رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الله مخلصنا من الخطية: 14 اِشْفِنِي يَا رَبُّ فَأُشْفَى. خَلِّصْنِي فَأُخَلَّصَ، لأَنَّكَ أَنْتَ تَسْبِيحَتِي. 15 هَا هُمْ يَقُولُونَ لِي: «أَيْنَ هِيَ كَلِمَةُ الرَّبِّ؟ لِتَأْتِ!» 16 أَمَّا أَنَا فَلَمْ أَعْتَزِلْ عَنْ أَنْ أَكُونَ رَاعِيًا وَرَاءَكَ، وَلاَ اشْتَهَيْتُ يَوْمَ الْبَلِيَّةِ. أَنْتَ عَرَفْتَ. مَا خَرَجَ مِنْ شَفَتَيَّ كَانَ مُقَابِلَ وَجْهِكَ. 17 لاَ تَكُنْ لِي رُعْبًا. أَنْتَ مَلْجَإِي فِي يَوْمِ الشَّرِّ. 18 لِيَخْزَ طَارِدِيَّ وَلاَ أَخْزَ أَنَا. لِيَرْتَعِبُوا هُمْ وَلاَ أَرْتَعِبْ أَنَا. إِجْلِبْ عَلَيْهِمْ يَوْمَ الشَّرِّ وَاسْحَقْهُمْ سَحْقًا مُضَاعَفًا. إذ تحدث عن الخطية بكونها احتلت القلب حيث كان يليق أن يكون ملكوتًا لله، مظهرًا أهم خطايا يهوذا من اتكال على ذراعٍ بشري ونجاسات والتصاق بالأرضيات، شعر النبي بأنه لا يستطيع أحد أن يخلص ما لم يتدخل الله نفسه، لهذا صرخ قائلًا: "اشفني يا رب فأشفى، خلصني فأخلص، لأنك أنت تسبحتي فخري (حسب الترجمة السبعينية)" [14]. كانت التساؤلات: "لماذا كان وجعي دائمًا؟ وجُرحي عديم الشفاء يأبى أن يُشفى؟ أتكونليمثل كاذبٍ مثل مياه غير دائمة؟" (إر 15: 18). وها هو يعلن إرميا باسم الشعب أنه قد وُجد الشفاء، بل والخلاص حيث المجد، بل والتسبيح أي الفرح مع السمائيين... وُجد هذا كله في الله مخلصه. يقول العلامة أوريجينوس: [تأتي بعد ذلك صلاة أخرى، تقول كلماتها: "اشفني يا رب فأشفى، خلصني فأخلص، لأنك أنت فخري (تسبحتي). ها هم يقولون لي أين هي كلمة الرب؟ لتأتِ! أما أنا فلم أعتزل عن أن أكون راعيًا وراءك ولا اشتهيت يوم البلية، أنت عرفت" [14-16]. كل إنسان يريد أن ُيشفى من أمراض الروح والنفس عليه أن يطلب من الطبيب الأوحد الذي جاء خصيصًا من أجل المرضى، والذي قال: "لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى" بذلك يُمكن للمريض أن يطلب في ثقة ويقول: "اشفني يا رب فأشفى". لأنه لو كان أحد آخر يستطيع أن يشفي النفوس، لما كنا نستطيع أن نقول بثقة: "اشفني يا رب فأشفى". مكتوب في الإنجيل أن المرأة نازفة الدم قد أنفقت كل ما عندها على الأطباء ولم تنتفع شيئًا" (مر 5: 25) ولم يستطع أحد منهم أن يشفيها. حقًا لا نستطيع أن نقول لأي طبيب بكل جرأة وبكل ثقة: "اشفني فأشفى"، إنما يمكننا أن نقول ذلك بثقة كاملة للطبيب الأوحد القادر أن يمنح الشفاء بمجرد لمس هدب ثوبه. أقول له: "اشفني يا رب فأشفى"، لأنك إذا عالجتني، فالعلاج الذي يأتي من عندك يتبعه حتمًا الشفاء، بهذا أخلص. مهما كان الذين يُخَلِصون كثيرين إلا إنني لن أخلص بواسطتهم، لأن الخلاص الوحيد الحقيقي يتم بالسيد المسيح. لأنه "باطل هو الفَرَس لأجل الخلاص وبشدة قوته لا يُنجي" (مز 33: 17). الرب وحده الذي يخلص، وأي شيء غيره يكون باطلًا. أقول له: "اشفني يا رب فأشفى"، لكنني لا أقول هذه الكلمات إلا إذا استطعت أن أقول أيضًا تكملة الآية: "لأنك أنت فخري (تسبحتي)"، إذا نفذت هذه الوصية: "لا يفتخر الحكيم بحكمته، ولا يفتخر الجبار بجبروته، ولا يفتخر الغنى بغناه، بل بهذا ليفتخرن المفتخر