رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
|
10 - 12 - 2021, 07:18 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
رد: حياة القديس أغسطينوس
أغسطينوس في تاجست
في 13 نوفمبر 354 م بمدينة تاجست من أعمال توميديا بأفريقيا الشمالية وُلد أغسطينوس، وكان والده باتريكس وثنيًا فظ الأخلاق شريرًا، لذلك لم يكن يهتم بحياة ابنه الروحية ولا بسلوكه الخلقي، بل كانت آماله جميعًا تنصب في رؤيته رجلًا عظيمًا ذا جاه وغنى عظيم. أما والدته مونيكا المسيحية فقد احتملت شرور زوجها ووالدته - التي كانت تسمع لوشايات الخدم - بصبرٍ عجيبٍ دون أن تشكي لأحدٍ منها، بل على العكس كانت تلوم النساء اللواتي يشكين من أزواجهن، ناصحة إياهن على طاعتهم. وبذلك استطاعت بصبرها أن تجذب حماتها إليها، التي عرفت وشايات الخدم، فعاقبتهم على ذلك، أما زوجها فقد اكتسبته أيضًا، إذ اعتنق المسيحية قبيل انتقاله إلى السماء. أما عن جهادها مع أولادها الثلاثة فلسنا نعلم كثيرًا عنه، إلا عن جهادها مع ابنها الأكبر "أغسطينوس" الذي يعتبر من كبار قديسي الكنيسة ومعلميها ومن أعظم فلاسفة العالم. أما ابنتها التي لا نعرف اسمها فقد صارت رئيسة دير للراهبات، وابنها الآخر تفيجوس فقد صار أبًا لأسرة تقية خرج منها راهبتان تحت إرشاد عمتهما (عن مجلة مدارس الأحد السنة الخامسة عشر عدد 4). هذبت مونيكا ابنها أغسطينوس وأرضعته لبن الإيمان ومبادئه وكما قال إن تعاليمها كانت راسخة في ذهنه حتى في أسوأ أحواله. شب أغسطينوس فأدخله والده إلى المدرسة. وهناك التقى بمعلمين كانوا في ذلك الوقت لا يهتمون بسلوك الإنسان وحياته، حتى ولو أساء التلميذ في حق زملائه وفي حق معلميه أنفسهم، بل كانوا يهتمون بنبوغهم العلمي المجرد، لذلك تدهورت حالة أغسطينوس وساءت حياته، وأخطأ في حق زملائه ومعلميه ووالديه. أما عن دراسته فكان رغم ذكائه محبًا للعب ميالًا إلى الكسل، لذلك كانت توقع عليه عقوبات كثيرة، مما جعلته يكره اللغة اليونانية التي كان يُجبر على تعلمها، ويحب اللاتينية التي تعلمها ممن حوله. جاء عنه أنه مرض يومًا فأرادوا عماده، غير أنه شُفي سريعًا، فأرجأت والدته عماده (يبدو أن مرضه هذا والرغبة في عماده كانت في طفولته)، ولعل ذلك يكون خطأ منها أو لعلمها بشرور ابنها واستهتاره بحياته، خاصة وأن والده هو المشجع له على الشر. لما بلغ أغسطينوس من العمر ستة عشر عامًا أراد والده أن يرسله إلى قرطاجنة ليتمهر في البيان، فأخذ يعد له ما يلزمه لسفره عامًا كاملًا، فزج الفراغ بأغسطينوس إلى الاصطحاب بجماعة من الأشرار، فاقتدى بهم وسلك على منوالهم، حتى صار يفخر بالشرور، وينسب إلى نفسه شرورًا لم يرتكبها. ومما يرويه عن نفسه أنه اتفق مع شرذمة من أصدقائه على سرقة شجرة أجاص (كمثري)، وفي نصف الليل قادهم إليها وقطعوا منها ما قطعوا وهو يعلم بأن الكمثري لم تنضج ولا تصلح إلا للخنازير، كما يعلم أن بمنزله شجرة