رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الراهب الشاب أبونا أنطونيوس السرياني
الرهبنة الحقيقية: جاء في مجموع القوانين أن الرهبنة هي:
ذات يوم في أيام الصيف سنة 1954 ودَّع الشاب نظير كل شيء في العالم وخرج منه باختياره حاملًا القليل من كتبه وملابسه. كان معه اثنان تصادف ركوبهما معًا في أتوبيس الطريق الصحراوي إلى "الرست" Rest House. استراح الثلاثة قليلًا ثم انطلقوا سيرًا على الأقدام متجهين صوب دير السريان، ولم يعلما أن نظيرًا إنما كان قد عقد العزم على أن يستقر في الدير، وكانت زيارة الاثنين خاطفة لمدة يومين. كان الشاب نظير سبق أن تدرب على أمور كثيرة للترهب عن محبة متدفقة لا تستطيع سيول كثيرة أن تطفئها -لا عن اضطرار وهروب من العالم- كان يتردد كما قلنا على الدير في الإجازات وفي أوقات كثيرة حتى في الأعياد، وكان يمارس في العالم عبادات كثيرة، ولذلك لم تكن الحياة داخل أسوار الدير مستغربة لديه. دخل الدير وكانت فرحته بالرهبنة كبيرة وأخذ يجهد نفسه في عبادات حارة، وفي أصوام وصلوات واطلاع متصل في الكتب المقدسة.. وفاح عبير نسكه وتقشفه فلم تنقض إلا فترة قصيرة حتى سيم راهبًا باسم الراهب أنطونيوس وكان ذلك في 18/7/1954. وكان إنجيل القداس الذي تلي هو إنجيل القداس الذي سمعه القديس الأنبا أنطونيوس، (إن أردت أن تكون كاملا اذهب بع كل مالك وتعال اتبعني حاملًا الصليب، ويبدو أنه من هنا جاءت تسمية الشاب نظير بالراهب أنطونيوس. وهكذا كما كان ناجحًا في العالم كان ناجحًا في الرهبنة. وكما قلنا مرارًا كثيرة في كتاباتنا أن أديرة الرهبان كانت معاهد ممتازة للتدريب على القداسة يتخرج فيها فطاحل القديسين الممتازين والمتبحرون في العلوم الدينية فقد انخرط في سلك الرهبنة الجزيل الشريف القديس أرسانيوس معلم أولاد الملوك،والقديس كيرلس الكبير عمود الدين الذي تتلمذ سبع سنوات لدى القديس سيرابيون الحكيم ببرية القديس مكاريوس. وقلنا إنها لم تكن فرارًا من ضيق الحياة أو الاضطهادات والشدائد والأتعاب أو لمتعطل يتخذها ملجأ وملاذًا أو لراغب في رتبة كهنوتية يشتاق إليها وهو في العالم ولا يستطيع الوصول إليها.. لكن هي على النقيض من كل ذلك، هي محبة متدفقة غامرة كالسيل الجارف لا يستطيع أي كائن منعها - هي محبة كل القلب ومن كل الفكر ومن كل القوة لا تستطيع أن تجد لها مكانًا إلا بالجلوس كل حين مع الرب يسوع. الرهبان الحقيقيون يموتون عن العالم فلا يكون للعالم مكان عندهم. ولذلك فإن طقس إقامة الراهب لا يؤدى عبثًا إذ ينطرح أرضًا ويصلون عليه صلاة الموتى نفسها -هم قوم أماتوا أهواء القلب والفكر، كما تموت حبة الحنطة المدفونة في أعماق الأرض لنأخذ حياة جديدة مثمرة- إن في ذلك محبة حقيقية للمسيح، باذلة مضحية تعلو بالنفس إلى أسمى مقدار وتسمو بها عن المادة وتربأ بها عن الضلال. استمر في الرهبنة في دير السريان من سنة 1954 إلى سنة 1962 من هذه المدة بعض الوقت في دير أنبا صموئيل وبعضه في المقر البطريركي - وفي هذه الثماني سنوات كان يزداد استمرارًا في النسك وإمعانًا في العمق وانطلاقًا في العبادة وتفتيشًا في المخطوطات والكتب المقدسة وتعمقًا في دراستها. ساعده في ذلك صفاء ذهنه وتوقده، وعمق تفكيره وبعده عن السطحية وتذويبه المشاغل والمعوقات في بوتقة البرية المقدسة ليتوفر على الدراسات الرفيعة في كل فروع المعرفة. ولما تبلورت أعماله الفذة في هذه الثماني سنوات أظهرت ما كمن من مواهبه وأبرزت ما خفي من فضائله لتعد الطريق أمامه للمنصب الكبير والعمل الخطير الذي ينتظره. عندما عمل أمينًا للدير بعض الوقت كان مثاليًا فتقدم رهبان البرية بقدوته المثلى وبمشورته النافعة، فضلًا عن ذلك فإنه لم يكتف بأن يحيا حياة الرهبنة العادية فحسب بل مارس حياة التوحد. |
|