منظور! إنك تتسلم اسمًا جديدًا لم يكن لك من قبل، إذ كنت تُدعى موعوظًا، أما الآن فمؤمنًا! من الآن فصاعدًا تُطعم في زيتونة روحية (رو 11: 24)، إذ قُطعت من الزيتونة البرية، وطُعِّمت في الزيتونة الجيدة،نُزعت من الخطايا إلى البرّ، ومن الأدناس إلى النقاوة. ها أنت تصير شريكًا في الكرمة المقدسة! (يو 15: 1، 4، 5) حسنًا فإن ثبّت في الكرمة تنمو كغصنٍ مثمرٍ، وإن لم تثبت فيها تهلك بالنار. إذن لتحمل ثمرًا باستحقاق! فلا يسمح الله أن يحل بك ما حلّ بشجرة التين العقيمة (مت 21: 19)، إذ لم يأتِ بعد المسيح (للدينونة)، ولا لعننا بسب عُقمنا. لتكن لنا القدرة أن نقول: "أما أنا فمثل زيتونة مثمرة في بيت الله، توكلت على رحمة الله إلى الدهر والأبد" (راجع مز 52: 8)، وهنا لا نفهم الزيتونة بمعناها المادي، بل نفهمها ذهنيًا بكمال النور. فإن كان الله يزرع ويسقي(34)، فإنه يليق بك أن تأتي بثمار. الله يهب نعمته، وأنت من جانبك تتقبلها وتحافظ عليها. لا تحتقر النعمة من أجل مجّانيتها بل اقبلها واكتنزها بورع. 5. جاهد لتنال أكثر الآن وقت للاعتراف. اعترف بما تقترفه بالقول أو بالعمل، نهارًا وليلًا. اعترف في وقت مقبول وفي يوم خلاص (2 كو 6: 2)، فتتسلم الكنز السماوي. كرِّس وقتك للتلاوات، واظب على التعليم، تذكر ما تتلقنه، لأن ما يُقال لك هو ليس لأذنك فحسب، إنما بالإيمان اختمه في ذاكرتك. أمحِ من ذهنك كل اهتمام أرضي(35)، فإنك تركض من أجل نفسك، إنك تطلب أمور العالم فقط، وهذه قليلة بينما يهبك الله الأمور العظيمة! أطلب الأمور الحاضرة، لكن لتكن ثقتك في الأمور المقبلة. العلّك ركضت حلقات من السنين هذا عددها منهمكًا في العمليات الباطلة، ولا تتفرغ في الأربعين يومًا للصلاة(36) من أجل نفسك؟! يقول الكتاب: "كفوا واعلموا أني أنا الله" (مز 46: 10). اعف نفسك من التفوّه بكلمات كثيرة باطلة، وامتنع عن الوشايات، ولا تمل أذنك إلى النمامين، بل بالأحرى كن متأهبًا للصلاة، وليظهر قلبك متشددًا في التدبير النسكي. نقِ كأسك لتقبل فيضًا أكثر من النعمة! حقًا إن غفران الخطايا يوهب للجميع بالتساوي، لكن شركة الروح القدس تُوهب حسب إيمان كل إنسانٍ. فإن كنت تعمل قليلًا تنال قليلًا، وإن كثيرًا تكسب مكافأة عظيمة. إذن اركض لأجل نفسك واهتم بها. 6. نصائح ووصايا إن كان لك شيء على أحد أصفح عنه. فإذ تأتي هنا لنوال غفران خطاياك يلزمك أن تصفح لمن أخطأ ضدك. وإلا فبأي وجه تقول للرب: "اغفر لي خطاياي الكثيرة"، إن كنت لا تصفح عن أخطاء العبد رفيقك القليلة؟! واظب على اجتماعات الكنيسة بنشاطٍ، ليس فقط في هذه الوقت حيث يطالبك الكهنة بالمثابرة على الحضور، بل وبعد أن تنال النعمة، لأنه إن كنت قبل نوالها تعمل عملًا صالحًا، أفما يليق بالأكثر بعد نوالها؟! إن كنت وأنت لم تُطعم بعد لك فرصة آمنة لكي تُسقى ويُعتنى بك، فكم بالأولى بعد تطعيمك؟! صارع من أجل نفسك، خاصة في مثل هذه الأيام. أنعشها بالقراءات المقدسة، إذ يعد الرب لك مائدة روحية. عندئذ تقول مع المرتل: "الرب راعيّ فلا يعوزني شيء، في مراعٍ خضرٍ يربضني، إلى مياه الراحة يوردني، يرد نفسي" (مز 23: 1-3)، حتى الملائكة أيضًا تشاركك فرحتك، والمسيح نفسه رئيس الكهنة الأعظم إذ يتقبل صدق عزيمتك يُحضرك أمام الآب قائلًا: "ها أنا والأولاد الذين أعطانيهم الله" (عب 2: 13؛ إش 8: 18). ليحفظك الرب موضع سرور في عينه، هذا الذي له المجد والسلطان إلى دهر الدهور الأبدية. آمين. |
||||
07 - 11 - 2022, 03:52 PM | رقم المشاركة : ( 9 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب القديس كيرلس الأورشليمي - القمص تادرس يعقوب ملطي
التوبة وغفران الخطية المقال الثاني "بر البار عليه يكون، وشر الشرير عليه يكون، فإذا رجع الشرير عن جميع خطاياه التي فعلها، وحفظ كل فرائضي، وفعل حقًا وعدلًا، فحياة يحيا لا يموت..." (حز 18: 20-23). 1. الخطية لهيب نار متقدة! الخطية مرعبة للغاية، والعصيان مرض النفس الوبيل، إذ يشل طاقاتها خفية، ويجعلها مستحقة للنار الأبدية. إن الشر الذي يختاره الإنسان بنفسه هو نتاج الإرادة، وتظهر إرادتنا الحرة في ارتكاب الخطية من قول النبي بوضوح: "وأنا قد غرستك كرمة مثمرة، شجرة كاملة، فكيف تحولتِ إلى شجرةٍ بريةٍ وكرمةٍ غريبةٍ؟!" [راجع (إر 2: 21)] كان الزرع جيدًا ولكن الثمر جاء رديئا! فالزارع بريء، وأمّا الشجرة فتُحرق بالنار، لأنها زُرعت جيدة وبإرادتها حملت ثمرًا رديئًا. وكما يقول المبشر: "الله صنع الإنسان مستقيمًا، أما هم فطلبوا اختراعات كثيرة" (جا 7: 29). ويقول الرسول: "لأننا نحن عمله، مخلوقين... لأعمال صالحة وقد سبق الله فأعدها لكي نسلك فيها" (أف 2: 1-2). فالخالق صالح، خلقنا لأعمال صالحة، أما الخليقة فانحرفت إلى الشر بإرادتها الحرة. إذن الخطية كما قلنا شر مرعب للغاية، لكنها ليست بالمرض المستعصى شفاءه. هي مرعبة لمن يلتصق بها، لكن من يتركها بالتوبة يُشفى منها بسهولة. تصور إنسانًا يحمل نارًا في يديه، فإنه مادام يحمل الفحم يتأكد احتراقه، وإن ألقاها يلقى اللهيب أيضًا! لكن أن ظن أحد أنه لا يحترق إن أخطأ، فإن الكتاب المقدس يخبره قائلًا: "أيأخذ إنسان نارًا في حضنه ولا تحترق ثيابه؟!" (أم 6: 27) الخطية تحرق طاقات النفس (تكسر عظام الذهن الروحية، وتظلم نور القلب)(37). 