القس فيلوباتير مجدي
لماذا ندرس ذبائح العهد القديم حتى يومنا هذا؟
الرد
- أراد الله ان يوضح للإنسان أنه لا خلاص بدون سفك دم، ولأن عقل الإنسان (في العهد القديم) لن يستوعب قصة الفداء بصورة مباشرة، أراد الله أن يمهد للإنسان هذا الحدث الأهم في تاريخ البشرية.
- فتم ذلك من خلال ترتيب الذبائح والفرائض الطقسية في التوراة للإشارة إلى دم الفادي (السيد المسيح)، وأوضح أن الطريقة الوحيدة لمغفرة الخطايا هي سفك الدم، وأن دم الحيوانات لا قيمة له في حد ذاته، إلا في أنه يرمز إلى دم المسيح.
- لقد رتب الله الرمز (تقدمات وذبائح العهد القديم) لتشير بصورة واضحة وفائقة الدقة إلى المرموز إليه (ذبيحة الصليب).
+ لا يلزم أن يكون الرمز (الذبائح والتقدمات في العهد القديم) من نفس جوهر او قيمة المرموز إليه (ذبيحة السيد المسيح).
مثال: خروف الفصح كان رمزًا للمسيح.
+ يجب أن ندرك جيدا أن الهدف من الرمز هو تمهيد وتهيئة العقول للمرموز إليه فقط، ولا يمكن أن يكون هناك تطابق كامل بين الرمز والمرموز إليه.
- فالتوراة تحتوي علي الكثير من الرموز التي تشير إلى المسيح وملكوته (بهدف التمهيد لقبول عمل السيد المسيح الخلاصي وملكوته).. فالتوراة (بل والعهد القديم كله) هو تمهيد صريح للإنجيل.
+ فما أشارت إليه التوراة بالتلميح أوضحه الإنجيل بالتصريح.
مثال: فالمعلم الماهر في عمله يعلم تلاميذه المبادئ والبديهيات، ثم يرتقي معهم بالتدريج للحقائق العالية، فيصبح الطلاب أكثر قدرة علي الإستيعاب.
- هذا ما فعله الله مع البشرية في إيضاح الحقائق الإلهية بالتدريج حسبما يستوعب العقل البشري وخبراته في التعامل مع الله:
- ”وَلِلْقَادِرِ أَنْ يُثَبِّتَكُمْ، حَسَبَ إِنْجِيلِي وَالْكِرَازَةِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، حَسَبَ إِعْلاَنِ السِّرِّ الَّذِي كَانَ مَكْتُومًا فِي الأَزْمِنَةِ الأَزَلِيَّةِ، وَلكِنْ ظَهَرَ الآنَ، وَأُعْلِمَ بِهِ جَمِيعُ الأُمَمِ بِالْكُتُبِ النَّبَوِيَّةِ حَسَبَ أَمْرِ الإِلهِ الأَزَلِيِّ، لإِطَاعَةِ الإِيمَانِ ” (رو 16: 25 - 26).
- ” الَّذِينَ أَرَادَ اللهُ أَنْ يُعَرِّفَهُمْ مَا هُوَ غِنَى مَجْدِ هذَا السِّرِّ فِي الأُمَمِ، الَّذِي هُوَ الْمَسِيحُ فِيكُمْ رَجَاءُ الْمَجْدِ. ” (كو 1: 27).
السيد المسيح جاء ليكمل الشريعة والناموس وليس لينقضها “«لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ.” (مت 5: 17).
وللتوضيح أكثر سأسرد بعض النقاط الهامة عن ذبائح العهد القديم:
الذبائح:
- حكم الله أن النفس التي تخطئ تموت، لأنه قدوس طاهر يكره الإثم. وهذا الحكم يسري على الجميع بلا استثناء، لأن الجميع أخطأوا.
- جاءت ذبيحة الصليب لتحقق العدل والرحمة “الرَّحْمَةُ وَالْحَقُّ الْتَقَيَا. الْبِرُّ وَالسَّلاَمُ تَلاَثَمَا.” (مز 85: 10)، استوفي العدل الإلهي حقه بذبيحة الصليب.
- جاءت ذبائح العهد القديم لتشير وتمهد ذهن البشرية إلى ذبيحة المسيح ” لأَنَّ نَفْسَ الْجَسَدِ هِيَ فِي الدَّمِ، فَأَنَا أَعْطَيْتُكُمْ إِيَّاهُ عَلَى الْمَذْبَحِ لِلتَّكْفِيرِ عَنْ نُفُوسِكُمْ، لأَنَّ الدَّمَ يُكَفِّرُ عَنِ النَّفْسِ.” (لا 17: 11)
- الكفارة = التغطية والسَّتر، فبالذبيحة مهد الله ذهن الإنسان أن التغطية بالدم (الكفارة) ستكون هي سبب حياة الإنسان بعدما كان محكوما عليه بالموت بعد السقوط في جنة عدن.
+ فالذبائح أشارت أن الحياة في الدم (تمهيدًا أن دم المسيح سيحينا من الموت)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. ”.. وَدَمُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ.” (1 يو 1: 7).
