رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
كنوز في السماء
لقداسة البابا شنوده الثالث كل ما في السماء كنوز، لا تخطر على قلب بشر. وكلها قد أعدَّها اللَّه للأبرار، مكافأةً لهم على ثباتهم في الفضيلة، وعلى جهادهم الروحي وانتصاراتهم على كل إغراءات الشيطان وحيله، هو وكل أعوانه. ولكنني في هذا المقال لست أقصد الكنوز التي أعدَّها اللَّه ـ تبارك اسمه ـ ، إنَّما أقصد ما يكنزه الإنسان لنفسه في السماء، بأنواع وطُرق شتَّى سوف نتحدَّث عنها... وسعيد هو الإنسان الذي لا يركِّز كل اهتماماته وجهده على كنوز يكنزها ههنا في الأرض، كأموال في البنوك، أو عقارات وأبنية، أو أرضٍ يمتلكها، أو مصانع وشركات، أو ما شاكل ذلك من المقتنيات الأرضية ... إنما يكون له نصيب أيضاً فيما يجب أن يقتنيه في السماء وما يكنزه هناك. فلماذا يكون هذا؟ وكيف؟ إكنز لك كنوزاً في السماء، لأن كل ما في الأرض هو فانٍ لا يدوم. وكل ما تقتنيه فيها، لن تأخذه معك يوم تترك هذه الأرض مهما طال عمرك. لذلك عليك أن تضع أمامك ميزاناً يُفرِّق بين الفانيات والباقيات: ما تأخذه معك، وما تتركه لغيرك، أردت أو لم ترد... قد يقول البعض: " أنا ـ إن تركت العالم ـ فكل ما أقتنيه سأتركه لأولادي وأفراد عائلتي. وهكذا لن يضيع مني شيء " وطبعاً هذا أمر مقبول لا يُعارضه أحد، فأنت مسئول عن أولادك مسئولية اجتماعية أمام اللَّه والناس. ولكن هذا لا يمنع من أن تُقدِّم جزءاً من أموالك للغير. والحكمة تقول لنا جميعاً: " افعلوا هذه، ولا تتركوا تلك. ومحبة كل إنسان للخير ينبغي أنها لا تقتصر على أولاده، بل تكون شاملة. لأنه قد يكون الغير محتاجاً إلى المعونة أكثر من أولادك... كما أنك لا تضمن أولادك هل يحسنون التَّصرُّف في مالك أم يسيئون؟ فإن كانوا حكماء وميَّالين إلى عمل الخير، سوف تنال نصيباً في السماء من أجرهم. وإن كانوا عكس ذلك، وضيَّعوا المال بعيش مُسرف أو في ما لا يليق، تكون قد خسرت كل شيء. وعلى كل حال، فالأمر المضمون، هو أن تفعل خيراً للآخرين في حياتك مباشرةً. كذلك ينبغي أن تعرف أن كل المال الذي لك، وكل الخيرات التي منحك اللَّه إيَّاها، أنت مُجرَّد وكيل عليها لكي تستخدمها في الخير. وسوف تقدم عنها حساباً أمام اللَّه الذي سيقول لك هنا وفي الأبدية: " اعطني حساب وكالتك" واذكر دائماً الحكمة التي تقول: " ما عاش مَن عاش لنفسه فقط ". فأنت تعيش يا أخي في مجتمع له حقوق عليك، ولابد أن تقوم بواجبك. فاكتنازك كل أموالك لنفسك، دون أن تعطي منها لغيرك وبخاصة للمحتاجين منهم، هو لون من الأنانية والالتفاف حول الذات، لا أقبله لك، ولا يجوز أن تقبله لنفسك... حسنٌ أن يسعد الإنسان في حياته، ولكن الأفضل من هذا، أن يُسعِد غيره. وبإسعاده للغير سوف يشعر بسعادة أكثر وأسمى. ولهذا الأمر