رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
كتاب العجب الذي هو شاول - بولس - أ. إيريس حبيب المصري نشكر أسرة الأستاذة إيريس حبيب المصري على السماح لنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت بوضع هذا الكتاب هنا (من خلال د. آمون كامل غبريال). مع ملاحظة أنه تم عمل تعديلات بسيطة على بعض عناوين الكتاب من قِبَل الموقع ليتضح المعنى (التعديل في العناوين باللون الأخضر في العناوين الكبيرة، وتُرِكَ العنوان الأصلي كذلك موجودًا في الصفحة بعده). في أول الكتاب المطبوع كُتِبَ هذا الإهداء: الإهداء، إلى كل نفس متطلعة نحو امتداد الملكوت. ← بيانات الكتاب: الناشر: كنيسة مارجرجس باسبورتنج، مطبعة الكرنك بالإسكندرية، (تقريبًا في الثمانينات من القرن العشرين). |
01 - 08 - 2022, 04:32 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب العجب الذي هو شاول - بولس - أ. إيريس حبيب المصري
أولًا: سيرة القديس العظيم بولس الرسول مقدمة + إنه في لحظة خاطفة، وبالنعمة الإلهية العجيبة، سطعت رؤيا أمام شاول، تعلّم منها أن يسوع الناصري الذي أبغضه واحتقره واضطهده، وقد تجلى أمامه الآن في المجد، هو القدوس البار ابن الله الوحيد. إنه لم يره في شبه غيبوبة ولا في حلم غامض. بل رآه وجهًا لوجه في بهاء من النور وبتوكيد واقعي جعلاه لا يستطيع أن يرى غيره. لم يعد هناك شك إطلاقًا في أن الجليلي المهان ليس سوى رب المجد والحياة. وفي اللحظة استُعلن لشاول أنه سفير للقدوس؛ وأنه من هاتين الشفتين الإلهيتين سينال -من حين إلى حين- كل التوجيهات التي تمكنه من أن يؤدي بالتمام المسئوليات العظمى التي أُئتمن عليها. ومن عمق ضميره المعذب صدرت الصرخة: "ماذا تريد أن أعمل يا رب"؟ ولقد ظلت هذه الرؤيا عقيدة راسخة في داخله إلى آخر حياته: إنه المندوب المختار والرسول المعَّين من الرب، وفي الرؤى التي منحه إياها الرب انغرست رسولية شاول الطرسوسي. ولقد وجد في الصحراء العربية أماكن للعزلة يخلو فيها إلى نفسه، ويتمعن ماضيه ويتبادل الحوار الممتع مع ربه، وتجد مثلين لهذا اللقاء مع السيد المسيح: أولهما ورد في الأصحاح الحادي عشر من كورنثوس الثانية حيث قدَّم كشفًا تفصيليًّا لكونه رسولًا معتمد؛ وثانيهما أكثر روعة وأعمق أثرًا على مدى الأجيال، وهو تعليمه عن الكفارة وعن قيامة الرب (1كورنثوس1: 1-4). فهو في الطريق إلى دمشق عرف أن يسوع الناصري هو ابن الله، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. وفي لقاءاته معه في الصحراء تعلَّم أنه حمل الله الذي يحمل خطايا العالم. وفي ختام استعراضه للتدبير الإلهي لتحقيق الفداء وإعادة الإنسان إلى كيانه الأصيل يضيف استعلانًا آخر: هو سرُ ما كان ليمكن اكتشافه على ضوء الطبيعة ولا بنور العقل الإنساني؛ سر أسرَّ به الفادي الحبيب في قلب رسوله المختار فأورده في رسالته إلى الكورنثيين (1كورنثوس15: 51-57) فهو قد رأى المخلص المتجلي، وحتمية البقاء معه إلى الأبد في الدهر الآتي هوّنت كل آلامه الحاضرة. وروح الإنسان الجديد فيه ذو طبيعة متواصلة مع الروح الإلهي الذي به وبفاعليته تتفتح للذهن المتجدد تعاليم عن الحقائق الإلهية تمكنه من أن يتفّهم وأن يتكلم بيقين عن هذه التعاليم. ولئن ملأته فخامة الرؤى أحيانًا بنشوة من الفرح فإنه كثيرًا ما خشع في تواضع لوعيه بعدم استحقاقه. ولم تكن هناك من ضيقات مهما بلغت قسوتها لتخفف من غيرته المشتعلة ومهما بلغ به التعب لا يتوانى لحظة في جهاده: فرفع الشعلة عاليًا إلى آخر نسمة من حياته. + ولو أننا قارنا بين شاول الذي استفزّ الجمهور الصاخب على قتل استفانوس وبين بولس وهو يشفع في أنسيمس لهتفنا تلقائيًا: حقًا ما أطول المشوار الذي ساره مع ربه الحبيب يسوع المسيح.
