إنكار الذات
قال السيد المسيح في ذلك.. إن أراد أحد أن يأتي ورائي. فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني.. (متي16: 24).
يضع الله أولًا، في قمة اهتمامه. والناس ثانيًا. ونفسه آخر الكل.
لاشك أنه باب ضيق أن ينكر الإنسان نفسه ويتجاهلها في كل شيء. يحتمل اللطمة على خده. فيحول الآخر.. وإن سخره أحد ميلًا. يمشى معه ميلين. وإن أراد أحد أن يخاصمه ويأخذ ثوبه. يترك له الرداء أيضًا (متى5: 39 41).
إن احتمال الإساءة والمغفرة للمسيء ربما لا تكون أمرًا سهلًا على كثيرين فكم بالأولي تكون محبة الأعداء والإحسان إلى المبغضين (متى5: 44).
الإنسان الروحي يحتاج أن يحتمل كل شيء. ويتنازل عن أشياء كثيرة ويرتقع فوق المستوي العادي ويبغض نفسه من أجل الرب الذي قال... من يهلك نفسه من أجلي يجدها.. (متى16: 25).
إن الأمر ليس سهلًا على المبتدئ في الطريق الروحي. وقد يتضايق أولًا إلى أن يدرب نفسه على الحب الكامل. وما أصدق قول الكتاب:
" بضيقات كثيرة ينبغي أن ندخل ملكوت الله.." (أع14: 22).
يحتاج من يسير في طريق الله أن يصعد على الصليب باستمرار، حسبما قال الرب " يحمل صليبه ويتبعني". وفي هذا قال القديس بولس الرسول " مع المسيح صلبت، لكي أحيا لا أنا بل المسيح يحيا في" (غل2: 20).
ما أعمق عبارة " لا أنا"... لا يستطيع أن يقولها إلا الذي دخل من الباب الضيق...
على الذي تدرب أن يختفي دائمًا لكي يظهر الرب، ولكي يظهر باقي الناس.
ويقول " لا أنا " أيضًا الإنسان المتواضع الذي في كل موقف يصر أن يكون آخر الكل وخادم الكل، ويجلس دائمًا في المتكأ الأخير، كما قال الرسول " مقدمين بعضكم بعضًا في الكرامة" (رو12: 10).
يقول " لا أنا " الإنسان الوديع المتواضع، الذي يكون مقتنعًا تمامًا داخل نفسه أنه لا شيء...!
ومن يقدر على هذا إلا الذي يدخل باستمرار من الباب الضيق.. لا يقيم رأيه في أمر من الأمور، وعلى فهمه لا يعتمد" (أم3: 5).
يفضل غيره على نفسه في كل شيء ويضع تحت الكل.. لا يقاوم ولا يكون حكيمًا عند نفسه.. (رو12: 16). ويدين نفسه لكي يبرئ غيره. يحمل خطايا الآخرين. ليكونوا هم أبرياء وهو المذنب. وفي عمق محبته يفدي الكل كما فعل المسيح.