أجود منها، لكن هدفه كان قيادة جماعة من الناس إلى السرقة والتزعم عليها. حزنت مونيكا لما رأت ابنها ينجرف إلى هذه الهوة العميقة فأخذت تنصحه، أما هو فكان يزدري بنصائحها إذ يقول في اعترافاته "ولكن أمي التقية قد تكلمت، وصوتها على ما أرى صدى صوتك فإنها كانت تلح عليَّ بشديد التحريض لاعتزال الغواني وكل أسباب الفجور. وأما أنا فما كنت أعيرها أذنًا صاغية، ولا اكترثت بأقوالها، لأنها أقوال امرأة، حال كونها صادرة من لدنك...". |
||||
10 - 12 - 2021, 07:18 PM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
رد: حياة القديس أغسطينوس
|
||||
10 - 12 - 2021, 07:19 PM | رقم المشاركة : ( 4 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
رد: حياة القديس أغسطينوس
أغسطينوس في قرطاجنة
أما في قرطاجنة فقد وجد المجال الخصب لصنع الشرور، فالتقت به الشريرات، وأحب المسارح وصنع الشرور. أما عن دراسته، فقد عكف على دراسة الفقه والقوانين، لعله يرتقي إلى القضاء أو المحاماة، وإذ كان ممتازًا بين زملائه راح يتمايل تيهًا ودلالًا بخيلاء وعظمة. إلا أنه كان أكثر منهم تأدبًا، فلم يكن يلقي الشقاق بين زملائه مثلهم، وقد تضلع في اللاتينية حتى افتتح مدرسة لتعليم البيان وهو في سن التاسعة عشر. أعجب أغسطينوس بمذهب شيشرون، فقد قرأ كتاب "هورطانسيوس" (عن تاريخ الفلسفة الأوربية في العصر الوسيط للأستاذ يوسف كرم) لشيشرون الذي ضاع فيما بعد، فكاتبه يقرظ فيه الفلسفة ببلاغته المعهودة فيصورها مدرسة علم وفضيلة، ووسيلة الحياة السعيدة، مما جعل أغسطينوس يشتاق إلى حياة العفة، وإلى البحث عن الحقيقة، فبدأ يدرس الكتاب المقدس لعله يجد فيه ما يبغيه، ولكن قرأه كما يقرأ أي كتاب فلسفي ظانًا أنه يستطيع بحكمته وعلمه أن يصل إلى الحقيقة. درس الكتاب في كبرياء، فأغلق الباب في وجهه، حتى ظنه دون كتب شيشرون، فلم تعجبه لاتينية الكتاب (لأنه كان متشبعًا بالأدب اللاتيني)، ولم تهزه مبادئه السامية، إذ كان متعلقًا بملذات العالم وشهواته. فأدى كبرياؤه إلى ظلام قلبه وعقله حتى سقط في المانوية ظانًا أنه قد وجد فيها العفة التي يبحث عنها، والحقيقة التي يترجاها. أما مونيكا، فإذ رأت انحراف ابنها الخلقي وانحرافه إلى بدعة ماني، وكيف أنه سرق نفوسًا كثيرة من حظيرة الإيمان ليبتدعوا مثله، وذلك لعلمهم بأن أغسطينوس ليس بالشخص الذي يسهل جذبه إلى المانوية لو لم تكن معتقداتها سليمة. لذلك طردته أمه من منزلها، غير أن محبتها له جعلتها ترده إليها مرة أخرى. أما عن جهادها فقد سكبت دموعًا غزيرة في صلوات حارة كل يوم من أجل خلاصه. وإذ مرت أعوام كثيرة على هذا الجهاد رأت حلمًا وهو إذ بها واقفة على قطعة من الخشب (ترمز للإيمان) والكآبة تشملها، وإذ بفتى يلمع بهاؤه أمامها ويشع الفرح من ملامح محياه، نظر إليها وقال لها: ما بالكِ تبكين والغم لا يبرح من قلبك؟ أجابته: إني أبكي أسفًا على هلاك ولدي. قال لها: تعزي ولا تخافي، فها ولدك هنا وهو معك. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام المقالات والكتب الأخرى). التفتت مونيكا فرأت ابنها واقفًا معها على الخشبة. فتأكدت مونيكا من استجابة صلواتها. ومن شغفها بخلاص ابنها كانت تطلب من رجال الله الأتقياء أن يصلوا من أجل ابنها، ومن هؤلاء أسقفًا جليلًا كان يطمئنها قائلًا "اتركيه كما يشاء، فقط صلي إلى الله كثيرًا من أجله، إذ أنه من المحال إقناعه أنه شرير مع كونه من أعظم فصحاء العالم. اتركيه فسوف يقف على حالته بنفسه، وسوف يلمس بنفسه نتيجة شروره: فقد كنت أنا يومًا مانويًا ولم أكن أقرأ فقط كتبهم بل كتبتها بيدي، ولكن عرفت أخيرًا غباوتهم وتركتهم". ورغم هذه الكلمات المشجعة كانت تذرف الدموع بغزارة أمامه، قائلة: "صل من أجل ابني". فقال لها تلك العبارة الوحيدة التي وجدت فيها عزاءًا، لأنها وثقت أنها من قبل الله "ثقي يا امرأة أنه من المستحيل أن يهلك ابن هذه الدموع". في وسط هذا الظلام الدامس كانت يد الله تصنع أمورًا عجيبة في حياة أغسطينوس، فإذ كان له صديق ملازم له دائمًا. فلا يفترقان عن بعضهما البعض، إذ به يجذب صديقه إلى المانوية مما جعل والدته (مونيكا) تحزن على ذلك، غير أنه لم ينقضِ عام تقريبًا إلا ويد القدير قد ثقلت على الشاب صديقه، فمرض مرضًا شديدًا حتى شارف على الموت، فعمده أهله خشية موته. أما أغسطينوس فلم يبالِ بالعماد، حاسبًا إياه مجرد غسل جسدي، عالمًا أن صديقه سرعان ما يعود إلى المانوية بعد شفائه. وإذ شُفي الصديق جاءه أغسطينوس يهزأ بالعماد، وكم كانت دهشته حين سمعه يقول: "إن أردت أن تضع حدًا فاصلًا لصداقتي بك فكلمني في شأن المعمودية بالطريقة الهزلية التي كلمتني بها قبلًا". لم يجادله أغسطينوس منتظرًا تمام شفائه. لكن سرعان ما سمحت العناية الإلهية بانتقاله مما أحزن أغسطينوس. فكان نظره لا يهدأ قط بل يجول في كل مكان لعله يجد صديقه. حتى كره كل شيء واسودت الحياة في نظره وفقد كل تسلية وطاب له البكاء. سئمت نفسه كل شيء حتى النور. وبالجملة كره الحياة والموت. فالتجأ إلى إله أتباع ماني فازدادت مشاكله، واضطربت حياته. بقي أغسطينوس في ظلام عقله تسع سنوات مخدوعًا بالمانويين، ظانًا أنهم ينادون بالعفة التي طالما اشتاق إليها، إذ كثيرًا ما ترنم قائلًا: "يا رب أعطني الوداعة والعفة، ولكن ليس الآن". إلا أنه بالبحث عرف بطلان معتقداتهم، فالتقى برئيسهم فوستوس الذي كان يميل إلى الحديث إلى الجماعات، فيستأثر قلوبهم ببلاغته وحلاوة حديثه، لأنه كان مطلعًا على مؤلفات شيشرون وسينكا والشعراء. أخذ يسأله فوجده فارغًا لا يستطيع أن يجيبه على أسئلته، وبذلك بدأ يكتشف خداع المانوية، ومع ذلك فلم يعد بعد مسيحيًا مؤمنًا إيمانًا مستقيمًا بل مترددًا في آرائه منجذبًا نحو الشهوات. |
||||
10 - 12 - 2021, 07:20 PM | رقم المشاركة : ( 5 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
