|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الملك الصالح يوشيا اعتلاء يوشيا الملك الصالح العرش كان آخر محاولة قُدِّمتْ من قِبَل الله ليهوذا الذي كان قد فسد تمامًا، خاصة في السبعة والخمسين عامًا الأخيرة، في عصر منسى وابنه آمون الشريرين. حقًا كان قد سبقهما الملك حزقيا، لكن كما سبق فرأينا أنه بالرغم من المجهودات الضخمة التي بذلها حزقيا للإصلاح، كان كثير من القادة والشعب ليس فيهم مخافة الرب، وغير مُخلِصين في تجاوبهم لإصلاحات حزقيا، لذا إذ مات الملك استطاعت بعض القيادات الشريرة أن تتبنَّى حركة الفساد خلال تأثيرها على الملك الصغير السن. يظهر مدى ما بلغته مملكة يهوذا من شر أن الهيكل كان قد هُجر تمامًا، ولم يعرف أحد مكان سفر الشريعة. وكان العثور عليه يُمَثِّل مفاجأة حتى بالنسبة لحلقيا الكاهن العظيم كما للملك وكاتبه. ومع استقامة قلب يوشيا الملك لم يكن يعرف حتى الخطوط العريضة لسفر الشريعة، وحين سمع ما ورد في السفر مزَّق ثيابه، وطلب من بعض القادة مثل حلقيا الكاهن أن يسألوا خلدة النبية أن تسأل الرب عما يفعلوه. وإذ يعلم الرب عدم إخلاص الشعب وكثير من القادة، أعلن عن سبي يهوذا، مع ضم المَلِك إلى آبائه، حتى لا ترى عيناه ما سيحل بالمملكة من شرٍ! 1. الطفل يوشيا ملك على يهوذا كَانَ يُوشِيَّا ابْنَ ثَمَانِ سِنِينٍ حِينَ مَلَكَ، وَمَلَكَ إِحْدَى وَثَلاَثِينَ سَنَةً فِي أُورُشَلِيمَ. وَاسْمُ أُمِّهِ يَدْيَدَةُ بِنْتُ عَدَايَةَ مِنْ بُصْقَةَ. كلمة "يوشيا" بالعبرية معناها "يهوه يشفي" أو "الرب يعين"، وذلك مثل كلمة "كورش" (إش 44: 28؛ 45: 1). إذ استلم الحُكْمَ وهو طفل، لم يتأثر بوالده آمون ولا بجدِّه منسى، إنما انفتحت عيناه على أخطائهما، وأعطاه الله نعمة كي يتعلَّم من أخطائهما. انطبق عليه قول الرب لحزقيال النبي: "وأنتم تقولون لماذا لا يحمل الابن من إثم الأب. أما الابن فقد فعل حقًا وعدلاً حفظ جميع فرائضي وعمل بها، فحياة يحيا" (حز 18: 19). يمكن القول إن هذا الملك العجيب صار مثلاً رائعًا إذ لم يتشامخ بالرغم من استلامه السلطة وهو طفل صغير، ولعل سرّ ذلك أنه كان خاضعًا لمشورة القلة القليلة المقدَّسة للرب، يسمع لهم في الرب، ويتجاوب معهم. كان في أيدي مشيرين صالحين، ربما كان من بينهم صفنيا النبي. إنه أحد الملوك الصالحين إن لم يكن أفضل ملك في إسرائيل ويهوذا منذ تنيح داود الملك. لقد بدأ بداية حسنة، واستمر فيها، وانتهت حياته وهو مُقَدَّس للرب[1]. إذ تحدث القديس أغناطيوس الأنطاكي عن ضرورة تكريم الأسقف الشاب، قدَّم أمثلة كثيرة لشخصيات صغيرة السن تستحق كل وقارٍ وتكريمٍ، فكتب: ["ليس الكثيرو الأيام حكماء، ولا الشيوخ يفهمون الحق، ولكن في الناس روحًا" (أي 32: 8-9). فإن دانيال الحكيم وهو في الثانية عشرة من عمره ملكه الروح الإلهي، وأفحم الشيوخ، الذين باطلاً كان شعرهم فيه شيب، فكانوا شهود زور وشهوانيين يشتهون جمال امرأة الغير (تتمة دانيال12). وصموئيل وهو