|
||||
01 - 08 - 2022, 06:54 PM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب العجب الذي هو شاول - بولس - أ. إيريس حبيب المصري
نشأة شاول + لقد نشأ بولس في مدينة طرسوس التي كانت ميناء تجمع بين مختلف الشعوب. فنشأ من البداية بين اليهود بناموسهم وأنبيائهم وتطلعهم نحو المسيا، وتعامل مع اليونانيين أصحاب اللغة المرنة الشائعة بين جميع المتعلمين والتي أصبحت الوسيلة للبشرى المسيحية؛ وتلاقى مع الرومان الذين "سبكوا" داخل نظامهم الإمبراطوري الدقيق الشعوب المتباينة التي كانت المسيحية ستعمل في قلوبهم. لقد عاش بين جميعهم منذ صباه، وإليهم كلهم حمل رسالة المصلوب. كانوا ينظرون إليه من موقعهم العالي باستخفاف. أما هو، فمن موقعه الأعلى، كان ينظر إليهم بشفقة ومحبة. ولكن لنبدأ من البداية. لقد كان أبو شاول تاجرًا ولا بد من أنه بلغ مكانة مرموقة لأنه حصل على الرعوية الرومانية ولو أنه كان فريسيًا عنيفًا. ومن المؤسف أننا لا نعرف شيئًا عن أمه، ولو أنها كانت من غير شك متمسكة بالناموس والأنبياء. ومن غير شك أيضًا كانت تحلم بأن ينشأ ابنها متمسكًا بهما بدوره. لهذا أرسل الوالدان شاول إلى أورشليم ليجلس عند قدميّ غمالائيل كبير معلمي الناموس آنذاك. وبعد استيعابه كل ما علّمه إياه هذا المعلم الكبير عاد إلى طرسوس وظل بها عشرين سنة. + ورجع إلى أورشليم بعد ذلك. وخلال غيابه عنها كان السيد المسيح قد أتّم الفداء. فلم يكن لأهل أورشليم حديث غيره. وأصيب شاول بغيظ جارف أمام تلاميذ الرب الذين يعلّمون في قلب المدينة التي صلبته بأن الناصري هو المسيا. وكان عدد المؤمنين به يتزايد يومًا بعد يوم حتى لقد كان بينهم بعض الكهنة فكيف يستطيع هؤلاء أن يقولوا: "هكذا أحب الله العالم" مع أنه هكذا أحب الله اليهود؟! |
||||
01 - 08 - 2022, 06:56 PM | رقم المشاركة : ( 4 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب العجب الذي هو شاول - بولس - أ. إيريس حبيب المصري
رجم استفانوس: + وكان الشماس استفانوس في طليعة المنادين بالبشرى الجديدة: كان باسلًا لا يرهب إنسانًا بل يتحّداهم جميعًا. صحيح أن شاول كان قوي الحجة ولكنه وجد في الشماس الوفّي كفؤًا له: أفحمه هو وجميع الذين اختطفوه إلى مجمعهم ليتحاجّوا معه. فلما أعوزتهم الحجة جرّوه خارج المدينة ورجموه. + ولم ينس شاول هذا اليوم إلى آخر نسمة من حياته. + على أن العبرة الرائعة هي أن الله يدفن العاملين في كرمه ولكنه يستمر في العمل. لأن الحق لا يموت. فمن ذا الذي كان يخطر بباله أنه خلال شهور قصيرة سيحل أعند خصومه مكانه في الكرازة؟! + وتشتت التلاميذ والذين تشتتوا جالوا مبشرين بالكلمة. لقد افتتح استشهاد استفانوس انتصار "القطيع الصغير". نعم لأن تدبير الله يعلو على أغراض الناس. وتأمل شاول نتيجة عمله فازداد غيظه اشتعالًا لأن الكارزين في هروبهم من بطشه حملوا البشرى إلى البلاد التي لجأوا إليها. |
