رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
وصية يسوع الجديدة في خطبة الوداع: أحبوا بعضكم بعضًا
الأحد الخامس: وَصِيَّة يسوع الجديدة في خطبة الوداع: أَحِبُّوا بَعضُكم بَعضاً (يوحنا 13: 31-35) النص الإنجيلي (يوحنا 13: 31-35) 31 لَمَّا خَرَجَ قالَ يسوع: ((الآنَ مُجِّدَ ابنُ الإِنسان ومُجِّدَ اللهُ فيه وإِذا كانَ اللهُ قد مُجِّدَ فيه32 فسَيُمَجِّدُه اللهُ في ذاتِه وبَعدَ قليلٍ يُمَجِّدُه. 33 يا بَنِيَّ، لَستُ باقِياً مَعَكُم إِلاَّ وَقْتاً قليلاً فستَطلُبوني وما قُلتُه لِليَهود أَقولُه الآنَ لَكُم أَيضاً: حَيثُ أَنا ذاهِب لا تَستَطيعونَ أَن تَأتوا. 34 أُعْطيكم وَصِيَّةً جَديدَة: أَحِبُّوا بَعضُكم بَعضاً. كما أَحبَبتُكم أَحِبُّوا أَنتُم أَيضاً بَعَضُكم بَعْضًا. 35 إذا أَحَبَّ بَعضُكُم بَعضاً عَرَف النَّاسُ جَميعاً أَنَّكُم تَلاميذي. 36 فقالَ لَه سِمعانُ بُطرُس: ((يا ربّ، إلى أَينَ تَذهَب؟)) أَجابَ يسوع: ((إلى حَيثُ أَنا ذاهبٌ لا تَستَطيعُ الآنَ أن تَتبَعَني، ولكِن ستَتبَعُني بَعدَ حين)). 37 قالَ له بُطرُس: ((لِماذا لا أَستَطيعُ أَن أَتَبَعَكَ الآن؟ لأَبذِلَنَّ نَفْسي في سَبيلِكَ)). 38 أَجابَ يسوع: ((أَتبذِلُ نَفْسَكَ في سبيلي؟ الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكَ: لا يَصيحُ الدِّيكُ إِلاَّ وقَد أَنكَرتَني ثَلاثَ مَرَّات. مقدمة يصف إنجيل يوحنا (يوحنا 13: 31-35) في الأحد الخامس للفصح وداع يسوع لتلاميذه في العشاء الأخير حيث يعطيهم وصية جديدة هي المحبة وهدفها "الإخوة". ولأن الله "أب" وكل الناس أبناؤه، فهم إذًا إخوة أحدهم للآخر. ولما كانت البنوة هي أهم العناصر في علاقة الإنسان الصحيحة بالله، فهكذا أيضًا الأخوة في علاقة الإنسان برفقائه من البشر. والأخوة هي العلاقة التي تربط أبناء نفس الأبوين، وهي تمتد إلى الأقارب فأفراد العشيرة أو الوطن الواحد. إن المثل الأعلى للمجتمع في المسيحية هو أن توجد مثل هذه العلاقة بين جميع الناس بلا حدود أو تمييز. والمحة عي خلاصة قانون السلوكيات بين الإنسان وأخيه الإنسان (متى 22: 39، 40)، وكل إنسان نتعامل معه (لوقا 10: 29-37) حتى الأعداء (لوقا 6: 35). وبدون محبة الإنسان، تكون محبة الله مستحيلة، وما أحوج الناس في عصرنا الحالي إلى هذه المحبة. ومن هنا تكمن أهمية البحث في وقائع النص الإنجيلي وتطبيقاته. أولا: وقائع النص الإنجيلي (يوحنا 13: 31-35) 31 فلَمَّا خَرَجَ قالَ يسوع: ((الآنَ مُجِّدَ ابنُ الإِنسان ومُجِّدَ اللهُ فيه وإِذا كانَ اللهُ قد مُجِّدَ فيه تشير عبارة "فلَمَّا خَرَجَ" إلى خروج يهوذا الإسخريوطي الخائن من العلية وأخْذِه اللقمة في العشاء الأخير، وخرج يهوذا العنصر الفاسد من وسط جماعة الرسل، لأنه ما كان للفساد أن يبقى على الدوام في وسطهم، إذ حكم الفساد على نفسه بالانعزال عنهم. ويُعلق القديس أوغسطينوس "إننا نحن ظل مجده، الذي سيتحقق حين ينفصل الأشرار تمامًا، ويقطن (المسيح) مع القديسين في الحياة الأبدية". وعند خروج يهوذا فتح يسوع قلبه لأحبائه المُخلصين معلنًا تعزيته لهم ومؤكداً لهم أنَّه لن يتركهم وحدهم بل سيرسل لهم الروح القدس المُعزِّي، وهتف بهذه الكلمات القوية: "الآنَ مُجِّدَ ابنُ الإِنسان ومُجِّدَ اللهُ فيه". تبدو هذه الكلمات في ظاهرها خارجة عن السياق، وفي الواقع، إنها حانت الساعة التي يستطيع فيها يسوع أن يكشف عن كل الحب الذي جاء يُقدِّمه، حبّ يصل حتى إلى التلميذ الذي ينكر ويخون، حبّ يمنح الحياة، والمجد هو أقصى حد ٍ ممكن من الحب. أمَّا عبارة "الآنَ" فتشير إلى وقت خدمته على الأرض التي كانت على وشك الانتهاء بموته، لان يهوذا قد ذهب لجلب الشرطة للقبض عليه وتسليمه إلى قاتليه. وهكذا بدأ الوقت في تحقيق التدبير (الآلام) حيث يموت يسوع، وذلك عندما خرج يهوذا بعد اللقمة لتتميم عمله ضد يسوع. ويعلق القديس أوغسطينوس "ربما تشير كلمة "الآن" لا إلى الآلام الوشيكة الحدوث، بل إلى ما يتبعها مباشرة من قيامته، كما لو كان الأمر قد تمَّ فعلا". أمَّا عبارة "إِذا كانَ" فلا تشير إلى الشك بل إلى التأكيد. فالشرط وجواب الشرط مؤكدان. قام المسيح بتواضعه بتمجيد الله الآب حيث أنَّ الله الآب مجَّد الابن برفعه إياه على الصليب كما صرَّح يسوع "كما رَفَعَ مُوسى الحَيَّةَ في البَرِّيَّة فكذلِكَ يَجِبُ أَن يُرفَعَ ابنُ الإِنسان" (يوحنا 3: 14). أمَّا عبارة "مُجِّدَ" فتشير إلى تجلِّي الله عن طريق تمجيد علني للمسيح أمام الناس، أي انتصاره بالصليب على أعدائه، وهم الشيطان والخطيئة والموت مُحقِّقا الخطة الإلهية. وتمجَّد الآب من خلال طاعة يسوع الكاملة حتى الموت إذ " تجرَّدَ مِن ذاتِه مُتَّخِذًا صُورةَ العَبْد وصارَ على مِثالِ البَشَر وظَهَرَ في هَيئَةِ إِنْسان فَوضَعَ نَفْسَه وأَطاعَ حَتَّى المَوت مَوتِ الصَّليب" (فيلبي 2: 7-8). ويتمجّد الآب بموت الابن، لان الابن يخضع لإرادة الآب، وكلما تمجَّد الابن يتمجَّد الآب. ويُعلق العلامة