الله يُعَظِّم خليقته
يشهد السيد المسيح لعظمة يوحنا المعمدان الكاهن فيقول:
لم يقم بين المولودين من النساء، أعظم من يوحنا المعمدان (مت 11: 11). بل العجيب في يوحنا هذا، أن يقال عنه أثناء البشارة بمولده أنه: "يكون عظيمًا أمام الرب" (لو 1: 15). يمكن أن يكون عظيمًا أمام الناس، أما عبارة:" عظيما أمام الرب " فتدل على تواضع كبير من الله، ومحبته لأولاده تجعلهم عظماء أمامه، وهم تراب ورماد.
32- وهوذا إبراهيم أبو الآباء، يقول له الرب: "أجعلك أمة عظيمة، وأباركك وأعظم اسمك، تكون بركة (تك 12 : 2).
والكتاب يشرح لنا الكثير عن عظمة إبراهيم، وعن شفاعته في أهل سادوم (تك 18)، وعن أن لعازر المسكين حملته الملائكة إلى حضن إبراهيم (لو 16: 22). كما يحدثنا الكتاب عن نسل إبراهيم، وقول الرب لهذا القديس: "تتبارك فيك جميع قبائل الأرض" (تك 12: 3).
33- ولا ننس العظمة التي وهبها الله للسيدة العذراء.
هذه الوحيدة التي قال لها الرب: "الروح القدس يحل عليك. وقوة العلى تظللك. لذلك القدوس المولود منك يدعى ابن الله" (لو 1: 35). وشعرت القديسة مريم بأن القدير صنع معها عجائب، لذلك قالت: "هوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبني" (لو 1: 48، 49).
وبلغ من تكريم الله للقديسة العذراء، أنه بمجرد وصول سلامها إلى أذني أليصابات، أن أليصابات امتلأت من الروح القدس، وارتكض الجنين بابتهاج في بطنها (لو 1: 41، 44).
34- وعظم الرب من شأن موسى جدًا..
وصنع على يديه معجزات وعجائب عديدة. بل أنه بلغ من المجد الذي أسبغه الرب على موسى أن قال له: "أنا جعلتك إلها لفرعون" (خر 7: 1)!! ولما تقولت مريم وهرون على موسى، قال الرب لهما مدافعًا عنه:
"إن كان منكم نبي للرب، فبالرؤيا استعلن له، في الحلم أكلمة. أما عبدي موسى فليس هكذا، بل هو أمين في كل بيتي. فما إلى فم وعيانا أتكلم معه.. وشبه الرب يعاين" (عد 12: 6 – 8). وضرب الرب مريم بالبرص عقابًا لها لأنها تكلمت على موسى..
35- وأعطى عظمة، حتى للعامة أيضًا..
فقال: "وأما من عمل وعلم، فهذا يدعى عظيما في ملكوت السموات" (مت 5: 19). وقال عن المتضعين أيضًا إنهم هم: "الأعظم في ملكوت السموات" (مت 18: 1، 4). والمرأة الكنعانية، على الرغم من أنها من شعب لعنة أبونا نوح بعد الطوفان، إلا أن السيد المسيح وجد فيها شيئًا حسنًا، فقال لها: "عظيم هو إيمانك" (مت 15: 28).
36- ووصف الله بالعظمة، حتى الطبيعة والمدن.
فوصف الشمس والقمر بعبارة: النيرين العظيمين" (تك 1: 16) وجعل أحدهما لحكم النهار والآخر لحكم الليل. وقال عن نينوى: "المدينة العظيمة " لمجرد أنها كانت مدينة ذات شعب كبير (يون 4: 11).
37- بعد هذا نتكلم عن العظمة التي منحها الله للكهنوت:
شرحنا في الأبواب السابقة السلطان الذي منحه الله للكهنوت، حتى أن رجال الكهنوت يمكن أن يمنحوا الروح القدس للناس، وأن يمنحوهم أيضًا المغفرة. وذكرنا الألقاب والاختصاصات التي أسندها الله لرجال الكهنوت، وما خصهم به الله من دعوة واختيار وإرسالية ومسحة.. إلخ. ونذكر هنا مثالًا ورد في سفر الرؤيا:
رأى القديس يوحنا حول العرش الإلهي، "أربعة وعشرين كاهنًا جالسين متسربلين بثياب بيض وعلى رؤوسهم أكاليل من ذهب" (رؤ 4: 4).
من هؤلاء الذين يمكنهم الجلوس في حضرة الله، وعلى رؤوسهم أكاليل، بينما الملائكة وقوف قدامه، الشاروبيم و السارافيم (إش 6:2).
ويتابع الرائي حديثه عن هؤلاء الكهنة، بأن لهم جامات (مباخر) من ذهب، مملوءة بخورًا هي صلوات القديسين (رؤ 5: 8) يرفعونها إلى الله..
ولقب العظمة يلصقه الله برئيس الكهنة، فيقول عنه "الكاهن العظيم" (زك 3: 1)، وأحيانًا يقول عنه: "الكاهن الأعظم" (لا 21: 10).
إذن لا تغاروا لله، فألقاب العظمة، هو الذي يمنحها لأولاده، دون أن تؤثر هذه على عظمته هو.
38- حقًا إن العظمة الطبيعية هي الله وحده. ولكنه من تواضعه منح العظمة لأولاده. ولكن بين عظمة الله والناس فروقًا.
عظمة الله طبيعية بحكم لاهوته. أما العظمة بالنسبة إلى الإنسان، فهي إما مكتسبة أو هي منحة من الله. وعلى أية الحالات، ليست هي منه، من ذاته، لأنه تراب ورماد..
عظمة الله هي عظمة شاملة. أما الإنسان زاوية معينة.
عظمة الله هي عظمة حقيقية تتصف بالكمال والقدسية والدوام، بعكس الإنسان في كل هذه الصفات..
39- إذن لا داعي مطلقًا لأن يغار البعض لله من عظمة يسبغها هو على بعض عبيده، ويبقون على الرغم من ذلك عبيدًا كما هم. فعظمتهم ومجدهم، كلها أمور نسبية، في المقارنة مع أخوتهم. أما أمام الله فهم خدامه. وكل إكرام منه لهم يزيدهم تواضعًا قدامه..
40- وأخيرًا نقول لكل من يغار لله من الكهنوت:
الله يريد أن يعطى غيرك. فلماذا تتذمر على عطاياه؟!
الله يمجد أولاده. فماذا يضايقك أنت من هذا؟!
الله لا يحسب هذا انتقاصًا لمجده. فما سبب الغيرة؟! أتريد أن تكون ملكيًا أكثر من الملك نفسه؟! أتود أن تحسب عطايا الله ومواهبه ضد مجده؟!
ما هو غيرتك على مجد الله؟ أهو قوله تبارك اسمه: "مجدي لا أعطيه لآخر (إش 42:8). إذن لنبحث معنى هذه الآية.