رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
فوائد التداريب الروحية ليس الدين معلومات، ولا مجرد امتلاء من المعرفة الدينية. فالمعرفة وحدها لا تكفى. ماذا يستفيد الإنسان إن كان يعرف كل المعلومات عن الفضيلة دون أن يسلك فيها؟! إننا نقرأ الكثير، ونستمع إلى الكثير. والمهم ماذا نفعل؟ فى كل قداس، نستمع إلى فصل من الإنجيل، وقراءات من رسائل بولس الرسول، ومن الرسائل الجامعة، ومن سفر أعمال الرسل. ونستمع أيضًا إلى سير القديسين في السنكسار، ونستمع إلى عظة. وإن حضرنا رفع بخور باكر، ورفع بخور عشية، نستمع إلى فصول أخرى من الكتاب، بالإضافة إلى ما نقرؤه في بيوتنا وفي الاجتماعات الروحية.. ولكن ما تأثير كل ذلك على حياتنا العملية؟ هل اكتفينا بالمعرفة؟ أم اهتممنا بأن نحول تلك المعرفة إلى حياة، حسب قول السيد المسيح له المجد "الكلام الذي أقوله لكم هو روح وحياة "" (يو6: 63)0 كيف يكون ذلك التحويل: بالتداريب الروحية، تتحول المعرفة إلى ممارسة. وتتحول المعلومات إلى عمل. كذلك نلاحظ أن كثيرين يترددون على الكنيسة، ويعترفون ويتناولون، وربما يخدمون أيضًا. ولكنهم مع ذلك لهم ضعفات ثابتة، تكاد تصل إلى مستوى الطباع، مستمرة معهم على مدى سنوات طويلة!! فلماذا؟... لعل السبب في ذلك أنهم لم يضعوا تلك الضعفات موضع الاهتمام الخاص، بأن يدربوا أنفسهم على تركها، ويلاحظوا مدى تنفيذ التدريب.. وبنفس الأسلوب نقول إن هناك كثيرين لهم خطايا يكررونها في كل اعتراف. اكتشفوها، وعرفوها، واعترفوا بها. ومع ذلك استمروا فيها. ذلك لأنهم لم يدربوا أنفسهم عمليًا على تركها. ومن هنا كانت أهمية التداريب الروحية: يدخل بها الإنسان في مواجهة عملية مع نفسه: إما لترك خطاياه، أو لاكتساب فضائل، أو للنمو روحيًا.. يحول بها المعرفة الروحية إلى حياة. وكذلك أيضًا يحول بها الاشتياقات الروحية إلى حياة روحية. وفي التدريب العملي: يعرف حقيقة نفسه، ومن أين يأتيه الخطأ، أسبابه ومصادره. ويدخل في طريق المقاومة. ويعرف العقبات وأسلوب الانتصار عليها. ولا يقف عند حد المعرفة، ولا حتى عند حد العاطفة الدينية الداخلية. وفي التداريب يجاهد مع نفسه، ومع الله.. يستمع إلى توبيخ الرسول وهو يقول " لم تقاوموا بعد حتى الدم مجاهدين ضد الخطية" (عب 12: 4). فيقاوم نفسه ويصارع. وفي ذات الوقت لا يعتمد على ذراعه البشرى، إنما يمزج التداريب بالصلاة طالبًا معونة من فوق، حسب قول الرب لنا " بدوني لا تقدرون أن تعملوا شيئًا" (يو 15: 5). وفي ذلك كله يضع نفسه وتداريبه تحت إشراف روحي من مرشد حكيم مختبر، لأن الكتاب يقول " وعلى فهمك لا تعتمد" (أم 3: 5) والكتاب المقدس يقدم لنا أمثلة من التداريب. هوذا القديس بولس الرسول يقول "تدربت أن أشبع وأن أجوع. أن أستفضِل وأن أنقص" (فى 4: 12). وقال أيضًا "قد صارت لنا الحواس مدربة" (عب 5: 14)0 * الله درب قديسيه: *قيل عن موسى النبي "وكان موسى حليمًا جدًا، أكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض" (عد 