رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
طوبيت 13 - تفسير سفر طوبيا
مقدمة صلاة طوبيا نداء إلى المسببين مناجاة لأورشليم وصفه لمدينة أورشليم الحواشي والمراجع مقدمة: نتقابل هنا مرة ثانية مع طوبيا وهو يصلى... ونلاحظ الفرق الشاسع ما بين هذه الصلاة وصلاته التي في الإصحاح 3: 1- 6 والتي فيها نجده يطلب من الله: 1 - أن يتغاضى عن خطاياه وخطايا أبائه والتي كانت سببًا مباشرًا في السبي من وجهة نظره في هذا الوقت. 2- ويعظم أعمال الرب وأنه سلمهم للسبى بسبب عدم سلوكهم أمامه بأمانة واستقامة. 3- ويطلب من الله أن يعلن مشيئته في حياته وإن كان يفضل الموت حيث نجده يقول (والآن يا رب بحسب مشيئتك اصنع بى ومر أن تقبض روحى بسلام لأن الموت لى خير من الحياة). أما في هذه الصلاة (13: 1- 10). 1 - نجده ينسب إلى الله العظمة في حين نجده ينسب إليه - أي إلى الله - في الصلاة السابقة العدل. 2- في الصلاة السابقة يعلن عن الله، أنه هو الذي يقوم بعملية التأديب فقط. أما في هذه الصلاة يعلن عن الله أنه هو الذي يقوم بالتأديب والصفح من حيث يقول: "لأنك أي الله تفرح وتشفى وتحدر إلى الجحيم وتصعد منه وليس من يفر من يدك". 3- وإن كان من قبل أعلن عن سبى اليهود كنوع من التأديب لهم بينما نجده في هذه الصلاة يعلن أنه شتتهم بين الأمم لكي يخبروا الأمم ويعرفونهم الإله الحقيقي معلنين لهم معجزاته، وأن هو الإله الوحيد القادر على كل شيء. 4- وإن كان في الصلاة السابقة يعلن عن عدل الله فيهم فنجده هنا يعلن عن بهائهِ ومجده وجلاله فيهم وبينهم. 5- ونجده أخيرًا يوجه نداءً لشعبة لكي يتوبوا ويرجعوا عن خطاياهم صانعين البر أمامه لكي يرحمهم ويعلن فرحه بإلهه. وعادة تتغير صلاة الإنسان حسب ظروف حياته ما بين حياته الروتينية، أو فشل، أو تجربة تحيط به، أو في نشوة الانتصار والفرح بعمل الله معه وفي حياته. وعادة يرى الإنسان وهو في التجربة أن الله غاضب عليه ولذلك يقوم بعملية تأديب له ولكن عندما تنقشع التجربة يجد أن الله سمح بها لهدف سامٍ جدًا ولم يكن تأديبه بسبب غضب الله بل بسبب رحمته به وهذا يوضح أن نظرة الإنسان عادةً متغيرة وليست ثابتة فسهل على الانسان أن يرى الأمور من منظار معين ولكن عندما يعيش فيها يرى أن نظرته كانت ضيقة الأفق أو أنه لا يستطيع أن يعيش حسبما كان يرى ولكن لابد له من أن يتوافق مع الحياة والأحداث الجديدة التي من حوله. صلاة طوبيا: يبدأ طوبيا صلاته بتمجيد الله فيقول: "عظيم أنت يا رب إلى الأبد وفي جميع الدهور ملكك" وعظمة الله تتجلى في قدرته على شفاء طوبيا من عماه وأيضًا في خلاص إسرائيل من السبي (طو 13: 11- 19) فنجد المرتل يقول: "عظيم هو الرب وحميد جدًا في مدينة ألهنا جبل قدسه جميل الارتفاع فرح كل الارض جبل صهيون فرح اقاصى الشمال مدينة الملك العظيم" (مز 48: 1، 2) ونجده ينسب هذه العظمة إلى الأبدية ويؤكد ذلك قائلًا: "وفى جميع الدهور ملكك" فملكوت الله ملكوت أبدى لا بداءة أيام له ولا نهاية ولا نجد أحد من كتبة الكتاب المقدس إلا وعبر عن هذه الحقيقة. فموسى النبي