ما هى البِرماكلتشر وهل يمكنها إنقاذنا من أزمة المياه التى تهدد العالم؟

[Mary Naeem]

ما هى البِرماكلتشر وهل يمكنها إنقاذنا من أزمة المياه التى تهدد العالم؟








بعد رحلة طويلة من العمل فى العلاقات العامة فى دول مختلفة حول العالم، وفى مرحلة انتقالية من حياتها وجدت "رهف بدارو" ملاذها فى ثقافة "البِرما كلتشر" بينما كانت تدرس وزوجها أحدث المتغيرات حول العالم، وشعرا بالقلق إزاء ما يطرأ على العالم من تغيرات مناخية وأزمات بيئية، لاسيما تلك التى تمس الأمن الغذائى كأزمة نقص المياه على مستوى العالم.




بدأت "رهف" البحث أكثر حتى حصلت على دورتها الأولى فى هذا المجال، وبعدما لاحظت التغيير الذى طرأ على حياتها أطلقت مبادرتها "فيد Feed" لنشر ثقافة البِرماكلتشر، وتعريف أكبر عدد ممكن من الناس فى البلاد العربية على أسلوب الحياة البيئى الأخلاقى الذى يعتمده هذا النظام، تحسبًا للأزمات البيئية والاقتصادية المقبلة.

تقول "رهف" لـ"اليوم السابع": "أنا الآن على مشارف الخمسين من العمر، وأعتبر فيد مشروعى التقاعدى، ونحن حريصون جدًا أن نعرف الناس على الفكرة خاصة فى مصر والعالم العربى، لأننا من أكثر المناطق تأثرًا بالتغيرات المناخية وتبعاتها الاقتصادية".



نموذج لأرض مزروعة بتصميم هندسى خاص بنظام البرماكلتشر

والبِرما كلتشر أو "الزراعة المستدامة" هى نظام لمبادئ التصميم الزراعى والاجتماعى، بهدف تطوير نظم زراعية متكاملة تحافظ على نفسها بشكل ذاتى، وتساعد على زيادة خصوبة التربة وترشيد استهلاك المياه وتخزين الطاقة.

ويرجع تاريخ مصطلح "بِرما كلتشر" إلى السبعينيات، حيث ابتكره الأستراليان بيل موليسون وديفيد هولمجرين فى منتصف السبعينيات، ووصفه موليسون بأنه "فلسفة العمل مع الطبيعة وليس ضد الطبيعة، والمراقبة المطولة والمدروسة بدلاً من العمل المطول وغير المحسوب، والنظر إلى النباتات والحيوانات فى جميع وظائفها بدلاً من التعامل مع أى منطقة كعامل وحيد".

وتقول "رهف" إن "البِرماكلتشر" بالدرجة الأولى نظام اخلاقى، يقوم بشكل أساسى على 3 أعمدة أخلاقية وهى الاهتمام بالإنسان، والاهتمام بالأرض، وإدارة الفائض. مشيرة إلى أنه يتضمن الكثير من التخصصات، فالبعض يتخصص فى الحفاظ على المياه والبعض فى التربة والبعض يعملوا على نظام التكافل، لأن البِرما كلتشر تكون أكثر نجاحًا لو تم تنفيذ النظام بشكل جماعى.

وتضيف: ثقافة البِرما كلتشر تكون أكثر نجاحًا لو تم تنفيذها بعيدًا عن المدينة، فى المجتمعات الصغيرة. ولكن من يسكنون المدينة يمكنهم تنفيذها من خلال الزراعة على الأسطح وفى الشرفات ولكن مع تطبيق تكنيكات البِرما كلتشر مثل زراعة النباتات المترافقة التى تمنحنا محصولاً أكبر وتحسن نوعية التربة حين يتم زراعتها مع بعضها.



