ملامح الوحدة بين المؤمنين والله وبين المؤمنين وبعضهم
1- وحدة الهدف:
لاشك أن الهدف الواحد لكل جماعة المؤمنين هو عماد هذه الوحدة وأساسها فالكل يجتمع لأجل الثبات في المسيح "من يأكل جسدي ويشرب دمى يثبت في وأنا فيه.. وكذلك يقول القديس إيريناؤس: "إذ نحن نقدم ما له نعلن على الدوام تبعيتنا واتحادنا بالجسد والروح".. فالهدف الواحد الذي هو تبعية الله وكذا الاتحاد به ومعه يشغل كل المؤمنين لذا يقول القديس أغسطينوس "كل من يفصل نفسه عن الكنيسة ولا يجتمع مع الجماعة وقت تقديم الذبيحة فهو يحسب مذنبًا" بل يقول ذهبي الفم: "من لا يشترك في الأسرار إنما يجلس في وقاحة"... 2- وحدة المصالحة والسلام مع الجميع:
يقول الكتاب المقدس: "إن قدمت قربانك على المذبح وهناك تذكرت أن لأخيك شيء عليك فاترك قربانك قدام المذبح واذهب أولًا اصطلح مع أخيك وحينئذ تعالى وقدم قربانك" (إنجيل متى 5: 23 – 24) فإن كانت هذه هي الوصية المطلوب تنفيذها لتكون تقدمة القربان مقبولة لدى الله فبالأحرى يتطلب التناول من القربان أن نكون في حالة صلح وسلام مع الله ومع أنفسنا ومع الآخرين.. فالقلب الذي سيحل فيه رب المجد يجب أن يكون قلبًا نظيفًا خاليًا من شوائب البغضة والخصام والضغينة تجاه الآخرين.. لذلك يقول الكاهن: "اجعلنا مستحقين كلنا يا سيدنا أن نقبل بعضنا بعضًا بقبلة مقدسة لكي ننال بغير انطراح في الحكم من موهبتك غير المائتة السمائية بالمسيح يسوع ربنا".. وكان قديمًا بعد غسل الكاهن يديه وخروج الموعوظين وقبل بدء قداس المؤمنين كان الشماس يصيح للشعب قائلًا: "ولا يدع أحد في قلبه لأحد وجدًا (أحيانًا تذكر "دغلًا" أي حقد أو بغضة أو خصام) ولا يقف أحد هنا برياء كونوا قديسين مستقيمين إلى الرب ولنقف بخوف ورعدة" (رسل 1 – 52).. وهنا يقول القديس يعقوب السروجي: الملائكة يحجبون وجوههم لئلا ينظروا إليه والطين الحقير يكشف وجهه حين ينظر فيه".. 3- وحدة القراءات والفكر الواحد:
تقدم ليتورجية القداس الفكر الواحد والذي يكون ملمح من ملامح الوحدة لكل جماعة المؤمنين إذ لا تكف الكنيسة في الليتورجية عن الصلاة لعريسها لكيما يلهمنا خلال القراءات والعظات إعلانًا رسوليًا للخلاص.. بطريقة مثمرة.. فالكنيسة إذ تختفي في الرب يسوع لكي يعلن من خلالها الإنجيل الحي للجميع.. ويلاحظ كل يوم وجود خط روحي قاسم مشترك بين قراءات اليوم.. إذ تتفق القراءات جميعًا في إعلان شخص مخلصنا يسوع وعمله الخلاصي ومركزه في حياتنا ولكن بطريقة منظمة فأحيانًا تقدم الليتورجية قراءات يومية احتفالًا بشهيد أو قديس في أيام التقويم العادية وأحيانًا تحدثنا عن التجسد أو الصليب أو القيامة أو الصعود أو المجيء الثاني وأحيانًا عن حياة الفضيلة من خلال القدوة والقديسين وأحيانًا تقدم لنا حياة السيد المسيح وكذا خدمته و معجزاته وتعاليمه اللازمة لكل نفس فالكل يشغله الفكر الواحد الذي يربط كل الأذهان في وحدة واحدة. يقول القديس إيريناؤس "بالرغم من انتشار الكنيسة في كل المسكونة لكنها تعمل باجتهاد كأنها تسكن في بيت واحد وبالإجماع تؤمن بهذه الأمور الإيمانية كأن لها روح واحد وقلب واحد!! إنها تعلن هذه الأمور والتي تكرز بها وتنادى كما لو كانت تتحدث بفم واحد".. 4- وحدة الألحان والنغمات الليتورجية..