||||
01 - 08 - 2022, 06:59 PM | رقم المشاركة : ( 5 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب العجب الذي هو شاول - بولس - أ. إيريس حبيب المصري
اللقاء على طريق دمشق + وذات صباح، وبعد ستة شهور من استشهاد أول الكارزين استفانوس، خرج شاول مع جماعته قاصدًا إلى دمشق. كان أمامه مائة وخمسين ميلًا على الطريق الذي يحمل الكثير من الذكريات. فقد سار عليه نعمان السرياني (2ملوك 5: 1-14)، ومن قبله أليعازر وكيل إبراهيم (تكوين 24: 1-10). وبالإضافة فهو طريق يمتد وسط جمال مدهش من الطبيعة. ولكن شاول لم يكن في حالة نفسية تمكنه من استعادة الذكريات ولا من الاستمتاع بالجمال الذي خلقه الله، إنه ذاهب لاصطياد أتباع الناصري، وكان قلبه محتدمًا بالغيظ. + ولكنه لم يكن يعلم أن صيادًا آخر سائر على الطريق عينه. + وكانت المسافة التي سيقطعها شاول تستغرق ستة أيام بلياليها. ستة أيام لا شغل فيها يشغله. وفي عمق أعماقه انتصب ضميره ليحاسبه. + أخيرًا وصل إلى قمة التل الذي يستطيع منها أن يرى دمشق. وفجأة. وفي رائعة النهار، ومن السماء، سطع مجد بهير يفوق ضياء الشمس وفي وسط بهاء هذا المجد رأى مسيح الرب. رآه رؤيا ظلت ملازمة له طيلة حياته. وسمع صوتًا ظل يرن في أذنيه مدى أيامه: "شاول، شاول، لماذا تضطهدني؟" -"من أنت يا رب؟"- "أنا يسوع الناصري الذي أنت تضطهده". فصدّق شاول لساعته هذه الكلمات وآمن بها عن يقين. وفي رعدة ودهشة عظيمتين سقط على الأرض في تسليم كامل: "ماذا تريد يا رب أن أفعل؟" لقد اهتزّ كيانه كله لقد رأى يسوع المسيح رؤية العين وفي ملء يقظته. أخيرًا ظفر به الصياد السماوي! + وهنا نقطة يجب أن نذكِّر أنفسنا بها باستمرار. فحين تحّدث في الأصحاح الجليل عن القيامة وعن الجسد الروحاني الذي سنلبسه- من أين أتى بفكرته عن الجسد الروحاني؟ إن المتمعن يدرك في الحال الصورة المرتسمة في ذهنه: إنها رؤياه ليسوع الممجد التي عرّفه بها - "هكَذَا أَيْضًا قِيَامَةُ الأَمْوَاتِ: يُزْرَعُ فِي فَسَادٍ وَيُقَامُ فِي عَدَمِ فَسَادٍ. يُزْرَعُ فِي هَوَانٍ وَيُقَامُ فِي مَجْدٍ. يُزْرَعُ فِي ضَعْفٍ وَيُقَامُ فِي قُوَّةٍ. يُزْرَعُ جِسْمًا حَيَوَانِيًّا وَيُقَامُ جِسْمًا رُوحَانِيًّا. يُوجَدُ جِسْمٌ حَيَوَانِيٌّ وَيُوجَدُ جِسْمٌ رُوحَانِيٌّ." (1كورنثوس 15: 42-44). + وثمة نقطة أخرى ذات أهمية خاصة هي احترام السيد المسيح للسلطان الذي منحه إياه لتلاميذه: إنه منحهم سلطان الحل والربط،وحين سأله شاول "ماذا تريدني يا رب أن أفعل؟"، أجابه: "اذهب إلى دمشق وهناك يقال لك ماذا ينبغي أن تفعل". فهو الذي منح السلطان ومع ذلك لم يقل لشاول بنفسه ماذا يفعل وإنما أرسل إليه حنانيا الرسول ليعلّمه وليصلي عليه ويعطيه الحل. وهذا درس يعطيه الرب: أن نحترم سلطان الكهنوت. _____ |