طفل صغير وبَّخ عالي الذي بلغ التسعين من عمره، لأنه كرم بنيه أكثر من الله (1 صم 3: 1). بنفس الطريقة تسلم إرميا رسالته من الله: "لا تقل إني ولد" (إر 1: 7). سليمان أيضًا ويوشيا هما مثالان لنفس الأمر. الأول صار ملكًا في الثانية عشرة من عمره، قدَّم حكمًا رهيبًا في أمر المرأتين بخصوص طفليهما (1 مل 3: 16)، والأخير إذ تولى العرش عندما بلغ الثامنة (2 مل 22، 23) هدم مذابح (الأوثان) وهياكلها... لذلك صغر السن لا يُحتقَر، إذ كُرِّس لله. إنما من كان ذهنه شريرًا، فهو مُحتقَر حتى إن كان شيخًا ومملوء أيامًا. كان تيموثاوس حامل المسيح شابًا، لكن اسمع ما كتبه عنه معلمه: "لا يستهن أحد بحداثتك، بل كن قدوة للمؤمنين في الكلام، في التصرف" (1 تي 4: 12). ] جاء في الدسقولية عن إمكانية سيامة الأسقف الشاب متى كان حسن السيرة وله شهادة من جيرانه. v صار سليمان ملكًا على إسرائيل وهو في الثانية عشرة من عمره (1 مل 12) LXX، ويوشيا في الثامنة من عمره مَلَكَ ببرٍ، وبنفس الطريقة يوآش مَلَكَ على الشعب في السابعة من عمره (2 أي 24: 1؛ 2 مل 11: 3، 4). لذلك وإن كان الشخص شابًا، فليكن وديعًا لطيفًا وهادئًا. إذ يقول الرب الإله بواسطة إشعياء: "إلى من أنظر إلاَّ إلى المتواضع والهادئ والمرتعد من كلامي؟!" (إش 66: 2). وبنفس الطريقة جاء أيضًا في الإنجيل: "طوبى للودعاء، فإنهم يرثون الأرض" (مت 5: 5)[3]. الدسقولية إذ قامت "المحبوبة من الرب"، والتي تحمل روح كنيسة المسيح عروسه المحبوبة، أرضعت ابنها من لبن الإيمان العديم الغش، وكان ثمره هذا الآتي: أ. مع فساد الكثير من القادة والشعب لم ينسحب معهم للشر، بل بقي أمينًا في محبته للرب، فصار مثل كوكبٍ منيرٍ في وسط جيلٍ مظلمٍ وملتوٍ. كان مجده في الداخل يتحدى الشر، ولا يهادنه. ب. انشغل بترميم بيت الرب، مهما كلفه ذلك. ج. إذ وُجد سفر الشريعة قام بتكريمه، بتهيئة مكانٍ في قلبه كخزانة ثمينة أمام الرب. لم يقم بتمزيقه لإراحة ضميره كغيره من الملوك، بل قام بتمزيق ثيابه الملوكية ليتسلم ثوب البرّ بعمل نعمة الله، الذي لا تقدر الخطية أن تُفسِدَه! د. إذ عاش بقلبه مع آبائه المقدسين في الرب مثل داود الملك، تأهل حتى في زمن الضيق الشديد أن يضمه الرب إلى آبائه، حتى لا ترى عيناه ما سيحل بالمملكة من شرٍ عظيمٍ. هكذا انضم الابن المحبوب من الله إلى القديسين المحبوبين في الرب! وَعَمِلَ الْمُسْتَقِيمَ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ، وَسَارَ فِي جَمِيعِ طَرِيقِ دَاوُدَ أَبِيهِ. وَلَمْ يَحِدْ يَمِينًا وَلاَ شِمَالاً. بدأ يوشيا الحكم وهو ابن ثماني سنوات فقط، ومع هذا قلما نجد ملكًا مثله أطاع الله تمامًا. غالبًا ما يتهم الناس في كل الأجيال الجيل الجديد بأنه غير ملتزم وغير ناضج. هذه النظرة قديمة قدم الإنسان منذ سقوطه، لكن يوشيا بن منسى وأمثاله يؤكدون أن كثيرًا من أبناء الجيل الجديد أحكم وأنقى وأقدس من بعض أبناء الجيل الحالي، فيوشيا الطفل لا يُقارَن