2. اهتم بحياتك الداخلية! قد يقول قائل: ماذا يمكن أن تكون الخطية؟ هل هي شيء؟ هل هي ملاك؟ هل هي شيطان؟ ما هذه التي تعمل في داخلنا؟ يا إنسان، إنها ليست عدوًا يحاربك من الخارج، بل هي برعم يبزغ في داخلك. (احفظ نفسك(38))، ولا تنشغل بأمر آخر، فستنتهي أعمال اللصوصية(39) (التي للخطية). تذكر الدينونة، فلا يسيطر عليك الزنا ولا الدعارة ولا القتل ولا عصيان الشريعة، أما إن نسيت الله فالشر يراودك وترتكب المعصية. 3. الشيطان يخدعنا بأفكاره لست وحدك صانع الشر، بل يوجد من يدفعك إليه بعنف. إنه الشيطان الذي يقترح عليك الشر دون أن تكون له سيادة إلزامية على من يقبله. لذلك يقول المبشر: "إن صعدَت عليك روح المتسلط فلا تترك مكانك"(40). أغلق بابك واطرده بعيدًا عنك، فلا يصنع بك سوءًا، أما إن قبلت فكر الشهوة بغير مبالاة، فستتغلغل جذوره فيك، ويُفتن ذهنك بحيله، ويهوي بك في هاوية الشرور. قد تقول: أنا مؤمن، لا تقدر الشهوة أن تصعد إليّ حتى وإن فكرت فيها كثيرًا! أما تعلم أن جذع الشجرة بالمقاومة المستمرة يستطيع أن يحطم حتى الصخرة؟! فلا تسمح للبذرة أن توجد فيك حتى لا تمزق إيمانك وتحطمه. اقتلع الشر بجذره قبلما يزهر، لئلا بإهمالك في البداية تحتاج بعد ذلك إلى فؤوس ونار. عالج عينيك في الوقت المناسب عندما يلتهبان، لئلا تصير أعمى، وتحتاج إلى طبيب! 4. الشيطان يجرف معه البشرية الشيطان هو المصدر الأول للخطية وأب الأشرار. هذا القول ليس من عندي، بل هو قول الرب. "لأن إبليس من البدء يخطئ" (1 يو 3: 8، يو 8: 44)، إذًا لم يخطئ أحد من قبله. لكنه لم يخطئ عن إلزام، كأن فيه نزوع طبيعي للخطية، وإلا ارتدت علة الخطيئة إلى خالقه أيضًا، إنما هو خُلق صالحًا، وبإرادته الحرة صار إبليس، متقبلًا هذا الاسم من عمله. كان رئيس ملائكة، لكنه دُعي "إبليس" بسبب أضاليله. كان خادم الله الصالح، وقد صار مدعوًا شيطانًا بحق، لأن كلمة "شيطان" معناها "خصم". هذا التعليم ليس من عندي، بل هو تعليم حزقيال النبي الموحى به، إذ رفع مرثاة عليه قائلًا: "كنت خاتم صورة الله، وتاج البهاء، وُلدت في الفردوس" [(راجع (حز 28: 12-17)]. يعود فيقول بعد قليل: "عشت بلا عيب في طرقك من يوم خُلقت حتى وُجد فيك إثم". إنه بحق يقول: "حتى وُجد فيك إثم"، إذ لم يُجلب عليه من الخارج، بل هو جلبه لنفسه. وللتوّ أشار إلى السبب قائلًا: "قد ارتفع قلبك لجمالك بسبب كثرة خطاياك، طعنت فطرحت على الأرض". هذا القول يتفق مع قول الرب في الإنجيل: "رأيت الشيطان ساقطًا مثل البرق من السماء" (لو 10: 18). ها أنت ترى اتفاق العهدين القديم والجديد! عندما طُرد سَحَبَ معه كثيرين، إذ يبث الشهوات فيمن ينصتون إليه. منه تنبع الدعارة والزنا وكل أنواع الشر. خلاله طُرد أبونا بسبب العصيان، وتحول عن الفردوس ذي الثمر العجيب إلى الأرض المنبتة شوكًا. الرب يردنا ويخلصنا ماذا إذن؟ قد يقول قائل: لقد سُلبنا وفُقدنا، أما من خلاص لنا؟! لقد سقطنا، أما يمكن أن نقوم؟! صرنا عُمى، أما يمكن أن نشفي؟ وفى كلمة، نحن أموات ألا يمكن أن نقوم؟! الذي أقام لعازر بعد موته بأربعة أيام ونتنه، ألا يقدر بالأكثر أن يقيمك يا إنسان وأنت حي؟! ليتنا لا نستهين بأنفسنا يا إخوة! ليتنا لا نهجر أنفسنا، فنسلك في اليأس. إذ مخيف هو عدم الإيمان برجاء التوبة. لأن من لا يتطلع إلى (يرجو) الخلاص لا يكف عن أن يزيد الشر شرًا، أما من يترجى الشفاء بسهولة يقدر أن يعتني بنفسه. اللص الذي لا يترجى العفو ييأس، أما من يرجوه فغالبًا ما يأتي إلى التوبة. ماذا إذن؟! هل تنسلخ الأفعى عن جلدها، وأنت لا تخلع خطيتك؟! إن كانت الأرض المملوءة شوكًا متي فُلحِّت جيدًا تصير خصبة، أفلا نترجّى نحن الخلاص؟ حاشا! بل بالأحرى طبيعتنا تربة صالحة للخلاص، إنما نحتاج إلى الإرادة! 6. الله يحبك! الله محب البشر، لا يحبهم في مقاييس قليلة. لهذا لا تقل إنني ارتكبت الزنا والدعارة وفعلت خطايا فظيعة، ليس مرة بل مرات، فهل يغفر لي؟ هل يهبني عفوًا؟! اسمع ما يقوله المرتل: "ما أعظم جودك الذي ذخرته لخائفيك" (مز 31: 19)، فإن معاصيك المتراكمة لن تعلو مراحم الله الكثيرة. جراحاتك لن تغلب مهارة الطبيب الفائقة. سلِّم نفسك له بإيمان. أخبر الطبيب عن مرضك المزمن. قل أيضًا مثل داود: "قلت أعترف للرب بذنبي"، فيحدث معك ما قد حدث معه، فتقول للتو "أنت رفعت آثام خطيتي" (مز 32: 5). 