إلـه التعويضــات أقوى من الحرمــان
يقدم لنا هذا السفر شخصية أستير التي تدور حولها أحداث السفر قبل أن تصبح ملكة على أعظم إمبراطورية في ذلك الوقت.
1. لقد كانت أستير فتاة مسبية في أرض ليست أرضها وفي بلاد غريبة. لقد اقتضت قداسة الله وعدله أن يعاقب شعب إسرائيل الذي أهانه بابتعاده عنه والخروج وراء آلهة غريبة، فأنصب غضب الله على شعبه وأسلمه إلى أيدي أعدائهم، وحصدت أستير زرعاً لم تزرعه وشاركت في نتائج خطايا شعبها التي لم ترتكبها.
2. لم يكن لها أب ولا أم (أستير 7:2).. أيقظتها الأيام لتجد نفسها يتيمة الأب والأم معاً؛ فلا أب يرعاها أو يهتم بها أو يلبي لها احتياجاتها؛ ولا أم تحنو عليها وتكون قريبة منها.
3. لم تتوقف المصائب التي لحقت بأستير عند حد الحرمان من الأب والأم وعلى العيش في بلاد غريبة عن أهلها وشعبها، ولكنها كانت من شعب يبغضه الجميع، فكان عليها دائماً أن تخفي ذلك عن الجميع.
وبالرغم من كل هذه الأحمال والمصائب التي تحملتها تلك الفتاة الصغيرة، فإن إله التعويضات لم يقف مكتوف الأيدي بل عوضها عن كل حرمان ذاقته في حياتها.. لذا دعونا ننظر إلى تعويضات الله في حياة أستير:
1. مردخاي ابن عمها: يقول عنه الكتاب إنه اتخذ أستير له ابنة وكان مربياً لها (أستير 7:2). لقد عوض الله أستير عن حرمانها من الأب والأم بابن عمها الذي لم يشر الكتاب إنه تزوج، وأحتضن أستير وجعلها ابنة له، وأعطاها كل ما تحتاجه من رعاية وحنان واهتمام، وسدد لها أعوازها معوضاً تلك الفتاة المسكينة عن موت أبيها وأمها وعن الحرمان منهما. ولم يكن ذلك فقط بل كان مربياً لها ومعلماً وناصحاً ومرشداً، فقاد أستير لمحبة الله والثقة فيه وإلى محبة شعبها، وقادها بحكمته وحنكته في كل أمور حياتها. ولم تكن أبوة مردخاي لها مجرد عطف أو تسديد احتياج فقط، ولكنها كانت أبوة حكيمة، فقد هذبها ورباها في خوف الرب وعلمها مبادئ سارت عليها كل حياتها حتى بعدما جلست على عرش المملكة (أستير 20:2).
نعم لقد سمح الله لها أن تُحرم من الأب والأم ولكنه أوجد لها بمحبته رجلاً عظيماً كرس حياته بجملتها لها.
2. كانت الفتاة جميلة الصورة حسنة المظهر (أستير 7:2). لقد سمح لها الله في السبي بالضيق والذل المهين، ولكنه منحها جمالاً وحسناً وأعطاها نعمة في عيني كل من رآها. لقد أعطاها جمال المنظر بالإضافة إلى جمالٍ داخليٍ ، فكانت نفسها راضية شاكرة وقلبها صابر وقانع بكل ما أعطاها الله. ولم تطلب شيئاً كباقي الفتيات عند دخولها للملك، ولا ملأ الطمع قلبها، ولم يعرف الكبرياء طريقاً إليها، بل عرضت حياتها وعرشها للهلاك لأجل انقاذ شعبها.0
نعم ما أجود إلهنا العظيم إله التعويضات الأقوى من أي حرمان. نعم إنه حقاً يجلس في عرشه بالسماء، ولكنه ليس ببعيد عن مشاعر أقل أو أصغر إنسان منا، بل يشعر بكل قلب حزين ويسمع صراخ وأنات المسكين، ولا يقف صامتاً مكتوف الأيدي بل يجود بأعظم التعويضات.
فقد تسمح معاملات الله معنا أن يُغلق أمامنا باباً ولكنه يفتح آخر أعظم منه وإن اقتضت تعاملاته أن نتحمل بعض الألم فإن تعويضاته تحمل كل العزاء. وقد كانت نتائج تلك التعويضات عظيمة على حياة أستير:
1. أصبحت أستير المسبية ملكة عظيمة على بلاد مادي وفارس.