رد: حياة القديس أغسطينوس
أغسطينوس في روما
في عام 382 م. أوعز أصدقاؤه إليه بالسفر إلى روما لينال مجدًا وغنى أعظم، فلما شعرت والدته بهذا حاولت أن تصده عن ذلك فلم يرتد عن قصده، فعزمت على السفر معه، إذ كان زوجها قد توفي عام 371 م. أما هو فقد احتال عليها بقوله لها إنه ذاهب لتوديع صديق له على السفينة، وأنه لا يمكن مفارقته حتى تبحر السفينة. . وبالجهد رضيت أن يبقيًا معًا تلك الليلة في مكان قريب من السفينة بالقرب من كنيسة القديس كبريانوس. وفي الليل ذهبت للصلاة من أجله في الكنيسة ففر مسرعًا إلى السفينة وسافر تاركًا إياها تبكي من أجله. وفي روما مرض مرضًا خطيرًا أوشك فيه على الموت لولا عناية الله وصلوات أمه لأجله، فشفي من مرضه دون أن تشفي روحه. قيل عنه إنه نزل في روما ضيفًا عند أحد المانويين المعتقدين بجبرية الخطية وعدم التوبة عنها مما جعله يحتقر المانوية ويزدري بها. |
||||
10 - 12 - 2021, 07:21 PM | رقم المشاركة : ( 6 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
رد: حياة القديس أغسطينوس
أغسطينوس في ميلان
أرسل حاكم ميلان يطلب من حاكم مدينة روما أستاذًا للبيان فأرسل له أغسطينوس. وهناك دبرت له العناية الإلهية الالتقاء بأسقف المدينة القديس أمبروسيوس (أمبروزو)، الذي شمله بعطفه وحنانه حتى أحبه أغسطينوس، كما أعجب بعظاته. فكان مداومًا على سماعها لما فيها من قوة البيان، دون أن يهتم بما احتوته من معانِ جليلة وغذاء دسم للروح. لكن سرعان ما بدأ النور ينبعث وتتجلى المعاني أمامه، إذ أعجب أغسطينوس من تفسير الأسقف للعهد القديم، الذي يحتقره المانويين، بطريقة روحية رائعة. كما كان يسمع ردوده على أتباع ماني وغيرهم من المبتدعين. فانكشفت أضاليل المانوية أمام أغسطينوس ووضح خداعها له فقطعها بعد أن قضى تسعة أعوام سماعًا فيها (السماعون في المانوية هم معتنقو المذهب غير العاملين به، أما الصديقون أو المختارون فهم أتباعه الأوفياء علمًا وعملًا). ويذكر الأستاذ يوسف كرم أن القديس أغسطينوس لم يعرف أين يتوجه إذ كان مضطربًا بحجج الشكاك بسبب ما كان قد قرأه في كتاب "المقالات الأكاديمية" لشيشرون، فوقع في أزمة. غير أن شكه لم يتناول وجود الله أو عنايته بالخليقة. فعاد ونظر إلى الكنيسة التي وجد فيها أربع علامات تدل على أنها من الله، هي أن فيها تتحقق نبوات العهد القديم، وفيها يتصل الكمال الروحي، وتصنع المعجزات، وقد انتشرت رغم ما لاقته من عنت شديد. فاعتقد أن النجاة في الكنيسة، غير أن اعتقاده هذا لم يبدد شكوكه، بل كان مترددًا في إمكان اليقين وحل المشكلات الأكاديمية. نعود إلى مونيكا التي سمعت بسفره إلى ميلان، فقامت تخوض البحار وتجوب القفار مسرعة إلى ميلان، لتحيا مع ابنها لعلها تستطيع بنعمة الله أن تهديه إلى الحياة. ويذكر أغسطينوس عنها أنه بينما كانت آتية إليه هبت عاصفة شديدة في البحر فلم تضطرب، مع أنه