أجرى يسوع في الأراضي الوثنية أعجوبة لصالح أصم اخرس في قلب بلد بحاجة إلى تبشيره. كان لهذه المعجزة طابعٌ خاص. كان من عادة يسوع أن يقول كلمةً واحدة، كمعجزة إحياء ابن أرملة نائين (لوقا 7: 11-17) ومعجزة شفاء خادم قائد المئة (متى 8/5-13)، أو أَلاَّ يتفوّه بأيّة كلمة، كمعجزة شفاء المرأة المنزوفة (متى 9: 20-22) في حين هنا أشرك يسوع إنسانيّته في عمله الإلهي: أشرك فمه الذي تكلّم، وقلبه الذي تنهّد، وعينَيْه اللتين وجّه بصرهما نحو السماء، وإصبعَيْه اللتين ادخلهما في أُذُنَيْ الأصَمّ، ولسانه الذي أعطى الأصَمّ شيئاً من لعابه. تُعيدنا هذه الحركات إلى رواية خلق الإنسان (تكوين 2: 7)، حيث يقوم الله بتشكيل مخلوقه بيديه، يجبله بالماء الّذي خلقه، ينفخ في أنفه نَفَس الحياة. وبهذا فقط يُصبح الإنسان كائناً حيّاً. ومن هذا المنطلق يرى مرقس الإنجيلي في المعجزة معنى رسالة يسوع المسيح بين البشر، وهي بداية جديدة، وحياة جديدة يحملها ويَمنحها للجميع، حياة شركة كاملة مع الكون والله (مرقس 1: 13).