رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الأصحاح الخامس الابن المطيع في رفقة رافائيل الملاك إله المستحيلات يعمل في مؤمنيه إن كان طوبيت التقي احتمل التجارب الخارجية والداخلية بدون تذمرٍ، بل ألهبت التجارب قلبه للالتجاء إلى الله بالصلاة الصادرة من قلب نقي وارتفعت مع صلاة سارة إلى حضرة الله، فقد اكتشف أنه ليس لديه حلول بشرية لما حلّ به. لقد طلب من الله أن يأمر فتخرج نفسه من جسده وتنطلق إلى الأعالي وترى وجه الرب. طِلبته هذه وإن بدت للبعض أنها تكشف عن سقوطه في حالة من اليأس، غير أنه كان مملوءً رجاءً أنه سيرى وجه الرب. بدأ يستعد طوبيت للرحيل من العالم في جدية، وهو لا يعلم أن الله قد تطلَّع إلى نقاوة قلبه وإلى رجائه فيه، لذلك قدَّم الله له ما يبدو مستحيلاً. أرسل إليه رئيس الملائكة رافائيل يخدمه ويحلّ مشاكله، وهو في شكل إنسانٍ أجير، ويهبه أيامًا سعيدة لم تكن في تصوُّر طوبيت أو زوجته أو ابنه، أعطاهم الله ما يبدو لهم مستحيلاً. رئيس الملائكة ومحبته لخدمة البشر بسقوط آدم وحواء في العصيان لوصية الله، حزن السمائيون على بني البشر الذين خلقهم الله على صورته، فأفسدوها. لكن إذ يتحرَّك الله لخدمة البشر، ويُهَيّئهم لقبول التجسد الإلهي وذبيحة الصليب العجيبة، اشتاق السمائيون من جانبهم أن يخدموا البشرية التي يعمل الربّ نفسه على مصالحتهم بتجسده، وسفك دمه لخلاصهم. يرى بعض الآباء أن أعمال رئيس الملائكة رافائيل سمح بها الله لكي يعدّ الطريق لقبول تجسد الكلمة الإلهي. فإن كان رئيس الملائكة في طاعة لله وفي حُبّ للبشرية نزل متخفيًا كأجيرٍ، كم بالأكثر خالقه كلي الحب يليق به أن ينزل إلى العالم متجسدًا كي يُقَدِّم نفسه ذبيحة حب عن العالم. "هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية" (يو 6: 13). لقد نزل كحارسٍ لطوبيا يُرافِقه في الطريق، وكطبيبٍ يشفي سارة مما حلّ بها بسبب الشيطان، ويشفي طوبيت من العمى. هكذا جاء ربّ رافائيل، السيد المسيح، القائل أنا هو الطريق حتى يعبر بمؤمنيه إلى حضن الآب. وقال عن نفسه: "لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى" (مت 9: 12). ما فعله رئيس الملائكة إنما هو رمز وتهيئة لعمل الثالوث القدوس. وكما يقول العلامة أوريجينوس: [الصلاح الجوهري والمُطلَق هو عمل الآب والابن والروح القدس فقط.] ماذا فعل رئيس الملائكة في هذه المهمة الفريدة؟ سُرّ رئيس الملائكة أن يظهر في شكل إنسان يخدم الأربع عائلات: طوبيت وزوجته، ورعوئيل وعائلته، وطوبيا وعروسه، وغابيلوس. كانت مسرَّته أن يُتَمِّم بمسرَّة خطة الله إله المستحيلات لأجل بنيان هذه العائلات. لذلك انطلق في صحبة طوبيا نحو راجيس في رحلة عمل مشتركة بين كائن بشري وكائن سماوي. في هذه الرحلة قام بالأعمال التالية: أولاً: لم يقف الأمر عند ظهوره كإنسانٍ ليحمل اسمًا بشريًا، بل وحمل شكل عزريا بن حننيا، وتكلم كما على لسانه. ثانيًا: أخذ أيضًا دور البشر الأتقياء، فقام بتعليم طوبيت الشيخ، إذ قال له حين سأله عن اسمه وسبطه وعشيرته: "أتسأل عن سبطٍ أو عشيرةٍ أم عن أجيرٍ يذهب مع ابنك؟" (طو 5: 12). ثالثًا: رافق طوبيا في رحلته ولم يستنكف من أن يكون في رفقته أيضًا كلب طوبيا الذي كان اليهود يحسبونه من الحيوانات النجسة. رابعًا: أنقذ طوبيا من السمكة التي وثبت عليه لتبتلعه. قام بدور الحارس؛ فطوبيا كان شابًا في العشرينات من عمره، لا خبرة له بالطرق خارج نينوى. كان يجري معه أو وراءه كلبه المحبوب لديه، لكنه يعجز عن حماية طوبيا من مخاطر كثيرة تعترضه في الطريق. لقد قاده رئيس الملائكة إلى شاطئ نهر التيجر ليقضي ليلة هادئة. وإذ أراد أن يغتسل، وثبت عليه سمكة كبيرة لتبتلعه. لم يكن الأمر محتاجًا أن يتحرَّك رئيس الملائكة ويصدّها عن الفريسة. إنما اكتفى أن يطلب من طوبيا أن يمسكها فصارت في حالة من الضعف الشديد واستسلمت لطوبيا كي يشقها ويُخرِج من أحشائها الكبد والقلب والمرارة. خامسًا: تنازل وظهر لطوبيا كمن يحتاج إلى راحة، كي يستريح طوبيا عند شاطئ النهر، ويقضي معه الليلة الأولى من الرحلة. سادسًا: نزل رافائيل إلى العالم كطبيبٍ يعالج ما حلّ بعائلتي طوبيت ورعوئيل. خلال الحوار الذي يبدو حوارًا أخويًا، كشف رئيس الملائكة لطوبيا أن بين يديه أدوية غريبة تعالج ما حلّ بسارة ابنة رعوئيل وعيني أبيه طوبيت. سابعًا: كشف لطوبيا عن مفهوم قدسية الزواج، وأنه يهيئ له العروس التي تناسبه والتي تنطبق عليها وصايا الشريعة، وتأسيس عائلة مقدسة، أو كنيسة الأسرة الطاهرة. كما أرشده كيف يتخلَّص من الشيطان الذي كان يقتل كل من يتقدَّم للزواج بسارة. ثامنًا: إن كان موت الرجال السبعة الأمميين قد أثار كل مدينة راجيس، وأزعج الكثيرين، وحطَّم نفسية سارة، كما أزعج فكر طوبيا، فظن أن الزواج بسارة يحطم والديه تمامًا، إذا برئيس الملائكة يكشف لطوبيا عجز الشيطان الكامل أمام أناس الله كمؤمنين، سلاحهم الإيمان بالله والصلاة، لهذا قال لطوبيا: "لا تحسب لهذا الشيطان حسابًا" [16]. تاسعًا: عاد مع العائلة الحديثة الزواج: طوبيا وسارة، وأشار على طوبيا أن يُسرِع بالعودة إلى والديه ليشفي عيني والده طوبيت ويهيئ البيت لاستقبال العروس سارة. عاشرًا: وجَّه كلمن طوبيت وطوبيا ألاَّ يُقَدِّما له أجرة ولا شكرًا، لأن كل ما فعله في الحقيقة هو أعمال إله المستحيلات، محب البشر لأجل بنيانهما. حادي عشر: كشف لهما عن حقيقة شخصه ليُدرِكا أن السمائيين يعملون في طاعةٍ لله وفي حبٍ للبشرية. 