في مواجهة الموت
الآن نفسي قد اضطربت. وماذا أقول؟ أيها الآب نجني من هذه الساعة. ولكن لأجل هذا أتيت إلى هذه الساعة. أيها الآب مَجِّد اسمك (يو12: 27،28)
ما أروعه ذاك الفريد! فأمام أصعب الظروف وأحرج المواقف لم يتخذ قراراً سوى « أيها الآب مَجِّد اسمك ». وكأنه بذلك يقول: إني على استعداد كامل للطاعة، ولو كان في ذلك الألم الكثير أو الكأس المرير!
إن هذا المشهد في إنجيل يوحنا يعطينا لمحة من بستان جثسيماني في الإنجيل الذي خلا من ذكر مشهد البستان. ومن هذا نفهم أن أحزان جثسيماني كانت أكثر من مجرد اختبار ساعة أو ساعتين في ليلة آلامه. إنها كانت اختبار نفسه خلال كل طريقه الوعر إلى الجلجثة. والآن لاحظ هذا التماثل بين المشهدين:
* هنا قال « الآن نفسي قد اضطربت » وفي البستان قال « نفسي حزينة جداً حتى الموت ».
* هنا قال « نجني من هذه الساعة » وفي البستان قال « إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس ».
* هنا قال « لأجل هذا أنا قد أتيت » وفي البستان قال « الكأس التي أعطاني الآب ألا أشربها ».
* هنا قال « أيها الآب مجِّد اسمك » وفي البستان قال « لتكن إرادتك ».
.. .. ..
إنه هو كمال الكمال. الكمال الإلهي والكمال الإنساني في آن معاً. فلو لم يكن هو الإنسان الكامل لما اضطربت نفسه، ولما قال « والآن ماذا أقول؟ ». ولكنه لو لم يكن هو ابن الله لما قال في اضطرابه الإنساني « أيها الآب نجني من هذه الساعة » ثم بعد برهة « ولكن لأجل هذا أتيت إلى هذه الساعة » ثم ختم مُناجاته بالقول « أيها الآب مجِّد اسمك ». وكأننا نرى هنا تلامس الكمال الإلهي مع الكمال الإنساني، أمام تلامس مشهد الحياة ومشهد الموت!!
إن لاهوته لم يمنع نفسه الإنسانية أن تضطرب، لأنه ظل إنساناً كاملاً. بل إن لاهوته أعطى هذا الشخص الفريد معرفة كاملة لما كان سيقابله وسيقاسيه. ثم إن قداسته كالإنسان الكامل كانت تنفر من هذه الكأس ومن تلك الساعة. ومع ذلك فلم تكن صلاته لينجو من الساعة، مع قسوتها. ثم لاحظ أنه لم يَقُل للآب « ماذا أفعل؟ » لأنه كان يعرف تماماً ما هو مزمع أن يفعله، بل ماذا أقول؟ ». وأمام ذلك الموقف العصيب لا يمكن سوى أن يُقال طلبة من إثنتين:
« أيها الآب خلصني » أو
« أيها الآب مجِّد اسمك ». فطلب الثانية دون الأولى. فيا لها من طلبة نبيلة ورغبة كاملة.