النظام الحلزونى لزرع الأعشاب الغذائية

وترى"أسما بى" المتخصصة فى البِرماكلتشر أن جوهر هذه الثقافة الاقتراب أكثر لكل ما هو فطرى وطبيعى، لأن الإنسان فى الأرض دوره أن يكون منتجًا وليس مستهلكًا، فالفطرة أن تأكل الناس بشكل موسمى، كل الخضروات والفواكه التى تزرع فى موسم الصيف مثلاً مناسبة لاحتياجات الجسم فى هذا الوقت من العام وفى الظروف المناخية التى نعيشها، وكذلك الخضروات والفواكه التى تزرع فى الشتاء، والطبيعى والفطرى أيضًا أن تأكل الناس من محيطها، كما كنا فى الماضى لكن الآن نعيش حياة غير فطرية ولا طبيعية، فنستورد أكلات لا تزرع فى بلادنا ولا محيطنا وفى غير وقتها الطبيعى.

وتضيف: الميزة فى هذا النظام هى المرونة وإمكانية تطبيقه على أى مكان نحن فيه سواء فى الحضر أو فى الريف، فهناك تكنيكات مختلفة يمكن تطبيقها حسب اختلاف البيئة التى نعيش فيها، سواء كنا نعيش فى الريف أو فى ضواحى المدن أو فى المدن فالفكرة فى نظام البرماكلتشر أن نتحول من مستهلكين لمنتجين، بدلاً من أن نعتمد طوال الوقت على مصادر خارجية.





وتؤمن رهف بأن البِرما كلتشر فى الوقت الراهن لم تعد خيارًا وإنما ضرورة وتوضح: نحن مقبلين على ارتفاع كبير فى درجات الحرارة، ومقبلين على أزمات بيئية كبيرة محليًا وعالميًا لذلك من الضرورى أن نهتم بهذا المجال، ونتحول من النظام الاستهلاكى إلى المستدام.

ولأن ندرة المياه هى الكارثة البيئية الأخطر التى يواجهها العالم خلال السنوات المقبلة، خاصة مع توقعات الأمم المتحدة بأن الطلب العالمى على المياه العذبة سيتجاوز المتوفر بنسبة 40% فى عام 2030، تنظم مبادرة "فيد" دورة للاستفادة من نظام البِرماكلتشر فى مواجهة ندرة المياه وتعلم النظام التصميمى لحياة الاكتفاء الذاتى للأفراد والمجتمعات الصغيرة.

ووفقًا لمؤسسة "فيد" تقوم الدورة على استغلال نظام البرماكلتشر لتأهيل الأفراد والمجتمعات الصغيرة على العيش فى نظام قادرر على التأقلم والتعامل مع التغيرات المناخية وتبعياتها، بالإضافة إلى مواجهة غلاء المعيشة والتحديات الاقتصادية من خلال حلول عملية، كذلك ترشيد استهلاك المياه من خلال تعلم طرق تخزين المياه المستهلكة داخل المنزل وتدويرها لإعادة استخدامها فى الزراعة المنزلية.



الطبخ عالي الفاعلية على مواقد لا تحتاج لطاقة كهربائية

ويقدم خبراء البرماكلتشر فى الدورة أيضًا طريقة تأسيس "غابات الطعام" فى حديقة المنزل وزراعة النباتات المترافقة التى يفضل زراعتها بقرب نباتات اخرى لتحقيق وفرة المحصول والتحكم فى انتشار الحشرات عليه. ويتطرقوا إلى أنظمة التكامل بين الزراعة وتربية الحيوان، وفهم علاقة الحيوان بالحشرات والتعرف على الانواع النافعة منها التى تعد جزءًا لايتجزأ من هذا النظام المتكامل.

وعن مواجهة ندرة المياه بالاستعانة بالبِرماكلتشر تقول "أسما بى": هناك العديد من الطرق لتخزين المياه، منها تكثيف المياه الموجودة فى الهواء باستخدام أسطح مصنوعة من خامات معينة ونستخدم هذه المياه فى رى المزروعات المنزلية على سبيل المثال، وهناك تكنيك لتخزين مياه الأمطار سواء فى البلاد المطيرة أو البلاد مثل مصر التى يسقط عليها المطر فى أوقات معينة فهناك خزانات تصمم بطريقة معينة لتخزين مياه الأمطار وتنقيتها واستخدامها فى الغسيل مثلاً لو كانت الأمطار ملوثة.