|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الجاسوسان على السطح... "أما هي فأطلعتهما على السطح ودارتهما بين عيدان كتان لها منضدة على السطح" [6]. ماذا فعلت راحاب بالجاسوسين؟ لقد خبأتهما في بيتها، ثم أطلعتهما على السطح فكان قلبها معهما، حتى وإن بقيت بالجسد تتحدث مع مندوبيّ ملك أريحا، وخبأتهما بين عيدان كتان؟ يا لها صورة رمزية رائعة تكشف عما يحدث في كنيسة العهد الجديد، فقد قبل الأمم إرسالية يسوع ربنا كجاسوسين، وأخفوا الإيمان بالمخلص في قلوبهم كما في بيوتهم الداخلية، كما فعلت راحاب. وإذ دخل الإيمان إلى القلوب انطلق بها إلى السطح، أي رفعها من حرفية الناموس القاتلة التي تهبط بالقلوب إلى أسفل، لكي تنطلق خلال حرية الروح إلى فوق كما إلى السطح، فتفتح بصيرتها لمعاينة السماويات وإدراك الأمجاد الإلهية خلال الاتحاد مع الآب في المسيح يسوع ربنا بالروح القدس. يمكننا أن نقول أن اليهود الذين يتمسكون بالحرف يعيشون في الطابق الأسفل محرومين من الاستنارة الروحية، وكأنهم قد وضعوا برقعًا على وجه موسى حتى لا يعاينوا المجد، أما الأمم فإذ قُدمت لهم الإرسالية الخاصة فتح الروح القدس قلوبهم ليقبلوها داخلهم، وانطلق بهم كما بجناحي حمامة من طابق إلى طابق، أي من مجد سماوي إلى مجد، ليبلغ بهم إلى السطح وينعموا بالوجود في القمة بغير برقع أو عائق! يقول: "فإذ لنا رجاء مثل هذا نستعمل مجاهدة كثيرة. وليس كما كان موسى يضع برقعًا على وجهه لكي لا ينظر بنو إسرائيل إلى نهاية الزائل، بل أغلظت أذهانهم... لكن حتى اليوم حين يُقرأ موسى البرقع موضوع... وحيث روح الرب هناك حرية، ونحن جميعًا ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف كما في مرآة نتغير إلى تلك الصورة عينها من مجد إلى مجد كما من الرب الروح" (2 كو 3: 12-18). يقول الأسقف قيصريوس:[لقد ارتفعا إلى السطح إشارة إلى الكنيسة التي تقبل تعاليم الرسل ليس بطريقة منحطة بل مرتفعة، إذ لم تتبع الحرف القاتل مع اليهود، بل قبلت الروح المحيي النازل من السماء ]. كثيرون قبلوا الإيمان في داخلهم كما فعلت راحاب، ولكنهم في جفاف روحي رفضوا عمل الروح فيهم ليرفعهم من مجد إلى مجد حتى ينطلق بهم إلى السطح كمعاينة الأمجاد الإلهية. هؤلاء يحملون اسم المسيح لكنهم في تراخيهم وتهاونهم يعيشون في الطوابق السفلية، وكأنهم يريدون أن يرتدوا إلى الحياة الناموسية الجافة عوض الارتفاع إلى السماويات والشركة مع الطغمات السماوية في تسابيحهم وفرحهم وبهجة قلبهم الداخلي. لقد دارتهما راحاب على السطح بين عيدان الكتان رمز "بياض" الحياة السماوية النقية، والتي لن ينالها الإنسان وهو متراخ. يقول القديس جيروم: [الكتان يصير له البياض الناصع بجهاد كثير واهتمام. أنتم تعرفون أنه يُزرع في الأرض، التي هي سوداء وبلا جمال...، لكنه أولًا يرتفع فوق الأرض، ثم يُكسر، ويُجدل ويُغسل وبعد ذلك يُدق، وأخيرًا يُمشط، وبعناية فائقة وعمل شاق يصير في النهاية أيضًا. هنا نجد المعنى، فقد أخذت هذه الزانية الرسولين وغطتهما بكتانها حتى يقوم هذان العاملان بتحويل كتانها إلى البياض .] هذا وعيدان الكتان أيضًا تذكرنا بثياب الكهنوت في العهدين، فإن كنيسة العهد الجديد "راحاب"، إذ قبلت الإيمان بالسيد المسيح وانطلقت بقلبها إلى السطح لتحيا بالسماويات، إنما يتحقق لها هذا خلال العمل الكهنوتي... أقصد كهنوت السيد المسيح، بكونه "رئيس الكهنة الأعظم" الذي يشفع فينا بدمه. وكما يقول الرسول بولس: "فمن ثمَّ يقدر أن يخلص أيضًا إلى التمام الذين يتقدمون به إلى الله إذ هو حيّ في كل حين ليشفع فيهم، لأنه كان يليق بنا رئيس كهنة مثل هذا قدوس بلا شر ولا دنس قد انفصل عن الخطاة وصار أعلى من السموات" (عب 7: 25-26). خلال هذا الكهنوت الجديد، على مستوى فائق قدم لنا نعمة الكهنوت، بظهوره في كهنته يعمل بنفسه فيهم، وكما يقول الرسول بولس: "كونوا أنتم أيضًا مبنيين كحجارة حية، بيتًا روحيًا، كهنوتًا مقدسًا لتقديم ذبائح روحية مقبولة عند الله بيسوع المسيح... وأما أنتم فجنس مختار وكهنوت ملوكي" (1 بط 2: 5، 9). خلال العمل الكهنوتي في المسيح يسوع رئيس الكهنة الأعظم وأسقف نفوسنا وراعيها تقدم الكنيسة ذبيحة الحب المقبولة لدى الآب، وترتفع بأعضائها ليشتركوا مع السمائيين - كما على السطح- في تسابيحهم وليتورجياتهم. وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفمعن ليتوروجيا الأفخارستيا: [كأن الإنسان قد أُخذ إلى السماء عينها، يقف بجوار عرش المجد، ويطير مع السيرافيم، ويتغنى بالتسبحة المقدسة ]. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
الجاسوسان ارتحلوا من شطيم |
قدم الجاسوسان تقريرهما عن عمل الله معهما |
الجاسوسان لدى يشوع |
الجاسوسان على الجبل |
اخترت السطح |