1. طاعة الابن مع العجز عن التنفيذ [1- 3] فأَجابَ طوبِيَّا، وقالَ له: "يا أبَي كُلُّ ما أَوصَيتَني بِه أَفعله" [1]، ولَكِن كَيفَ أَتمكن من الحصول على الفضة، وأَنا لا أَعرِف (الرجل)؟ [2] عندئذٍ أَعْطاه طوبيت الصك، وقال له: "ابحث لَكَ عن رَجُلٍ يمضي معك وأنا أعْطيه أجرَهُ، وأمضِ الآن لتحصل الفضة وأنا حيٌّ" [3]. * إني أقول لكم يا إخوتي... ليحذر كل واحدٍ من أن يعدل عن مشورة مرشده يمينًا أو شمالاً، لئلا تَفْتَح أرض عدم الطاعة فاهها وتبتلعه، مثل أولئك الأشرار الذين لم يطيعوا الطوباوي موسى، ففتحت الأرض فاهها وابتلعتهم (عد 11: 32). * الطاعة التي هي بنت التواضع ليست أن يصنع الإنسان ما يشاء... ولكن هي أن يقطع الإنسان جميع هوى نفسه، ويعمل هوى الذي ائتمنه على نفسه، يعني الأب الروحاني، دفعة واحدة. مار فيلوكسينوس المنبجي * يا لسعادة من يُمِيت إرادته، ويترك تدابير نفسه لذاك الذي أعطاه الله إياه أبًا ومعلمًا، فسيكون موضعه عن يمين يسوع المسيح المصلوب . * طريق الطاعة هو أقصر المسالك، وإن يكن أكثرها صعوبة . القديس يوحنا الدرجي (كليماكوس) * يقدر الشيطان على اصطياد الإنسان الذي يثق في فكره الخاص، ويطمئن إلى إرادته الذاتية وحدها، لكنه لا يقدر على إنسانٍ يعمل كل شيءٍ بمشورةٍ. الأب دورثيئوس * في حالة واحدة فقط يليق بالابن ألاَّ يطيع أباه، إن كان والده يأمره بما يُخالِف الربّ إلهه. لأنه بالحق يجب على الأب ألاَّ يغضب حينما يُفَضِّل الله عنه. لكن إن أوصى أب ما هو غير مضاد لله، يجب الاستماع إليه كما إلى الربّ، لأن من يطيع أباه إنما يطيع الله. * أحد سمات الطاعة الحقيقية هي عدم المماطلة والتأجيل، بل تكون عينا (الشخص) دائمًا مستعدة للنظر، وأذناه للسمع ولسانه للتكلم. القديس أغسطينوس 2. لقاؤه مع مرشدٍ يقوده [4- 8] فذهب يبحَثُ عن رَجُلٍ، فوَجَدَ رافائيلَ المَلاكَ، ولَم يَعرفه [4]. فقالَ لَه: "هل يمكنني أن أذهب معك إلى راجيس بميديا؟ هل أنت خبير بهذه الأماكن؟ [5] قالَ لَه الملاك: "سأمضي معك، ولي خِبرَةٌ بالطريق. وقد كنت مقيمًا عند ِأَخينا جَبَعْئيلَ (غابيلوس)" [6]. عندئذٍ قالَ لَه طوبِيَّا: "انتظرني حتَّى أُخبِرَ أَبي" [7]. قالَ لَه: "امضِ ولا تُبطِئ" [8]. كان طوبيا في ذلك الوقت في أوائل العشرينات من حياته، ولم تكن له خبرة واسعة تُمَكِّنه من القيام برحلةٍ طويلةٍ خطرة مثل هذه إلاّ برفقة دليل أو مُرشِد. مثل هذا المُرشِد كان معروفًا في الأزمنة القديمة، بل وإلى الآن، لاسيما في المناطق التي تتخللها الجبال الشاسعة والوديان والبحار، بحيث تكون له الدراية الكاملة بدروب الصحراء، يهتدى بالنجوم والكواكب، وعن طريق وضع علامات أرضية يهتدى بها عند الرجوع، وقد حدث في التاريخ كثيرًا أن ضلّ الدليل فهلكت القوافل. تلامس الملايين من البشر عبر