يقول: "الرب يملك إلى الدهور والأبد (خر 15: 18)". وداود يقول: "الرب بالطوفان جلس ويجلس إلى الأبد (مز10:29)". ويوحنا الرائى يقول في رؤياه: "وكل خليقة بما في السماء وعلى الأرض وتحت الأرض وما على البحر كل ما فيها سمعتها قائلة: "للجالس على العرش وللخروف البركة والكرامة والمجد والسلطان إلى الأبد الآبدين (رؤ 13:5)". وبعد ما بارك طوبيا الله ينتقل إلى عمله فيقول: "لأنك تجرح وتشفى وتحدر إلى الجحيم وتصعد منه وليس من يفر من يدك (طو 13: 2)" فنجد طوبيا هنا يشبه نفسه بالميت، نعم هو كان كذلك حيث أنه أصبح كفيفًا وبدد كل ماله على الأطباء ولم يستفد منهم شيئًا سوى عماه وفقره حتى أصبحت زوجته هي التي تعوله. ولا ننسى تأثير ذلك نفسيًا على رجل شرقى مثل طوبيا فالإنسان عندما يكون في تجربة لا يرى فيها سوى جرح نفسيته وكرامته، أما الله فيرى فيها شفاء بعد مرض وحياة بعد ممات. ولذلك نجده هو الذي أعلن ذلك عن نفسه فيقول على لسان موسى النبي "أنا أنا وليس إله معى أنا أميت وأحيى سحقت وإنى أشفى وليس من يدى مخلص (تث 32: 39)". ونجد هذا التعبير يتردد كثيرًا على لسان أبناء الله بصورة أو بأخرى، وخاصة بعد إنتهاء التجربة. فحنة أم صموئيل النبي تقول: "الرب يميت ويحيى يهبط إلى الهاوية ويصعد، الرب يفقر ويغنى، يضع ويرفع يقيم المسكين من التراب يرفع الفقير من المزبلة للجلوس مع الشرفاء ويملكهم كرسى مجده (1 صم 2: 6- 8)". واليفاز التيمانى يقول لأيوب: "طوبى لرجلٍ يؤدبه الله فلا ترفض تأديب القدير. لأنه يجرح ويعصب يسحق ويداه تشفيان (أى 5: 18)" أما هوشع يناجى بني إسرائيل قائلا: "هلم نرجع إلى الرب لأنه هو افترس فيشفينا ضرب فيجبرنا (هو 6: 1)". وإشعياء النبي يعبر عن ذلك قائلا: "ويكون نور القمر كنور الشمس ونور الشمس يكون كنور سبعة أضعاف كنور سبعة أيام في يوم يجبر الرب كسر شعبه ويشفى رض ضربة (إش 30: 26)" ويعبر عن ذلك بتعبير آخر قائلًا: "أنا الرب وليس آخر مصور النور وخالق الظلمة صانع السلام وخالق الشر أنا الرب صانع كل هذه (إش 45: 6، 7)" والمقصود بالشر هنا كما يقول الأب ثيؤدور في مناظرات يوحنا كسيان: "اعتاد الكتاب المقدس أن يستخدم تعبير (شرور وأحزان) على أنها ليست شريرة في طبيعتها وإنما دعيت كذلك لأنه يظن أنها شرور بالنسبة لمن لم تسبب لهم خيرًا" نداء إلى المسببين (طو13: 3- 10): ففى هذه الأعداد يعلن طوبيا عن التوازى الحادث بينه وبين قصة إسرائيل كشعب والتي لم تكتمل بعد كأحداث واقعية ولكنها مكتملة من خلاك طوبيا فحالة طوبيا هي تصوير واقعى لحالة الأمة الإسرائيلية المشتتة، فكما تنحى الله عن طوبيا بعض الوقت وتركه في تجربته يعانى آلام عديدة هكذا ترك الله الأمة الإسرائيلية تعانى من آلام السبي. ولكن رحمة الله لطوبيا وعائلته هو بمثابة ضمان بأن هذه الرحمة سوف تشمل اليهود أيضًا وتعود بهم مرة أخرى لأرضهم. ولذلك نجد طوبيا يوجه النداء التالي إلى المسبيين "اعترفوا للرب يا بني إسرائيل وسبحوه أمام جميع الأمم فإنه فرقكم بين الأمم الذين يجهلونه لكي تخبروا بمعجزاته وتعرفوهم أن لا إله