7. أمثلة عن محبة الله لأناس ساقطين يا من أتيت لسماع التعاليم متأخرًا، أتريد أن ترى محبة الله المترفقة؟ أتريد أن تنظر حنو الله وغنى طول أناته؟! اسمع ما حدث مع آدم. آدم -أول خليقة الله البشرية- عصى الله، أما كان يمكن أن يُفرض عليه الموت فورًا؟! لكن أنظر ماذا فعل الله بالإنسان في محبته العظيمة؟ لقد طرده من الفردوس، إذ صار بالخطيئة غير مستحقٍ للعيش هناك، "وأقامه ليسكن مقابل الفردوس"(41) حتى متى تطلع إلى حيث سقط وتأمل ما كان عليه وما بلغ إليه، يخلص بالتوبة. قايين أول مواليد البشر صار قاتلًا لأخيه، مخترعًا كل الشرور، وأول الحاسدين والقتلة. ومع هذا بماذا حكم الله عليه بعد أن أزال أخيه من الوجود؟ "تكون متنهدًا ومرتعبًا على الأرض" (راجع تك 4: 12). يا لبشاعة الإثم، ويا لخفة الحكم! 8. وفي الطوفان هذه الأمور تكشف عن محبة الله المترفقة الحقيقية، لكنها قليلة إن قورنت بما يلي ذلك: تأمل ما حدث في أيام نوح فإن الجبابرة أخطأوا، وانتشر على الأرض شر عظيم بسببه حدث الطوفان. بقى الله يهدد خمسمائه عامًا، وفي المئة السادسة جاء بالطوفان على الأرض. تأمل مدى اتساع محبة الله المترفقة على مدى هذه المئات من السنوات! أما كان يمكنه أن ينفذ في الحال ما قد صنعه بعد انتظار مئات السنين! لكنه أمد في الزمن لكي يهبهم مهلة للتوبة فلو أنهم تابوا لما أخفقوا في التمتع بمحبة الله المترفقة. 9. ترفقه براحاب الزانية الوثنية تعال معي الآن إلى فئة أخرى خلصت بالتوبة. قد تقول امرأة ما: لقد ارتكبت الزنا والدعارة ودنست جسدي بكل أنواع الترف والإفراط فهل لي خلاص؟ حولي عينيك إلى راحاب، وتطلعي أيضًا إلى الخلاص. إن كانت زانية عامة تزني علنًا خلصت بالتوبة، أفما تخلص بالتوبة والصوم من سقطت في الزنا قبل قبولها النعمة؟! اسألي كيف خلصت؟ إنها فقط قالت: "الرب إلهكم هو الله في السماء من فوق وعلى الأرض من تحت" (يش 2: 1). إنها تقول: "إلهكم" دون أن تجسر لتنسبه لنفسها بسبب حياتها المملوءة ضلالًا. وإن أردتم التأكد من خلاصها بشهادة من الكتاب المقدس فإنك تجد في سفر المزامير: "أذكر راحاب وبابل بين الذين يعرفونني"(42) (مز 87: 4). يا لعظمة حنو الله المترفق، فإن الكتاب المقدس يشير حتى إلى الزانيات. إنه لا يقول: "اذكر راحاب وبابل" فقط بل يكمل "بين الذين يعرفونني"، فالخلاص نبلغه بالتوبة سواء كنا رجالًا أو نساء على قدم المساواة. 10. أمثلة أخرى لا، بل وإن أخطأ الشعب كله. فهذا ليس بكثير على حنو الله المترفق فقد صنع الشعب (القديم) عجلًا، ومع ذلك لم يكف عن محبته(43). هم أنكروا الله، أما هو فلم ينكر نفسه... ليس فقط الشعب، بل حتى هارون رئيس الكهنة أخطأ، إذ يقول موسى "وعلى هارون غضب الرب جدًا ليبيده فصليت أيضًا من أجل هارون في ذلك الوقت (فسامحه)". ماذا إذن؟ يصلى موسى من أجل رئيس كهنة مخطئ فيغلب الله (بالمحبة) بينما لا تقبل شفاعة يسوع ابنه الوحيد عند الآب؟! إن كان هرون لم يُمنع من الكهنوت السامي بسبب عصيانه، فهل تمنع من الدخول إلى الخلاص يا من أتيت من بين الأمم؟! فقط تب يا إنسان هكذا، فلا ترفضك النعمة! عُد بلا خجل إلى طريقك الذي للحياة، فإن الله بحق محب للبشر، ولا تقدر كل الأزمنة(44) أن تخبر عن محبته المترفقة، بل وكل الألسنة إن اجتمعت معًا لا تستطيع أن تخبر بما يليق بها. وإنما نحن نخبركم قليلًا مما ورد بشأن محبته للبشر المتحننة... 11. ترفقه بداود الساقط ... تعال إلى داود الطوباوي واقبله مثالًا للتوبة. فبقدر ما كان عظيمًا سقط. إذ قام من نومه وأخذ يتمشى على السطح في المساء، تاركًا لنفسه أن ينظر بغير حرصٍ، فشعر بشهوة بشرية. لقد أكمل خطيته لكنه لم يمت بسببها، وذلك بسبب صراحته في الاعتراف بها، عندما جاءه ناثان النبي كمتهم مفاجئ له ليشفي جرحه. إنه يقول له بأن الرب غاضب وأنت تخطيء. لقد عُرض الأمر على الملك الحاكم، فلم يتهاون داود الملك، إذ لم يهتم بمن يكلمه بل بالله الذي أرسله. إنه لم يتعجرف بحشود الجند المحيطين به، لأنه تطلع إلى جنود الرب الملائكية. لقد ارتعب إذ رأى من لا يُرى (عب 11: 7)، لهذا قال للرسول بل بالأحري أجاب الرب مرسله قائلًا: "أخطأت إلى الرب" (1 صم 12: 13). أنظر إلى تواضع الملك! تأمل اعترافه... لقد حدث كل شيء على وجه السرعة، فما أن ظهر النبي كمتهم حتى أعترف الخاطئ بخطيئته، وإذ أسرع بالاعتراف نال الشفاء بأقصى سرعة! فناثان الذي هدد هو بنفسه نطق للحال: "الرب أيضًا قد نقل عنك خطيتك". يا لعظمة رقة مراحم الله...! 12. هكذا إذن أراحه النبي، لكن الطوباوي داود إذ سمعه يقول: "الرب قد نقل عنك خطيتك"، لم يكف عن التوبة. ومع أنه كان ملكًا، لبس المسموح عوض الأرجوان، وجلس في الرماد عوض التاج الملكي... لا بل جعل الرماد طعامه، قائلًا: "إني قد أكلت الرماد مثل الخبز" (مز 102: 10). لقد غسل عينيه الشهوانيتين بالدموع قائلًا: "أعوِّم كل ليلة سريري، وبدموعي أبل فراشي" (مز 102: 7). وعندما سأله موظفوه أن يأكل خبزًا لم يسمع لهم، بل بقي صائمًا سبعة أيام كاملة. إن كان الملك قد اعترف هكذا، أفما يليق بك أيها الشخص العادي أن تعترف؟ أيضًا عند عصيان أبشالوم عليه كان أمامه طرق كثيرة للهروب، أما هو فاختار الهروب خلال جبل الزيتون (2 صم 15: 23)، وكأنه يناشد المخلص إذ من هناك صعد الرب إلى السماوات. وعندما لعنه شخص بمرارة قال "دعوه" (2 صم 16: 10)، عالما أن من يغفر يُغفر له! 13. رحمته مع سليمان وآخاب ملك السامرة لقد رأيت نفع الاعتراف. لقد أدركت كيف يوجد خلاص للتائبين. سليمان أيضًا سقط، لكنه قال: "إني تُبت"(45). أيضًا آخاب ملك السامرة، صار أشر عبدة الأوثان. صار إنسانًا وحشيًا قاتلًا للأنبياء(46)، غريبًا عن الصلاح، مغتصبًا حقوق الآخرين وكرومهم (1 مل 21: 19). لكنه عندما قتل نابال مخدوعًا من إيزابيل وجاءه إيليا النبي يهدده خلع ثيابه ولبس المسوح، فماذا قال الله الرحوم لإيليا؟ "هل رأيت كيف أتَّضَع (نُخس في قلبه) أخآب أمامي"؟ (1 مل 21: 29) وكان الله يريد أن يهدئ غيرة إيليا المتقدة من جهة التائب ويلطفها، إذ قال له: "لا أجلب الشر في أيامه". ومع تأكده أنه لا يترك شره سامحه، ليس جهلًا بما سيكون عليه في المستقبل، بل كواهبٍ للغفران حسب التوبة المقدمة في ذلك الوقت. فإن عدل الله يقتضيه أن يحكم في كل قضية حسبما هي عليه في حينها. 14. ومع يربعام وأيضًا يربعام كان قائمًا عند المذبح يقدم ضحايا للأوثان، يده ملطخة بالدماء، هذا عندما قبض علي النبي الذي وبخه، بخبرته أدرك قوة الواقف أمامه، فقال له: "تضرع إلى وجه الرب إلهك" (1 مل 13: 6) وبسبب هذا القول رجعت يده مرة أخرى كما كانت. إن كان النبي شفي يربعام، أفما يستطيع المسيح أن يشفيك وينقذك من خطاياك؟! ومع منسى وأيضًا كان منسى شريرًا إلى أبعد حد (2 مل 21: 2-7). لقد نشر إشعياء ومزقه، وتدنس بكل العبادات الوثنية، ولطخ أورشليم بدم الأبرياء، لكنه عندما أُسر استخدم خبرته في محنته مستعينًا بالتوبة كعلاج، إذ يقول الكتاب عنه أنه تواضع جدًا أمام الرب، وصلى إليه، فاستجاب له، ورده إلي مملكته (2 أي 33: 12). فإن كانت التوبة قد أنقذت من نشر النبي ومزقه، أفما تخلصك أنت يا مَنْ لم ترتكب مثل هذا الشر العظيم؟! 15. ومع حزقيا أتريد أن تعرف ما هي قوة التوبة؟ أتريد أن تعلم سلاح الخلاص القوي وتدرك قوة الاعتراف؟ حزقيا بالاعتراف ضرب خمسة وثمانين ألفًا ومائة من أعدائه (2 مل 19: 25). يا له من أمر عظيم، لكنه يحسب قليلًا بالنسبة لما أذكره لك. إذ بالتوبة استطاع الملك أن يحصل على تغيير في القول الإلهي الذي نطق به فعلًا. إذ لما مرض قال له إشعياء: "أوصِ بيتك، لأنك تموت ولا تعيش" (2 مل 20: 1). هل يمكن أن يقوم استثناء بعد، أو يوجد رجاء شفاء بعدما قال له النبي: "لأنك تموت"؟! لكن حزقيا لم يكف عن التوبة. وبتذكره ما هو مكتوب: "متى رجعت وبكيت تخلص" (راجع إش 30: 15)، اتجه بوجهه إلى الحائط وهو على سريره، رافعًا ذهنه إلى السماء (حيث لا تعوق الحائط بلوغ الصلوات بورعٍ إلى السماء) وقال: "أذكرني يا رب. يكفي أن تذكرني فأشفي!" (راجع إشعياء 38) إنك لا تخضع للزمان، بل أنت خالق القانون. أنت واهب قانون الحياة وتدبيرها حسب إرادتك، إذ لا تعتمد حياتنا على يوم ميلادنا، ولا على اقتران النجوم معًا في برجٍ واحد كما يظن البعض في غباوة. ذاك الذي كان يمكنه إلاّ يرجو الحياة بسبب العبارة النبوية، صار له خمسة عشر عامًا مضافة إلى حياته، وكانت العلامة أن الشمس رجعت إلى خلف عشر درجات (2 مل 20: 11). حسنًا! من أجل حزقيا رجعت، وأمّا من أجل المسيح انكسفت. لم ترجع درجات بل انكسفت معلنة بذلك الفارق بين حزقيا ويسوع! الأول أبطل قرار الله (بالتوبة)، أفما يقدر يسوع على غفران الخطايا؟! أرجعوا ونوحوا على أنفسكم! أغلقوا أبوابكم وصلوا لكي يغفر لكم! صلوا لكي ينزع عنكم النار المحرقة، لأن له السلطان أن يطفئ حتى النار، وله قوة أن يبكم حتى الأسود! 16. مع حنانيا وصاحبيه لكنك إن كنت لا تؤمن بهذا، فتأمل ما حدث مع حنانيا وصاحبيه، أي عواصف أطفأوها(47)؟! كم من مياه كانت تحتاج إليها النار لإطفاء لهيبها الذي ارتفع تسعة وأربعين ذراعًا إلى فوق(48)؟! فإذا ارتفع اللهب قليلًا(49) إلى العُلى، تدفق عليها الإيمان، إذ تكلموا ضد كل الشرور(50). إذن توبتهم أطفأت اللهب(51). إن كنت لا تؤمن بقدرة التوبة على إطفاء نار جهنم فلتتعلم هذا من حنانيا. لكن قد يقول أحد السامعين الحاذقين: هؤلاء الفتية خلصهم الله بعدل، إذ هم رفضوا الاشتراك في عبادة الأصنام فوهبهم الله هذا السلطان. إذ يثور هذا الفكر فإنني أقدم مثلًا آخر بخصوص التوبة(52) 17. ماذا تظن في نبوخذنصر؟ ألم تسمع عنه في الكتاب المقدس كيف كان متعطشًا لسفك الدماء، وحشًا كالأسد(53)؟! ألم تسمع عنه أنه أخرج إلى النور عظام الملوك من قبورهم (إر 8: 1؛ با 2: 25). ألم تسمع(54) أنه حمل الشعب إلى السبي؟ ألم تسمع أنه خلع عيني الملك بعدما أراه أولاده يذبحون؟! (2 مل 25: 7) ألم تسمع أنه كسر الشاروبيم إلى أجزاء؟! لست أقصد الشاروبيم غير المنظورين(55) -هذا ما لا يخطر على الفكر قط يا إنسان(56)- بل الصورتين المنحوتتين على غطاء التابوت الذي في وسطه يتكلم الله بصوته(57)، كما داس تحت قدميه حجاب القدس(58)، وأخذ مذبح البخور وحمله إلى مذبح الأوثان؟! (2 أي 26: 7) أخذ كل التقدمات، والهيكل حرقه من أساساته!(59) أية عقوبة شديدة يستحقها هذا من أجل ذبحه الملوك وحرقه القدس وسبيه الناس وحمله الأواني المقدسة إلى بيت الأوثان؟! أما يستحق الموت عشرات الألوف؟! 18. لقد رأيت تفاقم شروره! تعال لترى محبة الله الحانية! لقد تحول إلى وحش بري(60)، وتأدب بالسكنى في البرية لكي يخلص. لقد صارت له مخالب كالأسد(61)، إذ كان زائرًا علي القدس. أكل العشب كالثور، إذ كان بهيمي لا يعرف من الذي أعطاه المملكة. تبلل جسده بالندي، لأنه رأى النار تنطفئ بالندي ولم يؤمن(62). وماذا حدث؟ يقول(63): "بعد هذا أنا نبوخذنصر رفعت عيني إلى السماء... وباركت العلي، وسبحت وحمدت الحي إلى الأبد" (دا 4: 34). إذ عرف العلي(64) نطق بالحمد لله، وتاب عن فعله. لقد عرف ضعفه فأعاده الله إلى كرامة ملكه. 19. ماذا إذن؟ هل عندما اعترف نبوخذنصر الذي فعل كل هذه الأعمال ردّه إلى الملك وغفر له، وأنت عندما تتوب إلاّ يهبك مغفرة الخطايا وملكوت السماوات متى عشت في حياة بلا لوم؟! الرب محب للبشر، مسرع إلى المغفرة، لكنه يظهر العقوبة (التأديب)! إذن ليته لا ييأس أحد من خلاصه. فبطرس الرسول(66) أنكر الرب ثلاث مرات، لكنه تاب وبكي بمرارة. بالبكاء تطهر قلبه، فلم ينل فقط المغفرة عن إنكاره، بل وعاد إلى كرامة الرسولية كما كان. خاتمة إذ قدمت لكم يا إخوة أمثلة كثيرة لأناس أخطأوا وتابوا وخلصوا، فهل تعترفون أنتم أيضًا من قلوبكم للرب، حتى يجعلكم مستحقين للعطية السمائية وميراث ملكوت السماوات مع كل القديسين في المسيح يسوع الذي له المجد إلى أبد الأبد، آمين(67). |
||||
07 - 11 - 2022, 04:07 PM | رقم المشاركة : ( 10 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب القديس كيرلس الأورشليمي - القمص تادرس يعقوب ملطي
في العماد المقال الثالث "أم تجهلون أننا كل من اعتمد ليسوع المسيح اعتمدنا لموته، فدفنا معه بالمعمودية للموت..." (رو6: 3-4). 1. السماوات تفرح لاتحادكم بالعريس "لتفرح السماوات ولتبتهج الأرض" (مز 96: 11) من أجل أولئك الذين يُنضحون بالزوفا (1)، ويتطهرون بزوفا روحي(2) هو قوة ذاك الذي في آلامه قُدم له أن يشرب من زوفا وقصبة(3). فإذ تفرح القوات السمائية، ليته تستعد هذه النفوس التي تتحد مع العريس الروحي، فتسمع صوتًا صارخًا في البرية: "أعدوا طريق الرب" (إش 40: 3). إنه ليس أمرًا بسيطًا ولا شيئًا هينًا ولا اتحادًا حسب الجسد، بل هو اختيار الإيمان يقوم به الروح القدس فاحص الكل (1 كو 2: 20). إنه حيث توجد ثروة أو جمال يوافق العريس بسرعة، أما هنا فلا يطلب (العريس) جمال الإنسان بل نقاوة ضمير النفس. إنه لا يسعى إلى ماله بل ثروة النفس في الصلاح. 2. أعدوا طريق الرب يا أبناء البرَ، أنصتوا إلى نصيحة يوحنا، القائل: "اصنعوا طريق الرب مستقيمًا" (يو 1: 23). انزعوا العقبات وكل حجر عثرة لكي تسيروا تجاه الحياة الأبدية باستقامة. لتكن أواني النفس مستعدة، مطهرة بإيمان ثابت، لكي تتقبل الروح القدس. ابدأوا فورًا في غسل ثيابكم بالتوبة، حتى متى دعيتم إلى حجال العريس يجدكم أنقياء. حقًا إن العريس يدعو الجميع بغير تمييز، لأن نعمته غنية، وصوت الرسل يعلو صارخًا لكي يجمع الكل. لكن العريس نفسه يقوم بفرز من دخلوا معه في علاقة زوجية رمزية. آه ليته لا يسمع أحد ممن سُجلت أسماؤهم هذه الكلمات: "يا صاحب كيف دخلت إلى هنا وليس عليك لباس العرس؟" (مت 22: 12). ليتنا نسمع جميعًا: "نعمًا أيها العبد الصالح الأمين، كنت أمينَا في القليل، فأقيمك على الكثير. أدخل إلى فرح سيدك" (مت 25: 23). فإذ أنتم الآن جالسون خارج الباب، يهبكم الرب أن تقولوا: "أدخلني الملك إلى حجاله" (نش 1: 4)، "لتبتهج نفسي بالرب، لأنه قد ألبسني ثوب الخلاص. كساني رداء البهجة. توجني بعمامة(4)garland كعريس، وزينتني بحلي كعروس" (راجع إش 61: 10)، وبهذا تكون نفوسكم بلا دنس ولا شيء من هذا القبيل. لست أقصد أن يكون لكم هذا قبل نوالكم النعمة، إذ كيف يمكن أن يتحقق هذا؟! إذ أنتم مدعوّون لنوال غفران الخطايا! لكن حين توهبون النعمة يكون ضميركم غير ملوم، منسجمًا مع النعمة. 