بأبيه الشرير آمون وجده منسى. لقد بدأ إصلاحاته وهو في السادسة والعشرين، لكن حياته المقدسة في صبوته وشبابه كانت رصيدًا له، تسنده في كل أعماله العظيمة. سار يوشيا في طريق الرب المستقيم، أي بقي مشتاقًا أن يتمم مشيئة الله المقدسة، لا ينحرف خارج محبة الله ونعمته، بهذا لم يحد يمينًا ولا يسارًا. 2. ترميم بيت الرب وَفِي السَّنَةِ الثَّامِنَةَ عَشَرَةَ لِلْمَلِكِ يُوشِيَّا، أَرْسَلَ الْمَلِكُ شَافَانَ بْنَ أَصَلْيَا بْنِ مَشُلاَّمَ الْكَاتِبَ إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ قَائِلاً: في السنة الثامنة عشرة من حكمه (622 ق. م) بدأ يوشيا حملة إصلاح للهيكل (4-7؛ 2 أي 34: 8-33). جاء في (2 أي 34: 3-7) أنه في الثامنة من ملكه ابتدأ يطلب إله داود أبيه، وفي الثامنة عشر ابتدأ يُطَهِّر يهوذا وأورشليم من المرتفعات والسواري والتماثيل، كما هدم المذابح والسواري وقطع التماثيل في منسى وأفرايم وشمعون حتى نفتالي. وفي ذلك الوقت ابتدأ إرميا يتنبأ (إر 1: 2)، وكان يسند الملك في هذا العمل. شافان: الكاتب الرسمي للدولة تحت حكم يوشيا، ساعد يوشيا الملكفي إصلاحاته. جاء ذكره في سفر إرميا، وكان ابنه أخيقام واقفًا إلى جانب إرميا ليخلصه من الذين طلبوا قتله (إر 26: 24؛ 39: 14). إذا كان "شافان" هذا هو نفسه الرجل المذكور في إرميا (2 مل 25: 24) يكون "جمريا" أخو "أخيقام". ولقد كان اسم "جمريا" شائعًا إلى حد ما في القرن السابع ق.م. وتذكر إحدى رسائل "لخيش" (اللوح الأول) "جمريا بن هيسيل ياهو" في عام 589 ق.م. للأسف أنجب شافان يازنيا الرجل الفاسد الذي تزعم عبادة الأوثان في عصر حزقيال. v أزال العبادات الغريبة التي أدخلها منسّى، وحطَّم الهياكل والمذابح (الوثنية). في ذات السنة الثامنة عشرة أمر بالتكفير عن الهيكل، كما طلب من الكهنة أن يقوموا بإصلاحات، وجاء بعاملين يجمعون الحجارة ومواد للبناء وأمورًا أخرى نافعة للبناء، كما دبَّر المال اللازم للتكاليف المتوقعة. صار يحاكي جده لأبيه يوآش دينيًا (2 مل 12: 4-16) في غيرته التقوية. إعادة تجديد الهيكل في ذلك الوقت لم يكن بالأمر الهيِّن بالنسبة لما حدث قبل ذلك، فإنه في أثناء حكم منسّى لمدة خمسة وخمسين عامًا (2 مل 21: 1-18) أُهمِلَ الهيكل أو اُنتهكتْ مُقدَّساته . القديس مار أفرام السرياني قام حلقيا الكاهن بدور رئيسي في الإصلاح الديني، الأمر الذي أكمله الملك الشاب، وكان إصلاح الهيكل تحت إشرافه. لقد أُهمل بيت الرب لسنين طويلة خاصة في أيام جده التي امتدت مدة حكمه 55 عامًا وفي أيام أبيه. لم يكن يوجد من ينشغل بعبادة الله الحي ولا بيته، ولعله قد تجمع الكثير من المال المُقدَّم للبيت دون الاهتمام بالعناية بالمبنى عبر الزمن. أرسل الملك إلى الكاهن العظيم لجمع المبلغ المودع لحساب بيت الرب كي يُستخدَم في ترميم البيت. في الفترة منذ توليه الحكم وهو في الثامنة من عمره حتى بلغ السادسة والعشرين، قام الملك مع أوصيائه بإصلاحات تخص