عاصفة جهل الإنسان (أي 38: 8-11) ينتمي سفر أيّوب إلى الكتب الحكميّة سواء بالكتب المقدسة العبريّة أم المسيحيّة، وهنا يقدم الكاتب الحكميّ عدة خطابات على لسان الرّبّ الإله ليؤكد الجهل البشريّ. فقد كان أيّوب إنسان بشريّ ككلّ إنسان، وما يشير إليه أليهو الشاب في أقواله لأيّوب وأصدقائه الثلاثة لجهلهم عن حقيقية الله والّذي بدأ في هذا التوبيخ من الإصحاح الثاني والثلاثون حينما بدأ الشاب أليهو إعلان رأيّه صراحة فيما يسمعه من أيّوب 32: 1 وحتى 37: 24 يفتتح الكاتب خُطب أليهو الشاب مقارنة بأيّوب وأصدقائه الثلاث، فهو أصغرهم: «... فغَضِبَ أَليهو بنُ بركْئيلَ البوزِيّ، مِن عشيرةِ أَيَّام. غَضِبَ غَضَبًا شَديدًا على أيّوبَ، لِزَعمِه أَنه أَبَرُّ مِنَ الله. وأَجابَ أَليهو بنُ بَرَكْئيلَ البوزيّ وقال: "إِنِّي صَغيرٌ في الأَيَّام وأَنتُم شُيوخ. [...] لِذلِك قُلتُ: اسمَعوا لي فأُبدِيَ أَنا أَيضًا عِلْمي» (32: 1- 10). مما يعني أنّ ما نقرأه قبلاً على لسان أليهو صديق أيّوب الّذي بدأ حواره مع أيّوب قائلاً: «ثُمَّ واصَلَ أَليهو كَلامَه وقال: ...» (أي 36: 1). وهذا يكشف حقيقة إله بني إسرائيل من جانب وحقيقة جهلنا البشريّ بهويّة الإله الّذي يعبده بني إسرائيل دّون أنّ يعرفه من جانب آخر داعيًا إلى الثقة بالرّبّ الإله أكثر من الثقة بالذات. لذا تفتتح الآيات القليلة هذا النص بتساؤل بلاغي ولّاهوتي هام حيث يتواصل كاتب سفر أيّوب الحكمي في إعلان أوّل الخطابات الإلهيّة حيث نقرأ على لسان الرّبّ الخطاب مُطّول من الآيات يحويّ 38: 1- 40: 5. يكشف تساؤل الكاتب بأوّل الخطاب بقوله: «فأَجابَ الرَّبُّ أَيُّوبَ مِنَ العاصفَةِ وقال: ...» (أي 38: 1).
من خلال قراءتنا لما تمّ سرده، من تحذيرات أليهو الشاب لأيّوب، أيّوب هو الّذي يُمثلنا اليّوم، وقبل التعمق في النص المختار، حيث بدأ أيّوب بالخروج من ذاته وإكتشاف لا ثقته بالرّبّ وجهله أمام حقيقة الإله الّذي كان يعتقد إنه يعبده. من هنا نسمع الصوت الإلهي من قلب العاصفة قائلاً: «مَن حَجَزَ البَحرَ بِمِصراعَين حينَ اندَفَع خارِجًا مِنَ الرَّحِم إِذ جَعَلت الغَمامَ لِباسًا لَه والغَيمَ المُظلِمَ قِماطًا وفَرَضتُ عليه حُكْمي وجَعَلتُ لَه مَغاليقَ ومِصراعَين وقُلتُ: إِلى هُنا تأتي ولا تَتَعَدَّىوهُنا يَقِفُ طُغْيانُ أَمواجِكَ؟» (أي 38: 8-11). من خلال هذه الكلمات يكشف الكاتب عن صوت الّربّ الإله الّذي يقترب من الإنسان بذاته يعلن عن ذاته كخالق، يثق بالإنسان ويمدّه بقوته الإلهيّة مشيراً إلى قدرته وسلطانه ليس للدفاع عن ذاته بالطبع ولكن ليُعرفنا نحن خلائقه ويكشف لنا عن جوهره. وأنا وأنت هل نعرف الإله الّذي نعبده أم نعتقد إننا نعرفه؟ يأتي صوت الرّبّ في قلب عاصفة أيّوب ليحرره، أالازال يأتي ونسمعه في عواصف أيّامنا؟