||||
01 - 08 - 2022, 07:02 PM | رقم المشاركة : ( 6 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب العجب الذي هو شاول - بولس - أ. إيريس حبيب المصري
شاول ينال الصبغة المقدسة + ورفعه رفقاؤه من على الأرض. رفعوا رجلًا مرتعدًا ذا أعصاب منهارة وعينين أعماهما اللمعان. وحملوه إلى دمشق ورفض الأكل والشرب بل رفض التحيات. وكان كل همه أن يخلو إلى نفسه. وقضى ثلاثة أيام رهيبة منعزلًا في غرفة مظلمة وحده مع ضميره. وحده مع الله. ولن يستطيع أحد أن يعرف ما دار بينه وبين إلهه في هذه الأيام الصامتة. ولكن ليس من شك في أن شعاعًا من النور اخترق ندمه وألمه. شعاع المحبة الحانية الغافرة التي أبداها السيد المسيح في مجيئه إليه. لم يستطع شاول أن ينسى هذه المحبة الغامرة مدى حياته. وبهذه البهجة المطمئنة لقلبه نستطيع أن نتعاطف معه في صراعه المزعج. إذ لم يلبث سلام الله أن تسرب إلى قلبه، وانتهت الأزمة برجل راكع يبكي حين أبلغه حنانيا الرسول ماذا يجب عليه أن يعمله. + هل خطر ببال أحدنا أن الله يعرف اسم الشارع ورقم البيت الذي نسكنه؟ إن نعجب فلنذكر توجيهه له المجد إلى البيت الذي أرشد حنانيا إليه. |
||||
01 - 08 - 2022, 07:03 PM | رقم المشاركة : ( 7 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب العجب الذي هو شاول - بولس - أ. إيريس حبيب المصري
نجدة برنابا إليه: + وبدأ شاول لفوره يكرز حتى لقد بلغت غيرته حدًا جعل اليهود في دمشق يستهدفون قتله فعاد إلى أورشليم، ولكن التلاميذ خشوا تصديقه إلى أن جاء برنابا لنجدته. ثم حين بدأ يكرز رفضه الجميع وحاولوا بدورهم أن يقتلوه. فاستصحبه بعض التلاميذ إلى قيصرية، ومن هناك أرسلوه إلى طرسوس. وكان قد غاب عنها عشرين سنة فكان معظم من قابلهم لا يعرفونه. أما من عرفوه فقد أولوه ظهورهم بصفته خائنًا للناموس والأنبياء. على أن الذي يجب أن نذكره هو أن الله يدرِّب أعظم خدامه عن طريق العزلة والفشل وخيبة الأمل. + وقضي شاول سنتين دون أن يتمكن من إعلان البشارة التي ملكت عليه نفسه. + وللمرة الثانية جاء برنابا لنجدته. وكان رجلًا طويل القامة ذا وجه صبوح وعينين برّاقتين، متفائلًا مبتسمًا مرطّبًا للنفوس. كذلك كان من أوائل الذين باعوا ممتلكاتهم وألقوها عند أرجل الرسل. والاسم "برنابا" أطلقه عليه الرسل ومعناه "ابن العزاء" و"ابن الوعظ". وكان قد ذهب إلى أنطاكية مع بعض الرسل الذين كانوا مصّرين على الكرازة بين اليهود فقط فلم يستسغ هذا الضيق القلبي. وأحسّ في الوقت عينه أنه لا يستطيع إيقافه بنفسه فذهب لساعته إلى طرسوس وأتى بشاول. وهنا تتضح العظمة الروحية لابن العزاء. لقد كان يهدف إلى توسيع نطاق المسيحية لتشمل الأمم. فلم يتراجع عن أن يستقدم الشخص الذي يستطيع الوصول إلى هذا الهدف. إن برنابا في مسلكه مع شاول أشبه بالأساس المختفي تحت الأرض ليقوم عليه البناء شامخًا. + لقد دقت الساعة. واستعد الرجل. ووجد شاول الطرسوسي رسالة حياته. |
