كان يوسف الرامى تلميذاً مختفياً بسبب الخوف من اليهود ، وما يزال الكثيرون فى كل زمان ومكان يظهرون فى صورة يوسف الرامى التلميذ المختفى ، الذى يود من أعماق قلبه أن يعترف بالسيد ، ولكن الخوف يمنع هذا الاعتراف العلنى ، ويرده إلى الوراء ، وليس بالضرورة أن يكون الخوف على الحياة نفسها ، بالقتل والموت، بل قد يكون بما لا ينتهى من أساليب التعذيب والتشريد والمضايقة والحرمان ، ... كان يوسف الرامى يخاف من الطرد من السنهدريم - الأمر الذى حدث معه فيما بعد - وكان يخاف من الإهانة والتحقير والمضايقات المتعددة ، التى يجدها تلميذ المسيح إلى اليوم فى الشرق والغرب على حد سواء ، وتحتاج إلى الشجاعة غير العادية والصبر والاحتمال والجلد والبسالة التى لا يصل إليها الكثيرون !! ... وكم وقف الاسم المسيحى عائقاً فى حياة الملايين من الشباب ، دون الوصول إلى مركز معين أو وظيفة أو ترقية أو سلامة أو حرية ، بل من المثير أن التاريخ يعيد نفسه فما حدث فى القرون الثلاثة الأولى للمسيحية ، يتكرر اليوم بالتمام فى البلدان الشيوعية التى تحرم دخول الإنجيل إليها ، وتقضى بوحشية على من ينادى باسم المسيح ، أو يبشر به ، ... وكما بدأت الكنيسة المسيحية فى روما فى مقابر الشهداء ، فى الكهوف والمغاير حيث تعود المسيحيون الأوائل أن يقيموا العبادة فيها ، عادت الكنيسة اليوم إلى ما اصطلح عليه فى البلاد الشيوعية من تسميتها " بكنيسة تحت الأرض " حيث يقيم الملايين شعائر العبادة فى الأماكن السرية ، فى مواجهة الطغيان والظلم والاستبداد والبطش، وإذا كان لنا أن نعجب إلى أبعد الحدود بالشهداء الأوائل ، وبالأبطال الذين إلى اليوم على استعداد أن يموتوا من أجل المسيح ، فإننا فى الوقت نفسه نعلم بأن يوسف الرامى يظهر بهذه الصورة أو تلك فى الكثيرين الذين هم تلاميذ المسيح ، ولكنهم لا يجرؤون على الظهور أمام المجتمع لهذا السبب أو ذاك من أسباب الخوف التى يتعرضون لها فى الحياة، ... حدث فى روما القديمة كما جاء فى واحدة من روائع القصص التى نقلتها إلينا الأجيال ، أنه حكم على أربعين من المسيحيين بالنفى إلى بقعة من أقسى البقاع وأشرها ، وأمهلوا أربعا وعشرين ساعة ، تعطى فيها الحرية لمن يرجع عن الإيمان المسيحى ، وأوكلت حراستهم لأحد الضباط الرومان ، ولشد ما هز الرجل وأثار دهشته ، أنه سمع فى منتصف الليل جميعهم يصلون ويرنمون ويسبحون ، كأنما هم ذاهبون إلى حفل بهيج فى الصباح ، ... وعندما عرض عليهم الحرية لمن يتراجع رفضوا جميعاً إلا شخصاً واحداً أخذه الخوف من التشريد والعذاب ، ووقف الضابط ينظر إلى الرجل ملياً ثم قال: إن هذا العدد أربعون وينبغى أن يبقوا هكذا ، وخلع ثيابه العسكرية وانضم إلى القافلة ، ليصبح واحداً من أبطال الشهادة فى الأرض ليسوع المسيح ، ولكن الآخر المتراجع ما يزال إلى الآن للأسف ، باقياً فى صورة يوسف الرامى الذى ظل طوال خدمة المسيح الجهارية التلميذ المختفى !! ... ومهما يكن من أمر فإن الآلام التى يتعرض لها المسيحيون فى البلدان الشيوعية لا تكاد تختلف كثيراً عما حدث فى القرون الأولى .