الحياة الرهبانية حياة توبة
لا خلاص من دون توبة. التوبة (باليونانية Metanoia) تعني تحولاً في الإنسان، انتقالاً من حالة إلى حالة. "أنسى ما ورائي وأمتد بكل نفسي إلى ما أمامي" (فيلبي 13:3). إنها السعي نحو الله لا ينقطع، الله هو الحقيقة الوحيدة التي لا يُشبع منها، وفي التوبة جوع إلى الله وعطش إليه لا حدّ لهما. النفس بطبيعتها تريد الله وتحبه. كل سعادة غير الله تُستنفد وتنتهي لأنها محدودة، النفس في ملذات العالم تفتقر بدلاً من أن تستغني، وتفقد حريتها وقوتها. سعادة العالم سعادة مزيّفة ولذلك نرى العالم فريسة للقلق والجزع: السلام هو في الله اللامتناهي. النفس الني تنهمك في الأهواء تفرغ وتموت، و"نسك" الراهب ليس سوى حرب ضد موت الأهواء. إن التوبة كما اختبرها القديسون وعبّروا عنها في الكنيسة تجمع دائماً بين ضدين: الشعور بخطيئة الإنسان وصغره من جهة والشعور بقداسة الله وعظمته من جهة ثانية. فهنالك الكثير في الصلوات الكنيسيّة الأرثوذكسية ترداد لكلمة يا رب ارحم. صلاة يسوع هي طلب للرحمة: يا ربي يسوع المسيح ارحمني أنا الخاطىء. لأن التوبة هي عمل مستمر. إن كل "وصول" إلى الله صنم وعبادة أوثان، و"الحصول على الله هو بالضبط التفتيش عنه دون انقطاع (غريغوريوس النيصصي). وهذا لا يتوقف بعد الموت بل يستمر في الحياة الآخرة، وليست حياة الراهب سوى تذوّق مسبق لطعم الأبدية. على الراهب أن لا يقف أبداً في عمل التقدم الداخلي وألا ينتظر نتيجة ومفعولاً لجهاده حتى الموت.