12: 3). فهل تظنون أنه ولد هكذا؟! كلا، بل إنه بدأ حياته في الخدمة شديدًا عنيفًا، حينما قتل الرجل المصري وطمره في الرمل (خر2: 12). ولكن الله أخذه على البرية، ودربه في عمل الرعي على اللطف والهدوء والوداعة، على مدى أربعين عامًا، حتى وصل إلى ما وصل إليه.. *هل تظنوا أن يوحنا الحبيب بدأ حياته هكذا بما عرف عنه من حب، حتى أنه قال " الله محبة. من يثبت في المحبة، يثبت في الله والله فيه" (1يو4: 16). كلا. بل كان هو وأخوة يعقوب شديدين، تربيا في مدرسة يوحنا المعمدان الشديد، الذي كان يوبخ في عنف (مت 3: 7-11). وقد لقبها الرب "بوانرجس" أي "أبنى الرعد" (مر 3: 17). وهما اللذان لما رفضت إحدى قرى السامريين أن تقبل الرب، لأن وجهه كان متجهًا نحو أورشليم، قالا له "أتريد يا رب أن تقول أن تنزل نار من السماء فتفنيهم كما فعل إيليا أيضًا؟". فانتهرهما الرب وقال لهما "لستما تعلمان من أي روح أنتما. لأن ابن الإنسان لم يأت ليهلك أنفس الناس، بل ليخلص" (لو 9: 52-56) ولكن الرب أخذ يدرب ابن الرعد، حتى تحول إلى شعلة من حب. وبدايته لم تكن هكذا. كذلك القديسون لم يصلوا إلى درجاتهم العالية دفعة واحدة، بل تدربوا حتى وصلوا. تدربوا بجهاد وتعب، وعلى مدى زمني. فلا يجوز أن نأخذ ما كتب عن قممهم الروحية كأنه نقط بدء!! ولا نبدأ نحن بما وصلوا إليه في نهاية جهادهم، بل نتدرج. *أرسانيوس العظيم، في بدء رهبنته، كان يخطئ في طريقة تنقية الفول التي يعرفها ذلك المصري الأمي، حتى أخذ درسًا وقال "هذا القلم على خدك يا ارسانى" وبالتدريب والمدى الزمني، وصل إلى ما وصل إليه من قداسة. *وموسى الأسود الذي شاهده أحد الآباء في رؤياه، والملائكة يطعمونه شهد العسل، لم يصل إلى حياة المحبة والخدمة والوداعة وإضافة الغرباء دفعة واحدة، بل حينما بدأ كان منظره مخيفًا. وظل القديس إيسيذورس يدربه، حتى وصل إلى ما وصل إليه من قداسة واحتمال. حتى في مجال الخدمة، درب الرب تلاميذه أيضًا.. أرسلهم في تدريب عملي. ورجعوا إليه فعرضوا نتائج خدمتهم. وكانوا فرحين لأن الشياطين تخضع لهم باسمه!! فصحح لهم هذا الخطأ، قال لهم "لا تفرحوا بهذا.. بل افرحوا بالحرى أن أسماءكم قد كتبت في السموات" (لو 10: 17-20). كذلك دربهم على أمر آخر، وهو عدم الاهتمام بمن يكون الأول فيهم. وقال لهم "لا يكون هكذا فيكم. بل مَنْ أراد أن يكون فيكم عظيمًا، فليكن لكم خادمًا. ومَنْ أراد أن يكون فيكم أولًا، فليكن لكم عبدًا. كما أن ابن الإنسان لم يأت ليخدم، بل ليخدم ويبذل نفسه فدية عن كثيرين" (مت 20: 26 – 28). * نصائح في التدريب: لهذا كله، ينبغي علينا ألا نكتفي بالمعرفة الدينية، بل نهتم بالأكثر بالعمل، مدربين أنفسنا على تنفيذ الوصايا. إن الرب بعد أن ألقى العظة على الجبل، ختمها بقوله: " كل من يسمع أقوالى هذه ويعمل بها، أشبهه برجل عاقل بنى بيته على الصخر.. وكل من يسمع أقوالى هذه ولا يعمل بها، يشبه برجل جاهل بنى بيته على الرمل" (مت 7: 24 – 26). وهكذا