مزمور 132 (131 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير
هذا المزمور يتكلم عن إقامة المسيح ملكًا، فبعد أن رأيناه في المزمور السابق متضعًا نراه يجلس ملكًا على كرسي داود (آية 11) وأعداؤه يلبسون الخزي (آية 18).
من ناحية المصاعد، فهذا المزمور يرتفع درجة عن المزمور السابق، الذي اتضعت فيه النفس تمامًا فسكن الرب فيها وعندها (أش15:57) فيقول المرنم هنا الرب اختار صهيون، اشتهاها مسكنًا له.
ونصلي هذا المزمور في النوم لنذكر أننا يجب أن نجد مكانًا للرب في قلوبنا قبل أن ننام.
يقال أن داود هو الذي كتب المزمور معبرًا عن اشتهائه أن يبني بيتا للرب. أو حين نقل تابوت العهد في حفل ورقص. ويقال أيضًا أن الذي أنشده سليمان حين نقل التابوت إلى الهيكل، وربما هذا هو الأدق، إذ نجد بعض آيات هذا المزمور في صلاة سليمان (2أي41:6، 42).
الآيات (1-5): "أذكر يا رب داود كل ذله. كيف حلف للرب نذر لعزيز يعقوب. لا أدخل خيمة بيتي لا أصعد على سرير فراشي. لا أعطى وسنًا لعيني ولا نومًا لأجفاني. أو أجد مقامًا للرب مسكنًا لعزيز يعقوب."
لم يجد المرتل فضيلة في داود أثمن من ذله ووداعته وتواضعه. فحيثما يوجد التواضع نجد الله ساكنًا. وكل نفس مؤمنة لا تستريح ولا تهدأ، إلا إذا صارت هيكلًا لله، والله يرتاح فيها كمسكن له. والمرتل يذكر أن داود حينما بنى بيته لم يهدأ لأنه لم يكن قد بنى بيتًا للرب يستريح فيه الرب. أو أجد مقامًا للرب = أي أنه لن يستطيع أن ينام في قصره إن لم يجد مسكنًا يقيم فيه إله يعقوب، هكذا نذر داود للرب ولكن الرب طلب من داود أن يبني سليمان البيت، فابن داود أي سليمان الملك يرمز للمسيح ابن داود الذي سيبني الهيكل أي جسده (يو21:2). وسليمان هنا لو كان هو مرتل هذا المزمور، نجده بعد أن أتم بناء الهيكل يرتل بهذه الكلمات بمعنى أنه وفي نذر أبيه.
آية (6): "هوذا قد سمعنا به في أفراته. وجدناه في حقول الوعر."
هوذا قد سمعنا به في أفراثه = عندما عزم داود أن ينقل تابوت الرب إلى أورشليم أخذ يسأل عن مكانه فقيل له أنه في أفراته وهي بيت لحم (تك19:35) وجدناه في حقول الوعر= وهم وجدوا تابوت العهد في قرية يعاريم (1أي5:13) وهي تبعد عن أورشليم 11 ميل من جهة جنوب الغرب. وسميت موضع الغابة لأن المنطقة مقاطعة مملوءة بالأشجار. وكلمة يعاريم تعني لغويًا غابات أو وعر (قاموس الكتاب) والكنيسة تفسر هذه الآية عن اجتهاد داود في البحث عن التابوت في بيت لحم وتعبه في إعداد مكان مناسب له يضعه فيه على تجسد ربنا يسوع المسيح من القديسة العذراء حيث ولدته في بيت لحم. ونلاحظ معاني الكلمات. بيت لحم = بيت الخبز، إفراتة = مثمر. فالمسيح قدم جسده لنا خبزًا نأكله، وبعد أن كنا غير مثمرين كشجر الوعر صرنا مثمرين. وهو موجود وسط كنيسته يعمل دائما ليحول كل من كان وعرا غير مثمر فى شعبه إلى شخص مثمر.
آية (7): "لندخل إلى مساكنه لنسجد عند موطئ قدميه."
المعنى المباشر، لندخل إلى الهيكل مسكن الله وموطئ قدميه. وهذه كانت نبوة فالرعاة ذهبوا وسبحوا لمولود بيت لحم. والمجوس سمعوا عنه وأتوا ليسجدوا له.
آية (8): "قم يا رب إلى راحتك أنت وتابوت عزك."
هذه قيلت غالبًا عند نقل التابوت إلى الهيكل، عوضًا عن التنقل مع الخيمة، فصار الهيكل مكان راحة واستقرار. ولقد وجد السيد المسيح راحته في بطن العذراء مريم لذلك شبهت الكنيسة في تسابيحها العذراء مريم بالتابوت. وتعتبر الآية نبوة عن قيامة الرب يسوع بجسده الممجد (كان التابوت من خشب مغشى بذهب رمز لاتحاد اللاهوت بالناسوت) ثم صعوده بهذا الجسد إلى السموات وجلوسه وراحته عن يمين أبيه. والكنيسة المقدسة هي مكان راحته. وبهذا نصلي قم وإظهر أن الكنيسة هي مكان راحتك وإظهر مجدك فيها.
آية (9): "كهنتك يلبسون البر وأتقياؤك يهتفون."