||||
03 - 08 - 2022, 01:12 PM | رقم المشاركة : ( 8 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب العجب الذي هو شاول - بولس - أ. إيريس حبيب المصري
شاورل وسنة من الكرازة البهيجة: + ومرت سنة اجتمعا خلالها في الكنيسة بأنطاكية وعلّما جمعًا غفيرًا. ودعى التلاميذ مسيحيين في أنطاكية أولًا (سفر أعمال الرسل 11: 26) ترى من الذي دعاهم بهذا الاسم؟ من المستحيل أن يكونوا اليهود وهم صلبوا رب المجد وقاوموا رسله في كل مكان. إذن فالأغلب أن الأمميين هم الذين أطلقوه عليهم. ونحن، بعد تسعة عشر قرنًا من المسيحية، لن نستطيع أن نتصوّر ما كانته للإنسان في بدايتها. إنها كانت لهم بشارة: أخبارًا مذهلة مليئة بالفرح والرجاء. |
||||
03 - 08 - 2022, 01:14 PM | رقم المشاركة : ( 9 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب العجب الذي هو شاول - بولس - أ. إيريس حبيب المصري
شاول يصبح بولس: + وبعد هذه الفترة الواضحة النجاح، وبينما الكارزون يصلّون، قال لهم الروح القدس أفرزوا إلي برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما إليه. فصاموا حينئذ وصلوا ووضعوا عليهما الأيادي وأطلقوها. - (أعمال 13: 1-3) وهنا نرى المساواة التامة بين الرسل إذ قبل برنابا وشاول أن يضع الآخرون أيديهم عليهما - وخرج الصديقان في رحلتهما المليئة بالمخاطر، والتي استمرت ثلاث سنوات. خرجا وقلباهما يفيضان فرحًا لأن عليهما رسالة تلهبهما. ومما زاد فرح برنابا أن يوحنا المُلقب مرقس كان معهما خادمًا. فقصد ثلاثتهم إلى قبرص موطن برنابا. واجتازوا الجزيرة منادين بالكلمة. ووصلوا إلى بافوس "المدينة البيضاء" حيث دعاهم إليها "سرجيوس بولس" والتمس أن يسمع كلمة منهم. وكان إلى جانبه رجلًا ساحرًا كذابًا يهوديًا اسمه "بار يشوع". فقاومهم مستهدفًا إفساد الوالي عن الإيمان. أما شاول الذي هو بولس أيضًا فوبّخه بعنف إلى حد أن جعله أعمى إلى حين. فامتلأ الوالي دهشة وآمن لتوّه. + ومما تجدر الإشارة إليه أن تغيير الاسم مؤشر إلى تحول الشخصية، وهذا واضح من أن السيد المسيح حين اختار تلاميذه غيّر أسماء عدد منهم: فيعقوب ويوحنا دعاهما: "ابني الرعد"، ولاوي أسماه: "متى"، وسمعان بن يونا أطلق عليه اسم: "بطرس"، و"شاول" هو اسم أول ملك لإسرائيل ومعناه "المرغوب فيه"، فهو اسم يهودي محض لشخصية ملكية. في حين أن "بولس" هو اسم روماني ومعناه "الصغير". إذن فحين اتجه هذا الكاروز الملتهب نحو الأمميين اتخذ اسمًا يتناسب وكرازته في المجال الجديد. + ثم اتجهوا إلى برجة بمفيليا حيث فارقهما مرقس،وكان لهذا الفراق أوخم العواقب بعد خمس سنين. واستمرا هما في رحلتهما على الطريق الجبلي الصاعد إلى الداخل المليء بالمخاطر، وعبر مساقِط مائية هادرة، وممرات يرتعد الناس من مجرد المرور أمامها لكونها مغاور اللصوص وقطّاع الطرق. ولا يعلم أحد ما أصابهما خلال الشهور الأولى. ومن الممكن أن ما صَوره بولس عن "أخطار سيول وأخطار لصوص" للكورنثيين (2كورنثوس 11: 26) كان إشارة إليها. + أخيرًا وصلوا إلى أنطاكية بيسيدية. وفي السبت دخلا المجمع. فطلب إليهما رئيسه أن يُكلما الشعب. فقام بولس لفوره وتكلم عن تحقيق النبوات عن المسيا في السيد المسيح. أخيرًا ألقى كلمة أذهلتهم جميعًا حتى لكأننا نحسّ بأنهم حبسوا أنفاسهم، وهي الحديث عن القيامة التي دعّم الأنبياء حقيقتها أيضًا. ألم يقل المرنم: "لن تدع قدوسك يرى فسادًا"؟ (مزمور 16: 10) وهذه القيامة هي أعظم دليل قدّمه الله للناس. ولقد رأى السيد المسيح القائم عددًا كبيرًا ممن كانوا معه وهم شهوده الآن. واختتم هذا الخبر المذهل بتحذيرهم: "فانظروا لئلا يأتي عليكم ما قاله حبقوق النبي: [أنظروا أيها المتهاونون وتعجبوا واهلكوا. لأنني عملًا أعمل في أيامكم. عملًا لا تصدقون إن أخبركم به أحد] (حبقوق 1: 5): "اُنْظُرُوا بَيْنَ الأُمَمِ، وَأَبْصِرُوا وَتَحَيَّرُوا حَيْرَةً. لأَنِّي عَامِلٌ عَمَلًا فِي أَيَّامِكُمْ لاَ تُصَدِّقُونَ بِهِ إِنْ أُخْبِرَ بِهِ". وهكذا تركهم يلهثون من انفعالاتهم. + وفي السبت التالي ازدحم المجمع حتى الباب. وقد حضر عدد وفير من الأمميين لأن بولس أعلن أن المسيا هو للجميع. وهذا أسخط غالبية اليهود الذين جاءوا وهم ممتلئون حنقًا. وحالما وقف ليتكلم قاوموه بالمعارضة وبالتجديف. واحتملهم قدر الإمكان. ثم أسكتهم بإشارة قاطعة، فهو خلال ضجتهم اتخذ قرارًا حيويًا حاسمًا: قرارًا أحدث ثورة تامة لكنيسة المستقبل. وبكلمات متزنة بطيئة تهتز بالانفعال الداخلي أعلن: "كان يجب أن تكملّوا أنتم أولًا بكلمة الله. ولكن إذ دفعتموها عنكم وحكمتم أنكم غير مستحقين للحياة الأبدية هوذا نتوجّه إلى الأمم. لأن هكذا أوصانا الرب" (أعمال 13: 46-47). + إن تلك العظمة كانت مَعْلما في حياة بولس. لقد فرد شراعه عاليًا ورسم عليها: "لم يعد اليهودي وحده المختار من الله فالكنيسة للعالم أجمع". فلم يكن من الممكن له بعد ذلك أن يبقى في بيسيدية. |
||||
03 - 08 - 2022, 01:24 PM | رقم المشاركة : ( 10 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب العجب الذي هو شاول - بولس - أ. إيريس حبيب المصري
