المقطع الأول: سفر التكوين 40 : 12 – 23.
" فقال له يوسف: " هذا تفسيره: الثلاثة القضبان هي ثلاثة أيام. بعد ثلاثة أيام يرفع فرعون رأسك ويردك إلى مقامك، فتناول فرعون كأسه كعادتك حينَ كنتَ ساقيه. ولكن متى حَسُنَت حالك ترأف بي ولا تنسني، اذكرني لفرعون فيخرجني من هذا السجن ... فردَّ رئيس السقاة إلى وظيفته ليناول فرعون الكأس... كما فسَّر لهما يوسف. ونسيَ رئيس السقاة يوسف ولم يذكره لفرعون ".
المقطع الثاني: مزمور 118 : 8 – 9 .
" الإحتماء بالرب خير لي من الإتكال على البشر. الإحتماء بالرب خير لي من الإتكال على العظماء ".
المقطع الثالث: سفر إرميا 17 : 5 – 8.
" وقال الرب: " ملعون من يتوكل على الإنسان ويجعل البشر سنداً لهُ. ويصرف قلبه عن الرب فيكون مثلَ النبت في الصحراء، يسكن الفلاة الشديد الحرّ والأرض المالحة التي لا تُسكن. مبارك من يحتمي بالرب ويجعل الرب مأمناً لهُ، فيكون كشجرة مغروسة على المياه، وعند النهر تمد جذورها. لا ترى الحرّ إذا أقبلَ، بل يبقى ورقها أخضر. وفي سنة القحط لا تخاف ولا تكف عن الإثمار ".
قصة يوسف من أجمل القصص المعبّرة والمؤثرة في الكتاب المقدس، إنه ابن يعقوب من راحيل المحبوبة والتي كانت عاقراً، هو الإبن المحبوب والمدلل عند أبيه والذي أحبه أكثر من جميع أخوته، هو يوسف الذي أعطاه الله حلماً مميزاً، أخبره فيه بأنه سيملك ويتسلط على إخوته، هو يوسف الذي أنقذه الله من الموت المحتم على أيدي إخوته وانتشله من البئر التي رموه فيها، هو يوسف ابن الوعود الإلهية العظيمة، وها هو يوسف في قصر كبير خدم فرعون " فوطيفار" يقترب رويداً رويداً من تحقيق وعود الله الكبيرة له، هو يوسف الذي وبعدما رماه سيده في السجن، عُهِدَ إليه بأمر كل المساجين، وهو يوسف الذي كان الرب معهُ وكان يُنجحهُ في كل ما يعمل. لأن عيناه كانتا تنظران إلى الرب وحده !!!
وحدثَ أن ألقى فرعون رئيس السقاة في السجن لأنه أخطأ إليه، وإذ حَلِم رئيس السقاة هذا حلماً، فقامَ وقصّه على يوسف، فقالَ لهُ يوسف: " هذا تفسيره: الثلاثة القضبان هي ثلاثة أيام. بعد ثلاثة أيام يرفع فرعون رأسك ويردك إلى مقامك، فتُناول فرعون كأسه كعادتك حينَ كنتَ ساقيه. ولكن متى حَسُنَت حالك ترأف بي ولا تنسني، اذكرني لفرعون فيخرجني من هذا السجن ".
وعندما تم تحقيق الحلم وخرجَ رئيس السقاة من السجن، تقول الكلمة:
" ونسيَ رئيس السقاة يوسف ولم يذكره لفرعون " (تك 40 : 23).
وإذا أكملنا القصة نقرأ أنه بعد مرور سنتين حَلِمَ فرعون حلميه المشهورين وأرسلَ بطلب يوسف ليفسر له الحلميـن ، وبعدما فسرهما لهُ، أقام فرعون يوسف وكيلاً على بيته وأبلغهُ أنه لن يكون أعظم منه إلاَّ بالعرش !!
نعم، نسيَ رئيس السقاة يوسف !
لكن الرب لم ينسه !!!
أيضاً وفي قصة أخرى من الكتاب المقدس نسيت حاشية الملك أحشويروش " مردخاي " عم " أستير " عندما اكتشف محاولة إغتيال الملك وأحبطها، لكنَ الرب لم ينسه، عندما خططَ رئيس الوزراء لقتل " مردخاي "
فقد منعَ الرب النوم عن عيني الملك، وأرغمه على قراءة كتاب الأخبار الذي جعله يكتشف العمل الذي قام به " مردخاي " لصالحه فأمرَ بإكرامه وإذلال رئيس الوزراء الذي كان يخطط لقتله (أستير 6 : 1 – 14).
رئيس السقاة نسيَ يوسف !
حاشية الملك نسيت مردخاي !
لكنَ الرب لم ينسهما !!!
تعالوا نتأمل معاً وببساطة في هذا الصباح. فنحنُ كبشر تعودنا أن نتعلق بالمنظور والمحسوس، وتعودنا أن نهرب من الأمور غير المنظورة التي تعتمد على الإيمان بالإله القدير والقادر على كل شيء، والذي أحبنا حباً لا يوصف، قاده أن يضحي بابنه الوحيد يسوع من أجلنا ونحن ما زلنا بعد خطأة، وتقول الكلمة: " الذي ما بخل علينا بابنه الوحيد فكيفَ لا يهبنا معهُ كل شيء ".
