إنجيل توما الإسرائيلي المنحول
هذا النص، كتاب توما الإسرائيلي، هو كتاب غير قانوني، موحى به، بل هو نص مسيحي شعبي يخلط بين الأدب الشعبي والأساطير والمبالغات الخرافية الأسطورية والفكر الغنوسي والأساطير الهندية، ويرجع إلى القرنين الثاني والثالث للميلاد، وقد كتب كأدب إعجازي يرويه العامة من الناس ليشبع فضولهم ويروي ظمأهم لمحاولة معرفة الكثير عن حياة الرب يسوع المسيح في طفولته وصبوته، وذلك لعدم ذكر الأناجيل القانونية لتفصيلات حياة المسيح في هذه الفترة باستثناء ما سجله كل من الإنجيل للقديس متى والإنجيل للقديس لوقا. فامتلأ هذا الكتاب بقصص الطفولة والصبوة التي تمتليء بالمعجزات اللامعقولة التي تخيلوها والتي تتنافي مع روح الإنجيل السامية البسيطة وشخص المسيح السامي الذي كان يكشف عن لاهوته بصورة تدريجية تتناسب مع المرحلة السنية التي كان يمر بها.
وقد أشار لهذا العمل كل من العلامة هيبوليتوس والعلامة أوريجانوس في بداية القرن الثالث، ولكن بصورة غير واضحة تمامًا. ويزعم مؤلف هذا الكتاب المنحول أنه توما الإسرائيلي، وتوما الفيلسوف، وتوما ديديموس، ويهوذا توما..الخ ويرى العلماء أن بعض روايات هذا الكتاب ترجع لتاريخ أقدم ربما لسنة 80م، وقد بني عليها الكاتب الأخير رواياته وطورها وأضاف إليها، وأنه لا يمكن أن يكون مسيحيًا من أصل يهودي أو أنه من اليهودية لأنه لا يعرف أي شيء عن اليهودية ولا بيئتها ولا طبيعتها أو ظروفها ولا يعرف شيء من عادات اليهود سوى عيد الفصح، لذا يرون أن كاتبه مسيحي من أصل أممي وليس يهودي. فقط جمع ما كان منتشرا من روايات شعبية وتصور أنه بهذا يكمل ما بدأه القديس لوقا والقديس متى.
ويرجع أقدم اقتباس من هذا العمل للقديس إيريناؤس حوالي سنة 180 م. مما يدل على أن رواياته وقصص الأولية كان لها وجود قبل هذا التاريخ بقليل، ويتفق جميع من درسوا هذا النص على أنه قد كتب في النصف الثاني من القرن الثاني، فهناك وثيقتان، هما Epistula Apostolorum وAgainst Heresies للقديس إيريناؤس، تشيران إلى ما جاء في هذا الكتاب وهما عن طلب المعلم الذي كان من المفروض أن يعلم الطفل يسوع "قل ألفا - A" وإجابة الطفل يسوع له "أخبرني أولا ما هي البيتا – B". كما يتفق العلماء على أنه سبق الكتابة فترة من النقل الشفهي للنص ككل أو لعدة روايات مختلفة قبل أن تنقح وتدون.
ولا يتفق العلماء من جهة اللغة الأصلية التي كتب بها هذا الكتاب، ويختلفون حول كونها اليونانية أو السريانية استنادًا إلى عدم وجود مفرد أو مصطلح مترجم من اليونانية أو السريانية، والمخطوطات اليونانية الموجودة لا تفيد في شيء في هذا الأمر لأنها ترجع فقط للقرن الثالث عشر، في حين أن أقدم نص لهذا الكتاب هو النص السرياني المختصر والذي يرجع للقرن السادس، وهناك نص لاتيني أخر يرجع للقرن الخامس أو السادس، كما توجد عدة مخطوطات لهذا الكتاب وترجمات ونسخ مختصرة ومتنوعة وفي حالة فوضى مما يجعل من الصعب معرفة النص الأصلي بسهولة. ويعكس هذا العدد المتنوع للنص مدى شعبيته وانتشاره في بيئات كثيرة.
ويصف هذا الكتاب حياة الطفل يسوع بصورة إعجازية خيالية أسطورية لا تتفق مع ما جاء في الإنجيل القانوني بأوجهه الأربعة، حيث يصور الطفل يسوع يصنع معجزات بلا مبرر ولا سبب سوى كونه إلهًا موجودًا قبل خلق العالم، فيخلق من الطين عصافير وطيور وينفخ فيها نسمة الحياة، كما يصوره كشخص له ميول انتقامية شديدة فيميت الولد الذي فرق القنوات التي صنعها هو من طين ويقتل طفلا أخر لمجرد أنه أصطدم به وهو يجري في الطريق، ويصيب جيرانه بالعمى لأنهم اشتكوه ليوسف والعذراء، ويقيم ميت من الموت ليبرئه من تهمة موته!! ويحرج المعلم الذي ذهب ليعلمه!! وتستمر المعجزات التي لا مبرر لها سوى إظهار قدرته غير العادية كإله فيحمل الماء لأمه في ردائه بسبب كسر الجرة التي كان يحملها، ويجذب قطعة الخشب القصيرة لتتساوي مع قطعة طويلة ليساعد يوسف النجار في عمله وينقذه من حرج، أنه "يصور المسيح طفلًا خارقًا للعادة، ولكنه غير محبوب بالمرة. وعلى النقيض من المعجزات المسجلة في الأناجيل القانونية، نجد المعجزات المسجلة فيه تميل إلى طبيعة تدمير، وتصرفات صبيانية وشاذة. إن الإنسان ليصدم إذ يقرأ مثل هذا عن الرب يسوع المسيح، فهي تمزج قدرة الله بنزوات الطفل المشاكس المتقلب، فبدلًا من الخضوع لوالديه، يسبب لهما متاعب خطيرة، وبدلًا من النمو في الحكمة، نراه في هذا الإنجيل (المنحول) مندفعًا يريد أن يعلم معلميه، ويبدو عالم بكل شيء منذ البداية. ويطلب والد -مات ابنه بسببه- من يوسف: "خذ يسوعك هذا من هذا المكان لأنه لا يمكن أن يقيم معنا في هذه المدينة، أو على الأقل علمه أن يبارك لا أن يلعن". وعندما كان يسوع في مصر في الثالثة من عمره، نقرأ في الإصحاح الأول: "وإذ رأى الأولاد يلعبون، بدأ يلعب معهم، وأخذ سمكة مجففة ووضعها في حوض وأمرها أن تتحرك، فبدأت تتحرك، فقال للسمكة: "اخرجي الملح الذي فيك وسيري في الماء "ففعلت ذلك وعندما رأى الجيران ما حدث، أخبروا به الأرملة التي كانت مريم أمه تقيم عندها، وحالما سمعت ذلك طردتهم من بيتها فورًا. وكما يقول وستكوت: "في المعجزات الأبوكريفية لا نجد مفهومًا سليمًا لقوانين تدخلات العناية، فهي تجرى لسد إعواز طارئة، أو لإرضاء عواطف وقتية، وكثيرًا ما تنافي الأخلاق، فهي استعراض للقوة بدون داع من جانب الرب أو من جانب من عملت معه المعجزة".