أوريجانوس "أن المجد هنا هو "المعرفة" التي لا يعرفها سوى الآب والابن ومن يريد الابن أن يُعلنها له (متى 11: 27)، المعرفة التي لا يعلنها لحم ودم بل الآب السماوي (متى 16: 17)". والفعل "مُجِّدَ " يشير إلى الماضي وكأنَّ الأحداث قد وقعت؛ وهذا أسلوب الكتاب المقدس حينما يتكلم عن أحداث ستحدث يقينا؛ وهنا يكشف يسوع عن حب الله للبشر من خلال طاعته للآب وقبوله الموت على الصليب. فالصليب هو مكان تمجيد يسوع (يوحنا 3: 14). أمَّا عبارة "ابنُ الإِنسان" فتشير إلى لقب يسوع الذي سبق وأشار إليه دانيال النبي (دانيال 7: 9-15) حيث تفتح السماوات على الأرض في شخص يسوع (أشعيا 63: 19) ويصبح الاتصال بالله الذي أنبا به حلم يعقوب حقيقة دائمة (التكوين 28: 17)؛ وقد اعتاد اليهود إعطاء يسوع هذا اللقب (متى 1: 23) واستحسن يسوع هنا هذا اللقب مُبيِّنا انه لم يتمجَّد التمجيد المقصود هنا إلاَّ باتضاعه معتبرًا نفسه إنسان خادم للبشر، ويُعلق العلامة أوريجانوس "يتحقق المجد في "ابن الإنسان" نتيجة لموته فداءً عن البشر؛ والموت لا يخصُّ الكلمة الابن الوحيد الذي بطبيعته لا يموت، بل يخصُّ الإنسان، الذي هو أيضًا "ابن الإنسان" المولود من نسل داود حسب الجسد (رومة 1: 3)". أعظم تمجيد لابن الإنسان هو موته فداء عن البشرية. أمَّا عبارة "مُجِّدَ اللهُ فيه" فتشير إلى الله الذي يتمجَّد حين قدًّم يسوع المسيح نفسه ذبيحة على الصليب للآب ليتمجد الآب بطاعة الابن له، وبرجوع الناس إليه كما جاء في تعليم بولس الرسول " تَجرَّدَ مِن ذاتِه مُتَّخِذًا صُورةَ العَبْد وصارَ على مِثالِ البَشَر وظَهَرَ في هَيئَةِ إِنْسان فَوضَعَ نَفْسَه وأَطاعَ حَتَّى المَوت مَوتِ الصَّليب" (فيلبي 2: 7-8). هذا الأمر يدل انه كلما تمجَّد الابن تمجَّد الآب كون الآب والابن واحد في القصد والعمل. تمجَّد الآب بموت الابن، لان الابن خضع به لإرادة الآب كل الخضوع، وأعلن به قداسة الله وعدله وبغضه للخطيئة ورحمته للخاطئ وخلاصه للبشر. ويعلق العلامة أوريجانوس "لم يكن ممكنًا ليسوع أن يتمجد إن كان الآب لا يتمجد فيه". بالمسيح ظهرت محبة الله الآب للبشر (يوحنا 16:3). وإن كان الآب قد تمجَّد في ابنه فإن الآب سيُمجِّد ابنه في ذاته، لأنه متحد به اتحادا كاملاً، وبالتالي فمجد الآب هو مجد الابن، ومجد الابن هو مجد الآب، إذ لا يمكن فصل دور الآب عن دور الابن في تحقيق خلاص العالم. إنها محبة الآب هي التي قدَّمت لنا الصليب (يوحنا 3: 16؛ رومة 5: 8). إنه الآب الذي في المسيح هو الذي صالح العالم معه (2 قورنتس 5: 19). إنه الآب الذي باركنا في المسيح، إذ اختارنا قبل تأسيس العالم (أفسس 1: 3-4). وقد تكرَّرت كلمة المجد في الآيات (31-32) خمس مرات لتأكيد قبول الآب لذبيحة ابنه يسوع المسيح. وكما أن تمجيد الله كانت غاية المسيح من كل ما قال وعمل واحتمل كذلك ا يجب أن تكون غايتنا العظمى هو تمجيد الله الآب في كل شيء. 32 فسَيُمَجِّدُه اللهُ في ذاتِه وبَعدَ قليلٍ يُمَجِّدُه تشير عبارة "فسَيُمَجِّدُه اللهُ" إلى جواب الشرط " إِذا كانَ اللهُ قد مُجِّدَ فيه ". إن الله يُمجِّد ابنه يسوع برفعه إياه في نهاية اتضاعه لخلاص البشر كما جاء في تعليم بولس الرسول " لِذلِك رَفَعَه اللهُ إِلى العُلى ووَهَبَ لَه الاَسمَ الَّذي يَفوقُ جَميعَ الأَسماء " (فيلبي 2: 9). اتضاع الابن هو الحد الفاصل بين تمجيد الابن للآب، وتمجيد الآب للابن برفعه إياه، وهذا الاتضاع هو موت الابن وقيامته وصعوده إلى السماء وحلول الروح القدس. فكانت نهاية اتضاع الابن بداية تمجّده. يمجِّد الله ابنه في آلامه وصلبه حيث شهدت الطبيعة نفسها أنه ابن الله، وآمن قائد المائة، كما آمن به اللص اليمين. ما أعظمه من تمجيد ابن الإنسان بموته عن البشرية. وبتمجيده أعلن حب الآب الذي بذل ابنه الوحيد عن العالم، إنها محبة الآب التي ظهرت لنا الصليب (يوحنا 3: 16؛ رومة 5: 8). لذا يعلق العلامة أوريجانوس أن المجد هنا هو "المعرفة" التي لا يعرفها سوى الآب والابن، ومن يريد الابن أن يعلنها له (متى 11: 27)، المعرفة التي لا يعلنها لا لحم ولا دم بل الآب السماوي (متى 16: 17). أمَّا عبارة " في ذاتِه" فتشير إلى ذات الله الذي يتمجَّد بالمسيح وبسببه. وحين يُمجَّد المسيح يصير بجسده كما بلاهوته في الآب (1 يوحنا 1: 1). أمَّا عبارة "وبَعدَ قليلٍ يُمَجِّدُه" في الأصل اليوناني εὐθὺς δοξάσει αὐτόν (معناها سيمجّده حالا) فتشير إلى الله الذي سيمجِّد ابنه يسوع المسيح من خلال قيامته وصعوده وجلوسه عن يمين الآب، وخضوع البشر له يوم يأتي حالا للدينونة مع ملائكته (يوحنا 17: 1-5)، لان كل وسائل التمجيد كانت متعلقة بموته الذي كان على وشك الوقوع. فمن ناحية يتمجّد الآب بالصليب معلنًا حبه الإلهي نحو البشرية؛ ومن ناحية أخرى يتمجّد يسوع، ابن الإنسان، لأن الآب اختاره مخلصًا للعالم. وبكلمة موجزة، بعد رحيل يهوذا الإسخريوطي أعلن يسوع أن ساعة تمجيده قد دنت. إن الله يُمجّد في موت الابن. وتمجيد ابن الإنسان ليس فقط في الحاضر، أنما أيضا في المستقبل عند إتمام إرساليته الإلهية (يوحنا 13: 32). 