نعم تعودنا أن نتمسك ونتكل على ذراع البشر التي تنبهنا الكلمة منها وتقول: " ملعون كل من إتكل على ذراع البشر " وتنبهنا الكلمة أيضاً وتقول: " الإحتماء بالرب خير لي من الإتكال على البشر. الإحتماء بالرب خير لي من الإتكال على العظماء "، تعودنا أن تنجذب وتنبهر عيوننا بأصحاب الشأن والسلطة والقدرة والنفوذ، علَّهم يحققون لنا مطالبنا، والكلمة تقول عنهم، أنهم بلحظة قد يضمحلون كالغبار !!!
ونسينا أن نتكل على الآب السماوي المحب الحنون القادر على كل شيء، والذي لا ولن يخذلنا أبداً.
نذهب إلى أقاصي الأرض لنطلب حاجاتنا ممن قد نعتقد أنهم قادرون على مساعدتنا، وننسى أن تلتفت عيوننا إلى أبينا السماوي الذي أخبرنا يسوع عنه قائلاً: " أنه يحبنا مثلما أحبَّ يسوع " (يوحنا 17 : 23).
وأخبرنـا عنه أيضاً قائلاً: " في ذلكَ اليوم لا تطلبوا مني شيئاً الحقَّ الحقَّ أقول لكم: كل ما تطلبونه من الآب باسمي تنالونه ... " (يوحنا 16 : 23).
وأخبرنا عنه أيضاً قائلاً: " فإذا كنتم أنتم الأشرار تعرفون كيف تحسنون العطاء لأبنائكم، فكم يُحسن أبوكم السماوي العطاء للذين يسألونه ؟ ".
(متى 7 : 11).
وماذا تكون نتيجة الإتكال على البشر ؟ خيبة أمل منهم، وهزيمة وعدم تحقيق المطالب والحاجات، لأنهم ينسون طلباتنا كما نسيَ رئيس السقاة يوسف !!!
وكما نسيت حاشية الملك مردخاي !!!
والنتيجة الأسوأ أننا نكسر قلب من أحبنا وبذلَ ابنه الوحيد من أجلنا عندما لا نؤمن به بالإضافة إلى أننا قد نجلب لعنات على حياتنا عندما نتكل على ذراع البشر وننسى ذراع الرب المقتدرة. لن أطيل الكلام فأنا أريد أن أقودك فقط إلى النبع الحقيقي لتحقيق أمنياتك واحتياجاتك وأريــد أن أبعـد عينيـك من النظر إلى " رئيس السقاة " ، وأريد أن احميكَ من مخاطر الإتكال على ذراع البشر، وأريد أن أساعدك لكي تحوّل عينيكَ إلى الآب السماوي.
عزيزي:
هل أظلمت الدنيا في عينيك ؟
- مرض يُرافقكَ منذ مدة طويلة، وقد ذهبتَ به إلى كثير من الأطباء ولم تنل أي شفاء بعد ؟
- حزن واكتئاب ذهبتَ بهما إلى المعالجين النفسيين ولم تنل أي نتيجة بعد ؟
- خلاف عائلي ذهبتَ به إلى الأصحاب والأقارب ولم تنل أي نتيجة بعد ؟
- عوز مادي خانق ذهبتَ به إلى أصحاب الشأن والمال ولم تنل أي نتيجة بعد ؟
- حاجة للعمل ذهبتَ بها إلى الشركات والمصارف وأصحاب النفوذ ولم تنل أي نتيجة بعد ؟
- ضغوطات وصراعات ومتاعب وانشغالات، ذهبتَ بها إلى أماكن مختلفة ولم تنل أي نتيجة بعد ؟
- أو هل خذلكَ من كنتَ تعتقد أنهم أصدقاءك أو أحباءك أو أهلك أو حتى ربما أبوك وأمك وأخوتك ؟ أو أو أو ...
لا تفشل ولا تخف، فقط إنسى ما وراء، حوّل عينيك ولا تنظر إلى رئيس السقاة، لا تنظر إلى أصحاب الشأن ولا إلى الأطباء ولا إلى المعالجين النفسيين ولا إلى أرباب العمل ولا إلى أصحاب النفوذ والسلطة والمال، ولا تتكل أبداً بعد اليوم على ذراع بشر، تعالَ في هذا الصباح إلى الآب السماوي، الحنون، المحب والذي ينتظرك ليلاً ونهاراً لكي تأتي إليه وهو لن يخذلك أبداً، لن يشمت بكَ ولن يعاتبك ولن يعاقبك، بل سيعوض عليك أضعاف ما خسرته، وسيفرح بك وسيفرح قلبك، وسيركض إليك ويضمك إلى صدره المطمئن، يذبح لكَ العجل المسمن، ويلبسك الحلَّة الأولى، سيحل مشاكلك، يلبي طلباتك، يشفي أمراضك، يعالج صراعاتك، يفتح لكَ الأبواب ويغدق عليكَ بالبركات.
واسمعهُ معي يقول لكَ: " هل تنسى المرأة رضيعها فلا ترحم ثمرة بطنها ؟ لكن ولو أنها نسيت فأنا لا أنســاك ... ها على كفي نقشتك ... ".
(إشعياء 49 : 15 –16 ).
وأنتَ قل لهُ: " إن تركني أبي وأمي فأنتَ يا رب تقبلني " (مزمور 27 : 10).
لأن الصديقون يصرخون فيسمع الرب وينقذهم من جميع ضيقاتهم، فهوَ قريب من منكسري القلوب ويخلّص المنسحقين في الروح "
(مزمور 34 : 18 – 19).