بلدهم من جوانب كثيرة، منها إزالة العبادة الوثنية وبصماتها. يمكننا القول بأنها كانت فترة إعداد للبدء في ترميم الهيكل والاهتمام بعبادة الله الحي. فَيَدْفَعُوهَا لِيَدِ عَامِلِي الشُّغْلِ الْمُوَكَّلِينَ بِبَيْتِ الرَّبِّ، وَيَدْفَعُوهَا إِلَى عَامِلِي الشُّغْلِ الَّذِي فِي بَيْتِ الرَّبِّ لِتَرْمِيمِ ثُلَمِ الْبَيْتِ: مع كل عمل صالح جاد حتمًا يبعث عدو الخير مقاومين، لكن من جانبٍ آخر فإن الله يعطي كل إنسانٍ من هم يسلكون حسب قلبه أيضًا. فإذ كان قلب يوشيا نقيًا، وقام بتطهير بلده من كل أثر للعبادة الوثنية لم نسمع عن مقاومة تُذكَر، لأن الله أعطاه هو والقائمين معه على العمل نعمة، فحُسبتْ المقاومة كلا شيء ولم يُشر إليها الكتاب. وأعطاه الله عاملين للشغل في إصلاح وترميم بيت الرب يعملون بغيرة مقدسة وأمانة . كثيرًا ما نُخَطِّط ونضع حسابات تبدو صعبة وأحيانًا مستحيلة حين نسعى للإصلاح، لكن يوجد عنصر هام يقود كل الأمور، ألا وهو تقديسنا الحقيقي والخفي لحساب ملكوت الله. بهذا يقود القدوس نفسه حركة الإصلاح، ويُرسِل أناسًا مخلصين وأمناء يعملون بقوةٍ وغيرةٍ مقدسة. لِلنَّجَّارِينَ وَالْبَنَّائِينَ وَالنَّحَّاتِينَ، وَلِشِرَاءِ أَخْشَابٍ وَحِجَارَةٍ مَنْحُوتَةٍ لأَجْلِ تَرْمِيمِ الْبَيْتِ. إِلاَّ أَنَّهُمْ لَمْ يُحَاسَبُوا بِالْفِضَّةِ الْمَدْفُوعَةِ لأَيْدِيهِمْ، لأَنَّهُمْ إِنَّمَا عَمِلُوا بِأَمَانَةٍ. 3. اكتشاف سفر الشريعة في بيت الرب فَقَالَ حِلْقِيَّا الْكَاهِنُ الْعَظِيمُ لِشَافَانَ الْكَاتِبِ: قَدْ وَجَدْتُ سِفْرَ الشَّرِيعَةِ فِي بَيْتِ الرَّبِّ. وَسَلَّمَ حِلْقِيَّا السِّفْرَ لِشَافَانَ، فَقَرَأَهُ. [8] يُقصَد بسفر الشريعة غالبًا أسفار موسى الخمسة أو سفر التثنية أو أجزاء منها (تث 28- تث 31) كما يظن البعض. وهو يحتوي على تجديد العهد مع الله في سهول موآب. والذي يُحذِّر بقوة الذين يفسدون كلمة الله وعبادته. هذا السفر وُضِعَ بجانب تابوت العهد (تث 31: 26)، فُقد أو أُخفي أو غُيِّر مكانه أثناء الحكم الشرير لمنسى وابنه آمون. بسبب السلسلة الطويلة من الملوك الأشرار ضاع سفر شريعة الله. وكانت تُنسَخ الشريعة بكمية قليلة جدًا، وفي زمن الملوك الأشرار لم يسأل أحد عنها، وكان الكهنة واللاويون يمارسون خدمتهم الدينية بدون كتاب، غالبًا ما كان قد أُخذ من مكانه حتى لا يراه الشعب ويبكي على خطاياه الكثيرة. بعناية الله وُجِدَ هذا السفر في أيام يوشيا المملوء غيرة نحو عبادة الله والهيكل والشريعة. لو أنه وُجِدَ في وقت ملك آخر ربما كان قد مزَّقه الملك وحرقه، كما فعل صدقيا بخصوص نبوات إرميا (إر 36: 23). سمح الله باكتشافه في ذلك الوقت، لأن السبي كان على الأبواب، وقد تأجَّل بسبب فضيلة يوشيا [19-20]. كان سماع الشعب كله للشريعة ضروريًا في ذلك الوقت، لكي يدرك الكل أن طريق العودة من السبي هو التوبة والرجوع إلى الله، وليس التخطيطات البشرية والقوة العسكرية، فالسبي يتم لا