33 يا بَنِيَّ، لَستُ باقِياً مَعَكُم إِلاَّ وَقْتاً قليلاً فستَطلُبوني وما قُلتُه لِليَهود أَقولُه الآنَ لَكُم أَيضاً: حَيثُ أَنا ذاهِب لا تَستَطيعونَ أَن تَأتوا" تشير عبارة "بَنِيَّ" في الأصل اليوناني τεκνία إلى اسم للتحبُّب الذي يوجّهه المعلم الإلهي إلى تلاميذه، وهو تعبير يحمل عاطفة قوية وعناية كبيرة بهم وحنوًا عظيمًا، كحنو الأم نحو رضيعها. وفي ذلك إشارة إلى ضعفهم، إذ كان التلاميذ خدامًا قبل أن يكونوا أبناء صغارًا، كما هو واضح من كلمات يسوع "أَنتُم تَدعونَني ((المُعَلِّمَ والرَّب)) وأَصَبتُم فيما تَقولون" (يوحنا 13: 13). وبعد قيامة المُخلص، هؤلاء الذين دعاهم " بَنِيَّ" صاروا له إخوة كما قال يسوع إلى مريم المجدلية "اذَهبي إلى إِخوَتي، فقولي لَهم" (يوحنا 20: 17). والجدير بالملاحظة، أن العبد صار تلميذًا، وبعد ذلك ابنًا صغيرًا، ثم أخًا للمسيح ثم ابنا لله. أمَّا عبارة "وَقْتاً قليلاً" فتشير إلى موضوع وقت موت يسوع وقيامته وصعوده إلى الآب (فصل 13، 14، 15). ولكن التلاميذ لا ينفصلون عن يسوع نهائياً كما ستكون الحال مع اليهود، وكأنَّه يقول لهم: حقًا إنني سأتمجَّد بقيامتي، لكننَّي لا أصعد فورًا إلى السماء، بل "أنا معكم زمانًا قليلًا بعد". وفي الواقع قضي يسوع أربعين يومًا مع تلاميذه بعد قيامته (أعمال الرسل 1: 3)، لكنه لم يكن معهم في شركة الضعف البشري؛ أمَّا عبارة " وما قُلتُه لِليَهود "فتشير إلى قول يسوع لليهود "أَنا باقٍ مَعَكم وَقْتاً قليلاً ثُمَّ أَذهَبُ إِلى الَّذي أَرسَلَني. ستطلبونني فلا تَجدوني وحَيثُ أَكونُ أَنا لا تَستطيعونَ أَنتُم أَن تَأتوا (يوحنا 7: 33-34). وفي موضع آخر وضَّح يسوع قوله "أَنا ذاهِب سَتَطلُبوني ومعَ ذلك تَموتونَ في خَطيئَتِكم وحَيثُ أَنا ذاهِبٌ فَأَنتُم لا تَستَطيعونَ أَن تَأتوا" (يوحنا 8: 21). أمَّا عبارة "لا تَستَطيعونَ أَن تَأتوا" فتشير إلى عدم مقدرة اليهود الذهاب إلى حيث يذهب يسوع بسبب عدم إيمانهم كما أعلنه يسوع "أَنا ذاهِب سَتَطلُبوني ومعَ ذلك تَموتونَ في خَطيئَتِكم وحَيثُ أَنا ذاهِبٌ فَأَنتُم لا تَستَطيعونَ أَن تَأتوا" (يوحنا 8: 21) وإشارة أيضا إلى عدم مقدرة التلاميذ حالياً الذهاب إلى حيث يذهب يسوع، إذ كان عليهم أن يخدموا المسيح على الأرض "وإِذا ذَهَبتُ وأَعددتُ لَكُم مُقاماً أَرجعُ فآخُذُكم إِلَيَّ لِتَكونوا أَنتُم أَيضاً حَيثُ أَنا أَكون"(يوحنا 14: 3). إن تمجيد يسوع يتمّ عن طريق الموت (الرفع على الصليب) (يوحنا 8: 28) وهذا الذهاب الذي أُعلنه يسوع لليهود (يوحنا 8: 21) يفصل التلاميذ أيضا عن يسوع إلى حين، لان التلاميذ سوف يرونه (يوحنا 14: 18) بل يكون حاضرا لديهم بطريقة سامية بعد عودته إلى الآب. 34 أُعْطيكم وَصِيَّةً جَديدَة: أَحِبُّوا بَعضُكم بَعضاً. كما أَحبَبتُكم أَحِبُّوا أَنتُم أَيضاً بَعَضُكم بَعْضاً تشير عبارة "أُعْطيكم" إلى عطاء المسيح لتلاميذه. والديانة اليهودية كانت تستعمل فعل "أعطى" في الكلام عن الشريعة دلالة للنعمة. أمَّا عبارة "وَصِيَّةً جَديدَة" فتشير إلى وصية جديدة، لأنها أصبحت سمة تلاميذ يسوع وعلامتهم الفارقة كما جاء في رسالة يوحنا الرسول "وَصِيَّتُه هي أَن نُؤمِنَ بِاسمِ ابنِه يَسوعَ المسيح وأَن يُحِبَّ بَعضُنا بعضًا كَما أَعْطانا وَصِيَّةً بِذلك" (1 يوحنا 3: 23)، وصية جديدة أيضا لأنها تجعل من الدخول في الجماعة الأخيرية شرطا جوهريا، وهي جديدة أيضا بقدر ما تقتضي تواضعا ورغبة في الخدمة يحملان على اختيار المكان الأخير وعلى الموت في سبيل الآخرين. والوصية هي امر وجب القيام به بشكل ضروري. أمَّا عبارة "أَحِبُّوا بَعضُكم بَعضا" في الأصل اليوناني ἀγαπᾶτε ἀλλήλους (معناه حبّ الآخر من أجل ذاته)فتشير إلى المحبَّة الأخوية التي أصبحت سمة يتميز بها التلاميذ عن غيرهم؛ وما المحبة الأخوية إلا ّتعبير عن محبة الله. " كما أَحبَبتُكم أَحِبُّوا أَنتُم أَيضاً بَعَضُكم بَعْضاً". فلا عجب أن تكون وصية يسوع الجديدة هي المحبة. وتظهر الأهمية الكبرى التي أعطاها يسوع لهذه الوصية في تكراره لها مرتين في نفس الليلة (يوحنا 15: 12-17). أمَّا عبارة "كما أَحبَبتُكم" فتشير إلى نموذج جديد لوصية لمحبة، وهو محبة المسيح. يُوصينا يسوع المسيح بأن نحب بعضنا بعضاً، بقدر حبه لنا، محبة مجانية شاملة. ولكن كم هو أحبنا؟ يعطينا بولس الرسول الجواب "سِيروا في المَحَبَّةِ سيرةَ المسيحِ الَّذي أَحبَّنا وجادَ بِنَفسِه لأَجْلِنا ((قُربانًا وذَبيحةً للهِ طَيِّبةَ الرَّائِحة " (أفسس 5: 2). فالدافع إلى محبة المسيحيين بعضهم لبعض هو انتماء جميعا إلى المسيح الفادي وتوصيته لهم بها. أمَّا عبارة “أَحِبُّوا أَنتُم أَيضاً بَعَضُكم بَعْضاً" فتشير إلى المحبة التي تبلغ نموها التام في جماعة يسودها التبادل والعطاء وحسن القبول كما يوضِّح بطرس الرسول "كَيْما يُحِبَّ بَعضُكم بَعضًا حُبّاً أَخَوِّيًا بلا رِياء. فلْيُحِبَّ بَعضُكم بَعضاً حُبًّا ثابِتًا بِقَلبٍ طاهِر"(1 بطرس 1: 22). 