بأنه يفهم ويعرفنني إني أنا الرب" (إر 9: 23-24). إذًا، طوبى للذي يتنازل عن كل فخرٍ أرضىٍ وعن كل كرامةٍ زمنيةٍ، وعن الجمال والأشياء الجسدية، وعن الغنى والمجد، ويكتفي فقط بأن يقول للرب: "لأنك أنت فخري" ]. * [الله وحده هو الصالح أبديًا يجعل الإنسان الشرير صالحًا... نحن خُلقنا صالحين بواسطة الصالح، إذ خلق الله الإنسان مستقيمًا (جا 7: 29)، لكن بإرادتنا تحولنا من الصلاح إلى الشر، وصار لنا فيما بعد سلطان أن نتحول من الشر إلى الصلاح. إنه هو الصالح إلى الأبد يُخرج الصلاح من الشر، إذ لا يحمل الإنسان في ذاته القوة على التحول من الشر إلى الصلاح... إذ جرحت نفسك أُطلب الطبيب ليشفيك.] القديس أوغسطينوس "ها هم يقولون لي: أين هي كلمة الرب؟ لتأتِ" [15]. يوجد في كل عصر أشرار يستهينون بطول أناة الله ويسخرون بمواعيده ومحبته كما بتأديباته ظانين أنها مجرد كلمات أو أوهام لن تتحقق: "قد طالت الأيام وخابت كل رؤيا" (حز 12: 22). "سيأتي في آخر الأيام قوم مستهزئون سالكين بحسب شهوات أنفسهم وقائلين: أين هو موعد مجيئه؟ لأنه من حين رقد الآباء كل شيء باقٍ هكذا من بدء الخليقة" (2 بط 3: 4). لعل إرميا النبي قد أدرك أن المخلص هو "كلمة الرب"، إذ يقول: "ها هم يقولون لي أين هي كلمة الرب؟ لتأتِ" [15].إذ يطلبون الخلاص يسألون عن كلمة الرب لكي يأتي إليهم فيتبعونه. أنه وحده الذي يهبهم الراحة وكما يقول العلامة أوريجينوس: [تبعته تنزع الملل]. * إذ كانوا دائمًا لا يصدقون الأنبياء، اعتادوا القول: "أين هو يوم الرب؟" (عا 5: 18، حز 12: 22، 27)، "ليأتِ مقصد قدوس إسرائيل، لنعلم" (إش 5: 19)، وذلك لأنه قد عبرت سنوات كثيرة قبل أن يتحقق ما قاله الأنبياء... القديس يوحنا الذهبي الفم يقصد بكلمة الرب أيضًا مواعيده، ففي كل جيل يشتكي كثيرون أنهم لا يجدون مواعيد الله ووعوده قد تحققت فيهم، وكأن التقصير هو من جهة الرب، لا من جهة شرهم أو تراخيهم. وكما جاء في إشعياء النبي: "القائلين: ليُسرع، ليعجل عمله، لكي نرى، وليقرُب ويأتِ مقصد قدوس إسرائيل لنعلم" (إش 5: 19).يتهم الأشرار الله أنه لا يسرع إلى نجدتهم، ولا يحقق وعوده معهم، عوض أن يعترفوا أن تعبهم نابع عن فساد قلبهم. من يعيش بروح العالم يتعب من أجل اقتناء أمور العالم، أما من يعيش بروح المسيح فيحيا بلا قلق حتى وسط الآلام. يقول إرميا نفسه: "لم اكن قلقًا أن أتبعك..." [16] (الترجمة السبعينية). يقول القديس جيروم: [لنشكر الله، ونطلبه بإرادة صالحة فيكون درعنا وإكليلنا ولا نتركه قط بل نتبعه، معلنين مع إرميا: "لم اكن قلقًا أن اتبعك" ]. يقول العلامة أوريجينوس: ["ها هم يقولونليأين هي كلمة الرب، لتأتِ! أما أنا فلم أتضايق (أَمِلُ) من اتباعك" [15-16]. يقول يسوع المسيح لك: "احمل صليبك واتبعني" (مت 16: 24)، وأيضًا: "اترك كل شيء واتبعني" (مت 19: 27، 9: 9)، وأيضًا: "من أحب أبًا أو أمًا أكثر مني فلا يستحقني" (مت 10: 37-38). إذًا، لو استطعت أن تتبع يسوع المسيح دائمًا لن تَمِلّ أبدًا من اتباعه، لأنه "لم يبصر إثمًا في يعقوب ولا رأى تعبًا في إسرائيل" (عد 23: 21). لا يوجد ملل حينما نتبع السيد المسيح؛ مجرد اتباعه ينزع كل مللٍ أو