هنا المرنم يتطلع إلى واجب الكهنة إذ حل الله بمجده وسط هيكله بدخول تابوت عهد الله، ويوصي الكهنة بأن يلبسوا البر. والشعب الأتقياء يهتفون ويسبحون لوجود الله وسطهم. وهذه الصورة يجب أن تكون في الكنيسة، كهنة قديسين وشعب مسبح ولكن يلبسون البر= البر الذي بالمسيح، وليس البر الشخصي. فنحن تبررنا بدمه. والكنيسة كلها تبررت بدم المسيح، وعليها أن تحيا حياة الشكر والتسبيح.
آية (10): "من أجل داود عبدك لا ترد وجه مسيحك."
سليمان هنا يتشفع بأبيه داود المحبوب جدًا عند الله (عقيدة الشفاعة) أن يرضى عليه ويسمع له ويبارك الهيكل الذي بناه ويسكن فيه ويتقبل صلواتهم فيه، ولقد استجاب الله بنزول نار من السماء وأكلت المحرقة (2أي1:7) ويصلي سليمان أيضًا أن يستجيب الله له بشفاعة داود أبيه أن يجلس على كرسي داود أبناء سليمان دائمًا، كما وعد الله داود بذلك.
الآيات (11، 12): "أقسم الرب لداود بالحق لا يرجع عنه. من ثمرة بطنك أجعل على كرسيك. إن حفظ بنوك عهدي وشهاداتي التي أعلمهم إياها فبنوهم أيضًا إلى الأبد يجلسون على كرسيك."
راجع وعد الله لداود في (2صم12:7-16). وتحقق وعد الله جزئيًا في ملك سليمان وابن سليمان ونسله لفترة طويلة حتى سبي بابل. وتحققت هذه النبوة في المسيح فعلًا الذي سيملك على كنيسته إلى الأبد.
الآيات (13، 14): "لأن الرب قد اختار صهيون اشتهاها مسكنًا له. هذه هي راحتي إلى الأبد ههنا أسكن لأني اشتهيتها."
الله أحب صهيون أي أورشليم لأن عبادته في الهيكل كانت فيها، وهناك يذكر اسمه بالتسبيح وبالحب. ولكن قوله إلى الأبد= يجعلنا نفهم أن المقصود ليس أورشليم نفسها فأورشليم خربت أثناء سبي بابل، ثم عادوا وبنوها. وخربت نهائياً بعد سنة 70م على يد تيطس. أما صهيون التي أحبها الله ويرتاح فيها للأبد هي الكنيسة هنا على الأرض وفىأورشليم السمائية حيث "مسكن الله مع الناس" (رؤ21 : 3) وهذا سيكون للأبد.
الآيات (15، 16): "طعامها أبارك بركة مساكينها أشبع خبزًا. كهنتها ألبس خلاصًا وأتقياؤها يهتفون هتافًا."
حين يسكن الله وسط جماعة أو كنيسة يباركها (تث2:28-6) = طعامها أبارك بركة. ومساكينها أشبع خبزًا= هنا يتكلم عن الخبز الروحي أي التناول من جسد المسيح ودمه، فنجد في هذه الآية أن الله يبارك بركة مادية وبركة روحية لمن يسكن عنده. ومن يشبع هم المساكين أي المتضعين ، فهؤلاء يسكن الله عندهم (اش 57: 15).
كهنتها ألبس خلاصًا= هذا رد على آية (9) للتأكيد. فالله سينفذ وعده ويخلص ويبرر.
الآيات (17، 18): "هناك أنبت قرنًا لداود. رتبت سراجًا لمسيحي. أعداءه ألبس خزيًا وعليه يزهر إكليله."
هذه نبوة صريحة عن المسيح (لو68:1-72) فالمسيح هو القَرْن إشارة لقوة عمله. وهو السِرَاج فهو نور العالم. والله هيأ جسداً لمسيحه من بطن العذراء= رَتَّبْتُ سِرَاجًا لِمَسِيحِي = وهذا الجسد كان سراجاً، ينير للعالم بل يضئ لكل من يقترب منه فيصير أيضاً نوراً للعالم. والمسيح ألبس أعداءه الخزي= فإبليس إندحر واليهود قد تشتتوا في العالم كله. وملك هو على كنيسته= عَلَيْهِ يُزْهِرُ إِكْلِيلُهُ. وجاءت العبارة في السبعينية "عليه يزهرقدسي" وفي الإنجليزية "لكن عليه هو نفسه تاج يشع منه بريق مجده" وبهذا نفهم المعنى أن جسد المسيح صار يشع منه مجده وقداسته التي إزدادت إزدهاراً أو وضوحاً وأصبحنا ندركها بعد قيامته وصعوده وجلوسه عن يمين الآب، وإنتصاره القوى على إبليس وعلى الموت وعلى الخطية. وهذه العبارة جاءت بعدما تكلم عن جسد المسيح الذي ظهر في إتضاع أولاً، ثم ظهر أنه يهوه نفسه، خاصة بعد قيامته. وهذا ما كان يعنيه بولس الرسول بقوله "تعين إبن الله بقوة من جهة روح القداسة بالقيامة من الأموات" (رو4:1). وهذا ما رأي التلاميذ الثلاثة قبساً منه في التجلي، وهذا ما رآه يوحنا من صورة المسيح في (رؤ1). إِكْلِيلُهُ = فهو ملك الملوك .
قدسى (سبعينية) فهو القدوس وحده.
وكلما تأملنا في عمل المسيح وتجسده وفداءه وعظم محبته يزداد اكليله لمعانا واشراقا وبهاءاً ، إكليله الذي علي رأسه الذي هو علامة ملكه علينا . ونحن نملكه علينا ليس بالإجبار ولكن بهذا الحب الذي ملأ قلوبنا.