القلق: أنواعه، أسبابه وعلاجه
يتعرض الإنسان خلال حياته إلى متغيرات تؤثر فيه وتحد من نشاطه وإنتاجه، وفي بعض الأحيان تؤثر في نمو جسمه. والقلق ينتج عن عدم الاطمئنان وعدم الانسجام وهذا يؤثر في عمل الشخص وفي تعامله مع الآخرين وفي بعض الأحيان يؤثر في نمو جسمه، وهذا التأثير ناتج عن سبب القلق ونتائجه إذا لم يهتم به الإنسان.
وبالرغم من ذلك فالكثير من الناس لا يعرفون عن القلق إلا الشيء القليل، فيعرفون بأنه سلبي ولكن القلق له تأثيرات إيجابية أيضا. إنّ القلق في عصرنا الحاضر يزداد بشكل كبير جدا نظرا لظروف عدة منها: أن الناس يهتمون بالجانب المادي أكثر من المعنوي والعلاقات الاجتماعية الأخرى ومنها أيضا الظروف الاقتصادية كالفقر. والثراء أحيانا ينعكس على صاحبه.
مفهوم القلق
وردت مفاهيم كثيرة للقلق فمنها: أنه مظهر للعمليات الانفعالية المتداخلة التي تحدث خلال الإحباط والصراع النفسي. ومن المفاهيم الأخرى أنه حالة من التوتر الناشئ خلال صراعات الدوافع ومحاولات الفرد للتكيف. وأرى أنّ القلق عبارة عن المشاعر والانفعالات الناتجه عن سبب أو أكثر والتي تجعل الإنسان في حالة توتر.
جوانب القلق
1) الجانب الشعوري المتمثل في الشعور بالخوف والفزع والعجز والتهديد والإحساس بالذنب.
2) الجانب اللاشعوري حيث يشتمل على عمليات معقدة متداخلة فيعمل الكثير منها دون وعي الفرد. فمثلا يعاني الفرد المخاوف دون أن يدرك العوامل التي تدفعه إلى هذه الحالات.
أنواع القلق
أولا: القلق الموضوعي objective anxiety والمقصود بهذا النوع هو رد الفعل الناتج عن إدراك الخطر الخارجي أو الأذى الذي يتوقعه الشخص ويراه مقدما، فرؤية البحار لسحابة تشعره بالقلق لأنها تدل على إعصار قريب والقلق الموضوعي قريب من الخوف، فمثلا إذا شاهد الشخص سيارة مسرعة تقترب منه فإنه يشعر بالخوف.
ثانيا: القلق العصابي Neurotic anxiety حيث يظهر بثلاث صور كما يراه (فرويد) وهي:
1) القلق العام حيث يشعر الشخص بحالة من الخوف الغامض المنتشر غير المحدد.
2) المخاوف المرضية فيدرك الشخص بعض الموضوعات أو المواقف المحددة باعتبارها مثيرة، وهذا النوع لا يتناسب مع الخطر الحقيقي المتوقع من الموضوع أو الموقف، ومثال ذلك خوف الأفراد عند رؤية الدم.
3) التهديد: حيث يظهر في صورة قلق مصاحب للأمراض النفسية كالهستيريا مثلا ولذلك يشعر الفرد بالقلق إذا كان مصابا بهذه الأعراض وينتج ذلك عن توقع حدوثها ما يجعله في حالة تهديد.
ثالثا: القلق الخلقي والاحساس بالذنب وينشأ بسبب إحباط دوافع الذات العليا. ومثال ذلك يشعر الفرد بالقلق إذا لم يقم بمساعدة الآخرين إذا كان يستطيع مساعدتهم أو لايستطيع فيشعر دائما بالقلق.
أعراض القلق
أولا: اضطرابات جسمية فسيولوجية كبرودة الأطراف وآلام المعدة وسرعة ضربات القلب وتصبب العرق والصداع وغيرها.
ثانيا: أعراض نفسية وتتمثل في الخوف الشديد وتوقع الأذى والمصائب وعدم القدرة على التركيز والانتباه والعجز والهزيمة والاكتئاب وعدم الثقة والطمأنينة.
مصادر (أسباب) القلق
· عدم التفاهم الأسري وعدم حل المشكلات الأسرية.
