رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
في أوان الشيخوخة
الفصل الحادي والسبعون 1. الفصل الحادي والسبعون هو صلاة توسّل فرديّة وصرخة يطلب فيها المرتّل إلى الله أن يخلّصه من الضيق، ويعده بأنه سينشد له أناشيد الشكر. هو مؤمن شيخ يتطلّع إلى حياته ويرى أي سند قويّ كان الله له. فهل ينسى أمانته ويتركه بعد أن كلّت قواه من الشيخوخة؟ 2. صلاة إنسان أطلَّ على الشيخوخة. آ 1- 9: صلاة مملوءة ثقة وإيمانًا: يا رب بك احتميت، أمل أذنك وخلّصني. لا تطرحني في زمن الشيخوخة، ولا تخذلني عند فناء قوّتي. آ 10- 13: يرى المرتّل أعداءه فيشكوهم إلى الله: يا الله لا تبتعد عني، يا الهي أسرع إلى نصرتي. آ 14- 24: أعداؤه يقولون: الله خذله. أما المرتّل فيضع ثقته بالرب وهو متأكّد أن الله سوف يخلّصه. لهذا يبدأ منذ الآن بتسبيح الله وذكر أعماله: "وإلى الكبر أيضًا والمشيب لا تخذلني يا الله، حتى أخبر الجيل الآتي بقوّة ذراعك". وينتهي المزمور بنشيد شكر: لساني يلهج بخلاصك النهار كلّه وشفتاي ترنّمان. 3. نرى في هذا المزمور شيخًا عاش على نغم المزامير يلهج بها ويردّدها. كان أمينًا للرب منذ صبائه (آ 5) وقد تعوَّد على الانشاد له (آ 14- 15). امتلأت حياته بالمحن والمعجزات، فاقتبلها كلّها من يد الرب. يشكو أعداءه الذين حسبوا أن الله تخلّى عنه وأنه لن يتدخّل. ولكن رجاءه أقوى من كل شيء: أريتني مضايق كثيرة وشديدة، ولكنك تعود وتحييني، ومن أعماق القبر تصعدني. ثقة المؤمن بالرب كبيرة، فهو ملجأ له ومحتمى وصخرة مأوى وحصن منيع. لذلك فهو يستسلم له ويصرخ إليه لينجّيه من أعدائه. وإن حسب المؤمن أن الله تركه لوقت قصير، وقت المحنة، فهو سيرجع فيعزّيه ويعينه ويحييه. 4. أيكون المسيح صلّى هذا المزمور خلال آلامه فطلب من الآب أن يخلصه من أعدائه؟ منذ صبائه كان في بيت الآب (لوقا 2: 49) وفي آخر حياته طلب من الرب أن لا يخذله ولا يتركه. ورغم المحنة التي تثقله فهو يرجو الرب منتظرًا ذلك اليوم الذي ينجو فيه من أعدائه، فيقوم من الموت وينشد أناشيد الشكر والمديح. وتصلّي الكنيسة هذا المزمور طالبة إلى الرب أن لا يتركها تشيخ وأن لا يتخلّى عنها ساعة المضايق. وهي تمجِّده يومًا فيومًا وتذيع أعماله العجيبة على الكون كله. ويصلّيه المؤمن، خاصة من طالت أيام حياته ونقصته حرارة قلب بشري ونور بشري ونور عين ساهرة، فيتعلّم فيه أن كلمات الثقة والمديح تحمل معها شعاع الرجاء والوعد بالسعادة. 5. تأمّل جاءت أيام الشيخوخة، أو هو المؤمن يخاف منها، فيرفع صلاته إلى الرب. ولكن الصور التي نجدها هنا تدلّ على أن المرتّل يتطلّع أيضًا إلى مصير شعبه. هو إلى زوال وشعبه أيضًا. فنحن نقرأ في آ 20 هذين المستويين: "أريتني الكثير من الضيق والبلايا، لكنك يا الله تعود فتحييني، ومن أعماق الأرض ترفعني". تلك هي صرخة أورشليم بعدما حلّ بها ما حلّ. أترى ستبقى تحت الركام أم تستعيد مجدها الماضي؟ بدأ المرتّل فطلب. ثم بيَّن السبب الذي لأجله طلب في خطّ مز 22. بعد ذلك أنشد رجاءه محدّدًا موقعه في جوّ مز 42- 43: يودّ أن يعيش طويلاً لكي يشكر الله. فبرّ الله هو ينبوع خلاص كما يقول أشعيا. ليس المصلّي شخصًا عابرًا. بل هو مثل عبد يهوه يخصّ الله منذ حُبل به. الربّ هو منذ القدم محاميه وشفيعه وذلك الذي يُغدق عليه نعمه. ولكن هذا يعود إلى الماضي. أما الحاضر فيحمل على "اليأس" بعد أن أطلّت الشيخوخة. هل سيدافع الله دومًا عن صفيّه أم يتركه فريسة أعدائه؟ لهذا كانت صرخة مليئة بالقلق: "لا تبتعد يا الله عنّي، يا إلهي أسرع إلى نصرتي". 6. "تكلّم عليّ أعدائي. تآمر عليّ الذين يراقبون نفسي. يقولون: الله تخلّى عنه. لنلاحقه ونقبض عليه لأن ليس له من يدافع عنه". هذا ما قيل عن المسيح. هو الذي في قدرة ألوهته اللامحدودة التي بها يتساوى مع الآب، قد أقام الموتى، وظلّ فجأة في الضعف بين أيدي أعدائه الذين قبضوا عليه كأفقر الفقراء. لا بدّ من أنهم قالوا أولاً: "الله تخلّى عنه". وتلك هي كلمة الصليب: "إلهي إلهي لماذا تركتني"؟ إذن، ترك الله المسيح ساعة كان الله في المسيح يصالح العالم مع نفسه (2 كور 5: 19). ساعة "كان المسيحُ نفسهُ الله، الذي وُلد من اليهود بحسب الجسد، مع أنه الله الذي هو فوق الكلّ ومبارك في جميع الدهور" (روم 9: 5). هل تركه الله وتخلّى عنه؟ كلاّ ثم كلاّ. غير أن هذا الصراخ يخصّ الإنسان القديم الذي هو نحن. هذا الصراخ كان صراخنا، لأن هذا الإنسان العتيق قد صُلب معه، ومن هذا الإنسان العتيق أخذ جسده لأن مريم كانت من آدم. ما قال من أعلى الصليب (لماذا تركتني) هو إذن ما فكَّر به الأعداء. لماذا يفكّرون أنني تُركت؟ مثل هذه الفكرة هي لهلاكهم. فلو عرفوني "لما كانوا صلبوا ربّ المجد" (1 كور 2: 8). "لاحقوه. قبضوا عليه". ولكننا أيها الاخوة نستطيع أن نفهم بحسب تفسير اعتدنا عليه، أن هذه الكلمات تصدر عن أعضاء المسيح، أنها كلماتنا: تلفّظ بها لأنه حلّ محلّنا، وما شاء أن يعبّر بها عن قدرته وجلالته. تلفّظ بها بالنظر إلى ما صنعه لأجلنا، لا حسب ما هو نفسه ذاك الذي خلقنا (أوغسطينس). |
|