تعبٍ. لذلك يقول لنا: "تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم" (مت 11: 28). فإذا كنَّا متعبين وذهبنا إليه وتبعناه، نقول: "أما أنا فلم أمل من اتباعك". نقول له أيضًا: "ولا اشتهيت يوم الإنسان". يوجد "يوم للإنسان" ويوجد "يوم للرب". يحدث كثيرًا حينما يكون الإنسان مريضًا ومشرفًا على الموت، أنه يطلب من الناس الذين يزوروه أن يصلوا من أجله حتى يظل على قيد الحياة. حينما يقول الإنسان هكذا لا يشتهي يوم الرب، إنما يشتهي يوم الإنسان. لنكف إذًا عن محبة العالم وعن اشتهاء يوم الإنسان، ونتطلع إلى يوم القيامة واللقاء مع القديسين حينما يطوبنا المسيح يسوع الذي له المجد والقدرة إلى أبد الآبدين آمين]. "أما أنا فلم أعتزل عن أن أكون راعيًا وراءك، ولا اشتهيت يوم البلية. أنت عرفت. ما خرج من شفتيّ كان مقابل وجهك" [16]. ربما يقصد إرميا النبي هنا القول هكذا: إن كان كثيرون يتشككون في كلمتك، ويظنون أنك عاجز عن تحقيق وعودك، فينطقون بكلمات مملوءة شكًا، طالبين أن تحقق كلمتك، لكن من جهتي فإني لن أتوقف قط عن أن أتمم عمل الرعاية بكل قوة، ليس بذاتي، وإنما وراءك. اختفي فيك يا طبيب النفوس ومخلصها وتسبيحها، وأعمل بكلمتك. إنني لست قلقًا إذ اختبرت قوة كلمتك. إنني لم أشتهِ يوم البلية، أي لا أتسرع، طالبًا مجيء يوم الرب أو الدينونة، مترجيًا توبة الكثيرين وتمتعهم بمراحمك. هذا ما أنطق به بشفتي أمامك، قدام وجهك، يا فاحص القلوب ومختبر الكلى. يقدم إرميا النبي صلاة لله، طالبَا حمايته من مقاومي الحق، قائلًا: "لا تكن لي رُعبًا. أنت ملجأي في يوم الشر. ليخزَ طاردى ولا أخزَ أنا. ليرتعبوا هم ولا أرتعب أنا. اجلب عليهم يوم الشر، واسحقهم سحقًا مضاعفًا" [17-18]. من جهة وعود الله تشكك الأنبياء الكذبة وأتباعهم فيها، بينما آمن بها إرميا النبي... هذا سبب ضيقًا ومقاومة منهم. وها هو يقف مختفيًا في الرب نفسه الذي يدعوه "ملجأي"، وقد دُعي الرب هكذا 11 مرة في سفر المزامير كما في (مز 46: 2). إنه سيأتي يوم الشر، أي الضيق الشخصي الذي يثيره الأشرار ضده، فيختفي في الرب، ويخزى الأشرار، ويرتعبوا ويسقطوا تحت دينونة مضاعفة، لأنهم رفضوا كلمة الرب وقاوموها في شخصه، أما هو فلا يخزى ولا يرتعب، لأنه في حماية مخلصه. هكذا لا يخاف المؤمن من الأشرار المقاومين له، ولا حتى من عدو الخير إبليس، مهما كانت قوته. يحدثنا الأب سيرينوس عن عدم ارتعابنا من الشياطين قائلًا: [إننا نعتقد أنهم يتعهدون هذا الصراع بقوة، لكن في مقاتلتهم يكون لديهم نوع من القلق والغم، خاصة حينما يقفون أمام مناضلين أقوياء، أي رجال قديسين كاملين... بالتأكيد تُعد الأرواح نفسها لمهاجمة البشر بقوة لا تقل عنهم لكي يضمنوا النصرة عليهم... (فيسقطون هم فيما يصنعونه بنا) إذ يقول: "وعلى هامته يرجع ظلمه" (مز 7: 16). وأيضًا: لتأتِه التهلكة وهو لا يعلم، ولتنشب به الشبكة التي أخفاها وفي التهلكة نفسها ليقع" (مز 35: 8)، أي في التهلكة التي دبروها بغشهم للبشر. فتسقط الأرواح في الحزن، وإذ تريد اهلاكنا تهلك هي بنفس التهلكة التي دبروها لنا...] [لكن لا يقدر أحد أن يشك في أنه متى انتصرنا عليهم يهلكون هلاكًا مضاعفًا]. |
|