|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مظاهر الاحتفال بعيد الغطاس إن عيد الغطاس من الأعياد الغنية باحتفالاته، ففى داخل الكنيسة نرى طقوس العيد بكل ما تحمل من معانٍ روحية، تغور إلى أعماق النفس البشرية، وتطبع فيها آثاراً لا تُمحى، وفى داخل البيوت وخارجها نرى احتفالات أُخرى شعبية، له بهجة خاصة تُميزه عن باقى الأعياد. فما أن يأتى الغطاس حتى تمتلئ البيوت بالقلقاس والقصب.. لاننكر أنها أكلات مادية إلا أنها تذكرنا بحقائق لاهوتية عميقة ومعانٍ روحية سامية، تخص المعمودية والميرون المقدس..! ولهذا رأينا أن نتحدث أولاً عن الرموز فى حياتنا وطقوسنا.. قبل أن نتعمق فى معانى هذه الأكلات وما ترمز إليه. الرموز فى المسيحية إن الرمزية هى اللغة الطبيعية للخليقة، فليس أحد علّم الحيوان المقتنص أن يصرخ، ولا الرضيع المريض أن يبكى، ولا الرجل المتألم أن يتنهد.. ومن الملاحظ أن الناس عامة يبتسمون فى حالة السرور، لكنهم يُكشرون فى حالة الحزن، وفى حالة الموافقة على شئ نجد خفض الرأس علامة شبه متفق عليها، أما تحريك الرأس من جانب إلى آخر فيشير إلى الرفض، كما أن هز الكتفين منظر مألوف، لإظهار أن الشخص لا يرى أو لا يفهم ما نتحدث عنه، وإظهار الأسنان يشير إلى العداء، واليدان المفتوحتان ترمزان إلى النزاهة. والحق إننى مهما زعمت لنفسى أننى لا أفهم الآخرين، فلا أستطيع أن أُنكر أننى أدرك بطريقة مباشرة فى دموع الآخر حزنه، وفى إحمرار وجنتيه خجله، وفى كفيه المضمومتين صلاته، وفى نظراته الرقيقة حبه.. ولأن الرموز تحمل من فيض المعانى الروحية، ما تعجز الكلمات أن تعبر عنها، جاء الكتاب المقدس يحوى لنا بين صفحاته الذهبية الكثير من الرموز الروحية، فهناك رمزية الألوان، فالأبيض يشير إلى الطهارة، والأحمر إلى الفداء، والأزرق إلى السماء.. وقد تعدت الرمزية اللغة والألوان لتشمل الأرقام، فنجد رقم 3 يرمز للثالوث القدوس، و7 للكمال، كما أن أحداثاً مثل سلم يعقوب وعبور البحر الأحمر.. كانت رمزاً للصليب والمعمودية.. ألم يصف الكتاب المقدس شعر الله باللون الأبيض! فهل لله شعر؟ ثم كيف يشيخ الله وهو روح ؟! إنها رموز تعبّر عن حكمة الله لا شيخوخته، وبنفس الأُسلوب يمكن أن نفسر العبارات الكثيرة الواردة عن الله مثل: يداه، عيناه، أُذناه.. وتتجلى الرمزية بكل وضوح فى سفر النشيد، كقول الكتاب: " أُختى العروس " ! لأنه أخذ طبيعتنا البشرية فصار أخاً لنا، وقد دخل معنا فى زيجة روحية لا تنفصم إلا بالموت. وقد تجلت الرمزية أيضاً فى المبنى الكنسى، فالشكل الصليبى يُعلن عن طبيعة الكنيسة السرية، كجسد المسيح المصلوب، والشكل الدائرى يرمز إلى طبيعة الأبدية التى حملتها عن الله، وإذا اتخذت الكنيسة شكل السفينة، ففى هذا إشارة إلى فلك نوح رمز الخلاص. هذا وقد امتدت الرمزية إلى الحياة المسيحية لتشمل مأكولاتهم، فما