بسبب نقص أو ضعف في الإمكانيات العسكرية، إنما بسبب الشر والإصرار عليه سواء من جهة القادة أو الشعب. حسب الشريعة كان يلزم حفظ نسخة من الشريعة بجوار تابوت العهد في قدس الأقداس (تث 31: 25-26)، وقد اختفت أثناء حكم الملوك الأشرار، خاصة منسى وابنه آمون. اختفت هذه النسخة لأحد الأسباب التالية: أ. إذ أُهمِلَ الهيكل والعبادة فيه لم ينشغل أحد بهذه النسخة، فأُلقيتْ في الهيكل في زاوية منه خلال الإهمال لعدم معرفتهم بقيمتها، وذلك كما يحاول بعض الأشخاص غير المهتمين بخلاصهم التخلُّص من الكتب المقدسة التي لديهم. ومع الزمن الطويل ينسى الشخص أين تخلَّص من الكتب، وبالتالي لا يفكر أبناؤه وأحفاده فيها. ب. ربما أراد أحد الملوك الأشرار الخلاص من هذه لا بتمزيقها أو إحراقها، إنما بإخفائها حتى لا يُفَكِّر أحد في القراءة فيها، ومع الزمن لا تعود ترى النور. ج. ربما إذ انتشرت العبادة الوثنية أراد أحد الأحباء للكتاب المقدس إخفاء النسخة، حتى لا تسقط في يد الملك، فيقوم بحرقها أو تمزيقها. د. في كل الحالات بسماح من الله ورعايته الفائقة سمح بإخفائها لسبب أو آخر لكي تظهر في عصر يوشيا الملك الصالح، وتُقرأ قبل أن تسقط المملكة في السبي. وَجَاءَ شَافَانُ الْكَاتِبُ إِلَى الْمَلِكِ وَقَالَ: قَدْ أَفْرَغَ عَبِيدُكَ الْفِضَّةَ الْمَوْجُودَةَ فِي الْبَيْتِ، وَدَفَعُوهَا إِلَى يَدِ عَامِلِي الشُّغْلِ وُكَلاَءِ بَيْتِ الرَّبِّ. 4. قراءه السفر وتفاعل الملك معه وَأَخْبَرَ شَافَانُ الْكَاتِبُ الْمَلِكَ: قَدْ أَعْطَانِي حِلْقِيَّا الْكَاهِنُ سِفْرًا. وَقَرَأَهُ شَافَانُ أَمَامَ الْمَلِكِ. سمع الملك الشاب كلمة الله لأول مرة في حياته، فمزَّق ثيابه في توبةٍ صادقةٍ. لم يكن يود أن يسلك في الطريق بحسب فكره البشري، إنما حسب كلمة الله. فَلَمَّا سَمِعَ الْمَلِكُ كَلاَمَ سِفْرِ الشَّرِيعَةِ، مَزَّقَ ثِيَابَهُ. لكلمة الله فاعليتها في حياة المؤمن. لقد أدرك الملك قوة الكلمة الإلهية، فإنه إذ سمع الملك كلمة الله، مزَّق ثيابه، وقام بالإصلاح فورًا، وغيًّر مسار الشعب. يُقَدِّم لنا الآباء خبرتهم مع كلمة الله. لم يفرح الملك بالنسخة، فأراد الاحتفاظ بها في قصره كنوعٍ من البركة، ولا طلب حفظها كنسخة أصلية أثرية لها قيمتها وتقديرها، إنما طلب من كاتبه شافان أن يقرأها أمامه، وإذ سمع ما ورد فيها مزَّق ثيابه، وأودع النسخة في قلبه وفكره، لكي يتمتع بالتوبة وتجديد العهد مع الله. v معرفة الكتب المقدسة تُقَوِّي الروح، وتُنَقِّي الضمير، وتنزع الشهوات الطاغية، وتُعَمِّق الفضيلة، وتتسامى بالعقل، وتعطي قدرة لمواجهة المفاجآت غير المنتظرة، وتحمي من ضربات الشيطان، وتنقلنا إلى السماء عينها، تُحَرِّر الإنسان من الجسد، وتهبه أجنحة للطيران. v عظيم هو نفع الكتب الإلهية! عونها يحمل إلينا كل كفاية! هذا ما أعلنه بولس قائلاً: "لأن كل ما سبق فكُتب لأجل تعليمنا، نحن الذين انتهيت إلينا أواخر الدهور" (رو 15: 4، 1 كو 10: 