35 إذا أَحَبَّ بَعضُكُم بَعضاً عَرَف النَّاسُ جَميعاً أَنَّكُم تَلاميذي تشير عبارة "عَرَف النَّاسُ جَميعاً أَنَّكُم تَلاميذي" إلى المحبة الأخوية التي هي العلامة الفارقة لتلميذ يسوع، وبدونها لا يستطيع احدٌ أن يدّعي انه تلميذه. المحبة هي العلامة المميزة للتلمذة، ومن ثم محكَّها في محبتهم بعضهم لبعض. فالحياة في المحبة الأخوية هي الدليل المثالي على حضور محبة الله في حياة الناس، كما جاء في صلاة يسوع "يَعرِفَ العالَمُ أَنَّكَ أَنتَ أَرسَلتَني وأَنَّكَ أَحبَبتَهم كَما أَحبَبتَني" (يوحنا 17: 23). أمَّا عبارة "جَميعاً" فتشير إلى كل الناس سواء أصحاب أو أعداء. أمَّا عبارة " تَلاميذي" فتشير للعلاقة السامية الخاصة بين المسيح وتلاميذه الذين عاشروه لفترة طويلة. ومن هذه العشرة صارت لهم نفس صفات السميح كما يقول المثل المأثور " قل لي من تعاشر أقول لك من أنت". وجرى المسيحيون الأولون على هذه الوصية كما جاء في شهادات الرومانيين الوثنيين " " انظر كيف يحب هؤلاء المسيحيون بعضهم بعضا. فان كلا منهم مستعد أن يبذل حياته لأجل الآخر". وقال وثني آخر فيهم " انهم يحب أحدهم الآخر قبل أن يتعرف به". تلك المحبة عي علامة واضحة لأبناء الله كما جاء في رسالة يوحنا الرسول " نَحنُ نَعلَمُ أَنَّنا انتَقَلْنا مِنَ المَوت إِلى الحَياة لأَنَّنا نُحِبُّ إِخوَتَنا. مَن لا يُحِبُّ بَقِيَ رَهْنَ المَوت" (1 يوحنا 3: 14)، وهي علامة للناس يعرفونه بها "مَن أَحَبَّ أَخاه أَقامَ في النُّور ولم يَكُنْ فيه سَبَبُ عَثرَة" (1 يوحنا 2: 10). وهي العلامة التي يُميز بها الله أولاده "إِذا قالَ أَحَد: ((إِنِّي أُحِبُّ الله)) وهو يُبغِضُ أَخاه كانَ كاذِبًا لأَنَّ الَّذي لا يُحِبُّ أَخاه وهو يَراه لا يَستَطيعُ أَن يُحِبَّ اللهَ وهو لا يَراه" (1 يوحنا 4: 20). ثانياً: تطبيقات النص الإنجيلي (يوحنا 13: 31-35) انطلاقا من هذه الملاحظات الوجيزة حول وقائع النص الإنجيلي (يوحنا 13: 31-35)، يمكن أن نستنتج انه يتمحور حول خطاب سيدنا يسوع المسيح في وداعه في العشاء الأخير؛ ويُعبّر هذا الخطاب عن وصيته الجديدة في المحبة الأخوية. ومن هنا نبحث في نقطتين: وصية جديدة، وأوج جِدّة الوصية الجديدة في المحبة الأخوية: 1) لماذا وصية جديدة: يعطي سيدنا يسوع المسيح في العشاء الأخير "وَصِيَّةً جَديدَة: أَحِبُّوا بَعضُكم بَعضاً. كما أَحبَبتُكم أَحِبُّوا أَنتُم أَيضاً بَعَضُكم بَعْضاً" (يوحنا 13: 34).وترد عبارة "وصية جديدة" أربع مرات في العهد الجديد، مرة في إنجيل يوحنا، وثلاث مرات في رسائل يوحنا (1 يوحنا 2: 7 و8، 2 يوحنا 5). وتتكرر هذه الوصية مراراً في العهد الجديد (يوحنا 51: 21 و71 ورومة 13: 8، 1 بطرس 1: 22 و1 يوحنا 3: 11 و23، 4: 7 و11 و12)، دون أن تسمى جديدة. تُوجَدُ أكثَرُ من خمسمائة وَصِيَّة في الكتابِ المُقدَّس. هذه الوَصايا مُلَخَّصَةٌ في الوَصايا العَشر (خُرُوج 20: 3-17وتَثنِيَة 5: 7-21). وإن كلمة وصية في الأصل اليوناني تشير إلى الصفة (ἐντολή) لا تعني هنا مجرد القانونية، أي وثيقة يُعْلِن فيها الشخص إرادته الأخيرة، إنما تتضمن فكرة شريعة الوحي الإلهي، أساس الحياة الدينية والاجتماعية. فيسوع المسيح عَهِدَ إِلَى تلاميذه وَكَلَّفَهُمَ بأسلوب للحياة، ونسق في العمل أساسه النحبة. وقد اختار الرب يسوع نفس الكلمة "وصية" التي تصف شريعة العهد القديم، مما يعنى أن لوصيته نفس السلطان الذي للشريعة. وقد وصف الرسول بولس "المحبة" بأنها "شَريعةِ المسيح" (غلاطية 6: 2). كما يؤكد أيضا يعقوب الرسول عن وصية المحبة، إنها: "الشَّريعَةِ السَّامِيَةِ" (يعقوب 2: 8)، "الشَّريعَةِ الكامِلَة، شَريعَةِ الحُرِّيَّة" (يعقوب 1: 25). مرّت وصية المحبة في ثلاث مراحل. مرحلة الغاب، حيث ما كان الإنسان يُحبّ غيرَ نفسه، أي القوي يقتل الضعيف. خلفتها مرحلة الدّيانة اليهودية، وهي "العَينُ بِالعَين، والسِّنُّ بِالسِّنّ" (تثنية الاشتراع 19: 21)، إلى أن جاءت وصيّة الوحي الجديدة، أي المرحلة الثّالثة: وهي " أَحبِبْ قَريبَكَ حُبَّكَ لِنَفسِكَ " (متى 19: 19). بهذا المعنى قال بولس: " اِلبَسوا عَواطِفَ الحَنانِ واللُّطْفِ والتَّواضُع والوَداعةِ والصَّبْر. اِحتَمِلوا بَعضُكم بَعضًا، واصفَحوا بَعضُكم عن بَعضٍ إِذا كانَت لأَحَدٍ شَكْوى مِنَ الآخَر. فكما صَفَحَ عَنكُمُ الرَّبّ، اِصفَحوا أَنتُم أَيضًا. والبَسوا فَوقَ ذلِك كُلِّه ثَوبَ المَحبَّة فإنَّها رِباطُ الكَمال. (كولسي 2: 12-14). وفي موضع آخر يقول " لَو كانَ لِيَ الإِيمانُ الكامِلُ فأَنقُلَ الجِبال، ولَم تَكُنْ لِيَ المَحبَّة، فما أَنا بِشَيء" (1 قورنتس 13: 2). فديانة لا مكان فيها، لا لمحبّة الله ولا للقريب، هي ليست ديانة. وكلمة "جديدة" في الأصل اليوناني (καινός) معناها، في هذا النص الإنجيلي، الانتعاش والتجديد حيث يصف يوحنا الإنجيلي وصية المحبة الأخوية بالجديدة. ولهذا النظام الجديد ميزة خاصة في كتابات يوحنا الحبيب "هذهِ الوَصِيَّةُ القَديمة هي الكَلِمَةُ الَّتي سَمِعتُموها. على أَنَّها أَيضًا وصِيَّةٌ جَديدة أَكتُبُ بِها إِلَيكم" (1يوحنا 2: 8). فالوصية قديمة، فقد جاءَ في سفر الأحبار: "أحبِبْ قَرِيبَكَ حُبَّكَ لِنَفسِكَ" (أحبار 19: 18)، لكن الصليب قدَّمها لنا بأعماقٍ جديدةٍ، وهبنا انتعاشًا لإمكانية ممارستها بمفهومٍ جديدٍ كما يعلق القديس أوغسطينوس "" لماذا يُسمِّي الربُّ إذاً جديدًا ما هو واضحٌ أنَّه قديم؟ أم هي وصيَّةٌ جديدةٌ لأنَّ المؤمنَ يخلعُ الإنسانَ القديمَ ويلبسُ الإنسانَ الجديد؟ ليسَ كلُّ محبةٍ تجدِّدُ من يسمعُ هذه الوصيَّةَ ويعملُ بها، بل المحبَّةُ التي ميَّزَها الربُّ عن المحبَّةِ الجسديَّةِ فقط، ولذلك قال: "كَمَا أحبَبْتُكُم أنَا" (يوحنا 13: 14). لهذا أحبَّنا، حتى نُحِبَّ بعضُنا بعضًا. ومنَحَنا هذه المحبَّةَ لنكونَ متَّحدِين بالمحبَّةِ المتبادَلةِ فيما بينَنا، فنكونُ جسدًا لهذا الرأسِ الرفيع، ربِّنا يسوعَ المسيح. 2) ما هي أوجه الوصية الجديدة؟ نجد وصية المحبة الأخوية في العهد القديم (أحبار 19/ 17-18،34) إلا إن وصية يسوع تعتبر جديدة بمثالها وبمصدرها وبمقياسها وبدوافعها وبارتباطها بالعهد الجديد وبعلامتها الفارقة وبشموليتها وبأسلوبها. ا) وصية جديدة بمثالها يجب على التلاميذ أن يحبّوا بعضهم بعضا، لأنَّ يسوع قد أحبَّهم. المحبة الأخوية هي وصية قديمة وردت في شريعة موسى "أَحبِبْ قَريبَكَ حُبَّكَ لِنَفسِكَ (الأحبار 19: 18)، ومع ذلك فان وصية المسيح جديدة في نوعية الحب. فقد أحب يسوع إلى اقصى الحدود " لَيسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعظمُ مِن أَن يَبذِلَ نَفَسَه في سَبيلِ أَحِبَّائِه"(يوحنا 15: 13). المحبة وصية جديدة لأنَّه مطلوب أن نُحبّ كما أحبّنا الرب يسوع، ونحن نعرف كم أحبّنا الربّ يسوع، حتّى النقطة الأخيرة من دمه على الصليب. لقد أحبّ الربّ يسوع تلاميذه بكلّ نكران للذات، في أسمى درجات المحبّة الإنسانيّة وفي أسمى درجات التضحية. فالمسيح جَسّد الحب. وحيث أنه إنسان، عاش في حب بنوي مع الله مُكرّسا نفسه للآب (لوقا 2: 49)، وعاش في جو من الصلاة والشكر (مرقس 1:35)، خصوصاً في تتميم الإرادة الإلهية (يوحنا 4:34)، وكان في حالة الإصغاء الدائم إلى الله (يوحنا 5: 30). وأحب تلاميذه حبا مجانيا، وبرهن على حُبِّه بالخدمة والتواضع فغسل أَقدامَ التَّلاميذ، وَمسَحَها بِالمِنديلِ (يوحنا 13: 5)، وبذل ذاته على الصليب لأجل أحبائه كما يصرِّح إنجيل يوحنا " يَبذِلُ يسوع نَفْسَه في سَبيلِ الخِراف"(يوحنا 10: 12). وبصفته إله، أتى يسوع ليعيش حبَّه لأجل البشر وبينهم. جاء يسوع لإعطاء حياته كلها، ليس فقط لبعض أحبائه (يوحنا 11: 3)، بل للجميع (مرقس 10: 54). وقد اعتنى بالجميع، وخاصة بالمنبوذين والخطأة (لوقا 7: 36-50). واختار من يشاء لكي يجعلهم تلاميذه وأحباءه (يوحنا 15: 10-16). وعلى الصليب، كشف يسوع شدة حبِّه لكي يسطع ببهاء طاعته للآب (فيلبي 2: 8) ومحبته لخاصته "كانَ قد أَحَبَّ خاصَّتَه الَّذينَ في العالَم، فَبَلَغَ بِه الحُبُّ لَهم إلى أَقْصى حُدودِه" (يوحنا 13: 1). كما أنَّ عظمة محبة الرب يسوع جعلته " يضع نفسه لأجل أحبائه" (يوحنا 15: 13)، كذلك ينبغي لنا أن نضع نفوسنا لأجل الإخوة كما جاء في تعليمات يوحنا الرسول" وإِنَّما عَرَفْنا المَحبَّة بِأَنَّ ذاكَ قد بَذَلَ نفْسَه في سَبيلنِا. فعلَينا نَحنُ أَيضًا أَن نَبذُلَ نُفوسَنا في سَبيلِ إِخوَتِنا"(1 يوحنا 3: 16). ومن هذا المنطلق، لا يمكن للمؤمن أن يغلق أحشاءه أمام مؤمن آخر في احتياجه (1 يوحنا 3: 17)، بل واجبه أن يبذل ما يملك لمعونة الآخر وبركته. فهذه الوصية جديدة بمثلها الأعلى وهو يسوع المسيح. ويتَّسم الحب بان نبذل الغالي والرخيص في سبيل أحبائنا. وبعبارة أخرى، أعطى يسوع مثال محبتنا لبعضنا البعض مثال محبته لنا، ولذلك يدعونا حب المسيح إلى المعاملة بالمثل. ب) وصية جديدة بمصدرها وصية المحبة الأخوية هي جديدة بمصدرها، لأنَّها عمل الله فينا: لن يتّسنى لنا أن نكون رحماء مثل الآب السماوي "كونوا رُحَماءَ كما أَنَّ أَباكُم رَحيم" (لوقا 6: 36)، ما لم يسكب الروح في قلوبنا المحبة "لأَنَّ مَحَبَّةَ اللّه أُفيضَت في قُلوبِنا بِالرُّوحَ القُدُسِ الَّذي وُهِبَ لَنا" (رومة 5: 5). وفي هذه الصدد جاءت صلاة يسوع الكهنوتية "لتكن فيهم المحبة التي إياها أحببتني فأكون أنا فيهم" (يوحنا 17: 26). فالمحبة هي النتيجة الطبيعية لبركة الله، وليست شرطاً لها، إذ إن الوصية تعبِّر عن كيف يجب أن يتصرف الإنسان الذي يعيش فعلا في فرح بركة الله. "لا تَستَطيعونَ أَنتُم أَن تُثمِروا إِن لم تَثبُتوا فيَّ (يوحنا 15: 4). ج) وصية جديدة بمقياسها تطلب وصية المحبة الواردة في سفر الأحبار محبة القريب (الأحبار 19: 18)، كما يحب الإنسان نفسه، حيث أنَّ مقياس المحبة عند اليهود يكمن في عدم