قادرًا على كل شيء سواه هو أدبنا لأجل آثامنا وهو يخلصنا لأجل رحمته أنظروا الآن ما صنع لنا واعترفوا له بخوف ورعدة ومجدوا ملك الدهور بأعمالكم. أما أنا ففى أرض جلائى أعترف له لأنه أظهر جلاله في أمة خاطئة. ارجعوا الآن أيها الخطاة واصنعوا أمام الله برًا واثقين بأنه يصنع إليكم رحمة. أما أنا فنفسى تتهلل به. باركوا الرب يا جميع مختاريه أقيموا أيام فرح واعترفوا له". ولهذا نلاحظ التوازى في النداء السابق أيضًا فكما طوبيا حدث بجميع عجائب الله مع (طو 12: 22) يطلب منهم أن يخبروا بمعجزاته (طو 13: 4) ويؤكد طوبيا على أنه سوف يستمر هكذا (طو 13: 7). وكما هو بارك وسبح الله (طو 12: 22 - 13: 2) هكذا يناشدهم بأن يسبحوه أمام جميع الأمم (طو 13: 3- 10). وكما فرح هو بالله (طو 13: 9) يطالبهم بأن يقيموا أيام فرح (طو 13: 10). ونلاحظ هنا أنه يوضح سبب السبي قائلًا لهم: "فإن فرقكم بين الأمم الذين يجهلونه لكي تخبروا بمعجزاته وتعرفوهم أن لا إله قادرًا على كل شيء سواه (طو 13: 4)". فنجد أكبر مثال عملى على ذلك هم الذين تشتتوا من جراء الاضطهاد الذي حدث بأورشليم بعد رجم القديس إسطفانوس رئيس الشمامسة وأول الشهداء فجالوا مبشرين بالكلمة (أع 8: 4). ويقول في ذلك القديس لوقا كاتب الاعمال: "أما الذين تشتتوا من جراء الضيق الذي حصل بسبب استفانوس فاجتازوا إلى فينيقية وقبرص وأنطاكية وهم لا يكلمون أحدًا بالكلمة إلا اليهود فقط ولكن كان منهم قوم وهم قبرصيون وقيروانيون الذين لما دخلوا أنطاكية كانوا يخاطبون اليونانيين مبشرين بالرب يسوع وكانت يد الرب معهم فآمن عدد كثير ورجعوا إلى الرب (أع 11: 21:19)". وربما اليهود أخذوا بنصيحة طوبيا موضع الجد لذلك نجد السيد المسيح يقول عن اليهود في عصره "أنكم تطوفون البحر والبر لتكسبوا دخيلًا واحدًا (مت 23: 15)". ونجد طوبيا يلفت نظر المسبيين إلى عمل الله معه قائلًا لهم: "أنظروا الآن ما صنع لنا واعترفوا له بخوف ورعدة ومجدوا ملك الدهور بأعمالكم (طو 13: 6)". فمن من آلهة الأمم يستطيع أن يفتح أعين العمى أو يطرد الشياطين كما حصل مع سارة كنته وكأن طوبيا يقول للمسبيين: لا تأخذكم مناظر العبادة الوثنية وتسلب عقولكم وتنسوا أنها مجرد قطع فنيه وإن انبهرتم فانبهروا بفنها وبقدرة الفنان الذي قام بتشكيلها بهذه الروعة. وإياكم تنخدعوا بها فها هي لا تستطيع شيء. أما إلهنا فليس سواه قادر على كل شيء (طو 13: 4). فذلك يجب عليكم أن تعترفوا له بخوف ورعدة لأنه هو فاحص القلوب والكلى فإن كان هو مجَّد ذاته من خلال عمله معنا فيجب علينا نحن أيضًا أن نمجده من خلال أعمالنا وكما يقول معلمنا بطرس الرسول: "أن تكون سيرتكم بين الأمم حسنه لكي يكونوا في ما يفترون عليكم كفاعلى شر يمجدون الله في يوم الافتقاد من أجل أعمالكم الحسنة التي يلاحظونها (1 بط 2: 12)". ويقول معلمنا بولس الرسول: "هذا أصليه أن تزداد محبتكم أيضًا أكثر فأكثر في المعرفة وفي كل فهم حتى تميزوا الأمور المتخالفة لكي تكونوا مخلصين وبلا عثرة إلى يوم المسيح مملوئين من ثمر البر الذي بيسوع المسيح لمجد