|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
بعد أن تمتع حزقيال النبي بالدخول إلى القدس الذي يمثل موضع العبادة الجماعية، وقدس الأقداس الذي رآه دون أن يدخله إذ يمثل عمل السيد المسيح الكفاري الذي يدخلنا فيه إلى حضن الآب، انطلق به الروح إلى الخارج في مبنَى نحو الشمال وآخر نحو الجنوب يمثلان المخادع (الحجرات) الخاصة بالكهنة دعاها "مخادع مقدسة" [13]. هذه المخادع داخل أسوار الهيكل، لها قدسيتها ومتلازمة مع مبنَى الهيكل نفسه ومكملة له، إنها تمثل العبادة الخاصة في المخدع، فالحياة الروحية الحقة، أو الاتحاد مع الله في ابنه بالروح القدس لا يتحقق بالعبادة الجماعية وحدها ولا بالعبادة الخاصة وحدها، إنما تتم من خلال العبادة كحياة واحدة يمارسها الإنسان مع الجماعة كعضو حي فيها، ويمارسها مع أسرته وفي خلوته دون أن يعتزل عضويته للجماعة. هذا هو مفهومنا الكنسي للحياة التعبدية، إنها حياة واحدة يعيشها المؤمن؛ يشترك مع إخوته في العبادة خلال علاقته الشخصية السرية مع الله، ويتعبد في مخدعه كعضو حي في الجماعة المقدسة... بمعنى أنه لا توجد ثنائية في العبادة: جماعية وفردية، بل وحدة متكاملة ومتلازمة. كان المبنى يتسع في الوسط عنه في الأسفل، ويزداد اتساعًا في الجزء الأعلى، لأن حائط المبنى كان يقل سمكه كلما ارتفع فيعطي اتساعًا للطوابق العُليا. وكما قلنا في الأصحاح السابق إنه كلما ارتفع الإنسان بالروح القدس إلى أعلى خف ثقل احتياجات الجسد ورغباته الأرضية الزمنية (السور) واتسع القلب بالحب. ولعل وجود ثلاثة طوابق [3، 6] حجرات سفلية وأخرى علوية وثالثة في الوسط يذكرنا بما قاله العلامة أوريجانوس في حديثه عن أنواع التفسير الثلاثة لكلمة الله، التفسير الحرفي المُرّ الذي يمثل الطابق السفلي حيث تكون المساحة ضيّقة والحائط سميك للغاية، إذ يجعل النفس ضيقة والعقل غير متسع بينما يكون الجسد ثقيلًا، أما التفسير الروحي العلوي ففيه تنطلق النفس إلى حجال العريس تتعرف على أسراره ويتسع قلبها بالحب ولا يمثل الجسد ثقلًا عليها. أما التفسير الثالث أو السلوكي فيقف في المنتصف. وقد رأى العلامة أوريجانوس أن هذه التفاسير الثلاثة تنطبق على فلك نوح ذي الطوابق الثلاثة: الطابق السفلي يحوي الحيوانات النجسة، والمتوسط الحيوانات المقدسة، والثالث العلوي يحوي نوح عائلته في الأعالي في شركة مع الله. إن كان البيت قد غُلِّف كله بالأخشاب لكي يظهر قطعة واحدة، جسدًا واحدًا في المسيح المصلوب، إلا أن هذه الحجرات الكثيرة ترافق البيت كجزء لا يتجزأ منه لتعلن أنه في المجد، وإن كنا جميعًا نمثل جسدًا واحدًا فإن نجمًا يمتاز عن نجم في القيامة من الأموات (1 كو 15: 41). حقًا كل يفرح بوجوده في حضن الآب متحدًا في ابنه بالروح القدس، ويفرح كل واحد لمجد إخوته من أجل طبيعة الحب الفائقة التي تعمل فينا هناك بغير عائق، لكن "مجد الشمس شيء ومجد القمر آخر ومجد النجوم آخر" (1 كو 15: 41). في السماء تظهر القديسة مريم والدة الإله ممجدة أكثر من السمائيين والأرضيين، ويظهر الرسل والتلاميذ والأنبياء والشهداء لهم أمجادهم من أجل آلامهم، وشهادتهم لله حتى الدم، وهكذا... يقول السيد: "في بيت أبي منازل كثيرة" (يو 14: 2)، لهذا يجاهد كل واحد منا لا ليفوق إخوته في المجد بل ليبلغ إلى شركة أعمق مع الله واتحاد فيه لنبلغ "إلى قياس قامة ملء المسيح" (أف 4: 13). |
|