3. استعدوا للنعمة العظيمة يا إخوة، حقًا أنها العماد أمر خطير، يليق بكم أن تقتربوا إليه بكل اهتمام صالح. لقد اقترب وقت امتثال كل واحد منكم في حضرة الرب أمام عشرات الألوف من الأجناد الملائكية، والروح القدس يختم نفوسكم. إنكم تسجلون في جيش ملكٍ عظيمٍ. لذلك تزٌودوا بارتدائكم ليس لباسًا لامعًا، بل ورع النفس بضمير صالح. لا تنظروا إلى الجرن كماء بسيط، بل بالأحرى تطلعوا إلى النعمة الروحية التي توهب مع الماء. فكما أن التقدمات التي ترفع على مذابح الأوثان تتدنس بتكريسها للأصنام بالرغم من كونها بسيطة في طبيعتها، هكذا على النقيض يحمل الماء البسيط قوة جديدة للقداسة بتكريس الروح القدس والمسيح والآب. 4. تقدسوا بالماء والروح للإنسان طبيعة ذات جانبين هما النفس والجسد، هكذا تحمل التنقية جانبين: جانب غير مادي من أجل ما هو غير مادي (النفس)، وجانب جسداني من أجل الجسد. الماء ينظف الجسد، والروح يختم النفس. بهذا تقترب إلى الله بقلب مرشوش بالروح، وجسد مغتسل بالماء (عب 10: 22). إذن عندما تنزلون في الماء لا تفكروا في المادة المجردة، بل تطلوا إلى الخلاص بقوة الروح القدس. لأن بدونهما -كلاهما- لا يمكن أن تصيروا كاملين. وما أقوله هذا ليس من عندي، إنما هو كلام الرب يسوع صاحب السلطان في هذا الأمر. إنه يقول: "إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله" (راجع يو 3: 3). فمن يعتمد بالماء ولا يكون متأهلًا للروح (بسبب سوء نيته) لا يتقبل نعمة الكمال، كذلك إن كان فاضلًا في أعماله ولم يتقبل الختم بالماء لا يدخل ملكوت السماوات. هذا القول فيه جسارة، لكنه ليس مني، بل أعلنه يسوع. وفيما يلي برهان على ذلك بشهادات من الكتاب المقدس. كان كرنيليوس إنسانًا بارًا، تكرم برؤية ملائكة، وصعدت صلواته وصدقاته تذكارًا صالحًا أمام الله في السماء. جاءه بطرس وانسكب الروح القدس على المؤمنين، وتكلموا بألسنة وتنبأوا، وبعد نعمة الروح يقول الكتاب إن بطرس أمرهم أن يعتمدوا باسم يسوع المسيح (راجع أع 10: 48) حتى تولد النفس مرة أخرى بالإيمان، ويكون للجسد شركة في النعمة بواسطة الماء. 5. لماذا اختار الماء للعماد؟ إن أراد أحد أن يعرف سبب إعطاء النعمة بواسطة الماء دون سواه، فليتعلم هذا من الكتاب المقدس. الماء شيء عظيم، وهو ألطف العناصر المنظورة التي يتكون منها العالم... فقبل الأيام الست التي فيها تكونت الأشياء كان "روح الله يرف على وجه المياه" (تك 1: 2). الماء هو بدء العالم، كما أن الأردن هو بداية بشارة الإنجيل. خلاص إسرائيل(5)من فرعون كان خلال البحر، وخلاص العالم من الخطيئة يتم بغسل الماء بكلمة الله (أف 5: 26). وحيث يقطع عهد يكون الماء أيضًا. فبعد الطوفان قطع عهد مع نوح، ومن جبل سيناء كان هناك عهد بماء وصوفًا قرمزيًا وزوفا (عب 9: 19)... إيليا صعد بوجود الماء، إذ عبر أولًا على الأردن وبعد ذلك ارتفع في مركبة إلى السماء. رئيس الكهنة كان يلزمه أن يغتسل قبل أن يقدم بخورًا، إذ اغتسل هارون وبعد ذلك صار رئيس كهنة، لأنه كيف يقدر أن يصلي عن الآخرين من لم يتطهر بالماء؟! كذلك كانت توجد مرحضة في خيمة الاجتماع تشير إلى المعمودية. 6. العماد خاتمة العهد القديم وبداية الجديد العماد هو خاتمة العهد القديم وبداية العهد الجديد، إذ قام به يوحنا الذي ليس من بين مواليد النساء من هو أعظم منه. إنه نهاية الأنبياء "لأن جميع الأنبياء والناموس إلى يوحنا تنبأوا" (مت 11: 13). وهو بكر ثمار الإنجيل إذ قيل: "بدء إنجيل يسوع المسيح... كان يوحنا يعمد في البرية" (مر 1: 41). قد تشير إلى إيليا التسبيتي الذي أُخذ إلى السماء، لكنه مع هذا ليس أعظم من يوحنا. أخنوخ انتقل، ومع ذلك ليس أعظم من يوحنا. موسى مستلم الشريعة العظيم جدًا، وكل الأنبياء نُعجب بهم لكنهم ليسوا أعظم من يوحنا. إنني لست أتجاسر فأقارن بين الأنبياء بالأنبياء، لكن سيدهم وسيدنا، الرب يسوع، أعلن ذلك قائلًا: "الحق أقول لكم لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا" (مت 11: 11). إنه لم يقل "بين المولودين من العذارى"، بل "بين المولدين من النساء". فالمقارنة هنا بين الخادم العظيم وزملائه من الخدام، أما سموّ الابن ونعمته فيفوقان كل مقارنة... انظر كيف اختار الله إنسانًا عظيمًا كأول خادم للنعمة؟! اختار إنسانًا لا يملك شيئًا، محبًا للبرية، لكنه غير مبغض للبشرية. يأكل الجراد وتطير نفسه تجاه السماويات. يقتات بالعسل، ويتحدث عن أمورٍ أحلى من العسل وأقْيَم منه، يلبس ثوبًا من وبر الإبل، مقدمًا نفسه مثالًا للحياة النسكية. تقدَّس بالروح وهو بعد محمول في أحشاء أمه! إرميا تقدس، لكنه لم يتنبأ وهو في الرحم (إر 1: 5)، إنما يوحنا وحده الذي ركض بابتهاج وهو محمول في الرحم (لو 1: 44). ومع أنه لم يرَ سيده بعينيه الجسديتين لكنه