الخروج عن وصايا الله وعدم إيذاء القريب، وأمَّا مقياس المحبة في العهد الجديد فهو محبة القريب كما أحبنا المسيح وبذل نفسه في سبيلنا (يوحنا 13: 1). وصية المحبة وصية قديمة، لكن الصليب قدمَّها لنا بأبعاد جديدة. ويعلق الكاردينال اللاهوتي شارل جورنيه "حين يكبر الحبّ، فإنّ مقياس الحبّ يكبر أيضًا"، لذلك علينا أن نحب كما أحبنا المسيح يعني أن نحب نفس محبة الله الآب للابن يسوع المسيح كما جاء في صلاة يسوع الكهنوتية "عَرَّفتُهم بِاسمِكَ وسأُعَرِّفُهم بِه لِتَكونَ فيهمِ المَحبَّةُ الَّتي أَحبَبتَني إِيَّاها وأَكونَ أَنا فيهِ "(يوحنا 17: 26). ويُذكرنا يوحنا الإنجيلي "فإِذا أَحَبَّ بَعضُنا بَعضًا فالله فينا مُقيمٌ ومَحَبَّتُه فينا مُكتَمِلَة " (1 يوحنا 4: 12) وبذلك تكون " وصية المحبة " جديدة، لأنها تدعونا لا أن نعكس صورة هذه المحبة فحسب، بل أن نمارس عمليا محبة الله الآب لابنه -وهي محبة لم تظهر بمثل هذه القوة، قبل تجسُّد الرب يسوع المسيح وموته لأجلنا على صليب الجلجلة. ويقوم مقياس المحبة عند المسيح على بذل الذات " لَيسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعظمُ مِن أَن يَبذِلَ نَفَسَه في سَبيلِ أَحِبَّائِه "(يوحنا 15: 13). ويكم هذا المقياس أن يحب الناس للأخرين ما يُحبون لأنفسهم، وان يحبُّوا في الناس المسيح الذي احبّهم وان يحبُّوا بلا قيود وبلا حدود. من يحب المسيح ويحب من أجله الناس أجمعين، لا يعرف البغض والحسد، ولا يتمنى الشر لأحد، انه لا يتباهى، ولا ينتفخ، ولا يأتي قباحة، ولا يسعى وراء مكسب خاص على حساب الله والقريب، انه لا يخاصم احدً، ولا ينافق مع أحد. إنه لا يظن بالسوء ولا يفرح بالظلم. (ا قورنتس 13). هي وصية جديدة بقدر ما تقتضي تواضعا ورغبة في الخدمة يحملان على اختيار المكان الأخير وعلى الموت في سبيل الآخرين؛ وتذهب المحبة الأخوية إلى اقصى حدود البذل والعطاء. وليست المحبة مجرد مشاعر حارة، لكنها سلوك وعمل. والمحبة الأخوية في نظر بولس الرسول هي خدمة متبادلة (غلاطية 5: 13). وأخيرا في المحبة ينكر المرء ذاته مع المسيح المصلوب كما عاش بولس الرسول " مِن أَجْلِ المسيح خَسِرتُ كُلَّ شَيء وعدَدتُ كُلَّ شَيءٍ نُفايَة لأَربَحَ المسيحَ" (فيلبي 3: 1-11). ويؤكّد بولس الرسول أن لا شيء له، قيمة بدون محبة الغير، كما أحب المسيح (فيلبي 1: 9-11). يمكننا القول باختصار أن يسوع المسيح يُوصينا أن نحبَّ بعضنا بعضاً بقدر حبهِّ لنا. ولكن كم أحبنا؟ فيجيبنا القديس بولس الرسول قائلا " سِيروا في المَحَبَّةِ سيرةَ المسيحِ الَّذي أَحبَّنا وجادَ بِنَفسِه لأَجْلِنا ((قُربانًا وذَبيحةً للهِ طَيِّبةَ الرَّائِحة" (أفسس 5: 2). فالصليب هو قياس حب يسوع لنا. ويُبين بطرس الرسول كيف علينا أن نحب بعضنا بعضا بقوله "فطَهَّرتُم نُفوسَكم كَيْما يُحِبَّ بَعضُكم بَعضًا حُبّاً أَخَوِّيًا بلا رِياء. فلْيُحِبَّ بَعضُكم بَعضاً حُبًّا ثابِتًا بِقَلبٍ طاهِر" (1بطرس 1: 22). فعلينا أن نحب بنفس المحبة الشديدة التي أحبنا بها يسوع. فيسوع أعطى وصَيَّتَهُ الجَديدة للرُّسُل، بعدما غسل أرجلهم، وكأنّه يقول لكُلِّ واحِدٍ منهُم: "أَتَرى أخاكَ الجالِس مُقابِلَكَ على المائِدة؟ أُريدُكَ أن تُحِبَّ هذا الشَّخص. وبالطريقِةِ ذاتِها التي بها أحبَبتُكُم، أُوصيكَ الآن أن تُحِبَّ أخاكَ هذا." د) وصية جديدة بدوافعها تعتبر وصية المحبة الأخوية جديدة بدوافعها. فمن دوافعها علاقة المسيحيين بفادي واحد هو المسيح الذي أحبهَّم "الَّذِي بَذَلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً لأَجْلِ الْجَمِيعِ" (1 طيموتاوس 2: 6)، حيث أنَّ علاقات المحبة الأخوية هي ثمرة حب يسوع. ونشأت هذه العلاقات بفضل المسيح إذ هو نبعها. وكلفهم يسوع المسيح قبل موته كآخر وصية لهم "أُعْطيكم وَصِيَّةً جَديدَة: أَحِبُّوا بَعضُكم بَعضاً" (يوحنا 13: 34). وقبل مجيء المسيح لم يخطر على بال العالم مثل هذا الحب، حيث أنَّ المسيح هو الذي عرَّفنا على هذا الحب كما يصرّح الكتاب المقدس "إِنَّما عَرَفْنا المَحبَّة بِأَنَّ ذاكَ قد بَذَلَ نفْسَه في سَبيلنِا. فعلَينا نَحنُ أَيضًا أَن نَبذُلَ نُفوسَنا في سَبيلِ إِخوَتِنا" (1 يوحنا 3: 16) ه) وصية جديدة بمبدئها وصية المحبة الأخوية جديدة بمبدئها، لأنها تقوم على مبدأ جديد، إذ لا ترتكز على محبة الإله الذي أخرج الشعب من عبودية مصر فحسب، إنما تركز أيضا على محبة المسيح الذي بذل نفسه على الصليب في سبيل أحبائه. فهي جديدة بعلاقتها بالعهد الجديد، إذ تتعلق بمرحلة الخلاص الأخيرة التي افتتحها المسيح بموته ومجده. إنها ميثاق العهد الجديد، والذي ختمه المسيح بدمه" هذِه الكَأسُ هي العَهدُ الجَديدُ بِدمي الَّذي يُراقُ مِن أَجْلِكم " (لوقا 22: 20). فالمحبة هي الميزة الخاصة للإنسان الجديد والمُتجدِّد على صورة خالقه، كما جاء في تعليم بولس الرسول "لَبِستُمُ الإِنسانَ الجَديد، ذاك الَّذي يُجَدَّدُ على صُورةِ خالِقِه لِيَصِلَ إلى