إعلان الله في الابن هو الإعلان النهائي
يقول السيد المسيح "فأخيرًا أرسل إليهم ابنه قائلًا يهابون أبنى" (21)، ويقول القديس بولس "كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في أبنه"، كان إعلان الله الأخير والنهائي في "أبنه". و "أبنه"، "الابن"، "ابن الله" هو أعظم ممن في السماء ومن على الأرض، فهو "ابن الله الوحيد" الذي من "ذاته" وفى "ذاته"، "صورة الله غير المنظور" (22)، "بهاء مجده ورسم جوهره". بنوة المسيح "الابن" لله "الآب" ليس مجرد بنوة روحية فقط أو بنوة معنوية وإنما هي بنوة حقيقة، فعليه، بنوة إلهية ذاتية لأن الابن مولود من ذات الآب وفى ذاته ولادة ذاتية لا نهائية وغير منفصلة فوق الجنس والحس والإدراك وفى كامل التجريد والتنزيه "أنت أبنى أنا اليوم ولدتك" (23)، ومن ثم فقد وصف الوحي الإلهي "الابن" بالابن الوحيد، الوحيد الجنس "مونوجينيس – Monogenes". الابن من ذات الآب، يقول "لأنى منه" (24)، وفى ذاته "أنا في الآب والآب فيَّ"، والكائن في حضن الآب، أبدًا، بدون انفصال "الذي هو في حضن الآب"، لذا يقول "أنا والآب واحد" (26).
هذا الابن نزل من السماء و "صار جسدًا"، "أتخذ جسدًا" "آخذًا صورة عبد" (27) "ظهر في الجسد"، "وحل بيننا ورأينا مجده مجدًا كما لوحيد من الآب مملوء نعمة وحقًا"، "الله لم يره أحد قط الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبّر"، والنص اليوناني لعبارة "الابن الوحيد" هو "مونوجينيس ثيؤس – Monogenes Theos" أي "الإله وحيد الجنس" وفى القبطية "مونوجينيس أنّوتى – Monogenes Anoty" أي "وحيد الجنس الإلهي" وفى الترجمة العالمية الحديثة NIV والتي تعتمد على أقدم المخطوطات “God the One and Only" أي "الإله الوحيد" "الإله الوحيد الذي هو في حضن الآب"، "وحيد الجنس الإلهي، الكائن في حضن أبيه". الآب والابن واحد في الذات والجوهر والطبيعة الإلهية.
هذه البنوة وهذه العلاقة بين الآب والابن لا يعرفها ولا يدركها أحد إلا الابن ذاته والذي أعلن "وليس أحد يعرف من هو الآب إلا الابن ولا من هو الابن إلا الآب. ومن أراد الابن أن يعلن له" (28). ويكشف السيد علة ذلك بقوله: "أنا أعرفه لأني منه وهو أرسلني" (29).
والابن كما يقول عن نفسه هو الوارث" (30)، ومن الطبيعي أن الابن يرث أباه، والسيد المسيح، الابن هو الوارث "الذي جعله وارثًا لكل شيء أو كما سبق أن تنبأ داود النبي عنه "اسألني فأعطيك الأمم ميراثًا وأقاصي الأرض ملك لك" (31)، وكما قال هو ذاته "كل شيء قد دفع إلى من أبى" (32)، "دُفع إلى كل سلطان في السماء وعلى الأرض" (33)، "الآب يحب الابن وقد دفع كل شيء في يديه" (34)، "لأن الآب لا يدين أحد بل قد أعطى كل الدينونة للابن. لكي يكرم الجميع الابن كما يكرمون الآب" (35)، وكما خاطب الآب "مجد أبنك ليمجدك أبنك أيضًا إذ أعطيته سلطان على كل جسد ليعطى حياة أبدية لكل من أعطيته" (36)، ويقول عنه الوحي الإلهي الإنجيل "يسوع وهو عالم أن كل شيء قد دُفع إليه وأنه من عند الله خرج وإلى الله يمضى" (37)، وفى الرسائل "لأنه لهذا مات المسيح وقام وعاش لكي يسود على الأحياء والأموات" (38)، "وأخضع كل شيء تحت قدميه" (39)، "لذلك رفعه الله وأعطاه أسمًا فوق كل أسم لكي تجثوا باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض ويعترف كل لسان أن يسوع هو رب لمجد الله الآب" (40)، "لأنه إذ أخضع الكل له لم يترك شيئًا غير خاضع له" (41)، "الذي هو في يمين الله وملائكة وسلاطين وقوات مخضعة له" (42). وسبق دانيال النبي أن رآه في رؤيا وتنبأ عن سيادته على كل الشعوب:
"كنت أرى في رؤى الليل وإذا مع سحاب السماء مثل ابن إنسان آتى وجاء إلى القديم الأيام فقربوه قدامه. فأعطى سلطانًا ومجدًا وملكوتًا لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة. سلطانة سلطان أبدى ما لن يزول وملكوته ما لن ينقرض" (43).