أن يأتى عيد النيروز، حتى نتذكّر البلح والجوافة، وما يشيران إليه من معانٍٍ روحية.. فالبلح فى لونه الأحمر يذكّرنا بدم الشهداء، الذى سُفك حباً فى فاديهم، وحلاوته تذكّرنا بحلاوة الإيمان، وصلابة نواته تذكّرنا بصلابة الشهداء وتمسكهم بإيمانهم إلى الموت.. أما الجوافة إذا قطّعت بطريقة دائرية، ظهر صليب من البذار على كل قطعة نقطعها، والصليب يرمز للألم الذى احتمله الشهداء. وحينما يقترب شم النسيم، نشعر بدافع قوى بحكم العادة الموروثة، يدفعنا إلى التفكير فى البيض والسمك أو الفسيخ والبصل، التى تذكّرنا بجوانب متعددة من السيد المسيح. أما فى عيد الغطاس المجيد، فالأسر تجمتع حول أكلة شعبية وهى " القلقاس " وخارج البيوت يمصون القصب، وفى ذهابهم للكنيسة يضعون الشموع على عيدان القصب، فما هى قصة هذه المأكولات ؟ وما هى علاقتها بعيد الغطاس ؟ القلقاس لا ننكر أن آبائنا روحنوا أجسادهم، فإذا تمسكوا بطعام معين، فلابد أنه يخدم المناسبة التى يؤكل فيها، وهل ننكر أن القلقاس يذكّرنا بالمعمودية من عدة جوانب مختلفة، تُرى ما هى هذه الجوانب ؟! - يحتوى القلقاس على مادة هُلامية سامة تؤذى حنجرة الإنسان، هذه المادة المُخاطية يمكن التخلص منها بالماء، وهكذا الإنسان أيضاً يتخلص من سموم خطية آدم الجدية عن طريق مياه المعمودية، التى فيها يخلغ الإنسان العتيق ليلبس الجديد. - القلقاس يُدفن ليصير نباتاً، ويصعد فيصبح طعاماً، والمعمودية هى دفن مع المسيح وصعود معه ولهذا يقول معلمنا القديس بولس الرسول: " مدْفُونِينَ مَعَهُ فِي الْمَعْمُودِيَّةِ، الَّتِي فِيهَا أُقِمْتُمْ أيْضاً مَعَهُ بِإِيمَانِ عَمَلِ اللهِ الَّذِي اقَامَهُ منَ الأَمْوَاتِ " (كو2: 12)، وقد قيل عن رب المجد يسوع بعد عماده: " فَلَمَّا اعْتَمَدَ يَسُوعُ صَعِدَ لِلْوَقْتِ مِنَ الْمَاءِ وَإِذَا السَّمَوَاتُ قَدِ انْفَتَحَتْ لَـهُ فَرَأَى رُوحَ اللَّهِ نَازِلاً مِثْلَ حَمَامَةٍ وَآتِياً عَلَيْهِ " (مت3 : 16). - القلقاس يُغمر فى الأرض، ولكن أفرعه الخضراء تُعلن عنه، والمسيح عندما اعتمد من يوحنا المعمدان فى نهر الأردن، حل عليه الروح القدس فى صورة حمامة، وَصَوْتٌ مِنَ السَّمَاء قَائِلاً: " هَـذَا هُوَ إبْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ " (مت3 : 17) ليُعلن للجميع لاهوته. - لكى يؤكل القلقاس يجب أولاً تعريته من قشرته الخارجية، وفى المعمودية نخلع ثيابنا، وفى هذا إشارة إلى خلع الإنسان العتيق، والطبيعة القديمة الفاسدة، وأعمال الظلمة غير المثمرة، وكل ما ورثناه من آدم الأول.. وذلك لكى يلبس ما أنعم به له آدم الثانى، أعنى المسيح ابن الله.. (كو2 :11) (أف4 :22) (رو13 :12) . القصـب كما ذكرنا.. يرجع مص القصب فى عيد الغطاس، إلى عصر الدولة الفاطمية، فقد كان يوزع من قٍِبل الدولة، مع غيره من مأكولات على المسيحيين، فقد