المَعرِفَة. (قولسي 3: 10-14). فهي جديدة لأنها تجعل من الدخول في الجماعة المسيحية شرطا جوهريا. و) وصية جديدة بارتباطها بالعهد الجديد تعتبر وصية المحبة الأخوية جديدة نظراً لارتباطها "بالعهد الجديد". فهناك العلاقة الوثيقة بين العهد الجديد والوصية الجديدة. "هذِه الكَأسُ هي العَهدُ الجَديدُ بِدمي الَّذي يُراقُ مِن أَجْلِكم" (لوقا 22: 20). ففي "العهد الجديد" كتب الله ناموسه في قلوب المؤمنين (عبرانيين 10: 16)، أي أنه يعمل فيهم بقوة الروح القدس (2 قورنتس 3: 3)؛ وهي وصية جديدة لأن المسيح الذي فينا هو الذي يعطينا هذه المحبة حتى لأعدائنا فجوهر المسيح الذي فينا هو المحبة، فالله محبة ولذلك فالمحبة هي أول ثمار الروح القدس (غلاطية 22:5-23). وهي وصيَّةٌ جديدةٌ "لأنَّ المؤمنَ يخلعُ الإنسانَ القديمَ ويلبسُ الإنسانَ الجديد. هذه هي المحبَّةُ التي تجدِّدُنا، وتجعلُنا إنسانًا جديدًا، وارثَ العهدِ الجديدِ" كما يعلّق العلامة أوغسطينوس. فالوصية الجديدة تحقق كل مطالب العهد الجديد (رومة 13: 8). وقد بدأ عصر جديد مع تجسد المسيح (1 يوحنا 2: 8). وقبل مغادرة يسوع المسيح لتلاميذه، ترك لهم هذه الوصية الجديدة لتكون نبراساً لهم على توالى الأيام إلى أن يجئ ثانية كما جاء في تعليم يوحنا الرسول "اكتِمالُ المَحبَّةِ بِالنَّظَرِ إِلَينا أَن تَكونَ لَنا الطُّمَأنينَةُ لِيَومِ الدَّينونة فكما يَكونُ هو كذلك نَكونُ في هذا العالَم" (1 يوحنا 4: 17). تلك المحبة هي " وَصِيَّةً جَدِيدَةً" لأنها ثمر الطبيعة الجديدة، أي الطبيعة التي نستقبلها بالولادة الجديدة والتي تدعى أيضاً في الإنجيل "بالإنسان الجديد" (أفسس 4: 24)، أو "الروح" (غلاطية 5: 5-25) الذي ينمو كلما سار بالطبيعة الجديدة هؤلاء من حصلوا عليها. فمنذ يوم العنصرة وحتى الآن، يستطيع الناس بكل حرية أن يستقبلوا الطبيعة الجديدة عن طريق الاعتراف بأفواههم بالرب يسوع والإيمان بقلوبهم بأن الله أقامه من بين الأموات كما جاء في تعليم بولس الرسول " فإذا شَهِدتَ بِفَمِكَ أَنَّ يسوعَ رَبّ، وآمَنتَ بِقَلبِكَ أَنَّ اللّهَ أَقامَه مِن بَينِ الأَموات، نِلتَ الخَلاص. " (رومة 9: 10)، ومن ثمة يقدرون على المحبة من خلال الطبيعة الجديدة. ولهذا السبب، سمّى يسوع محبة بعضنا بعضاً "الوصية الجديدة". فقد أنهى يسوع المسيح عصر الشريعة بعمل فدائه، فاتحاً بذلك عصراً جديداً هو عصر النعمة. قام البابا الفخري بندكتس السادس عشر بشرح ما هو جديد في وصيّة الربّ يسوع. "إنّها جديدة لأنّه كي نعيش هذه الوصيّة الجديدة يجب أن نغمر أنفسنا في الربّ يسوع، لأنّ المحبّة بهذا الشكل كما يأمر بها الربّ يسوع مستحيلة بالمجهودات البشريّة وحدها. يجب أن تتوفّر النعمة الإلهيّة داخلنا كي نستطيع أن نُحبّ بهذا الشكل. لا يمكننا أن نُحب بهذا الشكل سوى بنعمة الربّ. إنّ المحبّة بهذا الشكل ممكن فقط في العهد الجديد لأنّه تتوفّر لنا نعمة الربّ يسوع في سرّ الإفخارستيّا وفي سرّ التوبة، ولدينا الروح القدس منذ عمّادنا وتثبيتنا. لدينا الربّ يسوع معنا كي يُساعدنا في أنّ نُحبّ بهذا الشكل. (يسوع الناصري، 64-65). وهكذا يقيم بولس الرسول شيوخا (זְקֵנִים وفي اليونانية πρεσβυτέρους أي متقدم بالسن) كهنة في كلّ كنيسة أسّسها كي يتمكّن الناس من الحصول على الأسرار ويمنحوهم النعمة للمحبّة بهذه الطريقة الجديد الّتي يطلبها الربّ يسوع (أعمال الرسل 14: 23). ز) وصية جديدة بعلامتها الفارقة وصية المحبة الأخوية جديدة، لأن المسيح جعلها العلامة الفارقة لأتباعه "إذا أَحَبَّ بَعضُكُم بَعضاً عَرَف النَّاسُ جَميعاً أَنَّكُم تَلاميذي" (يوحنا 13: 34)؛ فهي العلامة الفارقة التي يعرف بها الناس أتباع المسيح. أراد المسيح أن يمتاز تلاميذه بالمحبة كقول الرسول يوحنا "ووَصِيَّتُه هي أَن نُؤمِنَ بِاسمِ ابنِه يَسوعَ المسيح وأَن يُحِبَّ بَعضُنا بعضًا كَما أَعْطانا وَصِيَّةً بِذلك" (1 يوحنا 3: 23). وإذ يحيا التلاميذ هذه المحبة الأخوية (يوحنا 17: 11)، يصبحون شهودًا ليسوع المرسل من الآب (17: 21) " إذا أَحَبَّ بَعضُكُم بَعضاً عَرَف النَّاسُ جَميعاً أَنَّكُم تَلاميذي" (يوحنا35:13). وهذه المحبة هي العلامة التي تدل على التلميذ، وبدونها لا يدّعي أحد انه تلميذ يسوع. يرتبط كل المسيحيين بهذه الوصية، لأنهم كلهم أولاد أب واحد سماوي، وإخوة أخ واحد هو المسيح الأخ الأكبر، واهل الإيمان ومعمودية واحدة كما يؤكد ذلك بولس الرسول "هُناكَ رَبٌّ واحِدٌ وإِيمانٌ واحِدٌ ومَعْمودِيَّةٌ واحِدة، وإِلهٌ واحِدٌ أَبٌ لِجَميعِ الخَلْقِ وفوقَهم جَميعًا، يَعمَلُ بِهم جَميعًا وهو فيهِم جَميعًا" (أفسس 4: 5-6). ويخبرنا العلامة ترتليانوس وصف الوثنيين للمسيحيين: "انظروا كيف يحبون بعضهم بعضًا!" أمَّا لوقيان الساموسطائي الذي لم ينطق بكلمة صالحة في حق المسيحيين هاجمهم "بأنهم أغبياء، لأنهم يُحبُّون بعضهم البعض إلى درجة يمكن لأي وثني أن يسيء استغلال هذا الحب، فيجمع منهم ثروات طائلة". وهذه