لم يسبق لها أن ركبت سفينة، بل كانت تشجع ربان السفينة والبحارة. قابلها أغسطينوس بذلك الخبر السار ألا وهو تركه المانوية تمامًا غير أنه لم يؤمن بعد بالإيمان المسيحي المستقيم. فالتفتت إليه بهدوء، وقالت: "إن لي رجاء بالمسيح بأن قبل مفارقتي هذه الأرض أراك مؤمنًا"، وأخذت تحثه على معاشرة الأسقف واستماع عظاته ونصائحه. كل هذا ودموعها لم تنضب بعد لأجل توبته ورجوعه، لأنه إلى ذلك الحين لم يكن مؤمنًا بالمبادئ المستقيمة بل كان منجذبًا بالشهوات حتى كان يقول إن حفظ العفة يعتبر أمرًا مستحيلًا. بدأ أغسطينوس يقرأ بعض كتب الأفلاطونيين المنقولة من اليونانية بواسطة فيكتريانوس، التي استفاد منها الكثير، على أنها لم تقُده إلى المسيحية، بل كان قد آمن بالمسيحية (عقليًا) وقد أفادته هذه الكتابات في حل مشكلات عقلية، كانت تحول بينه وبين فهم المسيحية. ويعلل الأستاذ يوسف كرم ذلك بأن أغسطينوس فرح بالفلسفة الأفلاطونية لأنه ظن أن فيها العقائد المسيحية الكبرى رغم عدم وجود هذه العقائد فيها، مما يدل على أنه كان قد آمن بالمسيحية قبل قراءته لهذه الكتابات. عاد أغسطينوس إلى الكتاب المقدس مرة أخرى وبخاصة رسائل بولس الرسول التي أعجب بها كل العجب، كما أعجب بتوفيقها بين العهد القديم والجديد. قرأ الكتاب المقدس في هذه المرة فرأى ما لم يره قبلًا عند قراءته الأولى، ولا في كتب الفلاسفة، رأى مخلصًا جاء ليمحو كل آثامنا ورأى النعمة الإلهية تعيننا على فعل الخير والانتصار على الشر. دبرت العناية الإلهية أن يزوره سمبليانس حيث بدأ يخبره عن قراءته في كتب الفلسفة الأفلاطونية التي عنى بنشرها فيكتريانوس (فيكتوريانوس هو معلم البيان في روما، ذاعت شهرته حتى نصب له تمثالًا في روما. وقد ترجم بعض كتابات أرسطو وبعض رسائل أفلاطين كما ترجم بعض كتابات الأفلاطونيين الجدد. وقد اعتنق المسيحية، وألف كتب لاهوتية عديدة)، فأظهر له سمبليانس سروره من مطالعته لهذه الكتب. ثم أخبره عن اعتناق فيكتريانوس للمسيحية وسلوكه في حياة الفضيلة. فلما سمع ذلك شبت فيه نيران الغيرة راغبًا في الإقتداء به، غير أنه كان لا زال أسيرًا للعادات الشريرة المرة. |
||||
10 - 12 - 2021, 07:22 PM | رقم المشاركة : ( 7 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
رد: حياة القديس أغسطينوس
توبة أغسطينوس
ما أبعد أحكام الله عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء. ما أعجب تدبيره وأعظم محبته. فقد هيأ لابن مونيكا التي لم تكف عن الصلاة بدموع ليلًا ونهارًا حوالي عشرين عامًا لأجل رجوعه وتوبته. هيأ له أن يستعد قلبه للتوبة الحقيقية. فسمح له بأن تعلمه أمه بذور الإيمان التي رسخت في ذهنه حتى في أسوأ أحواله. وسمح له بموت صديقه الشاب ليحتقر أمور هذا العالم، ويبحث عن الحياة الفضلى. وسمح له باحتقاره للمانوية بسماعه فستوس رئيسه، واستضافته لدى ذلك الشخص الذي يؤمن بجبرية الخطية وعدم