رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مار أفرام السرياني مؤلفاته المنظومة يقسم الشعر عند السريان إلى نوعين، الميامر، والمداريش: أ - المدراش: في البداية كان المدراش عبارة عن جدل في ثوب شعري ثم استعمل للشعر الذي ينشد بوجه عام، ويتكون المدراش من عدة أبيات تتساوى في عدد مقاطعها أحياناً وتختلف في عدد المقاطع أحياناً أخرى، وهذه الأبيات يرتلها فرد وترد عليه فرقة (كورس) بعد كل بيت بردود معينة، وكل بيت من أبيات المدراش قائم بنفسه، وليس من الضروري أن تكون له صلة بالبيت السابق أو اللاحق له. وللمداريش أوزان وأنغام شتى، ويعد أفرام من خيرة ناظمي المداريش وقد حذا فيها حذو داود النبي في مزاميره، فنظم أبياتها تارة على ترتيب الحروف الأبجدية وتارة على ترتيب اسم يسوع أو حروف اسمه (أ ف ر ا م). فالمداريش تعني «الأناشيد» وهي أبيات من الشعر تصاغ على أوزان مختلفة وألحان شتى بلغ عددها الخمسمئة دبجها مار أفرام، أما مستنبطها فهو برديصان. واشتملت مداريشه مجموعتين في الجدل مكونتين من 56 مدراشاً، ومنها جدله ضد أتباع برديصان ومرقيون وماني وعنوانها «الرد على المارقين»، و«معارضات ضد الآريوسية»، وسبعة مداريش عن «اللؤلؤة» أي عن المسيح وسر خلق الإنسان، وخمسة مداريش في «الرد على يوليانوس» إمبراطور الروم الذي ارتد عن المسيحية إلى الوثنية، ومداريش جدلية أخرى كتبها في مدينة نصيبين في النصف الأخير من سنة 363م بعد وفاة الإمبراطور يوليانوس. وهناك بعض المداريش وجدت غير كاملة مثل «ميلاد السيد المسيح» و«الصوم» و«عيد الفطير» و«الصلب» و«شهر نيسان» بمناسبة الفصح، وكلها مداريش دينية تستعمل لإحياء أعياد الكنيسة. أما القصائد الشعرية التي كتبها مار أفرام فيبلغ عددها واحداً وعشرين قصيدة كتبها في مدينة نصيبين، زادها في الرها إلى ست وخمسين ثم زادها حتى بلغت سبعاً وسبعين قصيدة، كانت كلها عن نصيبين، لذلك أطلق عليها جميعاً اسم «نصيبيات» وهي قصائد تتناول موضوعات مختلفة عن تاريخ نصيبين في عصره. ونظم مار أفرام أيضاً نوعاً آخر من القصائد سماه «السوغيثا» وزنها بسيط وتصلح في صياغة المآسي للمسرح الديني، وتبدأ السوغيثا عادة بمقدمة مكونة من فقرة أو أكثر يدخل بعدها الشاعر إلى لب الموضوع في أبيات يلقيها فرد، وقد تكون حواراً بين اثنين وترد الفرقة بالإنشاد بالتبادل بين نصفي الفرقة والفقرات الأساسية ينشدها اثنان من المجموعة يتقدمان للإنشاد. ب – الميامر: وهي شعر يقرأ ولا ينشد وهي الملاحم المسهبة التي تعد أبياتها أحياناً بالآلاف، تسرد فيها القصص الروحية وسير رجال الكتاب المقدس والكنيسة، وتكون أبياتها متساوية المقاطع غالباً، وهي من ذات المقاطع السبعة، وتكون عادة ذات دعامتين تتكون الأولى من ثلاثة مقاطع والثانية من أربعة. وقد نظم مار أفرام الشعر واستعمله سلاحاً ماضياً في جدله وكتب به مراثيه وعلم به سامعيه المسائل الدينية المختلفة، واستخدمه كذلك في كتابة الطقوس الدينية، ومن الملاحم التي ثبتت صحة نسبتها إليه ملحمة عن موعظة يونان النبي في نينوى، وموعظة «التوبة»، وله أيضاً 11 ميمراً عن الحصارين الثالث والرابع لمدينة نصيبين. والنظم قائم في كلا النوعين على اللحن لا على التفاعل، ومقيد بالنغم لا بالقافية، فيختلف في ذلك عن الشعر العربي ويقرب من الشعر المرسل، فهو في جوهره شعر غنائي ينشد على جميع الأوتار، متصاعداً من النبرة الخطابية إلى النفس الملحمي، ولذا فإنَّ أوزانه لا تحصى في حد ولا أبحره في عد، ذلك أن البيت لا يعتمد على تآلف المتحرك والساكن، ولا يتكون من الأسباب والأوتاد والفواصل، بل من تقاطع الكلم إلى أصوات متوازية تعادل التقاسيم الموسيقية، وقد تتراوح الأصوات بين المقطع الواحد والستة عشر مقطعاً، أو أكثر في البيت الواحد، تفصل بينها محطات وقف مما يجعل ضبط الأبحر متعذراً. ويذكر أنطون التكريتي (+840م) أن عدد البحور الشعرية لدى السريان هو ثمانية عشر بحراً بدءاً من ثلاث حركات حتى العشرين، ولكن ليس جميعها مستعملاً، ومن