- فالغاية من الذبيحة إذًا هي توضيح أن الفداء سيتم بتقديم نفس بريئة (بلا ذنب وبلا خطية) لله بدلا عن نفس أخرى (الإنسان) مدنَّسة بالخطايا.. وهذا ما كنا نراه في تقديم الذبائح الحيوانية، تماما مثل السيد المسيح الذي (بلا ذنب وبلا خطية) حمل خطايانا وآثامنا علي الصليب. “أَمَّا الرَّبُّ فَسُرَّ بِأَنْ يَسْحَقَهُ بِالْحُزْنِ. إِنْ جَعَلَ نَفْسَهُ ذَبِيحَةَ إِثْمٍ” (إش53: 10).
وأيضا:” 5 وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا.6 كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ، وَالرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا.7 ظُلِمَ أَمَّا هُوَ فَتَذَلَّلَ وَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ. كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى الذَّبْحِ، وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَازِّيهَا فَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ.” (إش 53: 5 - 7).
ولأن الذبائح غير كافية لنزع الخطية ” وَكُلُّ كَاهِنٍ يَقُومُ كُلَّ يَوْمٍ يَخْدِمُ وَيُقَدِّمُ مِرَارًا كَثِيرَةً تِلْكَ الذَّبَائِحَ عَيْنَهَا، الَّتِي لاَ تَسْتَطِيعُ الْبَتَّةَ أَنْ تَنْزِعَ الْخَطِيَّةَ. (عبرانيين 10: 11) ولكنها كانت تكفر لأنها كانت ترمز إلى ذبيحة المسيح الكافية ذات الفعالية، ولذلك قدم المسيح نفسه مرة واحدة، بخلاف الذبائح التي كان يجب أن تُقدَّم مرارًا لعدم كفايتها ” وَأَمَّا هذَا فَبَعْدَمَا قَدَّمَ عَنِ الْخَطَايَا ذَبِيحَةً وَاحِدَةً، جَلَسَ إِلَى الأَبَدِ عَنْ يَمِينِ اللهِ” (عب 10: 12).
ملحوظة هامة:
- في العهد الجديد لم نعد نقدم ذبائح لأن المرموز إليه (الذي كانت تشير له الذبائح في العهد القديم) قد قدم نفسه ذبيحة علي الصليب، لكن احتفظنا بكثير من شروطها وشرائعها، مثال:
أ) كان يشترك في أكل ذبيحة السلامة (الكهنة - اللاويين - مقدم الذبيحة - أقاربه - الفقراء) وهذا ما نراه في الأفخارستيا، إذ يشترك فيها الجميع.
ب) كان يتم اختيار ذبيحة المحرقة من حيوان بلا عيب، وهكذا يختار الكاهن حملا بلا عيب أثناء تقديم الحمل في القداس، إشارة إلى السيد المسيح الذي كان بلا عيب (بلا خطية).
ج) الكثير من أحداث الصليب ومدلولاتها فهمناها من ذبائح العهد القديم وخروف الفصح، وبالتالي لم يدخل في تفاصيلها الوحي في العهد الجديد، لأنها مشروحة بالتفصيل في أسفار التوراة.
د) يضع العهد القديم الأساس للتعاليم والأحداث الموجودة في العهد الجديد. فالكتاب المقدس هو وحى تدريجي. وإذا تجاهلنا قراءة الجزء الأول من أي كتاب جيد سوف تجد أنه من الصعب أن تفهم الشخصيات، وحبكة القصة، ونهايتها. وبنفس الطريقة، لا يتم فهم العهد الجديد تمامًا إلا عندما نرى أساس الأحداث والشخصيات والناموس ونظام الذبائح والتقدمات، والعهود، ووعود العهد القديم.
مثال:
+ نحن لم نكن نفهم لماذا غضب السيد المسيح بهذه الصورة وطرد الباعة والصيارفة من الهيكل، ما لم نكن درسنا شرائع ووصايا العهد القديم جيدًا.
+ الكثير من العادات والتقاليد اليهودية ورد ذكرها بصورة عابرة في الأناجيل، لأن الوحي شرحا التفصيل في العهد القديم (فالكتاب المقدس وحدة واحدة، لا يمكن اجتزاء أي شيء منه).
+ لقد أبدي السيد المسيح الويلات (مت 23) للكتبة والفريسيين لما قام به الفريسيون بتحريف ناموس الله عن طريق إضافة عاداتهم وتقاليدهم إليه، لو لم نكن درسنا وفهمنا جيدا شرائع التوراة بصورة كاملة.
+ لقد أتي السيد المسيح بردوده علي الشيطان في التجربة علي الجبل (متي4 - لو 4 - مر 1)، والرد علي المعترضين من نصوص العهد القديم، فهل نحن نقدر أن نلغي العهد القديم، بحجة أن الرمز أصبح لا فائدة منه في في وجود المرموز إليه.
“كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ،” (2 تي 3: 16).