التوبة عنها. وسمح له بالذهاب إلى ميلان ليلتقي بأمبروسيوس أسقفها فيعجب بعظاته. وسمح له بالالتقاء بسمبليانس ليخبره عن اعتناق فيكتريانوس الوثني بالمسيحية ليشتاق هو أيضًا إلى الإيمان المستقيم. أما توبته فكانت عجيبة، فقد كان له صديق حميم يدعى أليبوس، وإذ كانا معًا ومعهما كتاب رسائل بولس الرسول، إذا برجل من كبار رجال الدولة، من المؤمنين الحقيقيين، يدعى بنسيانس يدخل عليهما. رأى ذلك الشريف كتاب رسائل بولس الرسول، فظنه أحد كتب الفلسفة، إلا أن أغسطينوس أخبره أنه من مدة لم يشغله شيء سوى مطالعة هذه الأسفار. دار الحديث بينهما إلى أن أخبره عن خبر القديس أنطونيوس المصري ورهبنته وكيف أن اثنين من أشراف البلاط تركا كل شيء وسارا على منواله بعد قراءتهما سيرته (وهي السيرة التي كتبها القديس أثناسيوس الرسولي، وهي معربة وقد طبعتها جمعية أصدقاء الكتاب المقدس). فلما مضى الصديق بنسيانس جال بفكره كيف أنه بحث عن الحكمة طوال هذه السنوات ولم يستطع اقتنائها. وتواردت أمام عينيه حياته جميعها بما فيها من صور مخزية، فلم يجد مفرًا سوى الالتجاء إلى الله، وعندئذ نظر إلى أليبوس وصرخ إليه: ماذا نعمل نحن؟ ما هذه الأحوال؟ أما سمعت؟ أتشب النهضة بالسذج الأميين، فيتسارعون لاختطاف ملكوت السماوات، ونحن معشر العلماء الحكماء نتمرغ في وحول النجاسة والرجاسة؟! حقًا صدق الكتاب أن العرج نهبوا نهبًا (إش 23:33). ولماذا يأخذنا الحياء من اللحاق بهم، لأنهم تقدمونا، ولا يأخذنا الخجل لعدم إقتدائنا بهم؟! وإذ قال هذا وجد نفسه يندفع إلى بستان مجاور لمنزله بدون شعور، حتى تعجب أليبوس مما بدا على ملامح وجهه، ومن تلك الثورة التي اجتاحت قلبه. ذهب إلى البستان فلحق به أليبوس. وهنا بدأ الصراع بين الماضي والرغبة الجديدة. تمثلت أمامه شروره وقبائحه، وصارت فيه عاصفة عاتية، وتفجرت ينابيع الدموع من عينيه، فانفرد عن أليبوس لأن الانفراد أوفق للبكاء. غُلب أغسطينوس على أمره، فارتمى على جذع شجرة تين، وإذ زاد الصراع قال: "عاصفة شديدة... دافع عني". ثم نطق في حزن عميق: "وأنت يا ربُّ فحتى متى؟ (مز 3:6) إلى متى يا رب؟ أتغضب إلى الأبد؟ لا تذكر علينا ذنوب الأوَّلين (مز 5:79، 8). فإنني أشعر بأنني قد استعبدت لها. إلى متى؟ إلى متى؟ إلى الغد؟ ولما لا يكون الآن؟ لما لا تكون هذه الساعة حدًا فاصلًا لنجاستي؟" وبكى بعد ذلك بحزنٍ عميقٍ، وإذ به يسمع صوت ترتيل طفل - لا يعلم إن كان ولدًا أو بنتًا - جاءه من منزل مجاور مرددًا مرارًا "خذ وأقرأ - خذ وأقرأ". (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام المقالات والكتب الأخرى). تذكر أغسطينوس كيف أن أنطونيوس قبل كلمات الكتاب المقدس التي سمعها في الكنيسة على أنها موجهة إليه شخصيًا، إذ سمع "فأذهب وبِعْ أملاكك وأعطِ الفقراء،َ فيكون لك كنز في السماء، وتعال اتبعني" (مت 21:19) توجه للحال إلى حيث ترك رسائل القديس بولس وفتحها