المحبة تعارض العنف والحروب المدمِّرة المُسيطرة في العالم، لذلك الذين يمارسونها هم حقّاً تلاميذ يسوع. إن محبتنا التي تشبه محبته ستثبت أننا تلاميذه. ومثل هذه الحب لا يوحِّد المؤمنين فيما بينهم فحسب، بل يجذب غير المؤمنين إلى المسيح. وتشرق هذه المحبة كفجر يوم جديد على العالم " أَنَّ الظَّلامَ على زَوال والنُّورَ الحَقَّ أَخَذَ يُضيء. مَن أَحَبَّ أَخاه أَقامَ في النُّور" (1 يوحنا 2: 8-10). فمن يحب ينتقل من الموت إلى الحياة "نَحنُ نَعلَمُ أَنَّنا انتَقَلْنا مِنَ المَوت إلى الحَياة لأَنَّنا نُحِبُّ إِخوَتَنا"(1 يوحنا 3: 14). وهذه الوصية الجديدة هي شهادة للذين من خارج، إذ تقدم لهم برهاناً قاطعاً على أن أتباع المسيح يتشبهون به في محبتهم للآخرين، وأن أساس المجتمع الإنساني الحي لا يوجد إلا في المسيح. ح) محبة جديدة بشموليتها وصية المحبة الأخوية جديدة بشموليتها. إن المحبة المتبادلة بين تلاميذ يسوع هي وصية قديمة (1 يوحنا 2: 7)، وكانت تقتصر وصية المحبة على الشعب اليهودي والغرباء المقيمين بين الشعب اليهودي (أحبار 19/17-34)، لكنها في المسيح صارت جديدة، أصبحت تمتد لكل شخص في كل عصر وفي كل مكان حتى أعدائه ومقاوميه، راغبا خلاص كل نفس. فهي تشمل جميع الناس على الإطلاق وفي كل زمان ومكان (متى 5/43-47)، ولا حدود للمحبة المسيحية على مستوى القرابة والوطن والدين. ولا تستثني أحدا، وتشمل محبة الأعداء والمُبغضين واللاعنين والمُضَّطهدين (متى 5: 43-47). وتتميز بالصفح والغفران “بدون حدود "(متى 18: 21-22). وهي محبة شاملة لا تقبل أي حاجز اجتماعي أو عنصري، ولا تزدري أحداً كما جاء في تعليم السيد المسيح "إِذا أَقَمتَ مَأَدُبَة فادعُ الفُقَراءَ والكُسْحانَ والعُرْجانَ والعُمْيان" (لوقا 14: 13). نستطيع القول أنّ وصيّة الربّ يسوع بأن نُحبّ بعضنا بعضاً جديدة بمعنى أنّه، بخلاف وصيّة العهد القديم الّتي كانت توصي بمحبّة القريب، والآن كلّ إنسان هو قريبنا كما علّمنا الربّ يسوع في مثل السامري الرحيم (لوقا 10، 25-37). وهكذا فإنّ محبّة القريب لا حدود لها الآن منذ تعليم الربّ يسوع. لا وجود للعنصريّة في المسيحيّة؛ إنّ العنصريّة تتناقض مع وصيّة الربّ يسوع الجديدة. فهي محبة مجانية شاملة لكل طبقة أو جنس وبدون تمييز اجتماعي أو عنصري "لَيسَ هُناكَ يَهودِيٌّ ولا يونانِيّ، ولَيسَ هُناكَ عَبْدٌ أَو حُرّ، ولَيسَ هُناكَ ذَكَرٌ وأُنْثى" (غلاطية 3: 28). و) وصية جديدة بأسلوبها المحبة الأخوية هي وصية جديدة أخيرا بأسلوبها. سبق للعالم الوثني وللعالم اليهودي أيضا أن أشادا بالصداقة والخدمة المتبادلة. لكن وصية يسوع هي جديدة، لأنه جعلها شرطا جوهريا للدخول في الجماعة المسيحية. وهي تقتضي تواضعاً ورغبةً في الخدمة يحملان على اختيار المكان الأخير وعلى الموت في سبيل الآخرين. فلا مجال لحياة فاترة إزاء وصية المحبة. فظهرت المسيحية في العالم كمحبة. فعلى المسيحي إمَّا أن يحب، وإمَّا أن يتخلى عن مسيحيته. الخلاصة يتكلم إنجيل يوحنا عن الوصية الجديدة، بين إعلان خيانتين: خيانة يهوذا (يوحنا13: 21) وإنكاره للمعلم (يوحنا 13: 36). ويطلب يسوع من تلاميذه أن يحبوا بعضهم البعض بنفس الطريقة، بنفس المقياس الذي أحبهم به "أُعْطيكم وَصِيَّةً جَديدَة: أَحِبُّوا بَعضُكم بَعضاً. كما أَحبَبتُكم أَحِبُّوا أَنتُم أَيضاً بَعَضُكم بَعْضاً" (يوحنا 13: 34). وفي الواقع لن يكون التلاميذ قادرين على حبِّ بعضهم بعضاً سوى بالحب الّذي تلقوه. وعندما نحب بعضنا بعضا نستطيع أن نبادل الله حبه. إن عطاء يسوع لتلاميذه وصية المحبة الأخوية لا تعني فقط إظهار نوعية الحب، وإنما هي دعوة لعيش هذا الحب في عطاء كامل وبذل إلى اقصى الحدود على خطى المعلم الإلهي يسوع المسيح. فهذا العطاء يتضمن مسؤولية ضخمة لدى التلاميذ. لان العالم يعرف تلاميذ المسيح من خلال هذه الوصية. لقد تسلَّموا رسالة إظهار الحب للعالم، هذا الحب الذي تعلموه من معلمهم. وخيانة وصية المحبة هي خيانة للمسيح بالذات وتشويه وجهه أمام العالم، وأمَّا الحفاظ على وصية المحبة الأخوية فهو إظهار المسيح للعالم. إن محبتنا التي تشبه محبة المسيح تُثبت أننا تلاميذه. لقد فَهِمَ يوحنا الإنجيلي، رَسُولُ المَحَبَّةِ وَصِيَّةَ يسُوع الجديدة، لذا لم يتردَّد عندما أصبَحَ شَيخاً طاعِناً في السِّنِّ، أن يردِّد صوت معلمه الإلهي " أحِبُّوا بعضُكُم بَعضاً" (يوحنا 15: 17). دعاء أنر أيها الآب السماوي، عُيُونَ قُلُوبنا لنتعلم من ابنك الحبيب يسوع المسيح كيف نحب "بَعضُنَا بعضاً" كما أحبَّنا كما أوصانا ليعلم العالم حقاً أننا تلاميذه فنعمل من أجل بناء السماوات الجديدة والأرض الجديدة الّتي أسّستها في ابنك القائم من الموت. أمين. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
أحبوا بعضكم بعضا كما أحبنا سيدنا يسوع المسيح |
عزّوا بعضكم بعضًا |
أحبوا بعضكم بعضاً مثلما يسوع يحبكم |
أحبوا بعضكم بعضًا |
ترنيمة حبوا بعضكم بعضًا كما أحبكم يسوع |