التاريخ مع مساندة الملائكة لهم، خاصة الملاك الحارس، حتى أن بعض القادة السياسيين اعترفوا بذلك. قيل عن چورچ واشنطن كثيرًا ما تحدَّث عن ملاكه الحارس ويحسب أنه مدين له في نجاحه في وادي Valley Forge. وأيضًا ابراهام لينكولن كان يطلب من الملائكة شفاء الأمة من الموت والدمار، والتمتُّع بالحكمة. يفرح الملائكة بالأكثر بتوبة الإنسان وخلاصه. نراهم يُطَوِّبون المدعوين للعُرْسِ السماوي، إذ اشترك الملاك المرافق للرسول يوحنا في البهجة السماوية، وقال له: "اكتب طوبى للمدعوِّين إلى عشاء عُرْسِ الخروف... وقال هذه هي أقوال الله الصادقة" (رؤ 9:19). يقول القديس إكليمنضس الإسكندري: [يقال إنه يكون فرح عظيم وعيد مُبهِج في السماوات عند الآب مع ملائكته عند عودة خاطئ واحد وتوبته .] ويقول العلامة ترتليان: [السماوات والملائكة الذين فيها يفرحون بتوبة الإنسان. آه أيها الخاطئ كن في بهجةٍ صالحةٍ! انظر كيف يكون فرح في الرجوع والتوبة ؟!] * الفارق بين الملائكة والبشر عظيم، مع هذا فإنه يجلبهم ليقتربوا إلينا أسفل... إنهم يعملون من أجلنا، ومن أجلنا يسرعون هنا وهناك (لخدمتنا)، ويترقَّبون مجيئنا (إليهم). هذه هي خدمتهم، انهم يُرسلون في كل طريق لحسابنا. القديس يوحنا الذهبي الفم * افحص تصرفاتك كل يومٍ، وقارنها بأحداث اليوم السابق وجاهد نحو التقدُّم. تقدم في الفضيلة، لتصير في صحبة الملائكة. اقضِ وقتك في خلوة لا لأيام وشهور بل لعدة سنوات، تُسَبِّح ربّك بالأغاني، ليلاً ونهارًا، مقتديًا بالشاروبيم. إن بدأت هكذا، وانتهيت هكذا مسافرًا في الطريق المستقيم إلى وقت قصير لامتحانك، فإنك بنعمة الله تدخل الفردوس بسراج نفسك المنير ببهاءٍ، لتفرح مع المسيح إلى أبد الأبد. آمين . القديس باسيليوس الكبير * كل الأجيال الذين كانوا من آدم إلى اليوم، يجدون رافائيل حصنًا للبشرية. كان ناصرًا لكل واحدٍ من القضاة والأنبياء والأبرار والملوك الصديقين. ولآبائنا الرسل القديسين، هو الذي أرشدهم، حتى ردّوا المسكونة إلى معرفة الحق. وللشهداء المجاهدين، الذين لربنا يسوع المسيح، لم يفارقهم جميعًا، حتى لبسوا الإكليل غير المضمحل. كان رافائيل يحيط بالنساك المختارين، التائهين في البراري، حتى أكملوا سعيهم. ملاك الرب يحيط بكل الذين يخافونه، يحرسهم ويُنَجِّيهم. فلنُمَجِّد الثالوث القدوس المساوي، لكي يحفظنا من التجارب. اشفع فينا يا رئيس الملائكة القديس رافائيل مفرِّح القلوب، ليغفر لنا خطايانا. ذكصولوجية لرئيس الملائكة رافائيل * إنهم (الملائكة) قادرون وراغبون أن يتكيَّفوا مع الخدمة البشرية. القديس أغسطينوس تظاهر رئيس الملائكة أنه ذاهب إلى نفس المدينة التي سيذهب إليها طوبيا. إن كان رئيس الملائكة قد ظهر لطوبيا متخفيًا ليكون في صحبته