الله وحمده (في 1: 9- 11). آه..... أين نحن يا رب من كل ذلك؟! أنت قلت "فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السموات" (مت 5: 16). فها هو نورنا قد أصبح ظلامًا... لأن الأخ يحاول أن يغتصب حقوق وميراث أخيه. وأصبحت المحاكم العالية تضج بسبب شكوانا.. وليس ذلك فقط. أنما أصبحنا نشاكل العالم في كل شيء... واصبح من العسير علينا أن نوضح صورة أولادك من أولاد العالم. فهل نحن الآن نستطيع أن نتقبل الظلم... والاهانة... والشتيمة؟! هل نستطيع أن نقدم الخد الآخر؟!! أصبح العالم الآن لا يفترى علينا كفاعلى شر.... لأننا بدأنا نشابهه في كل شيء. قديمًا كان العالم عندما يرى أحد المؤمنين يتغير.... ويتحول إلى إنسان مسالم من مجرد الرؤية فقط. أما الآن فهل يستطيع أن يقول عنا: "حقًا أن الله فيهم (1 كو 14: 25)"؟! أرجوك يا رب لا تجعلنا ننسى أننا أبنائك ولابد لنا أن نختلف عن العالم في كل شيء في كلامنا ونظرتنا.... في عملنا وحياتنا.... في أمورنا وفي فكرنا. ولا يكتفى طوبيا بلفت نظر المسبيين بتمجيد الله من خلال أعمالهم. ولكنه يستحثهم على التوبة قائلًا لهم: "ارجعوا الآن أيها الخطاة واصنعوا أمام الله برًا واثقين بأنه يصنع إليكم رحمة (طو 8:13)"، أنه النداء الذي يرسله الله في كل مرة مع كل من يتكلم بفمه ولسانه. ونجده يربط ما بين التوبة ورحمة الله مستعملًا كلمة واثقين. ما أجملها كلمة...... فكم من نفس يشككها الشيطان في رحمة الله، وغفرانه، وصفحه مهما كانت نوعية الخطية وقبحها من وجهة نظرنا. فلا توجد خطية بلا غفران سوى التي بلا توبة ولذلك نجد إشعياء النبي يقول: "هلم نتحَجج يقول الرب إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيض كالثلج. إن كانت حمراء كالدودى تصير كالصوف (إش 18:1)"، وإرميا النبي يقول: "في تلك الأيام وفي ذلك الزمان يُطْلَبْ أثم إسرائيل فلا يكون وخطية ليهوذا فلا توجد لأنى أغفر لمن أبقيه (إر 20:50)". وأما ميخا النبي يناجى الله ويعبر عن ذلك قائلًا: "من هو إله مثلك غافر الإثم وصافح عن الذئب لبقية ميراثه لا يحفظ إلى الأبد غضبه فإنه يسر بالرأفة. يعود يرحمنا يدوس آثامنا وتطرح في أعماق البحر جميع خطاياهم (مى 7: 18، 19)" أما القديس يوحنا الحبيب فأنه يعلن عن مغفرة الله لخطايانا قائلًا: "أكتب إليكم أيها الأولاد لأنه قد غفرت لكم الخطايا من أجل اسمه (1 يو 2: 12)". ويؤكد على عمل التوبة كوسيلة للغفران فيقول: "إن سلكنا في النور كما هو في النور فلنا شركة بعضنا مع بعض ودم يسوع ابنه يطهرنا من كل خطية. إن قلنا أنه ليس لنا خطية نضل أنفسنا وليس الحق فينا إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل أثم (1 يو 1: 7- 9). فالسيد المسيح جاء إلى العالم لكي يبررنا فلا ننخدع بحيل ابليس وننساق إلى كلامه. وإنما نتقدم إلى السيد المسيح واثقين أنه يصنع معنا رحمة مثلما صنع مع القديسة مريم المصرية والقديس موسى الاسود وغيرهم الكثير... مناجاة لأورشليم (طو 13: 11- 18): بعدما قدم طوبيا نداءً للمسبيين نجده يناجى أورشليم قائلًا: "يا أورشليم