· المجتمع الذي تسوده القيم المادية والربح والصراع من أجل تحقيقهما.
· تحميل الإنسان نفسه فوق ما يطيق حمله.
· الجانب الروحي وهذا ناتج عن الابتعاد عن الدين.
· سوء الظن بالآخرين والشك فيهم والحقد عليهم.
· المتغيرات الجديدة والسريعة التي تصيب الإنسان في حياته وصعوبة التكيف معها.
· التغير في أسلوب الحياة والعلاقات الاجتماعية والقيم الاجتماعية.
· محاولة إثبات الذات وتحقيق الهدف عن طريق المكاسب المادية واقتناء الكماليات بأي وسيلة.
· الصراع النفسي الناتج عن الطموحات والآمال والواقع المعيشي والفشل في عدم القدرة على التوزان بينهما.
· ضغوط الحياة وكثرة المتاعب التي يواجهها الشخص في البيت والعمل والشارع.
· الوحدة والعزلة.
· الحرص على جمع المال خشية من الفقر والتكالب على جمعة بطرق غير شرعية.
· الفقر والعوز والحاجة الملحة إلى تأمين الحاجيات الأساسية.
· مخاوف الأطفال من الظلام أو الموت، أو النوم لوحدهم، ومن الحيوانات أيضًا، ومن توبيخ الوالدين لهما أو من المدرسة.
· حرمان الأطفال من الوالدين أو من أحدهما نتيجة الوفاة أو الطلاق.
· عوامل الإحباط التي يتعرض لها الطفل الناتجة عن محاولته إشباع حاجاته كالتغذية ودوافعه كإشباع رغبته الجنسية. وإذا فعل ذلك فسيتعرض للعقاب وعدم إشباع حاجاته ودوافعه يجعله في حالة قلق دائم أيضًا.
· عدم النمو السليم للطفل في أحد أعضائه وخاصة إذا لم يعالج أو لا يوجد له علاج، فيشعره ذلك بالنقص والقلق وخاصة إذا لم يربَّ تربية دينية تعوده على الارتضاء بخلق الله وقضائه وقدره.
· الفشل. مثل: الفشل في الدراسة أو العمل أو في الحياة الزوجية.
· أمراض الطفولة اللاإرادية كالتبول اللاإرادي. ومما يجدر ذكره والإشارة إليه إليه ان بعض الآباء والأمهات يقومون بتخويف الأطفال وضربهم إذا تبولوا في فراشهم ليلا وعلى ملابسهم، وهذا يؤدي لان يبقى الأطفال في حالة خوف دائم من العقاب أو الاستهزاء بهم.
· سوء معاملة الوالدين او أحدهما للطفل.
· عدم العدالة في معاملة الأطفال.
· إكراه الأطفال على الالتزام بنوع معين من السلوك لا يرغبون القيام به، كعدم اللعب مع طفل ما أو أن ياكل من الطعام الموجود فقط على المائدة.
وأضيف إلى ما سبق أن الحاجات المتوفرة له في الأسرة والتربية التي يربى عليها وبين ما هو موجود في المجتمع، فنقص الحاجات وسلوك الأسرة إذا كانت جيدة، كل ذلك ينعكس على الشخص ويجعلانه في حالة قلق. ومن الأسباب المؤدية للقلق والتي أراها مهمة عدم وجود الثقافة التعليمية والمجتمعية والتعامل مع الآخرين بالصورة نفسها، ما يجعل الشخص في حالة خوف وخجل وقلق.
نتائج القلق
ينتج عن القلق ظواهر عدة أبرزها ما يلي:
· الهروب نحو العزلة.
· الهروب نحو أحلام اليقظة.
· التكاسل والهروب من العمل.
ويضاف إلى ذلك أيضًا تعطل الإنتاج والتنمية الاقتصادية والاجتماعية كما ينتج عن القلق كذلك أمراض نفسية أخرى كالجنون وأمراض جسمية كالسكري مثلا.
إيجابيات القلق
بالرغم من كثرة السلبيات للقلق فإن له بعض الايجابيات وهي:
· يدفع الشخص للمزيد من العمل حينما يخاف على مستقبله كما يدخله إلى توفير النقود. والمثل يقول خبئ قرشك الأبيض ليومك الأسود.
