آباء من العهد الجديد 6- ولعل البعض يحتج بأن هذه أمثلة من العهد القديم! فنرد عليهم بإجابتين: الأولى هي: لا تحتقروا العهد القديم ولا تنكروه واذكروا أن السيد المسيح لم ينقض الناموس والأنبياء (مت 5: 17) واذكروا أيضًا أن "كل الكتاب هو موحى به من الله، ونافع للتعليم" (2تى 3: 16). أما الإجابة الثانية فهي: 7- إن الأبوة الروحية يذكرها العهد الجديد في مواضع كثيرة: وقد تحدث بولس الرسول عن أبوة أبينا إبراهيم في العهدين القديم والحديث ونحن لا نستطيع أن نكذب هذا النص المقدس، ونقول إنه لا يوجد سوى أب واحد في السماء. وكذلك الرسل في العهد الجديد دعوا آباء. 8- إن بولس يدعو كلا من تيموثاوس وتيطس وأنسيمس أبناء. فيقول: "تيموثاوس الابن الصريح في الإيمان" (1تى 1: 2). ويقول: "تيموثاوس الابن الحبيب" (2تى 1 ك 2). ويقول عن تيطس: "الابن الصريح حسب الإيمان" (تى 1 : 4). ويرسل إلى فليمون فيقول له: "اطلب إليك لأجل ابني انسيموس الذي ولدته في قيودي" (فل 10). ويقول لتيموثاوس: فتقوا أنت يا ابني بالنعمة" (2تى 2 : 1). و المعروف أن بولس الرسول كان بتولًا، وليس له أبناء حسب الجسد، ولكنه كان أبًا روحيا لكل هؤلاء. فهل يجرؤ تيموثاوس وتيطس وأنسيموس أن يقولوا للقديس بولس: لست أبانا، لأنه ليس لنا أب على الأرض؟! 9- وعندما قال القديس بولس لتلميذه تيموثاوس الأسقف: "لا تزجر شيخًا، بل عظه كأب" (1تى 5: 1). هل كان يستطيع هذا الأسقف أن يحتج على معلمه قائلا: كيف هذا؟! ليس لي أب على الأرض! مع أنها أبوة سن. 10- إن بولس الرسول لم يدع أفرادًا فقط أبناء له، إنما أيضًا دعا شعوبًا أولادًا له، كأب روحي لهم.. فقال لأهل غلاطية: "يا أولادي الذي أتمخض بكم أيضًا، إلى أن يتصور المسيح فيكم" (غل 4: 9). ويقول لأهل كورنثوس: بل كأولادي الأحباء أنذركم، لأنه وإن كان لكم ربوات من المرشدين في المسيح، لكن ليس آباء كثيرون، لأني أنا ولدتكم في المسيح يسوع بالإنجيل. لذلك أرسلت إليكم تيموثاوس الذي هو ابني. 11- وعبارة: "ولدتكم بالإنجيل " تظهر لنا أبوة روحية، هي أبوة في الإيمان، وفي الكرازة والتعليم. فالقديس بولس صار أبًا لأهل كورنثوس، لأنهم آمنوا على يديه، وكذلك أهل غلاطية.. ولأنهم تلاميذه. فهل ينكر أهل كورنثوس وأهل غلاطية أبوة القديس بولس الرسول، ويقولون له: "ليس لنا أب على الأرض، لأن أبانا واحد الذي هو في السماء"؟! 12- ألا يدل هذا التفكير على خطأ في فهم الكتاب المقدس؟! ألم يقل لنا الكتاب: "الحرف يقتل، ولكن الروح يحيى" (2كو 3: 6). كما يدل هذا التفكير على خطورة تطبيق الآية الواحدة، دون النظر إلى باقى الآيات. ويدل ذلك أيضًا على الطريقة الخاطئة في التفسير التي تطبق كلية على كل أحد، دون معرفة من هو المقصود بالقول!!! 13- والقديس يوحنا أيضًا -كالقديس بولس- دعى أبا روحيًا. يوحنا الرسول البتول يقول: "يا أولادي، أكتب إليكم هذا لكي لا تخطئوا" (1تى 2: 1) ويقول: "ليس لي فرح أعظم من هذا، أن أسمع عن أولادي أنهم يسلكون بالحق" (3يو4). وبطرس الرسول يقول عن مرقس أنه ابنه. فيقول: "تُسَلِّمُ عَلَيْكُمُ الَّتِي فِي بَابِلَ الْمُخْتَارَةُ مَعَكُمْ، وَمَرْقُسُ ابْنِي" (رسالة بطرس الرسول الأولى 5: 13). قال هذا من جهة فارق السن الكبير بينهما، لأن المعروف هو أن مرقس ابن ارسطوبولس. 15- فهل أخطأ الرسل الكبار، إذا دعوا أنفسهم آباء؟! هل أخطأ بولس وبطرس ويوحنا، وارتأوا فوق ما ينبغي لهم، إذ حسبوا أنفسهم آباء، وكأنهم قد نافسوا الله في أبوته؟! أم أن عبارة: "لا تدعو لكم أبًا " موجهة للرسل وحدهم، الذين قالوا مرة للمسيح: "ألنا قلت هذا المثل أم قلته للجميع" (لو 12: 41). 16- إن وصية المسيح، لو فهمت على حرفيتها، لكانت نتيجتها إلغاء الأبوة الجسدية أيضًا، لأنها أبوة على الأرض!! لأن السيد المسيح لم يقل هنا أبوة روحية، ولا أبوة جسدية،إنما أطلق العبارة مرسلة. وطبعًا لا يمكن أن يكون قد ألغى الأبوة الجسدية، وإلا ما كان الرسول يقول: "أيها الأولاد أطيعوا والديكم في الرب، لأن هذا حق. أكرم أباك وأمك، التي هي أول وصية بوعد" (أف 6: 1، 2). فإن كنا نحترم الأبوة الجسدية، فكم بالأولى الروحية؟ 17- إنما السيد المسيح قال هذه الوصية، بل هذا الأصحاح كله، في مجال إلغاء القيادات الدينية القديمة كالكتبة و الفريسيين.. فالإصحاح كله تتكرر فيه مرات عديدة " ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون" (مت 23). وقد بدأ بذكر السيد المسيح لأخطائهم. حتى وصل إلى عبارة أنهم "يحبون المتكأ الأول.. و التحيات في الأسواق، وأن يدعوهم الناس سيدي سيدي" (مت 23: 6، 7). وبعدها قال مباشرة: "وأما أنتم فلا تدعوا سيدي.. ولا تدعوا لكم أبًا على الأرض.. ولا تدعوا معلمين". 18- إذن هي مهاجمة صريحة لأبوة الكتبة والفريسيين، وليس للأبوة الروحية التي للعهد الجديد. إن السيد المسيح كان وقتها بصدد إلغاء القيادات الدينية التي كانت مسيطرة على المجتمع وقتذاك، حتى لا تصبح جماعة المؤمنين خاضعة لأبوتها ولا لسيادتها ولا لتعليمها.. وذلك لينشئ أبوة وسيادة وتعليمًا من نوع جديد.