ركز الأهمية على العمل بما نسمع. وأكد هذا بقوله أيضًا " وليس كل من يقول لي يا رب يا رب يدخل ملكوت السموات، بل الذي يعمل إرادة أبى الذي في السموات" (مت 7: 21). وهكذا يصلى الكاهن في أوشية الإنجيل " اجعلنا مستحقين كلنا يا سيدنا أن نسمع ونعمل بأناجيلك المقدسة بطلبات قديسيك". إذن فلنتدرب لكي نعمل بوصاياه وتعليم الإنجيل. * دلائل التداريب: التداريب الروحية تدل على أن صاحبها سهران على خلاص نفسه. يكتشف أخطاءه ونقائصه، ويتدرب على تفاديها. لابد إذن أن تكتشف أخطاءك، أو الأخطاء التي يكشفها لك غيرك. لأنه بدون اكتشاف أخطائك، لا يمكنك أن تدرب نفسك على تركها، إذ "لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى" (مت 9: 12). فلا تتضايق إذن ممن يظهر لك عيبًا فيك استفد من هذا الكشف لكي تتدرب على التخلص من ذلك العيب.. بل أنت نفسك حاول أن تفحص نفسك جيدًا في ضوء وصايا الله لتكشف عيوبك. وأحذر من تبرير النفس والتماس الأعذار لأخطائك. فالذي يبرر نفسه، يبقى دائمًا حيث هو، لا يصلح من ذاته شيئًا، لأن ذاته جميلة في عينيه بلا عيب!! أما الذي يحاسب نفسه بدقة، ولا يعذر نفسه مطلقًا مهما كانت الظروف، فهذا هو الشخص الذي يمكنه أن يتخلص من عيوبه، معترفًا أمام ذاته بنقائصه. إن كنت تستحي من أن يكشف لك الغير خطأ فيك، فلاشك أنك لا تستحي من نفسك بنفس القدر!! فاجلس إلى ذاتك، وكن صريحًا مع نفسك إلى أبعد الحدود وحاول أن تطرق نقط الضعف التي فيك، والتي تكشفها لك القراءة الروحية، أو تدركها من سماعك لبعض العظات التي تشعر أنها تمس حياتك. ولو أنك دربت نفسك كل أسبوع، أو حتى كل شهر على مقاومة نقطة ضعف واحدة، لأمكنك في عام واحد أن تتخلص من 12 نقطة ضعف. وثق أن الخطايا يرتبط بعضها بالبعض الآخر. بحيث أن تخلصك من خطية معينة، قد يخلصك من خطايا أخرى عديدة. كما أن تدربك على فضيلة معينة، وبخاصة لو كانت من الفضائل الأمهات، ستقودك إلى فضائل أخرى ما كنت قد وضعتها في تدريبك. فالفضائل أيضًا مرتبطة ببعضها البعض، كحلقات في سلسلة واحدة. وسأعطيك مثالًا هنا لارتباط الفضائل. لنفرض أنك دربت نفسك يومًا على الخلوة، ستجد نفسك محتاجًا أن تشغل نفسك أثناء الخلوة حتى لا تمل. وهكذا ستلجأ إلى القراءة حينًا، وإلى الصلاة حينا آخر، أو إلى الترتيل، أو الحفظ: حفظ مزامير أو قطع من الأجبية أو آيات من الإنجيل. وربما يدعوك هذا إلى التأمل في هذه الآيات.. وهكذا تجد أن تدريبًا على الخلوة جر وراءه فضائل عديدة.. أو مثلًا دربت نفسك يومًا على الصمت، ستجد نفسك محتاجًا بالضرورة إلى أن تشغل ذهنك بشيء نافع، حتى لا تسرح فيما لا يليق. وهكذا سيقودك الصمت إلى الصلاة أو التأمل، أو تشغل نفسك بالقراءة.. تدريب واحد يجر وراءه تداريب عديدة. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
التداريب الروحية تتحول المعلومات الروحية إلى حياة |
التداريب الروحية |
التداريب الروحية |
فوائد التداريب الروحية |
التداريب الروحية |