17 - 05 - 2012, 05:03 PM
|
|
|
..::| مشرفة |::..
|
|
|
|
|
|
إلـه الحماية أقوى من مؤامرات الأعداء
يقدم لنا سفرأستير شخصيتين بارزتين في أحداث هذه القصة؛ هما أستير ـ والتي رأينا كيف تعامل الله معها في المقالتين السابقتين ـ والآخر هو مردخاي ابن عمها، ذلك الرجل الذي احتضن أستير في بيته معوضاً إياها عن حرمانها من أبويها، وكان لها راعياً ومربياً ومهذباً وواضعاًً وصايا وتعاليم الله في قلبها، فأخرج من تلك الإنسانة قلباً راضياً شاكراً الله على تعاملاته معها، وقام بدفعها إلى يد "هيجاي" خصي الملك لتصبح أستير ملكة عظيمة على كل البلاد. وقد ظلت تعاليمه ممتدة في حياة أستير حتى بعد جلوسها على العرش. فلقد وضع في قلبه مخافة الله حتى لو كان في أرض بعيدة عن أرضه، أو يعيش تحت سلطان حكم وثني لا يعترف بالله الذي يعبده.
لقد قادته الظروف ليعرف بأمر مؤامرة موجهة لقتل الملك، فأبلغ أستير لتفضح الأمر أمام الملك. وفحص الملك الأمر، ثم أمر بإعدام المتآمرين عليه. وقد يظن أحد بأن نهاية هذه القصة سوف تكون بمكافأة مردخاي الذي عاش أميناً على الملك وعلى حياته، وإن الملك سوف يكافئه مكافأة عظيمة.
ولكن يبدأ الأصحاح الثالث بتلك الكلمات: "وبعد هذه الأمور عظَّم الملك أحشويروش هامان بن همداثا الأجاجي ورقاه وجعل كرسيه فوق جميع الرؤساء الذين معه. فكان كل عبيد الملك الذين بباب الملك يجثون ويسجدون لهامان لأنه هكذا أوصى الملك. وأما مردخاي فلم يجث ولم يسجد" أس3: 2،1. لقدعظَّم الملك هامان جداً بدلاً من أن يكافئ مردخاي. وجعل مرتبة هامان- رغم أن الكتاب المقدس لم يذكر أي شيء صالح قد فعله - فوق مرتبة كل الرؤساء الذين معه ونسى مردخاي، الذي أنقذ حياته وظل أميناً له، ولولاه لإنقلبت أحداث الحياة بالملك. لكن مردخاى ظل أميناً يعيش كما أوصت كلمة الرب "خادمين بنية صالحة كما للرب ليس للناس" أف 7:6.
عزيزي هل ترى نفسك في قصة مردخاي؟ هل ترى أنك عانيت أو تعاني مما عاناه مردخاي؟ هل كنت أميناً في عملك وهل عشت باستقامة ورفضت إغراءات عُرضت عليك لكي تعيش كما يليق بأبناء الله؟ هل خدمت بكل نية صالحة ولم تفعل كما يفعل الآخرون الذين يؤدون خدمتهم بإستخفاف ولامبالاة؟ هل عشت أميناً وسط عائلتك؟ وهل قدمت الكثير من الحب دون أن تجد المقابل بل ربما لم تجد سوى الجفاء في المعاملة وقسوة المشاعر من الذين حولك؟ هل قدمت كل جهد ولم تقصر في شيء ولم يلتفت أحد إلى ما قدمته؟ هل شعرت في وقت أن الله لم يعوضك أو يباركك رغم إنك كنت أميناً له؟ هل شعرت أن الناس خذلوك أو أن الله لم يكن أميناً معك؟.
إذا كنت ممن عانوا من تلك الأمور، رجاء استمر في قراءة باقي أحداث هذه القصة.فالأمر لم يتوقف في حياة مردخاي على عدم المكافأة ، فلقد تطورت الأحداث وارتفع شأن هامان وأعلن الملك أن يجثو كل من على باب المملكة إلى هامان. ورغم ذلك استمر مردخاي على أمانته لله رافضاً أن يسجد إلى هامان.