إن اللحن الواحد والنغمات المتناسقة سمة مميزة لحياة التسبيح في الليتورجيات بصفة عامة وليتورجية القداس بصفة خاصة إذ أنها تمثل عامل هام لتوحيد الكنيسة كلها وجعلها جسمًا واحدًا مترابط الحركة والأداء علاوة على بركة إثارة الحمية والغيرة المقدسة الروحية والحماس في صفوف العابدين والألحان والنغمات التي تصاحب التسبيح في هذا الطقس يعطى ملمح الوحدانية بكل ما يحمل من هزات وأوزان وطرائق هي تراث حي قبلته الكنيسة بطريقة راسخة عبر الأجيال من أجل أمانة التقليد ووحدانية الروح.. وكذا فإن الجماعة في الكنيسة تطلب أن يضم الله أصواتهم مع أصوات الملائكة في التسبيح كما يقبل الله أن يضمهم مع السمائيين.
5- ليتورجية سماوية ملائكية قوية: (احسبنا مع القوات السمائية)
لاشك أن من ملامح وحدانية المؤمنين انضمام الطغمات السمائية لهم إذ تحضر الطغمات الملائكية بل يشترك العلويين مع المؤمنين في وحدة واحدة والصلاة في الجماعة هي أكثر قوة وهى فرحة لا يعبر عنها يقول أحد الآباء: "تنضم القوات الملائكية إلى جماعات المؤمنين إلى حيث تحل قوة ربنا ومخلصنا نفسه وحيث يجتمع الكل حتى الذين رحلوا..". ويقول القديس يعقوب السروجي: "يصرخ الملائكة كالبعيدين مبارك هو ويأكل البشر كالقريبين من مائدة". إنها مشاركة من القوات والطغمات السمائية في حقل العروس.. ويقول القديس ذهبي الفم: تأمل من يشترك معك؟! فإن هذا يكفى لجعلك تسهر.. أذكر أنك وأنت في الجسد مرتبط به صرت أهلًا أن تحتفل مع القوات المتجسدة لسيد واحد للجميع بل أن القديس ذهبي الفم يتوسل بقوله: أتوسل إليكم: انظروا إنها مائدة ملوكية قد أعدت لنا!! الملائكة تخدمها والملك جالس بنفسه فهل تقفوا متثائبين؟! ففي هذه الليتورجية يشترك العلويين هنا لذلك نقول في القداس الإلهي: "وكل الجمع غير المحصى الذي للقوات السمائية" يقول القديس ذهبي الفم: "كما أن الإنسان يقطع أغصان شجر الزيتون ويلوح بها أمام الملوك ليذكرهم بهذا العطف والمحبة هكذا تقدم الملائكة في هذه اللحظة جسد الرب ذاته عوض أغصان الزيتون ويتضرعون إلى الرب من أجل جنس البشر وكأنهم يرددون قائلين نصلى إليك من أجل الذين حسبتهم أهلًا لحبك فوهبتهم حياتك".. بل أنه في القداس الغريغوري نصلى ونقول: "لأنك أقمت على الأرض تسبيح السيرافيم.. اقبل منا نحن أيضًا أصواتنا مع غير المرئيين احسبنا مع القوات السمائية.. ولنقل نحن أيضًا مع أولئك إذ قد طرحنا عنا كل خواطر الأفكار الشريرة نصرخ بما يرسله أولئك بأصوات لا تسكت وأفواه لا تفتر ونبارك عظمتك".. (القداس الغريغوري).
لاشك أن كل هذه الملامح إنما تعبر عن وحدانية المؤمنين في ليتورجية القداس الإلهي.. وأخيرًا ليكن لنا جميعًا ونحن متحدين معًا كمؤمنين في وحدة كاملة مع الله ومع أنفسنا ومع بعضنا البعض أن نقول مع القديس أغسطينوس دائمًا: أريد أن أمد فمي إلى الينبوع الذي لا يعرف الجفاف إليه سبيلًا (جسدك ودمك الأقدسين).
الإفخارستيا (الجسد والدم) ووحدة المؤمنين:
*لماذا حمل واحد وكأس واحد:يقول القديس اغناطيوس: "كونوا متمسكين بالإفخارستيا الواحدة فإن جسد ربنا يسوع المسيح واحد ويكون لكم كأس واحدة توحدنا بدمه". *لماذا اختار الرب الخبز والخمر كمادتين للسر؟ تقول الدسقولية:
"إن السيد المسيح الذي هو رأس جسده الكنيسة يضمنا في جسده كما تضم الخبزة حبات كثيرة من القمح وأيضًا يضم العصير حبات كثيرة من العنب".. أما القديس كبريانوس فيقول: "عندما دعا الرب الخبز (الذي هو حصيلة اتحاد كثير من حبات الحنطة) جسده أشار إلى شعبه الذي حمله إذ صاروا في وحدة.. وعندما دعي بالخمر (الذي هو حصيلة كثير من حبات العنب) دمه عنى بهذا قطيعه الذي يرتبط معًا بامتزاج الجموع في وحدة معًا"..