ويخدمه هو ومن يتعامل معهم، بطرقٍ فائقةٍ، فإن خالق السمائيين والأرضيين تأنس وتجسد كي يصير بيننا كواحدٍ منا، ويقيمنا من سقوطنا ويرفعنا إلى حضن أبيه. 3. لقاء حار بين طوبيت والمُرشِد الملائكي [9- 16] فَمضى وقال لأبيه: "انظر! قد وجدت من يمضي معي. "فقالَ له أبوه: "اُدْعه إليّ فأَعرِفَ مِن أَيِّ سِبْطٍ هو، وهل هو أَمينٌ لِكَي يُرافِقَكَ" [9]. فدَعاه ودخل وسلَّم أحدهما على الآخر [10]. فقال له طوبيت: "أخي، أخبرني من أي سبط ومن أية عشيرة أنت؟" [11] أجابه: أتسأل عن سبط أو عشيرة أم عن أجير يذهب مع ابنك؟ أجابه طوبيت: "أريد يا أخي أن أعرف شعبك واسمك [12]. عندئذ قال: "أنا عزريا بن حننيا العظيم، من إخوتك" [13]. قال له: "مرحبًا بقدومك يا أخي ولتكن سالمًا! ولا تغضب عليّ لأني سألتك عن سبطك وعشيرتك لأعرفهما. فأنت قريبي من شعب عريق خيّر. وأنا أعرف حننيا ويوناثان ابني شمعي العظيم عندما كنا نمضي معًا لنسجد في أورشليم، ونُقَدِّم البكور وعشور المحاصيل. وهما لم يضلا فيما ضلّ فيه إخوتنا، فأنت يا أخي من أصلٍ عريق [14]. وإنما أخبرني ماذا أعطيك من أجرٍ؟ هل دراخمة كل يومٍ بخلاف احتياجاتك أنت وابني [15] وعندما ترجعان سالمين سأعطيك أجرك وزيادة" [16]. ماذا وراء هذا اللقاء الحار بين طوبيت التقي ورئيس الملائكة؟ ولماذا أورد السفر شيئًا من تفاصيل ما حدث في هذا اللقاء؟ أولاً: يرى البعض أن رئيس الملائكة إذ ظهر كإنسانٍ، أخذ نفس شكل عزريا، ولهذا دعا نفسه باسم من أخذ شكله. لم يتوقَّع طوبيت أن الذي أمامه ملاك، لهذا لم يسأله إن كان إنسانًا أم ملاكًا. لقد تعامل الملاك معه كإنسانٍ حتى لا يرتعب أحد منه. تظاهر رئيس الملائكة رافائيل باسم عزريا بن حننيا العظيم. الاسم الذي ذكره الملاك هنا هو تعبير عن الرسالة التي سيقوم بها. فعزريا تعني "الله يساعد"، وحننيا تعني "الله حنان"، وهما سمتا الملاك المرسل من الله، أو عون الله المرتبط بحنانه نحو بني البشر. وقوله "العظيم" يعود على يهوه. والمعنى أنا خادم الله العظيم الذي من حنانه أرسلني لأُقَدِّم لكم حنانه خلال خدمة عظيمة. الله العظيم بحنانه سيشفي طوبيت، وينقذ سارة، ويطرد الشياطين ويفنيهم. حقًا فالله لا يبقى مديونًا. لقد خدم طوبيت الله، فردّ له الله أضعاف مضاعفة. ثانيًا: قال عن نفسه إنه من بني إسرائيل ومن سبط نفتالي وأنه نزل عند أخيه غابيلوس، يعني أنه مُكَلَّف بحراسة شعب الله في هذا المكان، وأنه أتى من عندهم. (دا 12:10، 13، 20؛ خر 20:23). ومن ضمن الذين كان يقدم لهم خدمات غابيلوس، لذلك قال: "كنت نازلاً عند أخينا غابيلوس". على الرغم من أن الملاك طمأن طوبيا الشيخ بأنه سيرافق ابنه في الطريق التي يعرفها جيدًا والعودة به سالمًا، إلاّ أن الشيخ رغب في معرفة