11)... الأقوال الإلهية هي كنز، هي مصدر غني بالأدوية، بها يستطيع الإنسان - إن أراد - أن يطفئ الكبرياء، وينعم بالهدوء في نومه، ويطأ محبة المال تحت قدميه، ويستهين بالألم، وينعم بالثقة، ويقتني الصبر. v لا يمكن لمن أُنعِمَ عليه بفاعلية كلام الله أن يبقى هكذا في هذا الانحطاط الحاضر، بل بالأحرى يطلب له جناحين ينطلق بهما حالاً إلى الأرض العلوية، مكتشفًا نور الصالحات غير المحدودة. v إن كان الشيطان يعجز عن الاقتراب من بيتنا مادام قد وُضِعَ فيه الكتاب المقدس، فكم بالأولى لا يقدر روح شرير أو قوة خاطئة على الدخول في نفس تحمل مشاعر إنجيلية، أو حتى الاقتراب منها! إذن فلتقدس نفسك وجسدك، ليكن لك هذا في قلبك وعلى لسانك. القديس يوحنا الذهبي الفم القديس مار يعقوب السروجي v لا نقرأ في الكتب المملوءة تواضعًا عندما يوجد فينا الكبرياء. إن لم تغطس النفس تحت التراب بالتواضع، لا يظهر لها جمال الكتاب، لأن جماله موجود حيث يشاهد تواضعه. كُتُبُ الابن تُعَلِّمك أن تتواضع. أطلبُ منك ألا تقرأ فيها وأنت منتفخ بالكبرياء. ابن العلي الذي نزل من السماء، وهو فوق الكل سُمِّي متواضعًا وأحقر الناس، لأنه كان متواضعًا بالحقيقة، وهو يقول لك: تعلَّم مني، لأنني وديع ومتواضع في قلبي[11]. v أنا لكلمتك كمثل تلميذ، وبتعليمك أصِلُ إلى الحقيقة[12]. القديس مار يعقوب السروجي وَأَمَرَ الْمَلِكُ حِلْقِيَّا الْكَاهِنَ وَأَخِيقَامَ بْنَ شَافَانَ وَعَكْبُورَ بْنَ مِيخَا وَشَافَانَ الْكَاتِبَ وَعَسَايَا عَبْدَ الْمَلِكِ: [12] اذْهَبُوا، اسْأَلُوا الرَّبَّ لأَجْلِي وَلأَجْلِ الشَّعْبِ وَلأَجْلِ كُلِّ يَهُوذَا، مِنْ جِهَةِ كَلاَمِ هَذَا السِّفْرِ الَّذِي وُجِدَ. لأَنَّهُ عَظِيمٌ هُوَ غَضَبُ الرَّبِّ الَّذِي اشْتَعَلَ عَلَيْنَا. مِنْ أَجْلِ أَنَّ آبَاءَنَا لَمْ يَسْمَعُوا لِكَلاَمِ هَذَا السِّفْرِ، لِيَعْمَلُوا حَسَبَ كُلِّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَلَيْنَا. [13] واضح هنا أن سفر الشريعة كان موجودًا في زمان آبائهم، وفُقِدَ في زمان حديث. إذ سمع يوشيا كلمات الناموس أدرك في الحال أن مملكته قد انحرفت عن الله، وأخذ خطوات عملية للإصلاح. وكما يقول الرسول بولس إن بالناموس معرفة الخطية (رو 3: 20)، أما العلاج العملي فهو الالتقاء بالمُخَلِّص غافر الخطايا، إذ يقول: "كان الناموس مؤدبنا إلى المسيح، لكي نتبرَّر بالإيمان" (غل 3: 24). فَذَهَبَ حِلْقِيَّا الْكَاهِنُ وَأَخِيقَامُ وَعَكْبُورُ وَشَافَانُ وَعَسَايَا إِلَى خَلْدَةَ النَّبِيَّةِ، امْرَأَةِ شَلُّومَ بْنِ تِقْوَةَ بْنِ حَرْحَسَ حَارِسِ الثِّيَابِ. وَهِيَ سَاكِنَةٌ فِي أُورُشَلِيمَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي وَكَلَّمُوهَا. [14] خلدة النبية: ذَكَرَ الكتاب المقدس نبيات أعطيت لهن مواهب مقدسة، مثل مريم النبية أخت هرون التي خرجت تضرب بالدف وسط النساء تُرَنِّم تسبحة النصرة بعد عبور البحر الأحمر (خر 15: 