وقرأ، وإذ به يجد لا تسلكوا طريق الشراهة والسكر والفواحش، بل البسوا الرب يسوع المسيح، ولا تهتموا بشهوات أجسادكم" (رو 13:13، 14). كان ذلك في عام 386 م بالغًا من العمر اثنان وثلاثون عامًا حيث تغيرت حياته وتجددت بنعمة الله، فتحولت القوة المحترقة شرًا إلى قوة تلتهب حبًا. أضاء النور على عقله وقلبه فبدد ظلمتهما. وشعر القديس بذلك، فقال: "قد نظرت إليَّ يا رب بعين رحمتك، ولما رأيت نفسي على شقاءٍ دائمٍ، طهرتها بنعمتك، واستأصلت منها انعطافها الدنس. فما أعمق الهوة التي انتشلتني منها في لحظة من الزمن، وما أسعد هذه اللحظة التي حنيت فيها عنقي لنير شريعتك. وكم فرحت نفسي في ترك كل ما كانت تميل إليه شهوتي". عاد أغسطينوس إلى أليبوس الذي أخبره بعزمه على التوبة مثله، فذهب كلاهما يخبران تلك الأم التي جاهدت ما يقرب من 20 عامًا من أجل هذه اللحظة. لا أدري يا أخي كيف أعبر لك عن فرحة تلك الأم التي كلما اشتاقت إلى تلك اللحظة، ولو كانت على فراش الموت. ولو باعت كل ما لديها، وتحملت كل ضيق وألم. يا لفرحتها ويا لسرورها عند سماعها بتوبتهما. لقد عاد الضال إلى أبيه، ورجعت النفس لتستريح في أحضان النعمة الأبوية. عاش ابنها بعد أن مات، وصار وارثًا معها في الحياة الأبدية. أي شيء تطلبه بعد ذلك؟! هذه فرحة الأم التي جاهدت سنوات من أجل ابنها، أما فرحة الأب السماوي يسوع الذي تنازل وأخذ صورة عبد وصار مثلنا في كل شيء ما عدا الخطية ومات موت الصليب، ففرحته عند رجوع أولاده إليه لا تُقدر. عزم أغسطينوس بنعمة الله على ترك تدريس البيان وعدم الزواج وتكريس بقية حياته لله، والتفرغ للتأمل في الوصايا الإلهية وخدمة الله، فاعتزل هو ووالدته وصديقه أليبوس وابنه أدياتس وبعض أبناء عمه وبعض أصدقائه في كاسيكاسيوم Cassiciacum بجوار ميلان، حيث أقام ستة شهور ليتأهب لنوال سرّ العماد. وقد كتب إلى القديس أمبروسيوس يبشره بالخبر طالبًا منه إرشادًا. وفي ابتداء صوم الأربعين سنة 387 م ذهب إلى ميلان، واعتمد على يد الأسقف أمبروسيوس، هو وصديقه أليبوس وابنه أدياتس. |
||||
10 - 12 - 2021, 07:24 PM | رقم المشاركة : ( 8 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
رد: حياة القديس أغسطينوس
نياحة القديسة مونيكا
سافر القديس أغسطينوس مع ابنه ووالدته وأخيه وأليبوس إلى أوستيا منتظرين السفينة للعودة إلى وطنهم. وفي أوستيا كان القديس يتأمل مع والدته في ملكوت السماوات ومجازاة المؤمنين وسعادتهم، حتى شعر بأنه قد لمس السماويات ناسيًا الأرضيات. وقد قالت له أمه "يا ابني، لا شيء يسعدني في الحياة ثانية. ماذا أعمل؟ ولماذا أبقى؟! لا أعرف... لأنني كرهت الحياة. وأنا أعتقد أن الله قد أمّد من أجلي لسبب واحد، وهو أن أراك مؤمنًا مخلصًا ومسيحيًا بالحق قبل أن أموت، والله الغني أبقاني لأراك خادمه الأمين تحتقر الماديات... وما هو عملي أو بقائي بعد ذلك؟" وبعد خمسة أيام مرضت مونيكا بحُمى شديدة وأغمى عليها، ولما أفاقت وجدت ابنيها بجوارها وهما في منتهى الحزن والألم، فقالت لهما: "أين كنت أنا؟... هنا تدفنان والدتكما" مع أنها كانت قد أعدت مقبرتها في أفريقيا لتُدفن بجوار زوجها، غير أن هذه الرغبة كانت قد زالت عنها. أظهر تافيجوس أنه يطلب من الله أن يكون انتقالها في بلدها، أما هي فإذ لم تهتم بدفن جسدها، قالت لأغسطينوس: "أنظر يا أغسطينوس ما يقول أخوك تافيجوس". ثم أوصتهما الوصية الأخيرة "يا بني لا تهتما أبدًا بأمر جسدي، بل ادفناه أينما كان، فذلك ليس له عندي أهمية. لكن أسألكما شيئًا واحدًا وهو أينما كنتما اذكرا والدتكما على مذبح الرب". قالت هذا وفاضت روحها الطاهرة إلى خالقها وهي في السادسة والخمسين من عمرها، وكان أغسطينوس في الثالثة والثلاثين من عمره. حزن أغسطينوس جدًا لانتقال والدته، فكانت دموعه تجري رغم إرادته. وإذ حاول أن يمنع دموعه لعلمه بأن هذا خطأ، إذ لا يليق الحزن على مفارقة الجسد، لم يستطع ذلك. أخيرًا قال لنفسه: "لا يليق بي أن أسلم نفسي للدموع ساعة لأجل تلك التي لأجلي كانت تعوّم فراشها كل يوم بالدموع ساعات". |
||||
10 - 12 - 2021, 07:25 PM | رقم المشاركة : ( 9 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
رد: حياة القديس أغسطينوس
أغسطينوس في روما وأفريقيا
بعد نياحة القديسة قرروا العودة إلى روما، حيث سعى أغسطينوس إلى دحض بدعة ماني ورد أتباعه إلى حظيرة الإيمان. ثم عاد بعد ذلك إلى أفريقيا حيث ذهب إلى قرطاجنة ثم إلى تاجست، فوزع كل ممتلكاته، واختلى مع بعض أصدقائه ثلاث سنين منقطعًا فيها للصلاة والصوم والتأمل في شريعة الله ليلًا ونهارًا، وتأليف كتب كثيرة. |
||||
10 - 12 - 2021, 07:25 PM | رقم المشاركة : ( 10 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
رد: حياة القديس أغسطينوس
رسامة أغستينوس كاهنًا
في أثناء ذلك طلب رجل شريف من مدينة هيبو (تدعى حاليًا إيبونا من أعمال نوميديا) أن يزوره، ولما كان فاليريوس أسقف المدينة يطلب رجلًا يتوسم فيه العلم والقداسة ليكون كاهنًا مساعدًا له، لذلك جمع الشعب، وأخبره بقدوم أغسطينوس، ورغبته في رسامته كاهنًا. فقبل الشعب مشورة أسقفه، وإذ دخل القديس يومًا إلى الكنيسة لحضور القداس الإلهي أمسكه الشعب لرسامته. رفض القديس بدموعٍ طالبًا إعفائه من هذا المنصب الخطير، إلا أنه تحت إلحاح الشعب علم أن الرب قد اختاره، فرُسم كاهنًا. سكن في بستان مِلْك للكنيسة، وجعله ديرًا حيث امتلأ بالرهبان الأتقياء، فوضع لهم قوانين يسلكون عليها، كما أنشأ ديرًا للراهبات تحت رئاسة أخته. لما عرف الأسقف بعلم القديس كلفه بالوعظ حتى أثناء حضرته، فامتنع أولًا ثم رضخ بعد ذلك. فأخذ يعظ الشعب، وكان يتعطش لسماع كلمات النعمة الخارجة من فمه بالرغم من أنه كان يعظ في أكثر الأيام. وقد ذكر صديقه بوسيديوس الذي أرّخ له أنه كان يخرج الشياطين بالصلاة. |
||||
|