سبط الرفيق وعائلته، وهي عادة قديمة مازالت منتشرة حتى اليوم، وهي الرغبة في معرفة البلد والعشيرة التي ينتمي إليها الشخص ولا سيما أن هناك ما كان يربط الطرفين مصالح مُعَيَّنة، عسى أن يكون ذا قرابة فتستريح بذلك القلوب . ثالثًا: كانت العادة قديمًا، في مثل تلك الحالات، هي أن يأخذ الدليل أجرًا يتَّفِق عليه نظير الرحلة كلها، أو يُعطى أجرًا يوميًا بالإضافة إلى معيشته (طعام وشراب...). أمّا نحن ففي غربتنا هذه يصبح الله هدفنا والكتاب المقدس رفيقنا وسير الآباء وأقوالهم علامات الطريق. سُرّ طوبيت بأن طوبيا ابنه سيكون في رفقة شخصٍ أمينٍ يرافقه في الرحلة، ويعود الاثنان بسلام [15]. وسُرّ الآب أن يرسل ابنه الوحيد لكي يكون في صحبة المؤمنين به، يُقَدِّم لهم الخلاص ويصعد بهم إلى الأحضان الإلهية في السماء، ويصيرون "ورثة الله ووارثون مع المسيح" (رو 8: 17). 4. طوبيا يستعد للسفر [17] اتفقا على ذلك، ثم قال لطوبيا: استعد للرحلة فستنجح. فاستعد ابنه للسفر، ثم قال له أبوه: "امضِ مع الرجل، والله الساكن في السماء ينجح سبيلكما، وليصحبكما ملاكه. فخرج الاثنان ومعهما كلب الفتى [17]. لم يكن يدري طوبيت أن الله استجاب لطلبته قبل أن ينطق بهذه الكلمات، وأن الذي مع ابنه هو رئيس الملائكة رافائيل. ربما يتساءل البعض لماذا قيل: فخرج الاثنان ومعهما كلب الفتى؟ هل كان لكلب الفتى دور في الرحلة؟ ماذا يشغل الكتاب المقدس إذ يُسَجِّل أن كلبًا كان يُرافِق طوبيا وهو في صحبة رئيس الملائكة رافائيل في رحلته؟ أوضح القديس باسيليوس الكبير أن الله خلق الحيوانات والطيور ليس فقط لخدمتنا، وإنما كي نتعلَّم منها. لأنها ما تفعله بالغريزة دون تفكير لا نُمارِسه نحن بالرغم مما وهبنا الله به من عقلٍ وإمكانياتٍ. من بين هذه المخلوقات الخفاش كمثالٍ حين ينام يمسك أحدها بأحد جناحيه فرعًا من الشجرة وبالجناح الآخر يمسك في جناح خفاشٍ آخر، وهكذا حتى يصير المنظر من الخفافيش أشبه بنصف دائرة والكل مرتبط ببعضه البعض، الأمر الذي كثيرًا ما يفشل البشر في ممارستهم مع بعضهم البعض. وتحدَّث القديس عن حيوان برمائي متى خرج كجماعة معًا إلى الشاطئ كان الصيادون لا يتحركون من الشاطئ متوقعين قيام عاصفة خطيرة من الأمواج خلال ساعات. والسمك في هجرته تتحرك آلاف من الأسماك تحت قيادة سمكة واحدة في طاعة عجيبة، الذي لا يستطيع الإنسان القيام به حتى في الجيوش المنظمة، إذ يحتاج القائد العام للجيش إلى قادة أقل منه في الرتبة وكل من هؤلاء القادة يعتمد على قادة أقل رتبةٍ. وأيضًا النحل يعمل معًا تحت قيادة ملكة واحدة. مثل هذه الأمور وغيرها يعجز الإنسان عن ممارستها. هكذا إن كان طوبيا قد انطلق في رحلته تحت قيادة رئيس الملائكة المتخفي، ولئلا يسقط في الكبرياء أنه يتمتع بالطاعة لمُرشِده، أراد الله أن يُظهِر له أن الكلب الأعجم يرافقهما مع شعور بالرضا والسعادة والطاعة، فيلزم لطوبيا أن يتعلَّم منه! * ماذا أقول عن الكلاب التي لها غريزة طبيعية لتُظهِر الاعتراف بالجميل وتحرس أصحابها لسلامتهم؟ هنا يصرخ الكتاب المقدس لناكري المعروف والكسالى والجبناء: "كلاب بُكم لا تقدر أن تنبح" (إش 56: 10). لقد أُعطِي للكلاب القدرة أن تنبح لأجل الدفاع عن سادتها وبيوتهم. هكذا يليق بك أن تستخدم صوتك من أجل المسيح عندما تهجم الذئاب المُفترِسة على قطيعه. لتكن الكلمة مستعدة على شفتيك لئلا تصير ككلب حراسةٍ صامتٍ، فبعدم أمانتك تفقد الثقة المعهودة فيك. مثل هذا الكلب كان صديقًا مرافقًا لملاكٍ. ليس باطلاً جعل رافائيل في السفر النبوي أن يرافق هذا الكلب ابن طوبيت عندما انطلق إلى رحلة، كي يطرد أسموديوس، ويتحقَّق الزواج. طرد الشيطان بالعرفان بالجميل والوحدة الراسخة. هكذا خلال الحيوان الأعجم كان الملاك رافائيل يُوَجِّه الصبي الذي وافق على الحماية ولديه نزعة العرفان بالجميل في داخله. كيف لا يشعر بالخجل إذا لم يقدم الشكر للذين يستحقّونه، حينما يرى حتى الحيوان لن يقبل الجحود؟ هذه الحيوانات تحمل ذاكرة شاكرة للمؤازرة المطلوبة. ألا تذكر أنت الخلاص الذي تقبَّلته؟ القديس أمبروسيوس يرى البعض أن الكلب يقوم بحراسة القطيع من اللصوص ومن الحيوانات المفترسة؛ هكذا يليق بخادم الكلمة أن يحفظ المخدومين من الأرواح الشريرة أو حيل الشيطان وخبثه، وأيضًا من الهراطقة. 5. حنة تبكي لسفر ابنها [18- 22] فبكت حنة أمه، وقالت لطوبيت: لماذا أرسلت ابننا؟ أليس هو عكاز أيادينا في دخوله وخروجه أمامنا؟ [18] لا تجمع فضة على فضة، فلتكن فدية لابننا [19]. ويكفينا ما أعطاه لنا الربّ لنعيش به [20]. فقال لها طوبيت: "يا أختي لا تقلقي، فسيأتي سالمًا وتراه عيناكِ [21]. فالملاك الصالح يسير معه، وسيُنجح طريقه ويعود سالمًا [22]. بكت حنة لأن ابنها الوحيد يذهب في رحلة طويلة لتحصيل ما أودعه زوجها لدى غابيلوس، وخشت أن تفقده في شيخوختها. بثقةٍ ويقينٍ قال لها طوبيت رجلها: "لا تبكِ، إن ولدنا سيصل سالمًا... إني واثق أن ملاك الله الصالح يصحبه". كان يطلب دائمًا في صلواته رفقة الملاك لابنه، والرب استجاب له. اعتبرت الأم السفر في هذه الحالة، مغامرة غير محمودة العواقب، وخافت على ولدها الصغير، من اللصوص والأخطار، ويُحسَب لها تقديرها للنفس البشرية أكثر من المال، على الرغم من الاحتياج الذي تعاني منه مع زوجها وابنها، حيث من المنتظر أن يعود طوبيا بمبلغ طائل يفك كربتهم، ويُبعد عنهم شظف العيش. لكن إيمان طوبيت هنا أيضًا يفوق إيمان زوجته حنة، كما أن ثقته في الله وفي الرفيق عظيمة جدًا، ولذلك طمأنها بثقة أن