ما هو المراد بوحدانية الله ؟ وهل في تلك الوحدانية ما يمنع ضرورة كونه تعالى في ثلاثة أقانيم؟
وحدانية الله ظاهرة ظهوراً جلياً ، أولاً من تعليم الكتاب المقدس في طبيعته تعالى وصفاته ، لأن الكون لا يسع آخر نظيره ، ولا لزوم لغيره ، لعدم محدوديته في القدرة والحكمة وسائر صفاته . وثانياً ، مما في الكون من الأدلة على أنه كون واحد ، وقصد واحد ، وهو من أعظم وأوضح تعاليم الوحي . وكان من أهم مقاصد الله في دعوة إبراهيم وسن الناموس الموسوي ، وجعل اليهود شعبه الخاص ، حفظ تعليم وحدانيته تعالى بين البشر وهو أيضاً من جملة مقاصد العهد الجديد والديانة المسيحية
أما المراد بوحدانية الله فهو أنه لا إله غيره ، أي هو الوحيد في مقامه ، وهي لا تمنع بالضرورة كونه كائناً في ثلاثة أقانيم ، هم واحد في الجوهر . ولا هي بمثابة الوحدة المادية ، بل المراد بها الدلالة على أنه لا يوجد له نظير في الألوهية مطلقاً ، وأن له جوهراً واحداً ، أي غير مقسوم إلى آلهة كثيرة ، وذلك لا يمنع كونه في ثلاثة أقانيم . على أننا لا نعني أنه ثلاثة بنفس معنى القول واحد ، بل أنه ثلاثة بمعنى وواحد بمعنى آخر ، أي ثلاثة في الأقنومية ، وواحد في الجوهر ، وأنه الإله الوحيد في الكون . وإذا قيل ليس في الكون كائن آخر هو واحد وثلاثة معاً بهذا المعنى ، أجبنا أن هذا صحيح ، وأنه لما كان الله فريداً في الكون ، في طبيعته وصفاته ، كان غير بعيد أن يمتاز عن كل ما سواه في كيفية وجوده كما يمتاز في صفاته السامية