نازفة الدم
يَا ابْنَةُ، إِيمَانُكِ قَدْ شَفَاكِ
( مرقس 5: 34 )
(1) الاحتياج الشديد والإيمان: اندَّست هذه المُباركة بين أكابر مجمع كفرناحوم تتلهف لحظة وصول السيِّد لتنال احتياجها. فخذلان الطب والأطباء لها (تألمت من أطباء كثيرين) اثنتي عشرة سنة، وكثرت آلامها (صارت لحالٍ أردأ) وفقدان كل ما لها (أنفقت كل معيشتها) لم يصنع إلا أن ألهب ما تبقى في قلبها من إيمان حقيقي لتنال ما تحتاج. وإن كان الاحتياج الحقيقي هو المجرى الذي تتدفق من خلاله النعمة، فالاحتياج الشديد هو القوة الحقيقية التي تدعِّم الإيمان أثناء انتظاره للإجابة، بل وتدفعه للاقتحام للوصول للسيِّد لطلب المعونة وتقديم الاحتياج .. وهذا ما فعلته هذه القديسة إذ اقتحمت الجماهير ولمَسَت هُدب ثوبه فشُفيت. وهي لا تمتلك أكثر مما نمتلك نحن؛ وهو الاحتياج الشديد يدعَمه الإيمان.
(2) الايمان يعمل بجرأه: (أ) مباركة هي نازفة الدم، ومبارك إيمانها الذي اقتحم مجال القوة الالهية دون استئذان، فأخذت ما شاءت من شفاء لجسدها وطُهر لنفسها. (ب) والإيمان هو اليد الوحيدة القادرة أن تقتطف من ثمار القوة الإلهية. وما أروعه إيمانًا يخطف ما يحتاجه ويمضي في هدوء وسلام تام! (ج) وإجابة إيمان نازفة الدم لم يكن توهمًا أو مجرد اعتقادات، ولكنه أخذ قوة محسوسة خرجت من رب المجد، واستقبلها الإيمان، ودخلت جسدها وأحسَّت بها تسري في عروقها وتداوي مرضها. (د) وما أروعه إيمانًا يعمل في سرية تامة! وعادةً ما تتمشى سرية الإيمان مع عظمته، فالعلاقة بين الإيمان (النفس) ورئيس الإيمان (عريسها) علاقة لا يتدخل فيها ولا يعرف أسرارها كائن مَنْ كان.
(3) تشجيع رئيس الإيمان للإيمان: أوقف تبارك اسمه كل الموكب الذي معه وسأل: مَنْ لمسني؟ وسؤال السيد يُشعِرنا وكأن هذه المرأة قد أخذت من المسيح ما ليس من حقها. ولكنه تبارك اسمه على العكس تمامًا أعلن سعادته بلمستها، موافقًا تمامًا على فِعلتها، مؤكدًا أن قوته على المشاع للإيمان، ليأخذ ما يحتاج. كما نالت هذه المباركة كلمات النعمة من شفتيه والتي هي أثمن بكثير من الشفاء إذ طوَّب السيد إيمانها (إيمانك قد شفاكِ) مُعلنًا أنه أساس شفائها وليست لمْسَتها. كما ملأ قلبها الجديد بالسلام (اذهبي بسلام) قبل أن يصرفها.
طوبى لإيمان نازفة الدم: الذي أخذ من مجد قوته، وكلمات نعمته، وسلام محبته.