|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
فاطمة ناعوت و مقال قوى الكاثوليك يعانقون الأزهر فاطمة ناعوت و مقال قوى الكاثوليك يعانقون الأزهر فاتني، بكل أسف، أن أحضر هذا الحفلَ الطيبَ الآسر. اللعنةُ على السَّفر والأسفار التي تباعُد بيننا وبين أوطاننا، في أوقات يجب أن نكون فيها شهودًا على أحداث تاريخية، لا يعوّض حضورَها، القراءةُ عنها أو السماعُ بها. تُرى كم خسرتُ من لقطاتٍ وطنية ووجودية مُلهِمة، تؤكد لي أن شيئًا لن يفتَّ في نسيج هذا الوطن الخالد، مهما حاول ذوو الأرواح الفقيرة بذرَ بذور الشقاق بيننا؟ كم فاتتني من لمحاتِ فرحٍ وقبسات نور حين يلتقي المسلمُ والمسيحيُّ على حبّ هذا الوطن الطيب، الذي يحبّنا جميعًا دون النظر إلى عقائدنا وتوجهاتنا الفكرية، رغمًا عن أنوف حُكّام يتسيدون بالتفريق؟ أعلم أنني خسرتُ الكثير بسبب سفرتي الأخيرة الطويلة لأمريكا. أعلمُ هذا، لأنني حضرت هذا الحفل ذاته في الأعوام السابقة، وخفق قلبي مع كل ترنيمة ينشدها كورال “سان جوزيف” في حبّ هذا الوطن، قبل أيام من كل عام جديد، مواكبةً لأعياد الميلاد المجيدة. لكن هذا العام تحديدًا، فاتني مع الفرح، دموعٌ ومواجعُ كثيرة. لأن الحفل تزامن مع كارثة جرحت قلب مصر. خمسون طفلا مصريًّا بريئًا، قُصفت أحلامُهم، وخمسون أمًّا مصرية، تحولن في لمح البصر، إلى ثكالى لا تجفّ دموعُهن، لحظةَ حصدَ قطارٌ نَهِمٌ أكولٌ أجسادَ أطفالهن الطاهرة، وعجنها بين تروسه وحديده ونحاسه وغلاظته. لهذا أهدى “أطفال كورال كنيسة سان جوزيف” ترانيمَهم وصلواتهم إلى أرواح أصدقائهم الشهداء، أطفال المعهد الأزهري بأسيوط، وإلى أمهاتهم وآبائهم وذويهم ممن تصدّعت قلوبهم حين راحوا يلملمون الكراريس والكتب والمساطر والأقلام المخضّبة بالدم، لتكون ذاكرتهم وذكراهم الوحيدة، بعدما غابت أشلاءُ الطفولة داخل الجنازير والعجلات الحديد. “المحبةُ”، هو الشِّعار الأوحد الذي يرفعه في وجوهنا، أولئك الذين لا يعرفون سوى “المحبة”. أبناءُ مصر المسيحيون. فصيلٌ بشريّ راق تعلّم من كتابه أن “المحبة” أمرٌ إلهي، وتكليفٌ سماويّ لا فصال فيه. بصرف النظر عن عقيدة الآخر، فالعقائدُ شأنُ الله، وأما شأننا هو محبةُ خلق الله. حتى أنهم قرنوا مفردة “المحبة” باسم الذات العُليا: اللهُ محبة. حشدٌ غفير من رجال الدين المسيحي والإسلامي والفنانين والشعراء والكتّاب والإعلاميين، عمّروا ليلة مغمورة بالحب والتوادّ والرحمة والدفء الذي لم تمسسه برودةُ بدايات العام، ولا خشونةُ الاضطرابات السياسية والتوترات الحزبية والطائفية والمواطنية التي تضرب خِصر مصر. أهدى الأبُ بطرس دانيال، وهو بيانسيت وفنّانٌ مبدع عطفًا على كونه رجل دين ورعًا ومعلّمًا لاهوتيًّا مثقفًا، مع الآنسة ماجدولين ميشيل، تلك الترانيمَ والتسبيحاتِ إلى أرواح أطفال المعهد الأزهري بأسيوط، فخرجت شجيةً حزينةً، عكس ما ينبغي لها، بوصفها ترانيمَ فرحٍ وابتهاج بميلاد السيد المسيح، عليه السلام. “من الأرض، وصوبَ السماء، تعلو أبصارُ الأطفال من شتّى أرجاء الأرض، يومًا ما سينتهي العنف. يومًا ما ستأتي المحبة بمذاق العسل. ويرفرف السلامُ فوق الأرض.” “صوتُ الحبِّ العذبُ، آتٍ من بعيد يصدح، فيشرقُ مثل شعاع مؤتلق، في ظلمة ليل.” هكذا شدت الطفلة الجميلة “نيكول بولس”، بصوت فردوسيّ كصوت الطير. اثنتان وعشرون ترنيمةً بالعربية والفرنسية والإنجليزية، حلّقت في فضاء قاعة النيل التي تشهد هذا الاحتفال كل عام، طيّرت اثنتين وعشرين حمامةً تحمل بين منقاريها غصنَ زيتون، لن يذبل ولن يكفَّ عن التحليق في سماء مصر، مهما حاول أعداءُ الحياة. أن يجلس االمطران كريكور أغسطينوس جوار الشيخ السلفي المستنير الطبيب أسامة القوصي، جوار مطران الجيزة الأنبا أنطونيوس، جوار الفنان صلاح السعدني، جوار الأب كمال وليم، جوار الشاعر شوقي حجاب، جوار الفنانات والفنانين: شيرين، وإلهام شاهين، ونهال عنبر، ومجدي صبحي، وعمر خورشيد، وراندا البحيري، وندى بسيوني، وفاروق الرشيدي وغيرهم الكثير، فلن تجد إلا رابطين اثنين يجمع بين كل أولئك الفرقاء: أنهم مصريون، وأنهم استوعبوا درس المحبة. يقول الإنجيل: “المحبةُ لا تسقط أبدًا.” ولهذا قال البابا تواضروس الثاني قبل أيام: “الكنيسةُ مدرسةُ حبِّ الوطن، وعِناقُها مع المسجد أيقونةٌ للعالم.” |
|