رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
1 ـ الاعتراف لله هو الأساس: لا بدّ من الإشارة بادئ ذى بدء إلى أن الاعتراف لله هـو الأساس... وأنـه أمـر لا بـدّ منـه على كل حـال... وهو يعنى أن يعـود الإنسان إلى نفسـه... [ فَرَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ... ] [ لوقا 15: 17 ]... منقطعـًا عن الهـواجس التى يلهـو بهـا عـن مواجهتهـا, ويواجـه الله بصـدق وإخلاص, ويعـّرى ذاتـه أمامـه, ملقيـًا عنـه كل الستائـر التى يحـاول عـادة أن يحجـب بهـا حقيقتـه عـن نفسـه وعـن الآخـرين متحجّـجـًا بسائـر الذرائـع والمبـرّرات, فتنكشف لـه هكـذا حقيقتـه فى نـور الله, ويـرى نفسـه " ابنـًا شاطـرًا" تلفـّه محبـة الله ولكنـه يتهـرّب منهـا ليتقـوقـع فى ذاتـه الضيـّقة وينكمش على نفسه ببخـل محتميـًا من محبـة الله, رافضـًا دعوتهـا له إلى فـرح المشاركـة... إن هـذه المواجهـة أساس لكـل حيـاة مسيحيـة حقـّة, لا بـلّ لكـل تديـّن صحيـح, وهى منطلـق كل مصالحـة مـع الله... ذلك هـذه المصـالحة تفتـرض أولاً الاعتـراف بالقطيعـة التى يقيمهـا الإنسان بينـه وبين الله, وأن يقـرّ المـرء بأنـه, مـن جرائهـا, فى عـزلة وفقـر وجـوع : [ .... كَمْ مِنْ أَجِيرٍ لأَبِي يَفْضُلُ عَنْهُ اَلْخُبْزُ وَأَنَا أَهْلِكُ جُوعاً! ] [ لوقا 15: 17 ]... وأن يعـزم بصـدق على العـودة إلى ربه, علمـًا بأن " تـاب", لغـويـًا, تعنـى " عـاد": [ أَقُومُ وَأَذْهَبُ إِلَى أَبِي وَأَقُولُ لَهُ: يَا أَبِي أَخْطَأْتُ إِلَى اَلسَّمَاءِ وَقُدَّامَكَ] [ لوقا 15: 18 ]... الله يتـقـبـّل دومـًا هـذه العـودة إذا كانت صـادقة... إنـه ينتظـر رجعـة الإنسان كمـا كان الأب ينتظـر عـودة " الابن الشاطـر" : [فَقَامَ وَجَاءَ إِلَى أَبِيهِ. وَإِذْ كَانَ لَمْ يَزَلْ بَعِيداً ] [ لوقا 15: 20 ]... ويقبـل إليه ويفتـح له ذراعيـه ويضـمّه إليـه: [رَآهُ أَبُوهُ فَتَحَنَّنَ وَرَكَضَ وَوَقَعَ عَلَى عُنُقِهِ وَقَبَّلَه. ] [ لوقا 15: 20 ]... ويفـرح أيّمـا فـرح بانتقـاله من المـوت إلى الحيـاة: [وَلَكِنْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ نَفْرَحَ وَنُسَرَّ لأَنَّ أَخَاكَ هَذَا كَانَ مَيِّتاً فَعَاشَ وَكَانَ ضَالاًّ فَوُجِدَ ] [ لوقا 15: 32 ]... [أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ هَكَذَا يَكُونُ فَرَحٌ فِي اَلسَّمَاءِ بِخَاطِئٍ وَاحِدٍ يَتُوبُ أَكْثَرَ مِنْ تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ بَارّاً لاَ يَحْتَاجُونَ إِلَى تَوْبَةٍ ] [ لوقا 15: 7 ]... [ قُلْ لَهُمْ: حَيٌّ أَنَا يَقُولُ اَلسَّيِّدُ اَلرَّبُّ, إِنِّي لاَ أُسَرُّ بِمَوْتِ اَلشِّرِّيرِ, بَلْ بِأَنْ يَرْجِعَ اَلشِّرِّيرُ عَنْ طَرِيقِهِ وَيَحْيَا. إِرْجِعُوا إِرْجِعُوا عَنْ طُرُقِكُمُ اَلرَّدِيئَةِ. فَلِمَاذَا تَمُوتُونَ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ؟ ] [ حزقيال 33: 11 ]... وأيضـًا: [ هَلْ مَسَرَّةً أُسَرُّ بِمَوْتِ اَلشِّرِّيرِ يَقُولُ اَلسَّيِّدُ اَلرَّبُّ؟ أَلاَ بِرُجُوعِهِ عَنْ طُرُقِهِ فَيَحْيَا؟ ] [ حزقيال 18: 23]... هـذا الإنسان الراجـع من إغترابه, يعيـده الله على مشاركتـه ويمتعـه مجـددًا بالحيـاة معـه, فتُغفـر خطاياه لأن الغفـران هـو بالضبـط تجـاوز العـزلة والعـودة إلى صفـاء المشاركـة وإلى مـا تعنيـه مـن حيـاة وفـرح وقـوة وأصـالة وغنى... +++ 2 ـ العودة إلى الله تفترض العودة إلى البشر: ولكن علاقتنـا بالله ليست بمعـزل عن علاقتنـا بالناس, بـلّ أن هناك تشابكـًا وتداخـلاً بين العلاقتين.. فمـن جهـة, الله يكشف لنـا ذاتـه من خلال أنـاس عاشوا أو يعيشون الآن فى ألفـة معـه, فنتعـرف إليـه مـن خـلال معاشرتنـا لهـم واستماعنـا إليهـم ورؤيتنـا لنـوره على وجوههم وتحسّسنـا لنبرتـه فى أقـوالهم... ومن جهة أخـرى, فكلمـا استقامت وتعمّـقت علاقتنا بالله, اغتنت وتأصلت علاقتنا بالناس... والعكس صحيح, إذ أن تفكك علاقتنا بالناس يسئ إلى سلامة علاقتنا بالله ويهـدّدها بالتحول إلى مجـرد علاقة ذهنية وكلاميـة لا حيـاة فيهـا ولا حـرارة ولا عمـق, كمـا أن انتعاش علاقتنا بالناس عبـر انفتاحنـا عليهـم وإخلاصنـا لهم يقربنـا من الله ويرسّـخ علاقتنـا به ولو غاب ذلك عن وعينـا: [ ثُمَّ يَقُولُ الْمَلِكُ لِلَّذِينَ عَنْ يَمِينِهِ: تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي رِثُوا الْمَلَكُوتَ الْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ. لأَنِّي جُعْتُ فَأَطْعَمْتُمُونِي. عَطِشْتُ فَسَقَيْتُمُونِي. كُنْتُ غَرِيباً فَآوَيْتُمُونِي. عُرْيَاناً فَكَسَوْتُمُونِي. مَرِيضاً فَزُرْتُمُونِي. مَحْبُوساً فَأَتَيْتُمْ إِلَيَّ. فَيُجِيبُهُ الأَبْرَارُ حِينَئِذٍ: يَارَبُّ مَتَى رَأَيْنَاكَ جَائِعاً فَأَطْعَمْنَاكَ أَوْ عَطْشَاناً فَسَقَيْنَاكَ؟ وَمَتَى رَأَيْنَاكَ غَرِيباً فَآوَيْنَاكَ أَوْ عُرْيَاناً فَكَسَوْنَاكَ؟ وَمَتَى رَأَيْنَاكَ مَرِيضاً أَوْ مَحْبُوساً فَأَتَيْنَا إِلَيْكَ؟ فَيُجِيبُ الْمَلِكُ: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ فَعَلْتُمُوهُ بِأَحَدِ إِخْوَتِي هَؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ فَبِي فَعَلْتُمْ ] [ متى 25: 34ـ 40]... الأبرار الذين جاء ذكرهم فى حديث الرب يسوع عن الدينونة, لم يكونوا يدرون أنهم بهـذه الممارسات كانوا يتعاملون مع الرب نفسه... خلاصـة الكلام أن قصـة علاقتنـا بالله وقصـة علاقتنـا بالناس, قصـة واحـدة فى العمـق, تتخللها مخاطر القطيعة والابتعاد والغـربة, كما تتخللها محاولات العـودة والمصالحة ورأب التصـدّع وإعادة الإلفة... ومن هنـا أن كـل عـودة على الله تفتـرض عـودة إلى الإنسان الآخـر لتكتمـل وتستقـم... 