مزمور 143 (142 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير
هنا صلاة استغاثة بالرب. فهنا يُصَوِّر المرتل نفسه وقد جلس في الظلمات وكاد يفنى ويموت من كثرة الضيقات حوله، والأعداء المحيطين به، لا قدرة له على المقاومة أو حتى العمل، ولقد أوشك أن يدخل إلى القبر، ولقد صار كأرضٍ ناشفة. وهو يلجأ لله لكي ينقذه. ونلاحظ أننا نصلي هذا المزمور في صلاة باكر فهو يُعبِّر عن الأحداث التي حدثت ليلة القبض على المسيح والمحيطين به من الأعداء وأنه قريب جدًا من الموت (ولكننا نجد في آية 11 صورة واضحة عن القيامة) وأنه يصرخ ويصلي لنجاته أي خلاص كنيسته وشعبه. أما داود فغالبًا صلى هذا المزمور وهو هارب من شاول، ولكنه بروح النبوة أشار للمسيح. ونحن نصلي بكلمات هذا المزمور الرائعة ننظر في طلباتنا إلى عطايا الله الروحية لخلاصنا حتى لا نهلك في خطايانا.
الآيات (1، 2): "يا رب اسمع صلاتي وأصغ إلى تضرعاتي. بأمانتك استجب لي بعدلك. ولا تدخل في المحاكمة مع عبدك فإنه لن يتبرر قدامك حي."
المرتل هنا يعترف بأنه لا يمكن أن يتبرر أمام الله، لذلك يطلب أن لا يدخل الله معه في المحاكمة. والعجيب بعد هذا أننا نجده يقول بأمانتك استجب لي بعدلك فإذا استجاب الله بعدله فسوف يهلك داود لأنه يعترف بأنه لن يتبرر. ولكن حل هذا السؤال كامن في الصليب الذي ظهر فيه عدل الله ورحمته. عدل الله الذي ظهر في عقوبة الخطية التي تحملها المسيح، ورحمته التي ظهرت في غفران خطايانا بموته عنا. وكأن المرتل هنا بروح النبوة يطلب رحمة الصليب.
آية (3): "لأن العدو قد اضطهد نفسي سحق إلى الأرض حياتي. أجلسني في الظلمات مثل الموتى منذ الدهر."
قد يكون العدو هذا هو شاول أو إبشالوم، ولكن العدو الحقيقي لكل البشر هو إبليس الذي استعبدنا كلنا وأجلسنا في الظلمات محرومين من نور الله بعد سقوطنا. بل كان نصيبنا الموت جزاءً عن الخطية.
آية (4): "أعيت فيَّ روحي تحير في داخلي قلبي."
أعيت فيَّ روحي = كنا بلا أمل، وكنا في حيرة قلب لا ندري طريق الخلاص.
آية (5): "تذكرت أيام القدم لهجت بكل أعمالك بصنائع يديك أتأمل."
هنا يتذكر كيف أخرج الله شعبه من أرض مصر وكانوا في حالة مماثلة. إذًا هو قادر أن يجد حل. وفي كل ضيقة تعصف بحياتنا علينا أن نذكر خلاص الله السابق فيكون لنا رجاء.
آية (6، 7) "بسطت إليك يدي. نفسي نحوك كأرض يابسة. سلاه. أسرع أجبني يا رب فنيت روحي لا تحجب وجهك عني فأشبه الهابطين في الجب."
المرتل يصرخ ويعلمنا أن نصرخ لله وحده في كل ضيقة. فنحن بدون الله كأرض يابسة تحتاج للماء. وبسط اليدين إعلان عن التسليم الكامل للمشيئة الإلهية والعجز الكامل عن أن نجد الحل بأنفسنا. ومن يفقد صلته بالله يموت.. ويشبه الهابطين إلى الجب= "له اسم أنه حي وهو ميت" (رؤ1:3). فمن يفقد نور وجه الله فهو في الظلمة.
الآيات (8-12): "أسمعني رحمتك في الغداة لأني عليك توكلت. عرفني الطريق التي أسلك فيها لأني إليك رفعت نفسي. أنقذني من أعدائي يا رب إليك التجأت. علمني أن أعمل رضاك لأنك أنت إلهي. روحك الصالح يهديني في أرض مستوية. من أجل اسمك يا رب تحييني بعدلك تخرج من الضيق نفسي. وبرحمتك تستأصل أعدائي وتبيد كل مضايقي نفسي لأني أنا عبدك."
بالغداة= هو ينتظر مراحم جديدة لله في كل صباح ولينقذه الله من أعدائه عرفني الطريق= هو المسيح (يو6:14). والمسيح أرسل الروح القدس= روحك الصالح. ليرشدنا فلا نهلك= يهديني في أرض مستوية= يبكت على خطية فنتوب ولا نفقد نصيبنا الأبدي. وهنا المرتل لا ينظر إلى بره الذاتي بل لمراحم الله= من اجل اسمك يا رب تحييني. برحمتك تستأصل أعدائي= أي بمجيء المسيح الثاني سيلقي إبليس في بحيرة النار (رؤ10:20).