أشهرها ما جاء فيه البيت على خمسة مقاطع أو ستة أو سبعة أو ثمانية أو أحد عشر أو اثني عشر. لقد نظم مار أفرام الشعر السرياني على البحر السباعي خاصة، وارتأى بعضهم أنه قد استنبطه فسمي أيضاً بالأفرامي أو أنه أخذه عمن سبقه من الشعراء الذين فُقد شعرهم، وتعد أبيات بعض قصائده بالآلاف، ويكون الوقف عادة في البحر السباعي بعد المقطع الثالث أو الرابع، ويدخل على هذا الوزن ثلاثة أشكال مختلفة فيكون إما ثلاث حركات وأربع أو أربع حركات وثلاث أو حركتين وثلاث ثم اثنتين. ولم يعتمد مار أفرام القافية في نظمه، لأن السريان لم يدخلوها في شعرهم حتى صدر القرن التاسع متأثّرين بذلك بالعرب. وتناول مار أفرام بشعره شتى المواضيع الدينية، العقائدية منها والروحية، فبجّل السيد المسيح، وطوّب أمه العذراء مريم، ومدح الأبرار والصالحين وغبط الزهاد والمتوحدين، ورثى النفس الخاطئة وحثّها على التوبة، وهجا الكفرة وكفرهم بشخص يوليان الامبراطور الجاحد، وقرّع البدع والمبتدعين خاصة ماني ومرقيون وبرديصان وآريوس، وأكثر من سرد الحكم في قصائده النفيسة، وأناشيده البديعة التي كانت تعبر عما احتواه قلبه الكبير من الإيمان، وما استوعبه عقله الجبار من الحكمة، وقد حازت مكانة القمة في الكنيسة السريانية فأدخلت الطقس البيعي وهو لا يزال على قيد الحياة، ذلك لأنها اعتبرت ذلك خير وازع للمؤمنين يدفعهم إلى العبادة، كما يشهد بذلك مار يعقوب السروجي بقصيدته التي نظمها فيه حيث يقول ما تعريبه: «إن مار أفرام كنارة الروح القدس ضارع موسى الكليم وأخته مريم بتلقينه العذارى والفتيات ولفيف المؤمنين أنغاماً محكمة بث فيها تعاليم الكنيسة الحقة وأحرز بواسطتها إكليل الظفر والانتصار على أعدائها». وأورد البطريرك أفرام الأول برصوم في كتابه اللؤلؤ المنثور ما تبقى من منظومات مار أفرام ذاكراً بالتفصيل عددها ومواضيعها، حيث قال: «ولا نعرف عدد قصائده التي ضاع جانب منها، والمعروف منها: 15 قصيدة في الدنح، و1 في الشعانين، و15 في الفطير، و5 في آلام ربنا، و2 في القيامة وتناول الأسرار في أحد القيامة، و1 في أحد الجديد وقصيدة أولها: عظيمة هي قوة المسيح، و2 في حبل العذراء الطاهرة ومار أندراوس الرسول وتبشير بلاد الكلخ أو القلتين، و3 في أيوب، و2 في مار سرجيس ومار باخوس ومار ديميط، و20 في الشهداء، و5 في وفاة الأساقفة والكهنة والشمامسة والرهبان الكاملين والأطفال وكل أحد، و7 في تركيب الإنسان والخلوة للعبادة والغربة والآخرة والنهاية والتواضع ومحبة الفضة، و11 في التعازي والآخرة، و7 في الطلبات وغيرها في الحكم والنصائح والإيمان والعلم والتوبة، و1 في قول أشعيا النبي: فلينزل المنافق لئلا يعاين مجد الله، و10 في الشكر على المائدة، و4 في يوليان الجاحد، و20 في مواضيع شتى، ونشر له السيد رحماني جزئين حوى أولهما 31 ميمراً وشذرات من ميامر أخرى في الشكر على المائدة وسقوط نيقوميدية ونقاوة القلب والندامة، وفي إنَّ الله ليس هو علة الآفات وعناية الله بنا والسهر والتوبة والظلم والنسك وأيوب الصديق ومجاهد الشيطان، ونقض برديصان وحصار نصيبين والتوبيخ وكيفية إغراء إبليس للناس على ركوب المعاصي، واشتمل الثاني على عدة ميامر أنشدها في احتباس الأمطار وله قصيدة خماسية نفيسة يخاطب فيها ذاته أولها: كم من مرة جعت، ووصية مشهورة منظومة، وإنما حشيت بزيادات ليست من الأصل بشيء، ودعاء منظوم». وورد في أقدم كتب الألحان أن «السبرت» أي مراقي أو سلالم المداريش التي حبكها مار أفرام هي خمسمئة، ودبج هذا الملفان أيضاً جانباً من الأناشيد المعروفة بالقالات السهرية والعنيانات، بل نَسَبَ إليه تخشفتات وقتتسمات، واستشهد فيلكسينوي المنجي 523م بكتابين له سماهما «فنيقيث نقض اليهود والأضاليل» وذكره صاحب «تاريخ سعرت»، و«فنيقيث شهداء النصيبيين» وهو مجموعة من مداريشه كفناقيث الإيمان والبيعة والفطير والنصيبيين التي استشهد بها أنطون التكريتي، ونسب إليه قصيدة من أجود الأشعار في يوسف بن يعقوب ذات اثني عشر لحناً. |
|