مدينة الله إن الرب أدبك بأعمال يديك (طوبيا 13: 11)". فطوبيا هنا مثل جميع الأنبياء الذين أعلنوا حتمية تأديب أورشليم بسبب أعمالها فمثلا نجد إرميا يقول لها: "طريقك وأعمالك صنعت هذه لك هذا شرك (إر 4: 18)". ومرة أخرى يقول لهم أي لليهود الساكنين بها: "آثامكم عكست هذه وخطاياهم منعت الخير عنكم (إر 5: 25)". وأما باروخ تلميذه فيقول على لسانها: "لا يشمتن أحد بى أنا الأرملة التي ثكلت كثيرين فإنى قد أوحشت لأجل خطايا بني لأنهم زاغوا عن شريعة الله (با 4: 12)". وميخا النبي يقول: "ولكن تصير الأرض خربة بسبب سكانها من أجل ثمر أفعالهم (مى 7: 13)". نعم يا رب كم هو مخيف الوقوع في يديك (عب 10: 31). ولذلك ليت تكون لنا آذان صاغية ونسمع تحذير معلمنا بولس الرسول الذي يقول: "فإنه إن أخطأنا باختيارنا بعدما أخذنا معرفة الحق لا تبقى بعد ذبيحة عن الخطايا قبول دينونة مخيف وغيرة نار عتيدة أن تأكل المضادين... فكم عقابًا أشر تظنون أنه يحسب مستحقًا من داس ابن الله وحسب دم العهد الذي قدس به دنسًا وأزدرى بروح النعمة. فإننا نعرف الذي قال لى الانتقام أنا أجازى يقول الرب، وأيضًا الرب يدين شعبه (عب 10: 26-30)". ولا ننسى مع كل ما حدث لأورشليم مازال طوبيا يدعوها مدينه الله. ولذلك قام الله بعملية تأديب لها وفي هذا يقول الحكيم: "يا ابني لا تحتقر تأديب الرب ولا تكره توبيخه لأن الذي يحبه الرب يؤدبه وكأب بابن يسر به (أم 3: 11-12)". "اشكرى لله نعمته عليك وباركى إله الدهور حتى يعود فيشيد مسكنه فيك (طو 12:13)". المقصود بنعمته هنا هو تجربة سبى شعبها. فإن كان معلمنا بولس الرسول يقول عن الآلام أنها هبة من الله (في 29:1) فطوبيا يعتبر هذه الآلام أنها نعمة ولابد من الشكر عنها. ولهذا يقول الرسول: "بل نفتخر أيضًا في الضيقات عالمين أن الضيق ينشئ صبرًا والصبر تزكية والتزكية رجاء والرجاء لا يخزى لأن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا (رو 5: 3- 5)". ولذلك يناشدنا أن نشكر الله قائلًا: "شاكرين كل حين على كل شيء في اسم ربنا يسوع المسيح لله والآب (أف 5: 30)". فطوبيا الذي ذاق عمل الشكر في آلامه (طو2: 13-14) نجده يقدمها كنصيحة لكي يمارسها شعب أورشليم لكي يتحنن الله عليهم وينهى تجربتهم ويرد سبيهم مرة أخرى فإن كان الله يغلب من تحننه بسبب دموعنا حتى قال: "حولى عنى عينيك فإنهما قد غلبتانى" (نش 5:6) فكم بالحرى يغلب بسبب شكرنا له في وسط آلامنا وأحزاننا. وصفه لمدينة أورشليم (طو 13: 19- 23) نجد هنا تشابهًا شديدًا جدًا بين طوبيا ومعاصره إشعياء النبي في وصف أورشليم السمائية ولكننا نجد التطابق على أشده في سفر رؤيا يوحنا اللاهوتى (رؤ 21: 19-25) فإشعياء يقول عنها: "أيتها الذليلة المضطربة غير المتعزية هأنذا أبنى بالإثمد حجارتك وبالياقوت الأزرق أؤسسك وأجعل شرفك ياقوتا وأبوابك حجارة بهرمانية كل تخومك حجارة كريمة (إش 54: 11، 12)". ونجد طوبيا يقول: "طوبى لى إن بقى من ذريتى من يبصر بهاء أورشليم أبواب أورشليم من ياقوت وزمرد وكل محيط أسوارها من حجر كريم وجميع أسواقها