· تجنب الصدامات بين الأفراد وأيضا بين الدول ومحاولات الابتعاد عن الحروب، وكل هذا يدفع الشخص لتحمل الأمور بجدية.
· محاولة العمل من أجل الحد من الكوارث وخاصة كوارث الفيضانات، ولذلك يبقى الناس في حالة قلق خوفا من فيضانات الأنهار ويعملون لها الحواجز. ولا ننسى أيضا خطر الأمراض المعدية.
· لجوء الأفراد إلى السلوك التعويضي (التسامي) sublimation فوجود الطموحات للأهداف يجعل الأفراد يتسامون إلى العمل من أجل تحقيقها كجمع الثروة المالية وشراء الفيلا والمرسيدس وغيرهما.
وأضيف أيضا أن الشخص ضعيف البدن يكون في حالة خوف وقلق من الآخرين، ولذلك يلجأ للعمل والتدريب على ألعاب الدفاع عن النفس حتى يصبح جسمه قويا ويدافع عن نفسه.
علاج القلق
يختلف العلاج من شخص لآخر حسب مصادره وأسبابه، ولذلك فإن علاج كل حالة تختلف عن الأخرى وإذا لم تعالج بعض الحالات فستصبح مرضا نفسيا خطيرا وتنعكس على جسمه نتيجة الزيادة أو النقص في عمل الغدد. فإذا كانت الأجسام تمرض فإن القلوب أيضا تمرض والعلاج يكون كما يلي:
· ان نؤدي واجباتنا الدينية ونقترب من الله تعالى.
· إن علماء وأطباء النفس ينصحون الإنسان المكتئب بنصائح عدة منها: إذا وجد نفسه في حاجة إلى البكاء فليبكِ ولايكبت مشاعره، فالبكاء يساعد على الراحة. ومنها أيضا تأجيل التفكير في المشكلة لوقت آخر والخروج للتنزه والاستماع لتلاوة القرآن الكريم، وأيضا شرب كوب من اللبن الدافئ مع العسل فهذا أفضل طريقة لعلاج القلق النفسي.
· التعاون ما بين الطبيب النفسي والمريض، فالطبيب يجد الصعوبة في كثير من الأحيان حيث إن المريض لا يشرح له كل تفاصيل مرضه. وفي بعض الأحيان يشرح الطبيب للمريض عما يعانيه ولكن المريض ينفر من البوح بالحقيقة. ولذلك يجب على الطبيب أن يشخص الحالة تشخصيا دقيقا. وهذا يعتمد على الملامح الشخصية والمستوى الثقافي للمريض والعلاج الذي يتوقعه ونوعيته ومدته، ويجدر بالطبيب أن ينوه للمريض بالآثار النفسية لعدم العلاج وبعد العلاج إذا لزم استخدام العقاقير الطبية، فعلى المريض أن يتقبلها لمساعدته في العلاج. وكل ذلك يعتمد على معرفة مصادر وأسباب القلق المتعددة وخاصة العائدة لمرحلة الطفولة ويتم ذلك عن طريق الاستقراء الذاتي أو التحليل النفسي.
· العلاج المهني بحيث ينشغل المريض في عمل ما ويفضل أن يكون محبا إليه لإبعاده عن القلق.
وأضيف طرقا أخرى للعلاج وهي التربية الدينية والأخلاقية للأسرة وأيضا أن نلجأ للدراسة والمطالعة سواء أصابنا القلق أم لم يصبنا، وأيضا التوعية والتثقيف من خلال برامج تلفزيونية، وأيضا من خلال الإذاعة والصحف وغيرهما.
الخلاصة
إن الانسان لا بدّ من أن يتعرض لمشاكل وأحداث، سواء قام بها أم لم يقم بها، أي أن تكون خارجة عن إرادته وتحدث له القلق. ويجب علينا أن نحرص على ألا يستفحل هذا الداء بنا، فإذا استفحل فسيؤدي لأمراض نفسية أخرى كالجنون والعزلة عن الناس وأمراض جسمية مثل السكري وآلام المعدة وأيضا يؤدي القلق إلى ارتكاب الحوادث.
لذلك كله، فليتعاون الجميع للحد من هذا المرض، فالدور لا يقع على الطبيب النفسي وحده بل على الجميع، الاسرة والمدرسة لما للقلق من آثار سيئة وخطيرة.