|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مَن اختبرَ رحمة الله وذاق لذّة غفرانه، يشتاق أن يَرفع قلبه بالتّسبيح الممتزج مع الشّكر والامتنان، مباركًا الرّب نبع الخير والإحسان، ومسبّحًا اسمه القدوس. عندما اختلى داود بنفسه وأخذ يسترجع مراحم الرّب على حياته، وعرف بركة غفران الخطيّة ومعنى رحمة الرّب ورأفته في أوقات الشدّة؛ وجد نفسه مدفوعًا أن يقدّم له الشّكر والامتنان. فأخذ يحثّ نفسه على شكر الرّب والترنّم له بكلّ القلب؛ لأنه نبع البركات والخيرات. فكتب أروع ما كتب من مزامير التّسبيح والشّكر، ليصبح "المزمور المئة والثالث" ترنيمة المؤمنين المفضّلة على مرّ العصور؛ كجواب قلوبهم تجاه بركات الرّب وإحساناته وتعزياته الكثيرة، الذين تَرنّموا مسبّحين الرّب مع داود: "بَارِكِي يَا نَفْسِي الرَّبَّ، وَكُلُّ مَا فِي بَاطِنِي لِيُبَارِكِ اسْمَهُ الْقُدُّوسَ، بَارِكِي يَا نَفْسِي الرَّبَّ، وَلاَ تَنْسَيْ كُلَّ حَسَنَاتِهِ". عرف داود حاجة الإنسان إلى حثّ دائم وتحريض مستمرّ لئلّا ينسى. فأخذ يُنهض نفسه ويُوقظ مشاعره مستذكرًا أعمال الرّب العظيمة وبركاته على حياته، لأن واحدة من إحسانات الرّب لا يجب أن تُنسى. ماذا عنك صديقنا؟ ما أحوال الذاكرة لديك؟ هل ذاكرتك تنسى الأحداث الجيّدة والثمينة، وتسترجع ذكريات الماضي الرديئة والأليمة؟ هل تنسى إحسانات الله الذي يستحقّ منك الشّكر والامتنان لاعتيادك عليها، فلا تفطن لها؟ إن نسيانًا كهذا يُعتبر عدم لياقة تجاه البشر، فكم بالأحرىّ تجاه الله! كن إنسانًا شاكرًا واسترجع بركات الله على حياتك بالتّسبيح له من كلّ القلب والذّهن واللّسان. يبدو أنّ داود قد كتب مزموره بعد أن اختبر عظمة غفران الله، وأصبح لديه الإحساس المرهف ضدّ الخطيّة، فأخذ يطالب نفسه بالترنّم لغافر الذّنوب، الإله الذي ما زال يعفو ويغفر. فالله الذي قدّم إحسانه لداود قديمًا؛ قدّمه لك كأوّل وأعظم إحسان، حين فتح لك خزائن مراحمه الإلهيّة، وغفر لك جميع ذنوبك. إنها البركة الأولى وليست الأخيرة وبدونها لا يمكنك أن تتمتّع برضاه ؛ ولا أن تبدأ مسيرتك معه بشركة دائمة. لقد أعدّ لك الله عطيّة ابنه الحبيب يسوع المسيح الذي أبطل الخطيّة بذبيحة نفسه، ودمه أصبح ينبوع دائم للتّطهير، وبغفرانه نلت أعظم البركات، أما تكلفته فباهظة جدًا.. "بِدَمٍ كَرِيمٍ، كَمَا مِنْ حَمَل بِلاَ عَيْبٍ وَلاَ دَنَسٍ، دَمِ الْمَسِيحِ". واصل داود في شكره لله ليس كغافرٍ للذنوب فحسب، بل كالإله الشّافي والطبيب الأعظم، الذي شفى في القديم، وما زال يشفي أمراض الجسد والرّوح والنّفس على حدّ سواء. فالتّسبيح للرّب والتعبّد له يجب أن يكون بابتهاج وشكر من كلّ القلب؛ لا لأجل العطيّة بحدّ ذاتها، بقدر المعطي نفسه؛ نبع البركات الذي منّه كلّ عطيّة صالحة وموهبة تامّة. وهل هناك اسم آخر يستحق تسبيحنا إلا اسمه القدوس، لأن في اسمه تجتمع كلّ الصّفات، وهو الذي إلى اسمه وإلى ذكره شهوة النّفس. لم ينسَ داود أن يشكر الله الذي حفظه في أشدّ الأيام قسوة، ونجّى نفسه من الأخطار التي تعرّض لها. لم تكن تلك الأخطار بسبب الخطيّة والأمراض، بل من بطش الأشرار. وهنا نجده يترنّم بصلاح الرّب وجوده، الذي حفظه من السّقوط في حفرة الهلاك التي أعدّها له الأعداء. ألا يجدر بنا اليوم أن نترنّم بعناية الرّب وحفظه لنا في وسط الشّدات والأمراض وتجارب الحياة؟ ألا يجدر أن نذكر المرّات التي امتدت إلينا يد عنايته لتحفظنا من أخطار محدقة، وجنّبتنا الوقوع في أيدي الأشرار. إننا مديونون للنّعمة الإلهيّة من أجل فيض الإحسانات التي إن حاولنا إحصائها فهي أكثر من الرّمل. ثم يشبّه داود عناية الرّب عبر مسيرة الحياة بالنّسر الذي يعمّر طويلًا، حيث يمكن أن يبلغ عمره مائة سنة. ويقول علماء الحياة أنه عندما يبلغ من العمر مائة سنة يقوم بنتف ريشه القديم، ويظلّ ملازمًا وكره حتى ينبت بدلًا منه ريش جديد، وإذا به يظهر بمظهر القوّة والسطوة كمَلك الهواء. هكذا يفيض الله بنعمه وتعزيات روحه على أولاده المؤمنين به، فيجدّدون قوّة ويرفعون أجنحة كالنسور. إن إلهنا قادر أن يُجري فينا تغييرات عجيبة، ونحن من خلال الاختبارات التي يسمح بها في حياتنا نتدرّب وننمو، فالله يستطيع أن يحوّل الإنسان القريب منه، من عصفور منفرد ضعيف، إلى نسر محلّق فوق السّحاب، فذلك يكفي لأن يجعلنا نهتف مع داود: "بَارِكِي يَا نَفْسِي الرَّبَّ" الذي لا يمنع شيئًا من الخير عن السّالكين في الكمال. يواصل داود في ترنّمه للرّب الذي يقضي بالعدل والإنصاف للجميع، ولا سيما للمظلومين الذين لا يعترف البشر بحقوقهم. كما أنه الإله الرحوم الذي لا يحاكم إلى الأبد. أي أنه لا يحاسب الناس على أخطائهم ويحفظها ضدّهم لئلا يُصابوا باليأس، بل يُفسح أمامهم مجالًا للتّوبة والرّجوع إليه. ومع أنه إله قدوس لا يرضى بالشّر؛ لكنّه لا يحقد إلى الدهر. بل يريد أنّ جميع النّاس يخلصون وإلى معرفة الحقّ يقبلون. لا يعامل حسب الاستحقاق ولا يغضب طويلًا، وإذا غضب فغضبه فقط على الخطيّة لا على الخاطئ بل يطلب من الخاطئ أن يعود عن غيّه وعن آثامه. فرحمة الرّب كالنّهر الجاري، أما خطايانا نحن فهي التي تحوّل مجرى النهر وتمنع عنّا ماءه المُروي. في نهاية مزموره يرتفع داود للأعالي فيصوّر لنا السّماء حيث كرسيّ الله وما فيها من ملائكة وأجناد وقوّات وخدّام، فأراد أن يحثّ نفسه وغيره على تسبيح الرّب وتمجيده فقال: " بَارِكُوا الرَّبَّ يَا مَلاَئِكَتَهُ الْمُقْتَدِرِينَ قُوَّةً، الْفَاعِلِينَ أَمْرَهُ عِنْدَ سَمَاعِ صَوْتِ كَلاَمِهِ. بَارِكُوا الرَّبَّ يَا جَمِيعَ جُنُودِهِ، خُدَّامَهُ الْعَامِلِينَ مَرْضَاتَهُ. بَارِكُوا الرَّبَّ يَا جَمِيعَ أَعْمَالِهِ، فِي كُلِّ مَوَاضِعِ سُلْطَانِهِ . بَارِكِي يَا نَفْسِيَ الرَّبَّ". أُغَنِّي لِلرَّبِّ فِي حَيَاتِي. أُرَنِّمُ لإِلهِي مَا دُمْتُ مَوْجُودًا. فَيَلَذُّ لَهُ نَشِيدِي ، وَأَنَا أَفْرَحُ بِالرَّبِّ. المزمور 104: 33 – 34 |
|