قال بن إياس فى تاريخه: وكان يُنفق فى تلك الليلة من الأموال ما لايُحصى فى مآكل ومشارب.. وكانوا يُهادون رؤساء الأقباط فى تلك الليلة: أطناب القصب والبورى والحلوى القاهرية والكمثرى والتفاح.. والحق إن القصب إن كان يوزع على الأقباط كمجرد شيئ يؤكل، إلا أنه يذكّرنا بالمعمودية، فحلاوة القصب تشير إلى حلاوة النعمة الإلهية التى يحصل عليها الإنسان عندما ينال سر المعمودية. ولعل هذا هو السبب الذى جعل الأطفال، يضعون الشموع على قمة أعواد القصب، ويرفعونها عالياً وهم فى طريقهم إلى الكنيسة، كنوع من الإشهار والتفاخر العلنى، مثلما يحملون سعف النخيل فى أحد السعف. كما اعتاد الأطفال وضع الشموع داخل قشر البرتقال المجوف، كإشارة إلى استنارة المعمد بنور الروح القدس، بعد دهنه بزيت الميرون المقدس، فإننا نعلم أن الضغط على قشرة البرتقالة يُخرج منها مادة زيتية، وهكذا ربطوا بين هذه المادة وزيت الميرون، الذى يُدهن به الشخص بعد المعمودية. ومن يتأمل طقس المعمودية قديماً، يرى أن الداخلين إلى الإيمان، كانوا يرتدون الثياب البيضاء كرمز للطهارة والنقاوة، التى وهبها الله للذين يعتمدون على اسمه، ويحملون الشموع بأيديهم إشارة إلى نور الإيمان الذى يضئ العقل، ونور المعرفة الإلهية التى تبدد ظلام الجهل، ولهذا يُخاطب القديس كيرلس الأورشليمى الداخلين إلى الإيمان قائلاً: " ها رائحة المسيح تغمركم، يا أيها الذين ستقبلون النور، وإنكم لتقطفون الأزهار الروحية لتضفروها أكاليل سماوية، شذا الروح القدس يهزكم وأنتم على أعتاب الديار الملكية، لقد إزدهرت الأشجار فياليت الثمر يكون مكتملاً ، إن أسماءكم سُجلت بعد أن تطوعتم فى جيش المسيح حاملين مصابيح موكب العرس، يلهبكم الشوق إلى المدينة العلوية.." ثم بعد العماد يقضون أسبوعاً بالكنيسة، وقد ذكر العلامة ترتليان: إنهم كانوا يأكلون لبناً وعسلاً، وفى هذا الطعام معنى رمزى، يشير إلى أنهم بالعماد قد دخولوا أرض كنعان الجديدة، أعنى (الكنيسة).. ألم يذكر لنا الكتاب المقدس عن أرض كنعان إنها " تفيض لبناً وعسلاً " (خر8:3) ! أما اللبن فيشير إلى التعليم النقى، الذى تقدمه الكنيسة لأولادها غذاءً لأرواحهم.. والعسل يشير إلى وصايا المسيح التى هى فى أفواه المؤمنين أحلى من العسل هكذا يقول داود النبى " مَا أَحْلَى قَوْلَكَ لِحَنَكِي! أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ لِفَمِي" (مز119: 103) ويشير العسل أيصاً إلى حلاوة الإيمان. يقول العلامة أوريجينوس: " عندما نخرج من عتمة الضلال إلى نور المعرفة، عندما نتحول عن حياة أرضية إلى أُخرى روحية، عندما نخرج من مصر ونأتى إلى الصحراء، نحيا وسط السكينة والهدوء، ونمارس الشرائع الإلهية ونتشبع من التعاليم السمائية، ثم بعد أن نكون قد تتلمذنا لهذه التعاليم وعبرنا الأردن، نُسرع إلى كنعان أرض الميعاد " |
|