2. تمتعت بكل ما هو رائع وهي جالسة على عرش المُلك بعد الحرمان والضيق التي مرت بهما.
3. أحبها الملك وصارت غالية عليه فدخلت إليه دون أن يطلبها وهو ما كان ممنوعاً في حكم تلك البلاد، ووافقها على قتل هامان بعد أن كشفت أمره أمام الملك. ذلك الرجل الذي جعله الملك فوق كل الرؤساء في مملكته (أستير 1:3).
فتعويضات الله لم تبدو يوماً في عيني أستير أنها أقل من الحرمانات التي قاستها، فلم تتذمر يوماً على الله أو على أوضاع حياتها ولم ترى أن التعويض الذي وضعه لها الله أقل بكثير مما حُرمت منه. لم تفكر أن مردخاي ليس بالتعويض الكافي عن الأب والأم والإخوة التي حُرمت منهم. فلو استطاع أن يعوضها عن الأب، فهل يستطيع أن يعوضها عن الأم التي حُرمت منها وتحتاج إليها كل فتاة؟. ولم تفكر أيضاً بماذا ينفعها جمالها وهي فتاة مسبية من جنس ٍ يهودي ٍ يبغضه الجميع في تلك البلاد وهي دائماً تخفي جنسيتها عن أي شخص ولا تستطيع أن تبوح بها.
نعم لم تفكر بهذه الطريقة أبداً تجاه تعويضات الله لها ولم تقلل من شأن تعاملات الله معها، بل قبلت تعويضات الله لها بقلب شاكر وقانع وحمدت الله عن كل ما عوضها به. ولذلك جاءت نتائج تعويضات الله لها عظيمة جداً.
هل فكرت يوماً لماذا لم تذق تلك النتائج في حياتك؟ ولماذا لم تأتي عليك تعويضات الله؟ وذلك لأنك ترى دائماً أن الحرمان والضيق والأبواب التي أغلقت أمامك أعظم وأكبر من تعاملات وتعويضات الله لك. فمازالت تعويضات الله لا تقابل بالشكر والفرح ولكنك تراها أقل بكثير مما عانيته في حياتك.(فعدم الجمال أو الفقر أو المرض مثلاً يجعلنا لا نشكر الله على ما أعطاه لنا من تميز أو ذكاء أو تقدم على كل الزملاء في مجال ما في حياتنا).. ويجعلنا لا نرى في ذلك تعويض من الله يمنحنا من خلاله نتائج مبهرة لحياتنا. فمازالت عيوننا مفتوحة على ما حُرمنا منه ومغمضة تماماً ـ في ذات الوقت ـ عن عطايا الله.. ومازلنا نعتبر تعويضات الله المُحب ما هي إلا أشياء عادية من الطبيعي أن كل الناس تستمتع بها.
فتعالوا يا عزيزي ويا عزيزتي لنتقدم إلى الرب المُحب بعيون مفتوحة على عطاياه لنا بقلب يفيض بالشكر والعرفان لكل ما أعطانا حتى وإن بدا لنا إنه قليل أو صغير، لنتمتع بنتائج تلك التعويضات كما رأينا في حياة أستير فيغمرنا إلهنا المُحب بعطاياه العظيمة. فإلهنا أعظم من أي حرمان مررنا به في حياتنا وأعظم من أي مستقبل يبدو مظلماً أمامنا الآن. فلو فكرت أستير يوماً في مستقبلها بمعطيات حياتها الأولى؛ ما كان خطر ببالها إنها يوماً ستكون ملكة.
وإذا نظرنا إلى ما نعانيه، فإننا لن نجني من تلك الأمور غير نفس ملأنة بالبغضة من الحياة وبرغبة في الإنتقام من غدر الأيام، ونعيش في توتر وقلق مملوئين بالخوف من المصائب القادمة وبالتوقعات السلبية للمستقبل.. مملوئين بالرثاء والشفقة على أنفسنا وبالشعور بالنقص نتيجة لذلك.. فنجعل حياتنا مشوشة غير سوية فلا يعرف النجاح طريقنا. ولكن إذا نظرنا إلى تعويضات الله وقبلناها بفرح واثقين فيه، فسنجني النجاح والعظمة وسوف نحصل على ما لم يخطر على بالنا يوماً، وسيكون أعظم جداً مما نطلب أو نتوقع. أمين