والابن كما يقول هو ذاته يعمل كل ما يعمله الآب:
"أجابهم يسوع أبى يعمل حتى الآن وأنا أعمل… لأن مهما عمل ذلك فهذا يعمله الابن كذلك لأن الآب يحب الابن ويريه جميع ما هو يعمله" (44).
ومن ثم يقول الوحي "كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان. فيه كانت الحياة" (45)، "فإنه فيه خلق الكل ما في السموات وما على الأرض ما يرى وما لا يرى سواء كان عروشًا أم سيادات أم رياسات الكل به وله قد خلق" (46). فقد خلق الله العالم بكلمته وكلمته هو الابن، السيد المسيح، أو كما يقول الوحي الإلهي "الله خالق الجميع بيسوع المسيح" (47)، "ورب واحد يسوع المسيح الذي به جميع الأشياء ونحن به" (48)، "الذي به أيضًا عمل العالمين" (49) أي أن الله خلق الكون بابنه، كلمته، المسيح. وهو أيضًا، "الابن"، "حامل كل الأشياء بكلمة قدرته"، فهو مدير الكون ومهندسه ومدبره "الذي هو قبل كل شيء وفيه يقوم الكل" (51).
والابن هو كلمة الله، نطق الله الذاتي وعقله الناطق. وكلمة الله هو الله "فلا البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله" (52). وهو "ملك الملوك ورب الأرباب" (53). وهو "قوة الله وحكمة الله" (54)، المدخر فيه جميع كنوز الحكمة والعلم" (55)، "صورة الله غير المنظور"، "بهاء مجده ورسم جوهره". كلمة الله هو نطق الله الذاتي وعقله الناطق يصدر من ذات الله بالولادة وهو في ذات الله أزلًا بدون انفصال لأنه منه وبه وفيه. وكلمة الله، أو نطق الله الذاتي ليس مجرد نطق مثل نطق الإنسان أو لفظ يسرى في الهواء بعد أن يخرج من الفم، أنه صفة ذاتية وجوهرية في الذات الإلهية له كيان، وهو كائن في ذات الآب بدون انفصال "الابن الوحيد الذي هو حضن الآب هو خّبر"، هو "جوهر فردى عاقل… كائن موجود في جوهر الله… متفرد بخاصيته وهو أنه الكائن الوحيد.. العقل المطلق.. يستطيع أن يعبر عن نفسه بكلمة "أنا" لأنه ليس مجرد طاقة أو معنى.. يتصرف كجوهر كامل باستخدام خواص أقنوم الذات في الوجود وأقنوم الحياة في أنه حي" (56)، أو كما قال القديس أثناسيوس الرسولي "الله تام وليس بعادم كلمته… الله لم يكن قط بلا كلمة ولكن لم يزل له الكلمة متولد منه، ليس مثل كلمتنا التي لا قوام لها المهراقة في الهواء. ولكن كلمته ذو قوام حي تام ليس بمفترق منه ولكن ثابت أبدًا فيه لأنه لا موضوع له يكون فيه خارجًا من حيث لا يكون لأنه لا يخلو منه موضوع، فهو كلمته يملأ كل شيء ولا يسعه شيء" (56).
وفى الوقت المحدد لتجسده، في "ملء الزمان" نزل "ابن الله"، "كلمة الله" من السماء وظهر على الأرض، في الجسد، وحل بين البشرية وكشف عن ذات الآب وأعلن عن إرادته وغايته العظيمة للبشر والتي لخصه في آية واحدة "هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (57). وقد جاء من "عند الآب"، خرج من ذات الآب، هو والآب واحد، وهو في الآب والآب فيه ومن رآه فقد رأى الآب، وأنه سيعود إلى الآب الذي جاء من عنده، جاء منه، وهو كائن فيه، برغم أنه، بلاهوته كان في السماء وعلى الأرض في آن واحد: "وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان الذي هو في السماء" (58):
"ولما جاء ملء الزمان أرسل الله أبنه مولودًا من امرأة" (59).
"والكلمة صار جسدًا وحل بيننا ورأينا مجده مجدًا كما لوحيد من الآب مملوء نعمة وحقًا… الله لم يره أحد قط إلا الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خّبر" (60)، "أخبر عنه"،
"عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد تبرر في الروح تراءى لملائكة كُرز به بين الأمم أؤمن به في العالم رُفع في المجد" (61)،
"أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحد يأتي إلى الأبد إلا بي. لو كنتم عرفتموني لعرفتم أبى أيضًا. ومن الآن تعرفونه وقد رأيتموه. قال له فيلبس يا سيد أرنا الآب وكفانا. قال له يسوع أنا معكم زمانًا هذا مدته ولم تعرفني يا فيلبس. الذي رآني فقد رأى الآب فكيف تقول أنت أرنا الآب. ألست تؤمن أنى في الآب والآب فى… صدقونى أنى في الآب والآب في. وإلا فصدقوني لسبب الأعمال نفسها" (62).
"خرجت من عند الآب وآتيت إلى العالم وأيضًا أترك العالم وأعود إلى الآب" (63).