فائدتان: فالذي يُسعِد غيره من ماله له أجر في السماء. وكل ما يدفعه يصير كنزاً له في الأبدية. وكأنه بهذا يحوِّل المال الأرضي الفاني إلى ما يسمونها " عملة صعبة " أعني سمائية. أمَّا الفائدة الثانية، فهي أنَّ هؤلاء الذين يسعدهم سوف يدعون له بالخير، ويُصلُّون من أجله، ويقبل اللَّه صلواتهم لأنها من قلوبهم... نقطة أخرى، وهى أنك إن أنفقت جزءاً من أموالك سوف يبارك اللَّه الباقي، وستجد أن مالك ـ بالعطاء ـ قد زاد ولم ينقص، إذ قد دخلت البركة بما قدمته لغيرك من الخير. وبخاصة في هذا العصر الذي انتشر فيه الغلاء وارتفعت الأسعار بطريقة لا يحتملها الكثيرون. واعرف أن كل معونة مالية تُقدّمها لمحتاج، لا ينساها لك اللَّه، بل أنه يعينك في حياتك كما أعنت غيرك... وتأكَّد تماماً أن ماليتك الحقيقية ليست هى مُجرَّد رصيدك في البنوك، أو ما تذخر به خزائنك. إنما رصيدك الحقيقي أمام اللَّه هو عدد الذين أسعدتهم بمعوناتك لهم، ومساهمتك في رفع الضيق عنهم، تُرى كم هم؟ أيضاً من الكنوز التي لك في السماء، ما ساهمت به في حَل مشاكل الناس، ومقدار جهدك في إراحة غيرك. حاول إذن أن تريح غيرك على قدر ما تستطيع، مِن كل مَن سمح اللَّه أن تقابلهم في طريق الحياة، أو مَن يقصدونك ولهم عشم فيك أن تصنع معهم خيراً. لهذا فكل وظيفة تعمل فيها، أو كل مسئولية تُعهد إليك، إتخذها بقدر استطاعتك مجالاً لعمل الخير وإراحة الناس حسب ما يسمح به اختصاصك. وفي هذا، أتذكَّر أنني قلت ذات مرَّة إنَّ الموظف النبيل يجد حلاً لكل مشكلة تصل إليه. أمَّا الموظف المُعقَّد فإنه يحاول أن يخلق مشكلة لكُلِّ حلٍّ، فيُعقِّد الأمور حسب نوع نفسيته! وثق أن سُمعتك سوف تتبعك بعد ترك الوظيفة أو المسئولية، ويصدر الناس أحكاماً من جهتك يجمعون عليها، فيحكمون على شخصيتك حسب ما فعلته... اكنز لك أيضاً حياة فاضلة، فإنَّ أعمالك ستتبعك وتقف أمامك في يوم الدينونة الرهيب. فيا ليت حياتك تكون كلها خيراً، لك ولكل الناس. وإن لم يكن لك ما تُقدِّمه من مال للغير، فعلى الأقل قدِّم لهم كلمة طيبة، أو ابتسامة رقيقة، أو تشجيعاً أو مواساة. وثِق أنَّ هذا كله سيكون مكنوزاً لك في السماء. هناك أشخاص كنزوا لهم في السماء مشروعات نافعة للبشرية كلها، أو قدّموا من عملهم وسائل لعلاج المرضى أو لتخفيف آلامهم، أو مشروعات تساعدهم على العيش. أو بعض كتَّاب قدَّموا من إنتاجهم الفكري ما يفيد الآخرين. إن كان الأمر هكذا، فماذا نقول إذن عن الذين يخافون أن يعطوا لئلا تنقص أموالهم، وهُم يريدونها أن تزيد وتنمو؟! بل ماذا نقول عن الذين يكنزون لأنفسهم أعمالاً شريرة تكون سبباً في هلاكهم أو طباعاً رديئة لا يشاءون أن يُغيِّروها؟ أخيراً أحب أن أسألك أيها القارئ العزيز: ماذا كنزت لنفسك في السماء؟ ما هو رصيدك فيها؟... |
|