نظرة المسيحية إلى البتولية ديانة بتولية وزهد: 1-لم نر ديانة في الوجود تحض علىالبتولية، وتدعو إلى حياة الزهد والتعفف مثلما فعلت المسيحية، حتى كان من نتائج ذلك قيام الحركة الرهبانية الواسعة النطاق، التي كانت تشمل في القرن الرابع الميلادي عشرات الآلاف من الرهبان في كل من براري مصر وحدها. فهل ديانة كهذه تسأل في يوم ما: هل تعدد الزوجات فيها مباح؟! إنها ديانة زهد ونسك. ديانة قال فيها الرسول علانية " لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم". البتولية كما أسسها المسيح ودعا لها بولس الرسول: 2- أما البتولية في المسيحية فقد وطد دعائمها السيد المسيح ذاته، الذي كان بتولًا، وولد من أم بتول، وعمده وبشر به مهيئا الطريق أمامه نبي بتول هو يوحنا المعمدان، وعهد بأمه إلى رسول بتول هو يوحنا الحبيب. وهذه البتولية شرحها وتكلم عنها بولس الرسول في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس الأصحاح السابع حيث قال " حسن للرجل أن لا يمس امرأة " و"أريد أن يكون جميع الناس كما أنا" "أي بتوليين". و"أقول لغير المتزوجين وللأرامل إنه حسن لهم إذا لبثوا كما أنا " و"أنت منفصل عن امرأة فلا تطلب امرأة " و"أقول هذا أيها الإخوة الوقت منذ الآن مقصر، لكي يكون الذين لهم نساء كأن ليس لهم " و"أريد أن تكونوا بلا هم، غير المتزوج يهتم فيما للرب كيف للرب كيف يرضى الرب، وأما المتزوج فيهتم فيما للعالم كيف يرضى امرأته " و"من زوج فحسنا يفعل ومن لا يزوج يفعل أحسن" (انظر الآيات 38،32،29،8،7،1- وانظر أيضا 37،26). فهل يعقل أن ديانة تقول "حسن للرجل أن لا يمس امرأة" ثم تسمح هذه الديانة بتعدد الزوجات؟! هل يعقل أن ديانة تريد أن يتفرغ الإنسان من جميع الاهتمامات العالمية ليهتم في ما للرب، ثم تسمح له بتعدد الزوجات، بينما تقول له "المتزوج يهتم في ما للعالم كيف يرضى امرأته"؟! إن كانت امرأة واحدة تجعل الإنسان يهتم في ما للعالم لكي يرضيها، ولا يستطيع أن ينفذ نصيحة الرسول "أريد أن تكونوا بلا هم فكم بالأولى إن كانت له زوجات عديدات؟! وهل يعقل ديانة تريد من المتزوجين أنفسهم أن ينزعوا أنفسهم من اهتماماتهم الكثيرة ليتفرغوا للرب، قائلة لهم "ليكون الذين لهم نساء كأن ليس لهم"، ثم تسمح هذه الديانة لمن له زوجة بأن يتزوج أخرى معها؟! أمثلة من تمجيد القديسين للبتولية: 3- هذه البتولية تركت أثرها الكبير في أنفس قادة المسيحية وقديسيها العظام، حتى يندر أن نجد قديسا في العصور الوسطى لم يكتب عن البتولية ولم يدع إليها. وإن حاولنا أن نورد ولو قلة ضئيلة عما قاله القديسون عن البتولية، وتفضيلها على الزواج، والدعوة إليها، لضاق بنا المجال. لكننا سنحاول أن نذكر بعض عبارات بسيطة كأمثلة: قال القديس أمبروسيوس Saint Ambrose " البتولية أحضرت من السماء ما يمكن تقليده على الأرض... لا الذين يتزوجون ولا الذين يزوجون يشبهون ملائكة الله في السماء، لذلك فلا تعجب إذا ما قورن أولئك بالملائكة". وقال القديس يوحنا الذهبي الفم "إذا كنتم تريدون الطريق الأسمى والأعظم، فالأفضل ألا يكون لكم علاقة مع أية امرأة كانت". وقال ترتليانوس "ما أكثر الذين نذروا البتولية من ذات لحظة عمادهم، وأيضا ما أكثر الذين في الزواج منعوا أنفسهم - بموافقة مشتركة - عن استعمال الزواج " فجعلوا أنفسهم خصيانا من أجل ملكوت السموات" (متى12:19) وقال القديس أثناسيوس الرسولي أشهر بطاركة الإسكندرية "هناك طريقان في الحياة يختصان بهذه الأمور: أحدهما أكثر اعتدالًا وعادي وأعني به الزواج. والثاني ملائكي وليس ما يفوقه، وأعنى به البتولية. والآن إذا ما اختار الإنسان طريق العالم، أعنى الزواج فلا يلام في الواقع، ولكنه سوف لا ينال أمثال تلك المواهب العظيمة كالآخر". وشرح النقطة الأخيرة بتناول مثل الزرع الجيد (مرقس20:4) فشبه المتزوج بالزرع الذي يعطى ثلاثين والبتول بالذي يعطى مائة". وقال القديس جيروم في رسالته إلى يوستوخيوم "البتولية هي الوضع الطبيعي، والزواج أتى بعد السقوط". كما قال في نفس الرسالة إني أمدح الزواج، ولكن لكي ينجب لي بتوليين. والقديس جيروم استعمل أيضا نفس تشبيه القديس أثناسيوس في مثل الزارع، واعتبر آن المائة لإكليل البتولية، والستين للترمل بعد التزوج، والثلاثين للزواج الواحد العفيف. و" لم يدخل الزواج بعد الترمل في هذه الدرجات الثلاث التي للعفة " . على أن هناك سؤالا يمكن أن يسأل وهو " إلا يحدث أن ينتهي العالم إذا نفذت دعوة المسيحية إلى البتولية؟!". يجيب القديس جيروم عن هذا السؤال فيقول " اطمئن. فالبتولية شيء صعب، ولذلك فهي نادرة لأنها صعبة. إذ لو كان الجميع يستطيعون أن يكونوا بتوليين، ما كان الرب قد قال:... من استطاع آن يقبل فليقبل" (متى12:19). ورد القديس أغسطينوس على نفس السؤال برد مشابه مستخدما قول السيد المسيح عن البتولية " ليس الجميع يقبلون هذا الكلام بل الذين أعطى لهم" (متى11:19). السماح للضعفاء، وتعليق: 4- ولذلك فإن بولس الرسول في دعوته إلى البتولية في الأمثلة التي أوردناها في (1 كو 7) سمح بالزواج للذين لا يحتملون. فقال "ولكن إن لم يضبطوا أنفسهم فليتزوجوا، لأن التزوج أصلح من التحرق" (آية 9). ولكن الرسول بولس على الرغم من هذا السماح يقول عن الذين سمح لهم " ولكن مثل هؤلاء يكون لهم ضيق في الجسد، وأما أنا فإني أشفق عليكم" (آية 28). " هذا أقوله لخيركم ليس لألقى عليكم وهقا بل لأجل اللياقة..." (آية 35). ويعلق العلامة ترتليانوس على هذا بقوله "إن كانت هذه هي فكرته عن الزواج الأول، فكم بالحرى عن الثاني؟!" خاتمة: وبعد، إن كانت هذه هي نظرة المسيحية إلى البتولية، ودعوتها إليها في صراحة تامة ، إلا للذين لا يحتملونها، فهؤلاء لهم عفة الزواج خير من الوقوع في الخطية. فهل يمكن لديانة كهذه أن تسمح بتعدد الزوجات وهى تنصح بترك التزوج بواحدة فقط؟!