مــــن يـهرب مـــن الضيـــــقة يهـــــرب مـــن اللــــــــه
مامعنى قول القديس الأنبا بولا السائح "من هرب من الضيقة، فقد هرب من الله"؟
قال القديس يعقوب الرسول
"احسبوه كل فرح يا أخوتى، حينما تقعون فى تجارب متنوعة، عالمين أن امتحان إيمانكم ينشئ صبراً" (يع2:1).
- فالذى يهرب من الضيقة، إنما يهرب من هذا الامتحان.
هذا الامتحان الذى يريد ارب أن يمنحه به هذا الصبر،بل يمنحه أيضاً فضائل أخرى متعددة.
والهارب من الضيقة، يهرب من أكاليلها. يهرب من الأكاليل التى يمنحها الله لكل من يحتمل الضيقة بفرح ورجاء، ويجاهد فيها وينجح. ولقد طوب الكتاب صبر أيوب. فقال الرسول
"قد سمعتم بصبر أيوب، ورأيتم عاقبة الرب" (يع11:5)
- والذى يهرب من الضيقة، إنما يهرب من الله الذى يعين أثناءها. يهرب من رؤية يد الله تتدخل فى حياته وتنقذه، كما قال المرتل فى ضيقاته
"يمين الرب صنعت قوة، يمين الرب رفعتنى. يمين الرب صنعت قوة، فلن أموت بعد بل أحيا وأحدث بأعمال الرب"(مز117).
وهكذا يهرب من خبراته مع الله فى حياته. كل الذين احتملوا الضيقات، اكتسبوا خبرات روحية عجيبة فى عمل الله معهم. اختبروا عبارة
"لا يقف إنسان فى وجهك كل أيام حياتك. وأكون معك. لا أهملك ولا أتركك.
تشدد وتشجع. لا تهرب ولا ترتعب، لأن الرب إلهك معك حيثما تذهب"(يش1: 9،5).
- والذى يهرب من الضيقة، إنما يهرب ضمناً من الصلاة التى يعتمد عليها أولاد اله فى ضيقاتهم. فهو بهذا يهرب من الله،الذى يقول
"ادعنى فى يوم الضيق، أنقذك فتمجدنى"(مز15:50). أما أولاد الله، فيرون الضيقة فرصة يطلبون الله فيها، يمجدونه. فرصة للحديث مع الله بشأنها، وإدراك مدى محبته وحكمته، لأن "الذى يحبه الرب يؤدبه"(عب6:12).
والذى يهرب من الضيقة، يهرب من الله الذى أرسلها، أو على الأقل سمح بها. ولابد أنه سمح بها لخيرنا وفائدتنا. وهنا ندرك حكمة الله وحسن تدبيره. الله الذى
"يجرح ويعصب. يسحق ويداه تشفيان"(أى18:5).
وإن كانت التجربة للتأديب، فالذى يهرب منها، إنما يهرب من تأديب الرب. بينما يقول الكتاب
"ط يؤدبه الله، فلا ترفض تأديب القدير"(أى17:5). وبى لرجلبينما التأديب لصالحنا. وخير لنا أن نؤدب ههنا من أن ندان بالموت الأبدى. وقد قال المرتل
"تأديباً أدبنى الرب، وإلى الموت لم يسلمنى"(مز18:118).
حقاً من يهرب من الضيقة يهرب من الله. كما قال القديس العظيم الأنبا بولا السائح، الذى احتمل ضيقات كثيرة فى حياة البرية، وحدة بعيداً عن كل عزاء بشرى. ولكنه ذاق حلاوة العزاء الإلهى. لأنه لم يهرب من الله،كما يهرب كثيرون إلى متع العالم،"لينقروا لأنفسهم آباراً آباراً مشققة لا تضبط ماء" أر13:2