عرفه بالروح. فإذ كانت نعمة العماد عظيمة لهذا تطلَّبت أن يكون موجدها عظيمًا أيضًا. 7. اعترفوا بخطاياكم كان هذا الرجل يعمد في الأردن فخرجت كل أورشليم (مت 3: 5) لتتمتع ببكورات العماد، إذ يوهب لأورشليم امتياز في كل عملٍ صالحٍ. تعلموا يا سكان أورشليم كيف كان يعمد الخارجين إليه، "المعترفين بخطاياهم" (مت 3: 6). لقد كانوا يكشفون له جراحاتهم، ويقدم لهم العلاج، فيخلص الذين يؤمنون من النار الأبدية. وإن أردت فحص هذه النقطة، أي أن عماد يوحنا يخلصهم من التهديد بالنار، اسمعوا قوله: "يا أولاد الأفاعي من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي" (مت 3: 7). لا تكن بعد أفعى. فإذ لك جلد أفعى قديم، أي حياتك الماضية، اخلعه عنك. لأن كل أفعى تزحف في جحر وتتخلص من جلدها القديم، وبهذا يتجدد شباب جسدها. هكذا ادخل أنت أيضًا من الطريق الكرب الضيق (مت 7: 13-14)، واخلع القديم بالأصوام، واترك ذاك الذي يهلكك. اخلع الإنسان العتيق مع أعماله (كو 3: 9.). وقل مع نشيد الأناشيد: "قد خلعت ثوبي فكيف ألبسه؟!"(6). لكن ربما يكون فيكم مرائي أو من يحب إرضاء الناس، ومن يتظاهر بالتقوى دون أن يكون له إيمان القلب، فيكون له رياء سيمون الساحر، فيأتي لا ليتقبل النعمة بل ليتجسس على ما يُعطى هنا. ليته يتعلم أيضًا من يوحنا "الآن قد وُضعت الفأس علي أصل الشجر، فكل شجرة لا تصنع ثمرًا جيدًا، تُقطع وتلقى في النار" (مت 3: 10). إن الديّان لا يتهاون، اخلع عنك الرياء! 8. ثمار التوبة العملية إذن ماذا يليق بكم أن تفعلوا؟! وما هي ثمار التوبة؟ "من له ثوبان فليعطِ من ليس له" (لو 3: 11). المعلم بهذا مستحق للثناء، إذ مارس بنفسه ما علَّم به. لهذا لم يخجل من أن ينطق بهذا، إذ ضميره لم يخالف لسانه. "ومن له طعام فليفعل هكذا". أتريد أن تتمتع بنعمة الروح القدس، ومع ذلك تحكم بأن الفقير غير مستحق للطعام المادي؟! أتطلب الخيرات العظيمة وأنت لا تجود بالخيرات البسيطة؟! حتى إن كنت عشارًا أو زانيًا ترجَ الخلاص، فإن العشارين والزناة يسبقونكم إلى ملكوت الله (مت 21: 31)، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام المقالات والكتب الأخرى. لقد شهد بولس بذلك قائلًا: "لا زناة ولا فاسقون... يرثون ملكوت الله، وهكذا كان أناس منكم. لكن اغتسلتم بل تقدستم" (1 كو 6: 9-11). إنه لم يقل "هكذا فيكم أناس" بل "كان أناس منكم". إذ الخطية المرتكبة بجهل يُعفي عنها، أما عناد الشرير فيُدان عنه. 9. يا لعظمة المسيح واهب العماد إن كان لكم الابن نفسه، ابن الله الوحيد، كمجد العماد فلماذا أتكلم بعد عن إنسان؟! حقًا كان يوحنا عظيمًا، لكن ماذا يكون يوحنا بجانب الرب؟! إنه صوت صارخ، لكن ماذا يكون إن قورن الصوت بالكلمة؟! هذا الرسول نبيل جدًا، لكن ماذا يحسب إن قورن بالملك؟! نبيل هو هذا الذي عمد بماء، لكن ماذا يكون إن قورن بالذي يعمد بالروح القدس ونار؟! (مت 3: 11) إذ عمد المخلص الرسل بالروح القدس ونار عندما "صار بغتة من السماء صوت كما من هبوب ريح عاصفة، وملأ كل البيت حيث كانوا جالسين. وظهرت لهم ألسنة منقسمة كأنها من نار واستقرت على كل واحدٍ منهم، وامتلأ الجميع من الروح القدس" (أع 2: 2-4). 10. معمودية الدم من لا ينال المعمودية لا يتمتع بالخلاص، اللهم إلا الشهداء الذين يتقبلون الملكوت حتى بدون ماء. لأنه عندما طُعن المخلص في جنبه لخلاص العالم بصليبه أفاض دمًا وماء، لكي يتعمد من هم في زمن السلم بالماء، ومن هم في وقت الاستشهاد بدمهم. اعتاد الرب أن يدعو الاستشهاد عمادًا قائلًا: "أتستطيعان أن تشربا الكأس التي أشربها أنا، وأن تعتمدان (تصطبغان) بالمعمودية (الصبغة) التي اعتمد بها أنا؟! (مر 10: 38)... 11. في المعمودية رضض الرب رؤوس الشيطان لقد قدس يسوع المعمودية باعتماده بنفسه. إن كان ابن الله قد اعتمد فكيف يمكن أن يكون ورعًا من يحتقر العماد؟! إنه لم يعتمد لينال غفران خطايا، إذ هو بلا خطيته. لكنه إذ هو هكذا بلا خطية اعتمد ليهب المعمَّدين نعمة سماوية علوية. "فإذ قد تشارك الأولاد في اللحم والدم اشترك هو أيضًا كذلك فيهما" (عب 2: 14)، حتى إذ تشاركنا بحضوره في الجسد نصير شركاء معه في نعمته الإلهية. هكذا اعتمد يسوع لكي بشركتنا معه نتقبل الخلاص والكرامة. جاء في أيوب أنه كان في المياه الوحش الذي "اندفق الأردن في فمه" (أي 40: 23)، وكان يلزم تحطيم رؤوسه (مز 74: 14)، لهذا نزل (السيد) وربط القوي في المياه، حتى نال قوة فيها إذ يكون لنا سلطان أن ندوس على الحيات والعقارب (لو 10: 19). كان الوحش عظيمًا ومرعبًا، لا يقدر أي قارب صيد أن يقاوم ضربة واحدة من ذيله(7)، ثائرًا على كل من يلتقي به. لقد نزل "الحياة" إليه ليلتقي معه، فيسد فم الموت هناك، عندئذ إذ نخلص نقول: "أين شوكتك يا موت؟! أين غلبتك يا قبر؟!" (راجع 1 كو 10: 55) لقد نُزعت شوكة الموت بالعماد. 