مفروشة بحجر أبيض نقى وفي شوارعها ينشد هللويا (طو 13: 20-22)". فنجد طوبيا هنا كما إشعياء لم يستعمل كلمة لؤلؤة والتي أستعملها يوحنا الحبيب والتي لم تظهر إلا في أيام أسكندر الأكبر(1) وهذا أحد الأدلة الداخلية التي تشير إلى زمن كتابة السفر أنه سبق القرن الثالث قبل الميلاد بكثير. ونجد أن إشعياء وطوبيا يقولان أن أورشليم لها أبواب كثيرة دون تحديد عدد لها. في حين أن القديس يوحنا اللاهوتى يحدده بأثنى عشر بابا وذلك يرمز لعظمة واتساع المدينة من ناحية، وكثرة عدد الداخلين إليها من ناحية أخرى. ونجد أن طوبيا ويوحنا الحبيب فقط أي دون إشعياء النبي يحددان أن للمدينة أسورًا. والسور رمز لحماية الله لأولاده (زك 2: 5). ونجد أن طوبيا يقول عنه أنه من حجر كريم. في حين أن يوحنا الرائى يجعله من أثنتى عشر نوعًا على عدد أسماء أسباط بني إسرائيل الإثنى عشر (زك 2: 5). ونجد أيضًا كلًا من يوحنا الرائى وطوبيا يعلن عن أن المدينة لها أسواق(2) - والمقصود بالسوق هنا هو ميدان أو مكان للتجمع وليس المقصود به أطلاقًا مكان للبيع أو الشراء- وفي حين أن يوحنا الحبيب يصفه أنه من الذهب النقى كزجاج الشفاف نجد أن طوبيا يشبهه من حجر أبيض نقى واللون الأبيض يشير للطهارة وهذا الاختلاف ناتج عن أنهم يرون شيئًا سماويًا واللغة البشرية عاجزة عن التعبير عنه (قارن 2 كو 4:12)، ولذلك نجد أن القديس يوحنا الحبيب يستعمل كلمة (شبه) كثيرًا جدًا في رؤياه. فطوبيا يشير إلى الأبواب أنها من الياقوت والزمرد. في حين أن يوحنا الحبيب يجعل كل باب عبارة عن لؤلؤة واحدة، والياقوت ذكر منه القديس يوحنا نوعين أحدهما الأزرق والآخر الأصفر، فاللون الأزرق هو لون السماء حيث يعلن أنها سماوية أما الأصفر فهو حجر شفاف أخضر ويعتز به العبرانيون ومن خصائصه تزيده النار لمعانًا، رمز للبصيرة المستنيرة ويقول عنه أيوب أنهم كانوا يجلبونه من الحبشة (أى 11:28). أما الزمرد فيذكر منه القديس يوحنا البشير والرائى نوعان أيضًا الزمرد ذبابى وهو حجر لونه أخضر ويرمز إلى النمو في النعمة والآخر الزمرد السلفى وأفضل أنواعه من كان له لون زرقة البحر عندما يكون صافى ويرمز للهدوء والصفاء. ويقول طوبيا: "طوبى لى إن بقى من ذريتى من يبصر بهاء أورشليم (طو 20:13)" فطوبيا هنا يعلن عن بهاء أورشليم في حين أنه لم يصف هذا البهاء الذي قام بوصفه كل من القديس يوحنا الحبيب، وإشعياء النبي في الإصحاحات من 55 إلى الإصحاح الستين ويقول في ذلك: "قومى إستنيرى لأنه قد جاء نورك ومجد الرب أشرق عليك. لأنه ها هي الظلمة تغطى الأرض والظلام الدامس الأمم. أما عليك فيشرق الرب ومجده عليك يري. فتسير الأمم في نورك والملوك في ضياء إشراقك... اجعلك فخرًا أبديًا فرح دور فدور.. الرب يكون لك نورًا أبديًا والهك زينتك (إش 60: 1- 3، 15، 19)". وفي موضع آخر يقول: "حينئذ ينفجر مثل الصبح نورك وتنبت صحتك سريعًا ويسير برك أمامك ومجد الرب يجمع ساقتك.. يشرق في الظلمة نورك ويكون ظلامك الدامس مثل الظهر (إش 58: 8، 10)" ويقول أيضًا "الرب الهك وقدوس إسرائيل... قد مجدك) (إش55: 