|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الغريب الساجد فَنَقَلَ أَبْرَامُ خِيَامَهُ وَأَتَى وَأَقَامَ عِنْدَ بَلُّوطَاتِ مَمْرَا الَّتِي في حَبْرُونَ، وَبَنَي هُنَاكَ مَذْبَحاً لِلرَّبِّ ( تكوين 13: 18 ) أمران لهما أهمية عظمى في حياة إبراهيم هما الخيمة والمذبح، لذا نرى تكرار ذكرهما في أصحاحي 12، 13 من سفر التكوين، وقد انقطع ذكر الخيمة والمذبح أثناء رحلة إبراهيم إلى مصر، ولكن بعد رجوعه من مصر وصعوده إلى كنعان نعود فنقرأ عن الخيمة والمذبح. وبعد انتهاء الخصومة وفض النزاع بين الرعاة، واعتزال لوط عن إبراهيم نقرأ القول: «فنقل أبرام خيامه وأتى وأقام عند بلوطات مَمرا التي في حبرون. وبني هناك مذبحًا للرب». فأمامنا الآن خيمة ومذبح؛ خيمة للسكن، ومذبح لتقديم الذبائح للرب. وقد ذُكرت في رسالة العبرانيين خيام إبراهيم مع إسحاق ويعقوب. وهل العِلة في سُكنى إبراهيم في خيام هي فقر مالي؟ أ لم يكن في استطاعته أن يبنى بيتًا فخمًا؟ بلى. لأن الكتاب يُخبرنا بأنه كان غنيًا جدًا، وكان عنده 318 عبدًا. ثم لا ننسى أن الأرض كانت مُعطاة له بوعد إلهي إذ قال له الرب: «هذه الأرض أعطيها لك ولنسلك». إذًا ما الباعث لسُكناه في الخيام؟ هل سكنى الخيام مريحة للجسد؟ وهل فيها أمان لحياته؟ إننا نرى الكثيرين من الناس من شدة خوفهم يبنون بيوتًا مرتفعة بأبواب حديدية لتأمين حياتهم. وأما سكنى الخيام فلا يوجد أكثر منها تعرضًا للخطر. إذًا ما السبب في ذلك؟ نحن نعرف أن الخيام إنما هي مكان سُكنى الغريب والنزيل. وهذا برهان عملي على أن إبراهيم لم يجعل الأرض وطنًا له، حتى ولو كانت مُعطاة له بوعد من الله صاحب السلطان المطلق. فإبراهيم ارتقى في إيمانه جدًا. إذ حسب أن الأرض حقيرة في عينيه، ولذلك سكن في الخيام لأنه كان ينتظر المدينة التي لها الأساسات التي صانعها وبارئها الله. فالخيمة رمز الغربة. أما المذبح فرمز السجود والعبادة. بالخيمة يشهد أنه غريب ونزيل. وبالمذبح يشهد أنه عابد وساجد لله الذي دعاه حتى أصبح الشاهد الوحيد له في وسط عابدي الأوثان. ولو كان إبراهيم مرتبطًا بكنعان لوقع في ارتباكات كثيرة لأن الأرض الواسعة تحتاج إلى مشغولية الفكر، وحينئذ يُقتل الوقت ويضيع سُدى، ولكننا نراه بعكس ذلك؛ أفكاره هادئة، وقلبه مملوء بالسلام، ولذا استطاع أن يبنى المذبح ويتلذذ بتقديم الذبائح. وهكذا نحن لا نستطيع أن نتمتع بالشركة مع الرب طالما نحن في الارتباكات والمشاغل العالمية الكثيرة. فلينعم الرب علينا بالانفصال عن العالم وأن نكون غرباء، ونزلاء عابدين الرب إلى مجيئه القريب. |
|