12. بالمعمودية ندفن ونقوم في برّ إنكم تدخلون المياه حاملين خطاياكم، وبابتهال النعمة التي تختم نفوسكم لا يعود يبتلعكم الوحش المرعب. إذ تنزلون أمواتًا في الخطايا تصعدون أحياء في البرّ. فان كنتم قد صرتم متّحدين مع المخلص بشبه موته تصيرون جديرين أيضًا بقيامته (رو 6: 5). لأنه كما حمل يسوع خطايا العالم ومات، حتى بإماتته الخطية نقوم في برٍّ، هكذا بنزولكم في الماء إذ تُدفنون فيه، كما دُفن هو في الصخرة، تقومون أيضًا سالكين في جدة الحياة (رو 6: 4). 13. بالمعمودية ننال سلطانًا لمقاومة إبليس أضف إلى هذا، أنكم إذ تتأهلون للنعمة يهبكم سلطانًا لمحاربة القوات المضادة. فكما جُرب أربعين يومًا بعد عماده، لا لأنه كان عاجزًا عن نوال النصرة قبل ذلك، بل أراد أن يفعل كل شيءٍ بترتيبٍ حسنٍ وتدبيرٍ صالحٍ، هكذا أنتم أيضًا على نفس المثال بعد نوالكم النعمة تصيرون واثقين في سلاح البرّ (2 كو 6: 7)، فتدخلون المعركة وتكرزون بالإنجيل إن أردتم، أنتم الذين كنتم قبل العماد لا تتجاسرون على الصراع مع المقاومين (الشياطين). 14. بالمعمودية ننال التبني يسوع المسيح هو ابن الله، ومع هذا لم يكرز قبل العماد بالإنجيل (الذي جوهره هو التمتع بالتبني لله خلال السيد المسيح). إن كان السيد نفسه قد اتبع هذا الوقت المناسب اللائق، فهل يجوز لنا نحن خدامه أن نخالفه النظام؟! إذ "من ذلك الزمان ابتدأ يسوع يكرز" عندما "نزل عليه الروح القدس بهيئة جسيمة مثل حمامة" (مت 4: 17؛ لو 3: 22) لا لكي يراه يسوع فيعرفه، إذ هو يعرفه قبلما يأتي عليه على هيئة جسيمة، إنما لكي يراه يوحنا الذي يعمده إذ يقول: "لكن الذي أرسلني لأعمد بالماء ذاك قال لي الذي ترى الروح نازلًا ومستقرًا عليه فهذا هو الذي يعمد بالروح القدس" (يو 1: 23). إن كنت أنت أيضًا تحمل درعًا قويًا، فإن الروح القدس يحل عليك، والآب يكلمك من فوق من الأعالي ليس قائلًا: "هذا هو ابني" بل "الآن صرت ابني"، لأن فعل المضارع في "هذا يكون ابني" يخص الابن وحده الذي "في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله" (يو 1: 1)، فهو وحده الذي يقال له: "هو يكون ابني" إذ هو على الدوام ابن الله. أما أنت فيُقال لك: "الآن تكون" إذ لا تحمل بنوة طبيعية بل تتقبلها بالتبني. هو ابن سرمدي، أما أنت فتقبل النعمة مؤخرًا. 15. استعد مهما بلغت خطاياك ليكن إناء نفسك مُهيأ لتصير ابن لله ووارث مع المسيح (رو 8: 17). إن كنت حقًا تُعد نفسك لتقبل هذا، إن كنت بحق تقترب إلى الإيمان لتكون مؤمنًا، إن كنت تخلع الإنسان العتيق من أجل غرض أمامك، فإن كل ما اقترفته يُغفر لك، سواء الزنا أو الدعارة أو أي شكل من أشكال الفسق. أية خطية أعظم من أن يَصلب الإنسان المسيح، ومع هذا فإن العماد يغسلها! لأنه هكذا تحدث بطرس مع الثلاثة آلاف الذين جاءوا إليه. هؤلاء الذين صلبوا الرب، إذ سألوه قائلين: "ماذا نصنع أيها الرجال الإخوة؟!" (أع 2: 37) فإن الجرح عظيم؟! لقد جعلتنا يا بطرس نفكر في خطيتنا بقولك: "رئيس الحياة قتلتموه" (أع 3: 51). فأي تضميد يصلح لجرحٍ عظيمٍ كهذا؟! أي تطهيرٍ يكون لغباوة كهذه؟! أي خلاصٍ لهلاكٍ مثل هذا؟! إنه يقول: "توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح ربنا لغفران الخطايا، فتقبلوا عطية الروح القدس" (أع 2: 38). يا لحب الله المترفق غير المنطوق به؟! مع أنهم كانوا بلا رجاء من جهة خلاصهم، لكنهم مع ذلك تأهلوا للروح القدس! هل رأيت قوة المعمودية؟! إن كان أحدكم يصلب المسيح بكلمات تجديفه، إن كان أحدكم ينكره في جهلٍ أمام الناس، إن كان أحدكم يجدف على التعاليم بكلمات شريرة، فليتب، وليكن له رجاء صالح، لأن النعمة حاضرة إلى الآن. 16. تشجعوا... الرب يطهركم! "تشجعي يا أورشليم فإن الرب ينزع عنكِ كل آثامك"، "الرب يغسل دنس أبنائه وبناته بروح القضاء وبروح الإحراق"، "سيرش عليكم ماء طاهرًا، فيطهركم من كل خطاياكم" (راجع صف 3: 14، 15؛ إش 4: 4؛ حز 36: 25). إن الملائكة سترقص حولكم قائلة: "من هذه الطالعة في ثوب أبيض مستندة على حبيبها" (راجع نش 8: 5). لأن النفس التي كانت قبلًا عبدة تبناها سيدها كقريبة له، وإذ يرى أمامه غاية راسخة يجيب: "ها أنت جميلة يا حبيبتي. ها أنت جميلة... أسنانك كقطيع الجزائر الصادرة من الغسل، وذلك بسبب الاعتراف بضميرٍ صالحٍ، كل واحدة متئم" (نش 1:4، 2) وذلك بسبب النعمة ذات الجانبين "أي توأم": أقصد أنها تصير كاملة بالماء والروح، أو النعمة المعلنة في العهدين القديم والجديد. ليت الله يسمح أن تذكروا جميعكم ما أقوله لكم عندما تنهون فترة الصوم، وتأتون بثمر أعمال صالحة، فتقفوا أمام العريس الروحي بلا لوم وتنالوا غفران خطاياكم من الله الذي له المجد مع الابن والروح القدس إلى الأبد. آمين. |
||||
|