التجول الكرازي والوصول إلى لسترة: + ومرة أخرى سارا فوق الجبل نحو مدينة عند طرفه الآخر هي مدينة لسترة. ويبدو أنهما وصلاها في يوم عيد لأن المدينة كانت مزدحمة إلى حد أن بولس وقف يتكلم في ميدان عام. ووسط المستمعين تركّز انتباهه على عينين مليئتين بالتطلع صاحبهما أعرج. وإذ وجد خلفيهما القلب المتفتح قال بصوت عظيم: "قُمْ عَلَى رِجْلَيْكَ مُنْتَصِبًا" فَوَثَبَ وَصَارَ يَمْشِي (أعمال 14: 8- 10). وذهل الحاضرون ذهولًا جعلهم يصرخون: "إِنَّ الآلِهَةَ تَشَبَّهُوا بِالنَّاسِ وَنَزَلُوا إِلَيْنَا". ولشدة اقتناعهم بهذا أطلقوا على برنابا اسم "زَفْسَ" وعلى بولس اسم "هَرْمَسَ"(1). وزادوا على ذلك أن أتوا بثيران ليذبحوها تقدمة لهما وبأكاليل من الورود ليضعوها على رأسيها لولا أن الرسولين منعاهم. + ولكن بالسرعة تقلب الإنسان! فما كاد بولس يتحدث عن بطلان الأوثان وعن الله الواحد خالق السماء والأرض حتى أخذت نفوس سامعيه في الغليان. وأخذوا يصرخون ضدهما. فتراكض نحو الساخطين جمع غفير من الأزقة الجانبية. وفي لحظة انهالت عليه الحجارة وسقط على الأرض وهو مغمض العينين، ولكن ذهنه كان ما زال صاحيًا وعاد به اثنتي عشر سنة إلى الوراء ليرى رجمًا آخر. ثم اختفت الصورة إذ فقد وعيه. وظن راجموه أنهم قضوا عليه فجروه إلى خارج المدينة على أنه ما كاد التلاميذ يحيطون به حتى أفاق وقام ودخل معهم المدينة! + وما أعجب تعامل الله مع الإنسان! فرجم استفانوس قد أعطى الكنيسة بولس المجاهد العظيم؛ ورجم بولس يأتي إليه تيموثيئوس الذي جاهد معه إلى حد أن دعاه الرسول الكبير "ابنه". ثم غادر الرسولان لسترة في اليوم التالي إلى دربة فأيقونية ومنها إلى أنطاكية. فاجتمعا بزملائهما القدامى: "سِمْعَانُ الَّذِي يُدْعَى نِيجَرَ"، و"وَلُوكِيُوسُ الْقَيْرَوَانِيُّ"، و"مَنَايِنُ" الذي تربّى مع هيرودس. وهنا نعجب مرة أخرى: فاثنان تربيا معًا كان أحدهما قاتلًا للمسيحيين وثانيهما كارزًا بالسيد المسيح. وسرد الرسولان عليهم كل ما فعله الله وكيف أنه فتح بابًا للأمم. على أن ثلاثتهم عبروا عن توجعهم من رجال أتوا إليهم من أورشليم ونادوا بأن من لا يختتن لا يخلص. + ووضح للكارزين وجوب ذهابهما إلى أورشليم لأن المعركة احتدم أوارها . كانت معركة من أجل الحرية فصمم بولس على خوضها إلى النهاية. أنه لن يرضى إطلاقًا بأن يجّروا الذين آمنوا من الأمم تحت نير الناموس. ولن يرضى مطلقًا بأن تصير المسيحية مجرد شيعة يهودية. فأعلن تحديه جهارًا - هذا التحدي الذي كرره فيما بعد: "فَاثْبُتُوا إِذًا فِي الْحُرِّيَّةِ الَّتِي قَدْ حَرَّرَنَا الْمَسِيحُ بِهَا، وَلاَ تَرْتَبِكُوا أَيْضًا بِنِيرِ عُبُودِيَّةٍ" (غلاطية 5: 1) مؤكدًا أن الناموس لم يكن سوى مؤدبنا إلى المسيح. |
||||
|