يسوع في بيت عنيا
فَقَالَت مَرْثَا ليِسُوعَ: يَا سَيّدُ، لَوْ كُنْتَ ههُنَا لَمْ يَمُتْ أَخِي! ( يو 11: 21 )
إن مواساة الرب يسوع لشعبه مُرتسمة ارتسامًا مؤثرًا في معاملاته لعائلة بيت عنيا، فقد ارتضى للأختين أن تجتازا في التدريب، وتنزلا إلى المياه العميقة، وأن تشتد التجربة عليهما «لكي تكون تزكية إيمانهما، وهي أثمن من الذهب الفاني، مع أنه يُمتحن بالنار، توجد للمدح والكرامة والمجد» ( 1بط 1: 7 ).
أما إذا نظرنا إلى التجربة من الجهة الطبيعية نرى أن الآمال قد خابت في ظاهر أمرها، وقد زال كل شعاع للرجاء من أُفق الحياة، فلعازر مات ودُفن وانتهى الأمر، ومع كلٍ نسمع الرب يقول: «هذا المرض ليس للموت». كيف يكون هذا وما معناه؟! هذا ما تبحث فيه الطبيعة، ولكن لا ينبغي أن نميل بآذاننا للطبيعة، لأنه من شأنها أن تهوي بنا إلى دوائر ظلال الموت، بل علينا أن نستمع لصوت يسوع، ونصغي لنبراته الحية المُبهجة المشجعة، ومن ثم نستطيع أن نبرر الله ونمجده، ليس فقط عند فراش المرض، بل في غرفة الموت وعند باب القبر نفسه. فليس الموت بموت في حضرة المسيح، وما القبر إلا مسرحًا يُشرق عليه مجد الله ببهائه ولمعانه. ومتى تلاشى واختفى المخلوق وما له من المشهد، وخَلا المسرح من كل ما هو من الإنسان، عندئذٍ تسطع أشعة مجد الله في ملء لمعانها، ومتى زال كل شيء حسب الظاهر يأتي المسيح ويملأ المشهد بالفرح.
وخليق بالنفس أن تتمسك بهذا الحق الخطير وتفهمه جيدًا، هذا الحق الذي لا يستطيع أن يدركه إلا الإيمان وحده. إنها لحالة مُرعبة أن نتكل على المساند البشرية ونلتجئ إلى الينابيع الإنسانية، أو نثق في ذراع البشر ونتمسك بالمنظور لأنه ملموس محسوس، ونظن أحيانًا أن الأمور الزمنية التي تُرى أهم كثيرًا جدًا من الأمور الأبدية التي لا تُرى، ولذلك يرى الرب الأمين أنه من الصواب ولخيرنا أن يكسر كل هذه العكاكيز ويجفف مثل هذه الينابيع، حتى بذلك نتكل عليه وحده صخرة خلاصنا، صخر الدهور الأبدي، فنجد كل ينابيعنا في هذا النبع الحي الذي لا ينضب، النبع الفائض بالبركات. فهو غيور على محبتنا وثقتنا، لذلك يزيل كل ما لا يجعل قلوبنا موحدة له، لأنه يعلم أن ارتماءنا عليه دائمًا يأتي ببركة كاملة لنفوسنا، لأجل هذا يسعى في تنقية قلوبنا من كل صنم كريه.