رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
تأملنا حتى الآن في خمس صفات جميلة للحمام ظهرت بالارتباط بنوح، أنه: رسول أمين، ودود وحلو العشرة، طاهر لا يتلامس مع النجاسة، يعرف مكانه ولا يُخطئه، سهولة استئناسه. والآن نستكمل باقي هذه الصفات: الحمامة وغصن الزيتون عندما أرسل نوح الحمامة في المرة الثانية نجدها وقد عادت في المساء، وفي فمها ورقة زيتون! لا شك أن الحمامة استمتعت طوال هذا اليوم بالانتقال من شجرة إلى أخرى، وبالتقاط ما يناسبها من الطعام. وها اليوم قد أمسى وأوشك على الانتهاء، فإذا بها تقصد العودة إلى الفلك، وفي فمها ورقة الزيتون! إن هذا المشهد ليس مألوفًا في الحمام! ونحن لا نعرف يقينًا ما الذي دعا الحمامة أن تفعل ذلك. غير أنه ربما قصدت أن تأخذ معها ما يُبرهن لصاحبها؛ أعني نوح أن المياه قد انحصرت مفسحة المجال لظهور أرض جديدة، مورقة ومزهرة، مليئة بالثمار والخيرات! وها هي راجعة وفي فمها الصغير ما يعبر عن هذا الخبر المُفرح والمبهج. وكم نخسر كثيرًا من الدروس والمعاني إن تجاهلنا ما يُشير إليه غصن الزيتون. فعلى مر التاريخ، نجد إجماعًا على أن غصن الزيتون يُعبِّر عن السلام! وإن تساءلنا عن سر هذا الإجماع، لا نجد جوابًا شافيًا سوى في قصة نوح هنا! إن رجوع الحمامة إلى نوح وفي فمها ورقة الزيتون إعلان واضح عن انتهاء الغضب والدينونة، وولادة أرض جديدة مطهرة، إعلان عن إشراق عهد جديد ملؤه السلام والخير والبركة. وما أروع أن ترتبط حياتنا بغصن الزيتون، أي برسالة سلام نعلنها لكل مَنْ حولنا، منفذين قول الرسول «إذًا نسعى كسفراء عن المسيح، كأن الله يعظ بنا. نطلب عن المسيح: تصالحوا مع الله» (2كو 5 : 20). وبذلك نتشبه بمن قال عنهم إشعياء «ما أجمل على الجبال قدمي المبشر، المخبر بالسلام، المبشر بالخير، المخبر بالخلاص« (إش52 : 7). إن تلميذي عمواس كانا كالحمامة التي في فمها إعلان عن بشارة عظيمة، فبعد أن علما من الرب نفسه بحقيقة قيامته، عادا في المساء، تمامًا كما عادت الحمامة في المساء، ببشارة مفرحة «يخبران بما حدث في الطريق، وكيف عرفاه عند كسر الخبز« (لو24: 35). غير أننا نجد في الحمامة هنا رمزًَا جميلاً للروح القدس، والذي لم يأخذ مجاله إلا بعد أن فعلت الدينونة فعلها وأتمَّت دورها. فعندما خرجت الحمامة في المرة الأولى كانت مياه الدينونة ما زالت طامية غامرة كل شيء، لذلك عادت مرة أخرى للفلك، أما في المرة الثانية فإنها وجدت أن المياه قد قَلّتْ معلنة عن انتهاء الدينونة، وها هي عائدة لنوح وفي فمها ورقة زيتون، أما في المرة الثالثة وقد انحصرت المياه تمامًا، فهي خرجت إلى الأرض المطهرة واستقرت فيها!! وهكذا لم يستقر الروح القدس على الأرض مكونًا الكنيسة سوى بعد انتهاء الدينونة التي استُعلنت في الصليب، والتي انصبت على رأس الرب يسوع تبارك اسمه، والذي نسمعه يقول بعد أن تحمَّلها كاملة: «قد أُكمل«. نعم لقد استوعب كل الدينونة، ولذلك حظينا بهذه الرسول الإلهي؛ الروح القدس، ليمكث معنا إلى الأبد (يو14 : 16). عشقه للأجواء النقية الصافية حينما أرسل نوح الحمامة في المرة الثالثة، ذهبت ولم ترجع مرة أخرى إلى الفلك. وهل تستطيع الحمامة أن تُقاوم نقاء وصفاء السماء، ولا سيما وهي تبدو بهذه الصورة الخلابة؟! إن الأرض المطهرة والسماء المشرقة، مناخًا رائعًا تجد فيه الحمامة سرورها وبهجتها، وإن كنا نريد أن نوجز ما شعرت به الحمامة في هذه الأجواء الجديدة بعبارة موجزة، نقول «أجواء الحرية«.
|
|