الله سوف يحفظه سالِمًا، وهكذا فإن الكلام الطيب يصرف الحزن ويُطَيِّب القلب، لاسيما إذا كان صادرًا من قلبٍ مؤمنٍ مختبرٍ لعمل الله في حياته. هنا يظهر بوضوح المدلول اللاهوتي للسفر، فطوبيت الأب يرمز للآب إذ أرسل طوبيا الابن رمز للابن المتجسد الذي جاء إلى العالم ليسترد ما فُقِد، ويقوم الملاك رافائيل بدور الرسول أو الخادم الكارز. أَكَّد طوبيت لحنة زوجته أن طوبيا سيأتي سالمًا وتراه عيناها. إنها صورة رمزية لعمل ربّ المجد فينا حيث نزل إلينا وسيعود بنا إلى بيت أبينا السماوي سالمين، أو صالحين حاملين شركة سماته فينا، إذ نصير بالحق أيقونة حية وعلى مثاله. إننا نعود إلى حالٍ أعظم مما كان فيه أبوانا آدم وحواء في جنة عدن. من وحي طوبيت 5 هَبْ لي أن أُقَدِّم وديعة الفضة لإخوتي! * ظن طوبيت أن الحل الوحيد هو الموت، كي ينطلق إلى الأحضان الإلهية. اعتاد أن يسمع له الله في كل طلباته، بدأ يستعد للرحيل من هذا العالم. لكن كيف يترك ابنه طوبيا فقيرًا فلا يُعطي بسخاء! تذكَّر وديعة سلَّمها منذ سنوات لدى غابيلوس. إنها عشر وزنات من الفضة، وهي تُمَثِّل رقمًا كبيرًا من المال. * ما هذه الوديعة إلاَّ الوصايا الإلهية أو وصايا موسى العشر؟! ماذا نُقَدِّم للجيل القادم أو الأجيال القادمة سوى كلمة الله التي عشناها؟! هذه هي أثمن وديعة نُقَدِّمها لأبنائنا وأحفادنا. يرون وصايا الله مُسَجَّلة بروح الله في قلوبنا. يرونها مكتوبة على أجسادنا المقدسة الطاهرة. ومترجمة بالعواطف الملتهبة حبًا لله والناس. هذا هو ما نُقَدِّمه ميراثًا لأحبائنا! وديعة طوبيت كانت لدى غابيلوس، لم يعرف طوبيا الطريق إليه ولا ما يثبت أنه ابن طوبيت صاحب الوديعة. * اشتاق طوبيت أن يسترد ابنه الوديعة، فلا يتركه محتاجًا. كان مستعدًا أن يُقَدِّم له صك الوديعة، ويدفع أجر من يُرافِق ابنه الطريق إلى غابيلوس. الصك بين أيدينا هو كلمة الله المُسجَّلة في حياتنا وعبادتنا وسلوكنا. أما الرفيق الذي يبلغ بنا إلى غابيلوس، فهو الشركة مع القديسين بعمل روح الله القدوس. * كان طوبيت يصرخ في قلبه أن يرسل الربّ إنسانًا مقدسًا ليكون ابنه ورفيقه في صحبة ملاك! استجاب الله له، فلم يرسل إنسانًا يصحبه ملاك، بل أرسل إليه رئيس الملائكة متخفيًا في شكل إنسانٍ! * كانت السماء في مصالحة مع طوبيت البار، فقدَّم لابنه رئيس الملائكة وهو لا يدري! هب لي يا ربّ شركة مع السمائيين، فتتمتع الأجيال القادمة بالشركة معهم! _____ |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
أنمو فيك وأتهلل بك أيها الابن المطيع |
اتحادي بك أيها الابن المطيع يهبني هذا كله |
مزمور 119 | هب لي الحياة المطوبة أيها الابن المطيع |
الابن الأكبر المطيع |
مثل الابن الضال و الابن المطيع |