لماذا رفض مردخاي السجود لهامان؟ ولماذا كسر وصية الملك؟
ورغم أن السجود الذي كان يعبر عن الاحترام لم يكن محرماً على اليهود بل لقد سجد إبراهيم إلى الحيثيين عند دفن زوجته سارة (تك 7:23). لكن في تلك الأيام كان ملوك فارس وحاشيتهم يعتبرون أنفسهم آلهة، فسيكون حينئذٍ سجود مردخاي لهامان إعترافاً منه بأنه إله، وكان مردخاي حافظاً داخله كلمة الله "للرب إلهك وحده تسجد". وهكذا فعل الفتية الثلاثة أمام نبوخذنصر عندما رفضوا أن يسجدوا لتمثاله أو ينحنوا أمامه، بل فضلوا أن يلقوا في النار المحماة إلى سبعة أضعاف عن أن يكسروا وصية الله في حياتهم. فمردخاي لم يسجد لهامان. وأياً كانت الأحداث التي تمر عليك أو أياً كان مستوى السلطة التي تتحكم فيك، فلا تنحني أمام الخطية أو تكسر وصية الله. ومهما كانت أنواع الظروف أو الضغوط التي تواجهها ، فارفع رأسك ولا تسقط في بئر الضعف والخطية.
قد يهمس العدو في أذنك قائلاً أين الرب الذي أنت تعبده؟ أين بركاته ومكافآته في حياتك الأمينة؟ أين مجازاة طاعتك له ولكلامه؟ أين يد الله في حياتك وأنت تعيش في وضع أقل من الذين لا يعيشون بأمانة مع الرب؟ فربما تكون قد عشت أميناً في تعاملاتك المادية لأجل الرب، ورغم ذلك لا تشعر بالبركة في حياتك.. أو ربما تكون قد تركت ارتباطات جيدة - قد تعتبر فرص نادرة في نظر الآخرين - لأجل أنها لم تكن في مشيئة الرب، ومع ذلك فقد تأخر ارتباطك عن الباقين.. وقد تكون تعاني من مرض أو ضعف في جسدك رغم خدمتك الأمينة للرب..
رجاء... لا تتذمر ولا تجعل كذب العدو يضللك، ولا تجعل كلماته تؤذيك. فلا تطرحوا ثقتكم.." عب10: 35. ثق أن الله سوف يظل أميناً معك، وأنه في وقته سوف يسرع بكل أمور حياتك.
لقد استشاط هامان غضباً وصنع خشبة طولها خمسون ذراع ليصلب عليها مردخاي. نعم فإبليس يريد أن ينتقم ويؤذي كل شخص يعيش في مخافة الله ولا يريد أن ينحني تحت سلطته وخداعه وخطيته. ولكن الله أمين "لأنه ينجيك من فخ الصياد ومن الوبأ الخطر. بخوافيه يظللك وتحت أجنحته تحتمي. ترس ومجن حقه" مز91: 4،3."لأنه لا تستقر عصا الأشرار على نصيب الصديقين.. "مز 3:125.
في تلك الليلة طار نوم الملك فأمر بأن يؤتى بسفر تذكار أخبار الملك ليُقرأ عليه (أستير 1:6). وسمع الملك ما فعله مردخاي لأجله وتساءل قائلاً ".. أية كرامة وعظمة عُملت لمردخاي لأجل هذا. فقال غلمان الملك الذين يخدمونه لم يُعمل معه شيء" أس3:6
ما أروع حكمة الله في قيادة الأوقات والأزمنة التي تأتي في تعويضاته العظيمة؛ ففي نفس الوقت الذي أعد فيه هامان الخشبة ودبر مؤامرته الخبيثة للقضاء على مردخاي، تحرك الله العلي فالله يتحرك في الوقت المناسب بحكمته العظيمة التي تفوق إدراكنا أو تفكيرنا المحدود، فسمح الله بتأخر مكافأة مردخاي على ما فعله إلى أن يأتي وقت المكافأة ليحميه من بطش هامان ومؤامرته.
فقد تقول في داخلك لماذا لم يفعل الله معي هذا الأمر؟ لماذا تتأخر أزمنة البركة رغم أني أعيش في طاعة الله؟. فالله لا يريد أن يباركك فقط بل أن يحميك أيضاً؛ فهو يريد أن يباركك في الوقت الذي يراه مناسباً لك.. فلقد صُلب هامان على الخشبة التي أعدها لمردخاي (أستير 10:7).
"يسقط عن جانبك ألف وربوات عن يمينك. إليك لا يقرب. إنما بعينك تنظر وترى مجازاة الأشرار" مز91: 8،7. فما أعظم الله! هو يعطيك أكثر جداً مما تطلب أو تفتكر.. ويعلن حمايته لك وسط أصعب الظروف.. ويحميك من الإيذاء مهما كانت الصعاب.. وينقذك مهما رتب لك العدو من مؤامرات. فإلهنا إله الحماية ".. لا ينعس ولا ينام حافظ إسرائيل.. الرب يحفظ خروجك ودخولك.." مز121: 8،4. "المتوكلون على الرب مثل جبل صهيون الذي لا يتزعزع بل يسكن إلى الدهر.. أورشليم الجبال حولها والرب حول شعبه من الآن وإلى الدهر" مز125: 2،1
|