3 ـ من هنا الاعتراف أمام الكاهن: هـذا هـو معنى الاعتـراف بالخطايا للكاهـن... وإذا شئنـا مزيـدًا من الدقـة قلنـا أن الاعتراف ليس بالحقيـقة إعترافـًا للكاهـن... إنـه اعتراف لله ( يقول التائب فى بـدء اعترافه: أيهـا الآب, رب السماء والأرض, إنى اعتـرف لك ...), إنمـا بحضـور الكاهن وشهـادته... والكاهـن هنـا يمثّـل الكنيسة, أى تلك العائلـة الروحية التى هى عائلة الله فى الأرض ونواة ومقـدمة اتحـاد البشرية قاطبة فى جمـاعة واحـدة متحـابة يرعاها الله ويحييهـا... إن كـل خطيئـة ارتكبهـا تصـدّع علاقتى ليس بالله وحسب, إنمـا بالإنسانية كلهـا, لأن كل تقوقـع على ذاتـى وانكمـاش على أهـوائى يغربّـنى لا عـن الله فقط بل عن إخوتى أيضـًا, ويعطـّل المشاركة بينى وبينهم, فيتـأذون هـم وأتـأذّى أنـا بتلك القطيعة... مـن هنـا أن رغبتـى فى العـودة والمصـالحة تدفعنـى إلى الاعتـراف بهـذه القطيعـة ( الاعتراف الذى رأينا أن لا بـدّ منه لتجـاوز القطيعـة ) ليس فقط أمـام الهه بل أمـام الناس, الذين يمثلهـم الكـاهن الذى يتقبّـل اعترافى... والاعتراف هذا إنمـا هو مجـرّد تمهيـد للانسلاخ عن الماضى وطىّ صفحتـه بغيـة فتـح صفحـة جديـدة... ولأنـه اعتراف بالقطيعـة الكيانيـة وليس " تأديـة حسابات" عن السلوك, فهـو, فى الكنيسة الأرثوذكسيـة, ليس عبارة عن سرد تفصيلى للخطايـا ( كمـا يمـارس فى الكنيسـة الغربيـة ), إنمـا هـو كشف لجـذور الخطيئة فىّ, أى للدوافع والنوازع التى هى أصـل لسائر ممارساتى الخاطئـة ومنبـع لهـا, وبالتالى أساس تغـرّبى عن الله والناس أمـا الكاهـن, الذى هـو شاهـد لصـدق عـودتى إلى الله والناس, فإنه يتوسل, باسم الكنيسة التى يمثلهـا, إلى الله من أجـلى, كى يتقبـّل الله عـودتى ويعيـدنى إلى ألفتـه ومشاركتـه... يقـول: " أيهـا الرب إلهنـا, يـا من منحت بطـرس والزانيـة غفـران الخطايا بواسطة الدمـوع, وبرّرت العشار لمـا عـرف ذنـوبه, تقبّـل اعتراف عبـدك ( فلان ), وأن كان قـد خطئ خطيئـة طوعيـة أو كرهيـة, بالقـول أو الفكـر, اغفـر له بمـا أنك صالح ومحب للبشر ...". وباسم الكنيسة التى وعـد الرب يسوع أن يكـون معهـا إلى الأبـد بقـوة قيامته المحييـة, يعلـن للتائب الصفح عـن خطاياه, لا كأن هـذا الصفـح آت منـه هـو الكاهن ( كمـا توحى الصيغـة المستعملـة فى الطقس اللاتينى : إنى أحلّـك ego absolvo te ) بل بصفتـه شاهـدًا لرحمـة الله... يقـول: " ربنـا وإلهنـا يسوع المسيح, بنعمـة ورأفـات محبتـه للبشر, ليصفح لك, أيهـا الابن الروحـى ( فـلان ) عن جميع زلاتك. وأنـا الكـاهن الغير المستحـق, بقـوة السلطـان المعطـى لى منـه, أقـول لك لتكـن مسامحـًا ومحلولاً من جميع خطايـاك. باسم الآب والابن والروح القـدس. آمين |
|