20)، ودبورة القاضية (قض 4: 3-4)، وزوجة إشعياء (إش 8: 3)، وخلدة النبية (2 مل 22: 14) وحنة بنت فنوئيل (لو 2: 36) وأربع بنات فيلبس المُبَشِّر (أع 21: 9). كما يتحدث حزقيال النبي عن النبيات الكاذبات اللواتي حوَّلن كلمة الرب إلى تجارةٍ ومكسبٍ ماديٍ: "أفتصطدن نفوس شعبي، وتستحيين أنفسكن، وتنجسنني عند شعبي لأجل حفنة شعير ولأجل فتات من الخبز لإماتة نفوس لا ينبغي أن تموت، واستحياء نفوس لا ينبغي أن تحيا بكذبكن على شعبي السامعين للكذب" (حز 13: 18-19). إنها تجارة رديئة، تُباع النفوس بثمنٍ بخسٍ، من أجل حفنة شعير أو فتات من الخبز، يُسَلِّمن النفوس البريئة للموت، ويبرئن النفوس الشريرة المستحقة للموت. لم يُشِر الكتاب المقدس إلى خلدة النبية إلا هنا وفي (2 أي 34: 22-28)، لكن واضح مدى اعتزاز القادة الروحيين بآرائها وأفكارها في الرب. لقد كانت ملتهبة بالغيرة المقدسة، تتحدث مع الله، وهو يكشف لها عن أسرار خطته نحو المملكة. قامت بعمل النبوة في أيام إرميا النبي وصفنيا. يُقال إن شلَّوم زوجها قريب إرميا النبي (إر 32: 7-12). يتساءل العلامة أوريجينوس إن كان الرسول بولس يوصي النساء بالصمت في الكنيسة، فكيف وُجدتْ نساء نبيات في العهدين القديم والجديد. v إن كان الأمر هكذا، ماذا نقول عن فيلبس الذي كان له أربع بنات يتنبأن؟ إن كن قادرات على فعل ذلك، لماذا لا يُسمَح للنبيات عندنا أن يتنبأن؟ نجيب على هذا السؤال هكذا. أولا: إن كانت النبيات لدينا يتكلمن، فلتُظهرن علامات النبوة فيهن. ثانيُا: حتى إن كانت بنات فيلبس يتنبأن لم يفعلن ذلك داخل الكنيسة. هكذا في العهد القديم بالرغم من أن دبورة قيل إنها كانت نبية (قض 4:4) لم توجد أية إشارة أنها وجَّهت حديثًا للشعب مثل إشعياء أو إرميا، نفس الأمر بالنسبة لخلدة (2 مل 22: 14)[13]. العلامة أوريجينوس أيها الإله السرمدي، أب ربنا يسوع المسيح، خالق الرجل والمرأة، يا من زوَّد بالروح مريم ودبُّورة وحنَّة وخُلدة (خر 15: 20؛ قض 4:4؛ لو 2: 36؛ 2 مل 22: 14)، يا من لم يستنكف ولادة ابنه الوحيد من امرأة[14]... دساتير الرسل القديسين الدسقولية القديس جيروم 6. إعلان غضب الرب على المملكة فَقَالَتْ لَهُمْ: هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ. قُولُوا لِلرَّجُلِ الَّذِي أَرْسَلَكُمْ إِلَيَّ: [15] هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هَئَنَذَا جَالِبٌ شَرًّا عَلَى هَذَا الْمَوْضِعِ وَعَلَى سُكَّانِهِ، كُلَّ كَلاَمِ السِّفْرِ الَّذِي قَرَأَهُ مَلِكُ يَهُوذَا، [16] مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ تَرَكُونِي وَأَوْقَدُوا لآلِهَةٍ أُخْرَى لِيُغِيظُونِي بِكُلِّ عَمَلِ أَيْدِيهِمْ، فَيَشْتَعِلُ غَضَبِي عَلَى هَذَا الْمَوْضِعِ وَلاَ يَنْطَفِئُ. [17] 7. إعلان ضم الملك إلى آبائه وَأَمَّا مَلِكُ يَهُوذَا الَّذِي أَرْسَلَكُمْ لِتَسْأَلُوا الرَّبَّ، فَهَكَذَا تَقُولُونَ لَهُ: هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ مِنْ جِهَةِ الْكَلاَمِ الَّذِي سَمِعْتَ: [18] مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ قَدْ رَقَّ قَلْبُكَ وَتَوَاضَعْتَ أَمَامَ الرَّبِّ، حِينَ سَمِعْتَ مَا تَكَلَّمْتُ بِهِ عَلَى هَذَا الْمَوْضِعِ وَعَلَى سُكَّانِهِ، أَنَّهُمْ يَصِيرُونَ دَهَشًا وَلَعْنَةً، وَمَزَّقْتَ ثِيَابَكَ وَبَكَيْتَ أَمَامِي. قَدْ سَمِعْتُ أَنَا أَيْضًا يَقُولُ الرَّبُّ. [19] لِذَلِكَ هَئَنَذَا أَضُمُّكَ إِلَى آبَائِكَ، فَتُضَمُّ إِلَى قَبْرِكَ بِسَلاَمٍ، وَلاَ تَرَى عَيْنَاكَ كُلَّ الشَّرِّ الَّذِي أَنَا جَالِبُهُ عَلَى هَذَا الْمَوْضِعِ. فَرَدُّوا عَلَى الْمَلِكِ جَوَابًا. [20] مات يوشيا في معركة (2 مل 23: 29-30)، ومع هذا كان وعد الله له على لسان خلدة "فتُضم إلى قبرك بسلام". وكان موته في المعركة يُعتبَر في عيني الله موت بسلام. هذه الميتة أفضل بكثير من بقائه حيًا يرى الكوارث التي تحل بشعبه، فتتمرر نفسه جدًا. لذلك قيل: "وجه الصديق يُضم من الشر". مات يوشيا بعدما مُلْكِ 31 سنة، ودُفن في قبور آبائه، وناح عليه كل يهوذا وأورشليم، ورثاه إرميا، فترك ذكرًا طيبًا، وانضم إلى قبره بسلام، وإن كان قد قُتل في الحرب. من وحي 2 مل 22 ضُمني إلى آبائي فيك يا رب! v أشكرك يا رب، لأنك وهبتني يديدة المحبوبة لك أمًا لي. حسبتني ابنًا لكنيستك أتمتع بلبنها المقدس. أشرب من لبن التعليم السليم طعامًا مقدسًا للروح. أختبر أحضانك المفتوحة لي وتترقب اتكائي فيها. تستقر أعماقي فيك، فأصير محبوبًا منك. ولا تستريح نفسي حتى أحب كل البشر! متى يجتمع كل البشر فيك، لتحمل روحك يا محب البشر؟! v لأهرب إليك وأختبئ فيك يا حصن حياتي. فلا تستطيع كل قوى إبليس أن تغويني. ولا تتسلل الحية القديمة إلى عدن التي في داخلي. v اهتم يوشيا بترميم بيتك الذي ثار ضده ملوك سابقين. بروحك الناري تُقيم هيكلك المقدس في أعماقي. تصير نفسي أورشليم الجديدة، أيقونة السماء! سفر شريعتك منحوت بروحك القدوس في قلبي. لأحفظ إنجيلك فيلتهب قلبي بتهليل سماوي لا ينقطع. v كلمتك قوية وجبارة، تحملني من مجدٍ إلى مجدٍ، وتضمني إلى صفوف السمائيين، وتهبني عربون السماء! v أنضم إلى خورس السمائيين، كما إلى خورس المؤمنين. تُرَى هل هما خورسان أم خورس واحد للسمائيين والبشر؟! لأنضم إلى آبائي، ولا ترى عيناي الشر الذي يحل بالأشرار. v ضُمِّني إليك فأثبت فيك، وتُسَر نفسي بثبوت الملايين بل والبلايين فيك! v هب لي ألا استصغر نفسي، لأني فيك وبك أستطيع كل شيءٍ. هبْ لي مع الطفل الملك يوشيا، أن أبدأ حسنًا، وأسير حسنًا، وأنطلق من العالم حسنًا! لتكن أنت هو البداية، تسير معي كل طريق حياتي. v إلهي، كم تشتهي نفسي تقديس العالم كله. من يقدر أن يتقدس، وقد بدا كأن عدو الخير وضع العالم في الظلمة؟ هبْ لي يا أيها القدوس أن أتقدَّس، فتقود بروحك القدوس كل حركة إصلاح. تُرسِل أناسًا مُقدَّسين غيورين على ملكوتك! _____ |
|