5)". أما القديس يوحنا الحبيب فيصف هذا البهاء قائلًا: "وأنا يوحنا رأيت المدينة المقدسة أورشليم الجديدة نازلة من السماء من عند الله مهيأة كعروس مزينة لرجلها. وسمعت صوتًا عظيمًا من السماء قائلًا: هوذا مسكن الله مع الناس وهو سيسكن معهم وهم يكونون له شعبًا والله نفسه يكون معهم إلهًا لهم، وسيمسح الله كل دمعة من عيونهم... ولم أر فيها هيكلًا لأن الرب الله القادر على كل شيء هو والخروف هيكلها. والمدينة لا تحتاج إلى الشمس ولا إلى القمر ليضيئا فيها لأن مجد الله قد أنارها والخروف سراجها وتمشى شعوب المخلصين بنورها وملوك الأرض يجيئون بمجدهم وكرامتهم إليها وأبوابها لن تغلق نهارًا لان ليلًا لا يكون هناك ويجيئون بمجد الأمم وكرامتهم اليها ولن يدخلها شيء دنس.... ولا تكون لعنة ما في ما بعد وعرش الله والخروف يكون فيها... ولا يكون ليل هناك ولا يحتاجون سراج أو نور شمس لأن الرب الإله ينير عليهم وهم سيملكون إلى أبد الآبدين (رؤ 21: 2- 4، 22- 27& 22: 3، 5)". ويختم طوبيا هذا الوصف قائلًا: "وينشدون في شوارعها هللويا (طو 23:13)". فإن طوبيا يأتى بختام التسبيح وهي لفظة "هللويا" وتعنى إحمدوا الرب. ونجد القديس يوحنا الحبيب يشير أن التسبيح في السماء سيكون محوره هو خلاص الله لشبعه، لذلك نجد أولاد الله في السماء وهم حاملين قيثارات الله وهم يرتلون ترنيمة موسى عبد الله (خر 15: 1- 21). وترنيمة الخروف قائلين: "عظيمة وعجيبة هي أعمالك أيها الرب الإله القادر على كل شيء عادلة وحق هي طرقك يا ملك القديسين. من لا يخافك يا رب ويمجد اسمك لأنك وحدك قدوس لأن جميع الأمم سيأتون ويسجدون أمامك لأن أحكامك قد أظهرت -هللويا الخلاص والمجد والكرامة والقدرة للرب إلهنا لأن أحكامه حق وعادلة- وقالوا ثانية: هللويا... وخَرَّ الأربعة والعشرين قسيسًا والأربعة الحيوانات وسجدوا لله الجالس على العرش قائلين: آمين. هللويا. وخرج من العرش صوت قائلًا سبحوا لإلهنا يا جميع عبيده الخائفيه الصغار والكبار. وسمعت كصوت جمع كثير وكصوت مياه كثيرة وكصوت رعود شديدة قائلة: هللويا فإنه قد ملك الرب الإله القادر على كل شيء لنفرح ونتهلل ونعطه المجد لأن عرس الخروف قد جاء وامرأته هيأت نفسها وأعطيت أن تلبس بزًا نقيًا بهيًا (رؤ 15: 4، 19: 1- 7). وفي موضع آخر يرنمون قائلين: "مستحق أنت أن تأخذ السفر وتفتح ختومه لأنك ذبحت واشتريتنا لله بدمك من كل قبيلة ولسان وشعب وأمة (رؤ 9:5)". _____ الحواشي والمراجع(1) تفسير الكتاب المقدس لمجموعة من الاهوتيين برئاسة الدكتور فرنسس داندس. (2) يصف القديس يوحنا الرائى أن بأورشليم نهر في وسط السوق ومن المعروف أن اللغة اليونانية التي ترجم اليها السفر وترجم عنها بعد ذلك لا يوجد بهما مثني أي مفرد وجمع فقط ولذلك نجد طوبيا يذكر أسواق بدلًا من شطرى السوق التي على ضفتى النهر. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
طوبيت 12 - تفسير سفر طوبيا |
طوبيت 5 - تفسير سفر طوبيا |
طوبيت 4 - تفسير سفر طوبيا |
طوبيت 3 - تفسير سفر طوبيا |
طوبيت 2 - تفسير سفر طوبيا |